fbpx

أسمهان: رائدة في الزراعة بالصدفة

اسمهان الوافي | حقوق الصورة: SciDev.Net

حلم أخضر- حوار: رشا دويدار*

شغفت العلوم قلب أسمهان الوافي، العالِمة المغربية، الكندية، فقادتها إلى التخصص والتميز. درست في معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بالرباط، وحصلت على الدكتوراه في علم الوراثة من جامعة قرطبة بإسبانيا، وانتقلت بعد ذلك للعمل في اليابان، ثم خبيرة بعدد من الهيئات المتخصصة في كندا، وفي أكثر من مركز دولي للأبحاث، وأخيرًا انتهت بشغل منصب مدير عام المركز الدولي للزراعة الملحية (ICBA)، في العام 2012 وحتى الآن.

حصلت أسمهان على عدة جوائز دولية ووطنية، فخلال العام 2014 فازت بجائزة الامتياز في العلوم من منتدى المفكرين العالميين، ووسام المكافأة الوطنية من عاهل المغرب، الملك محمد السادس، واختيرت أيضًا من قِبَل مجلة “Muslim-Science” ضمن النساء العشرين الأكثر تأثيرًا في العالم الإسلامي. وصُنِّفت من قِبَل مجلة الشرق الأوسط بين أقوى 100 امرأة عربية على مستوى العالم بفئة العلوم.

حول أهم محطات رحلتها العلمية وكيف استطاعت تحقيق التوازن بين عملها وبيتها وأسرتها، كان لشبكة SciDev.Net هذا الحوار مع أسمهان.

كيف بدأت مسيرتك الأكاديمية؟

كان دخولي مجال الزراعة قدرًا، فلقد كنت أدرس بالمدرسة الثانوية العسكرية بالمغرب، وكان من المنتظر أن تُعدَّنا المدرسة لنصبح طيارين مقاتلين. وفي أثناء التقديم للالتحاق بالجامعة، كانت أغلب الكليات قد أغلقت أبوابها، فلم أجد غير الزراعة.

ثم إني اخترت الوراثة، فقد أسرتني، وقررت دراسة الماجستير في مجال تربية النباتات والوراثة. وبعد الانتهاء من الماجستير، كان بانتظاري فرص متعددة للحصول على الدكتوراة، واخترت العمل في مشروع دولي ممول من أستراليا، يديره اثنان من المراكز الدولية: المركز الدولي لتحسين الذرة والقمح، والمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا).

ما دفعني لهذا الاختيار بالتحديد كان وجود مراكز دولية تمد الدول النامية بالمعلومات والتقنيات والخبرات. وبعد هذه التجربة، زاد شغفي بالاستمرار في العمل بمؤسسات دولية؛ لمساعدة الدول النامية، وخصوصًا في مجال الزراعة.

وماذا عن المهنية؟

أعتقد أننا جميعًا تأتي علينا لحظة، نكون فيها في مفترق طرق، ويكون على الإنسان تصديق حدسه، فقد نختار الفرصة التي تبدو أقل، إما لوجود رؤية طويلة المدى، أو لأنها الأكثر مناسبةً حينذاك. لذا بعد حصولي على الدكتوراة، حصلت على فرصة للعمل باحثة ما بعد الدكتوراة في اليابان. ولقد عُرضت عليَّ تلك الوظيفة حتى قبل إتمامي للدكتوراة، شعرت وقتها بسعادة غامرة.

ثم في عام 2007، قررت الانتقال إلى كندا؛ لأسباب شخصية وعائلية في ذلك الوقت. وهناك كان عليَّ البدء مرة أخرى من الصفر تقريبًا، كأني ما زلت طالبة دكتوراة، ولم يكن هذا سيئًا، بل كان فرصة لبداية جديدة.

بعد ذلك حصلت على فرصة في جامعة ماك جيل في مونتريال بكندا، حيث تسنَّى لي التدريس لطلبة السنة النهائية والماجستير، مما ساعدني على فهم دورة الزراعة في النظام الكندي، وهو ما يختلف كليًّا عن حوض المتوسط. وذاك مهَّد لي الطريق للانتقال إلى المراكز البحثية.

شعرت وقتها أنني لا أريد الاستمرار بالمسار الأكاديمي، ورغبت في الانتقال إلى العمل بالمراكز البحثية، فعملت في الوكالة الكندية لفحص الأغذية، ومنها إلى المركز الدولي للزراعة الملحية بدبي. ما أستطيع قوله هنا، أنه بالانتقال من وظيفة إلى أخرى، يجد الإنسان نفسه يعمل في بيئات مختلفة، ومع أشخاص جدد، يكونون عونًا له لاستكمال مسيرته المهنية.

