fbpx

الأردن: أرض بـلا ماء

موارد المياه في الأردن تستنزف بسبب التغير المناخي، وموجات اللاجئين، وسوء التخطيط

الأردن- حقوق الصورة: UN

حلم أخضر – تحقيق: إليزابيث وايتمان*

انسحق الطمي تحت قدمَي رضا اليونس، وهي تنزل إلى سهلٍ طيني جففته الشمس في شرق الأردن. جثمت على الأرض، وراحت تتحسس بإصبعها ذكرياتٍ غابرة، عن وقتٍ كانت فيه المياه تَهَب الحياة إلى هذا الجزء من واحة الأزرق.

تعمل اليونس على تعيين أماكن القنوات المائية والبِرَك التي كانت موجودةً في تلك السهول الطينية، حيث كانت تقضي فصول الصيف قبل أكثر من ثلاثة عقود، قبل أن تنتقل إلى العاصمة عمَّان. كانت هي وآخرون من المجتمع الدرزي في واحة الأزرق يحفرون الآبار بأيديهم؛ لاستخراج المياه المالحة. وقالت موضحةً – وهي تشير بإصبعها إلى مُخَّطط المكان – إنَّ القنوات المائية كانت تُوجِّه المياه المالحة إلى بِرَكٍ ضحلة لتتبخر، تاركةً الملح الذي يبيعه الدروز.

ومع تساقط أمطار الشتاء، كان منسوب المياه الجوفية يرتفع، وتُغمَر السهول الطينية؛ فينتقل الدروز في شهر أكتوبر إلى أرضٍ أعلى، حتى شهر مايو، حين تنحسر المياه، فيعودون إلى السهول الطينية. وكانوا يرعون قطعانًا صغيرة من الأبقار والأغنام في مستنقعات الأزرق الوارفة، التي تغذيها الينابيع.

وقالت بصوتٍ يفيض بالحنين إلى الماضي: “أحببتُ الواحة”.

قبل نصف قرنٍ من الزمان، كانت واحة الأزرق أسطورية، إذ تُظهِر الصور التاريخية البِرك محاطةً بتجمعاتٍ كثيفة من القصب، والنخيل القصير. تُظهِر صورةٌ من العام 1965 -مُعلَّقةٌ اليوم في نُزلٍ محليّ -رجلًا يقف وسط «بِركة الشيشان»، والماء يغمره حتى وسطه، يصطاد، وشبكته معلقة في الهواء. كل هذه السهول الطينية، والمستنقعات، والبِرَك في واحة الأزرق كانت تعتمد على مخزونٍ من المياه الجوفية، كانت تعيد ملئه الأمطار السنوية.

وحدث أنه في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، بدأت الحكومة الأردنية في حفر الآبار بالقرب من واحة الأزرق، وضخ ملايين الأمتار المكعبة من المياه سنويًّا من طبقات المياه الجوفية، وهي عبارة عن طبقاتٍ تحت الأرض من الصخور والرواسب المسامية. وبدأ المزارعون أيضًا في ضخ المياه دون قيود.

ولم يمض وقت طويل حتى أصبحت طبقات المياه الجوفية تفقد المياه بمعدلٍ أسرع من قدرة الأمطار على إعادة ملئها. وفي العام 1987، توقف تدفق المياه من الينابيع التي كانت تغذي البركتين الرئيستين في شمال واحة الأزرق. وبحلول عام 1990، كانت البركتان قد نضبتا تمامًا. والآن، انخفض منسوب المياه الجوفية من السطح إلى عشرات الأمتار تحت الأرض. ولا يحدث هذا في واحة الأزرق وحدها، ولكنْ في طبقات المياه الجوفية في جميع أنحاء الأردن.