على مَن استندتِ في الحل والترحال؟

المزيد من المشاركات

أعتقد أنني كنت محظوظة بوجود أشخاص مميزين في حياتي طوال مسيرتي المهنية، ساعدوني وعملوا على تحفيزي بشكل أو آخر، أهمهم والدي ووالدتي.

كذلك حفزني وجود إخوتي الأكبر مني؛ فقد تعلموا جميعًا وساروا قدمًا في مسيرتهم المهنية إلى منتهاها، فلم أملك إلا أن أحذوَ حذوهم. وبذلت قصارى جهدي لأكون طالبةً مميزة.

كما حظيت بأفضل الزملاء والمديرين، ممن دعموني في مساري المهني. وفوق كل ذلك، أعتقد أنني كنت دائمًا شغوفةً بالعلم والتعلم، لذا، أيًّا كان ما أفعله، فقد كنت ألتزم به بنسبة مئة بالمئة، ولم أستمر بالعمل في مكان لا أحبه أو لا أستمتع في بيئته. حقًّا كنت محظوظة بكوني في العائلة الصحيحة (ولا أقول المثالية)، هم مَن زرعوا فيَّ الطموح بالأساس.

وهذا بالضبط ما تقدمه لي عائلتي، فلقد كانت أمي عونًا كبيرًا لي، وساعدتني كثيرًا برعاية بناتي وتنظيم حياتي. هذا بالإضافة إلى بيئة العمل، وزملائي الذين خففوا عني أعباء العمل، سواء في كندا أو الآن في دبي.

 هل كان التوفيق بين الذات والأسرة سهلًا؟

لديَّ أميرتان جميلتان، سورين وصوفيا. هما أولويتي الأولى بالحياة، ومسيرتي المهنية استمرت في وجودهما، بفضل ما أسميه “نظام الدعم”، وهو وجود مَن يتفهمون ويشعرون بحساسية عملي وطبيعته، ومتطلباته العديدة، ويساعدونني.

في غياب ما ذكرت من الدعم، كان سيتحتم عليَّ إما التخلي عن عملي ومستقبلي، أو التخلي عن عائلتي، وكلاهما مهم بالنسبة لي. وأعتقد أن حالي هو حال كل امرأة تريد مستقبلًا مهنيًّا، وكذلك عائلة. ومن دون شك، التوازن هو المفتاح للنجاح في هذه المعادلة.

أقول دائمًا لأصدقائي، إن من أصعب الأشياء هو التعاطي مع مستقبل يتطلب مجهودًا كبيرًا، في وجود أطفال. تكون المرأة في تلك الحالة في خوف دائم من ألا يكون عطاؤها كافيًا، أو ألا تكون مثل الأمهات اللاتي لا يعملن. من المهم للمرأة في تلك الحالة تقبُّل وضعها، وألا تتنازل عن اعتبار الأطفال أولوية. بعض الأيام، لا توجد الأم مع أطفالها، وهذا لا يتعارض مع كونهم أولوية، ولكن عندما تعود، عليها أن تكون معهم قلبًا وقالبًا بنسبة 100%.

ما الذي يمنع قيادة المرأة؟

لا شك أن وجود النساء في مناصب قيادية ضرورة، ولا نملك رفاهية اقتصار تلك الوظائف على الرجال فقط. فلقد ثبت عبر التاريخ أن قيادة النساء تختلف عن قيادة الرجال في عدة أوجه، ومن ثَم لو أردنا الوصول إلى أقصى قدرات البشر في مجال التنمية، علينا أن نعي هذه الاختلافات، والدفع من أجل المساواة.

والمعضلة ليست عدم وجود مساواة في الوظائف العليا قدر ما هي مشكلة عدم وجود تكافؤ في الفرص بين الرجال والنساء. من هنا أرى الحل في توفير فرص كافية للنساء، وحينها يتم اختيار الرجال والنساء على حدٍّ سواء.

أما عن العقبات التي تحول دون تقلُّد النساء مناصب قيادية في مجال العلوم، فهي العقبات ذاتها التي تواجهها في المجالات الأخرى. كذلك هناك عقبات مشتركة بين النساء في المنطقة العربية وغيرها من الدول، منها: الفروق البيولوجية بين الرجل والمرأة، التي تجعل المرأة مسؤولةً عن إنجاب الأطفال ورعايتهم وإعطائهم من وقتها. هذه الفروق تقف عائقًا أمام تقلُّد بعض النساء لمناصب عليا.

أعتقد أن وجود النساء في مناصب قيادية الآن يعطينا الفرصة لتطبيق المساواة وتكافؤ الفرص، ما يدعم حق الاختيار للجميع. 


* ينشر هذا المحتوى في حلم أخضر كشريك اعلامي موثوق فيه لدى شبكة العلوم والتنمية 
رابط المصدر: شبكة SciDev.Net

تعليقات
Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط
error: Content is protected !!