هذا الاستنزاف الذي حل بالمياه الجوفية في الأردن يقض مضجع العلماء الذين يدرسون الموارد الحالية للبلاد، ويحاولون التنبؤ بالتغيرات المحتملة في المستقبل. يقول هؤلاء إنَّ الأردن يحصل على قرابة ثلثي مياهه من طبقات المياه الجوفية، لكنَّها مصدرٌ غير مستدام.

فقد أثَّرت ظاهرة الاحتباس الحراري بشدة على منطقة الشرق الأوسط بالفعل. وتشير التوقعات إلى أنَّ هذه المنطقة سوف تعاني مشكلاتٍ جسيمة في العقود المقبلة مع زيادة التقلُّب في معدلات تساقط الأمطار، وتسارُع التبخُّر بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة جفاف الأرض.

ولا يُعَد تغيُّر المناخ المشكلة الوحيدة التي تؤثر على موارد المياه المحدودة في الأردن. فعدد السكان يزداد سريعًا، إذ تضخَّم مع وفود اللاجئين من الدول المجاورة، الذين كان آخرهم حوالي 660 ألف سوري فروا من الحرب الأهلية، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة. كذلك يفتقر الأردن إلى ثروات النفط والغاز التي يمتلكها عديدٌ من جيرانه، ما يحدّ من قدرته على اللجوء إلى خياراتٍ باهظة التكلفة، مثل تحلية مياه البحر.

وفوق كل ذلك؛ أدت عقودٌ من السياسات المتراخية إلى نهب موارد المياه في البلد. وهذه العوامل مجتمعةً جعلت الأردن واحدةً من أفقر الدول على كوكب الأرض من حيث مواردها المائية، وتمثِّل المصاعب التي يواجهها الأردن فرصةً لفهم المشكلات التي تزداد شيوعًا في الدول الأخرى التي تعاني الإجهاد المائي.

يخشى مروان الرقاد، أستاذ الجيولوجيا المائية الأردني، الذي كان يُدرِّس في الجامعة الأردنية بعمَّان حتى العام الماضي – أن تستنفد البلاد مياهها الجوفية في المستقبل القريب. ويتوقع – مشيرًا إلى واحة الأزرق – أنَّه “بعد خمسين عامًا من الآن، سنكون قد أصبحنا نضخ المياه من قيعان طبقات المياه الجوفية”. لذا. يسعى -ومعه عدد محدود من العلماء الآخرين – لتعيين مناطق المياه المتبقية في الأردن، والتنبؤ بالتغيُّرات المستقبلية، لكنَّ جهودهم تتعثر بسبب الافتقار إلى البيانات الدقيقة، ومحدودية الدعم المالي.

ويتفق إلياس سلامة، أستاذ الجيولوجيا المائية في جامعة الأردن، على أنَّه لم يعد هناك وقتٌ كافٍ، إذ يقول: “ليست لدينا أي موارد مائية أخرى داخل البلاد لننمِّيها. كل الموارد تقريبًا مُستحوَذ عليها الآن”.

دولة عاطشة

معظم أراضي الأردن مساحاتٍ شاسعة من الصحاري القاحلة، حيث يتساقط أقل من 50 ملِّيمترًا من الأمطار كل عام. ولا يوجد معدل تساقط أمطار أقل من هذا في العالم، سوى في 9 دول أخرى. ويحتل الأردن المركز الخامس بين دول العالم التي تعاني أعلى معدلات الإجهاد المائي، وفقًا لتحليلٍ صدر في شهر أغسطس الماضي عن معهد الموارد العالمية.

ويقول ستيفن جورليك – أستاذ الجيولوجيا المائية في جامعة ستانفورد بولاية كاليفورنيا الأمريكية، الذي أجرى دراسةً شاملة على أزمة المياه في الأردن – إنَّه نظرًا إلى ندرة الخيارات الجديدة للحصول على المياه العذبة، ستكون الأردن “محط الأنظار بشأن توضيح كيفية تعامل منطقةٍ شبه قاحلة مع الآثار المدمرة لزيادة حرارة وجفاف المناخ الإقليمي”.

سافرتُ عبر أنحاء الأردن في صيف عام 2018، لأتقصى كيف يدرس الباحثون أزمة المياه في الأردن، ولأعرف كيف تستجيب الحكومة للأزمة. توجد أهم موارد المياه في البلاد في طبقات مياه جوفية، تقع في 12 حوضًا رئيسًا. وتوفر الآبار التي تستمد مياهها من طبقات المياه الجوفية ما يقرب من 60% من المياه المستهلَكة في البلاد، ويأتي الباقي من موارد المياه السطحية، مثل بحيرة طبريا، ونهر الأردن (انظر الشكل/ انفوجرافيك: «بدون ماء»). يذهب نحو 45% من استهلاك المياه إلى الزراعة. وفي الوقت نفسه، تفقد شبكات المياه في البلديات ما يقرب من نصف مياهها؛ بسبب السرقة، والتسريبات.

تشبه طبقات المياه الجوفية في الأردن حسابًا مصرفيًّا محدود السعة، حيث تُودِع الأمطارُ المياهَ في الطبقات، وتُصرِّف الينابيعُ الفائض. ويوضح سلامة أنَّ الأردنيين يستنزفون رصيد حسابهم بسحب كمياتٍ من المياه أكبر بكثير مما يُضاف إلى الطبقات كل عام. ويزداد الوضع خطورة بالنسبة إلى الطبقات غير المتجددة، التي لا تستطيع الأمطار إعادة ملئها. وبهذا لا تُعَوَّض المياه المسحوبة منها.

أدركت الحكومة منذ فترةٍ طويلة أنَّ البلاد تستهلك مواردها المائية بسرعةٍ كبيرة. ومن أصل 12 حوضًا للمياه الجوفية في الأردن، تشهد 10 أحواض عجزًا في منسوب المياه. وبصفة عامة، تُستخرج المياه الجوفية بمعدلٍ يصل إلى ضعف معدل إعادة ملئها، حسبما ذكرت وزارة المياه والري الأردنية.

وبهذه الوتيرة يصبح السؤال المقلق عن طبقات المياه الجوفية في الأردن متعلقًا بتوقيت نفادها، وليس بما إذا كانت ستنفد، أم لا. وهي مسألة صعبة، نظرًا إلى قلة المعلومات المتاحة، وحالة عدم اليقين التي تحيط بالتغير المناخي. وفي وثائق التخطيط الرسمية، أقرَّت الحكومة بأنَّها يلزمها تطوير طرق جمع البيانات المتعلقة بالمياه الجوفية، وسبل تحليلها، ومراقبتها.

ويتساءل الرقاد: “هل البيانات المجمَّعة من آبار المياه الجوفية، سواء تلك المُجَمَّعة من قِبَل القطاع الخاص، أم القطاع العام، هي بيانات دقيقة؟”. وأوضح -خلال مقابلةٍ في مكتبه، وهو يحتسي القهوة، ويلف السجائر- أنَّه لا توجد مُحاسَبة على ضخ المياه من الآبار غير القانونية، كذلك لا يخضع عددٍ من الينابيع الطبيعية للرقابة. وبالقرب من باب مكتبه، يوجد جهازٌ لرصد تدفق المياه، يشبه – إلى حدٍ كبير – قاذفة الصواريخ، يقول عنه – وهو يهز رأسه – إنَّه تَسَبَّب في سوء فهْمٍ في عدة مواقف عندما كان يعمل في الميدان.

فوضى المناخ

من بين التحديات التي تواجه قطاع المياه في الأردن، غالبًا ما يُعَد تغير المناخ التحدِّي الأكثر غموضًا. ويتعلق جزءٌ من المشكلة بموقع البلاد، إذ يقول يوخانان كوشنر، عالِم المناخ في مرصد «لامونت دوهرتي لرصد الأرض»، التابع لجامعة كولومبيا الأمريكية، والموجود في مدينة باليسيدز بولاية نيويورك: “إن تأثير التغيُّر المناخي على منطقة البحر المتوسط عمومًا -التي يُعَد الشرق الأوسط جزءًا منها- أشد بكثير من تأثيره على أي جزءٍ آخر من الأرض، ونحن لا نفهمه بالكامل”.

وهذا يزيد صعوبة التنبؤ بتساقُط الأمطار، ومعدل إعادة تغذية طبقات المياه الجوفية، مما يعوق بشدة جهود إدارة الموارد اليوم، ناهيك عن التخطيط للمستقبل. ويُعَد الرقاد من بين أولئك الذين يحاولون قياس آثار تغيُّر المناخ على المياه الجوفية في الأردن.

يستهل الرقاد دراسته بالاستعانة بنتائج نماذج المناخ العالمي، التي تستخدمها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، ثم يُقلِّص نطاق تلك البيانات لتتناسب مع المستوى الإقليمي، مستخدمًا الإحصائيات الخاصة بدرجات الحرارة السابقة، والمتغيرات المناخية الأخرى، لتحديد تأثيرات الظواهر العالمية على الظروف المناخية المحلية، مثل كميات الأمطار المتساقطة. توفِّر عمليات المحاكاة الإقليمية هذه معلوماتٍ عن كيفية تأثير تغيُّر المناخ على طبقات المياه الجوفية في الأردن.

فمن خلال إحدى هذه العمليات، اكتشف الرقاد وسلامة، ومعهم ثلاثة زملاء من جامعاتٍ ألمانية ونمساوية، أنَّه بحلول عام 2050 من المحتمل أن تقل كمية المياه التي تغذي بها الأمطار إحدى طبقات المياه الجوفية المهمة في شمال الأردن بنسبة 37%، مقارنةً بالكمية الحالية. ومع استمرار الإفراط في ضخ المياه الجوفية بمعدلاتٍ أكبر من معدلات إعادة تغذية الطبقة، فإنَّ كمية المياه فيها ربما تنخفض بنسبةٍ تتراوح من 40% إلى 90%، وفقًا لدراسةٍ غير منشورة، قَدَّمها الباحثون في اجتماع الاتحاد الجيوفيزيائي الأوروبي خلال العام الماضي. واكتشف الباحثون نمطًا مماثلًا في طبقةٍ أخرى من طبقات المياه الجوفية الرئيسة في الأردن.

وهذا يعني أنَّه إلى جانب استمرار الأردن في سَحْب كمياتٍ كبيرة من المياه من طبقات المياه الجوفية، ستتراجع أيضًا كمية المياه التي توفرها الطبيعة؛ لإعادة تغذية هذه الطبقات. لذا، يقول الرقاد: “نحتاج إلى إعادة النظر سنويًّا في آثار تغير المناخ على إدارة المياه لدينا”.

تظل هناك أسئلة أخرى كثيرة، دون إجابة. فالنماذج المناخية لا تدرس جودة المياه الجوفية، التي من الممكن أن تصبح شديدة الملوحة، فلا تعود قابلة للاستخدام، حتى قبل نفاد طبقات المياه الجوفية. هذا، بالإضافة إلى أَنَّ هناك قدرًا كبيرًا من الغموض يكتنف التوقعات المناخية للكرة الأرضية. وكلها أسئلة تبدو هائلة بالنسبة إلى كل دولة على حدة.

وبالإضافة إلى التساؤلات المتعلقة بكمية الأمطار المتساقطة، يحاول الباحثون أيضًا التنبؤ بكيفية حدوث التغير في أنماط سقوطها، إذ يقول خاييم كوتييل – عالِم المناخ بجامعة حيفا في إسرائيل، الذي يحلل تساقط الأمطار في المناطق المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط – إنَّ توقيتات تساقط الأمطار، ومواقع تساقطها مهمةٌ أيضًا في دراسات تغير المناخ، بقدر أهمية كمياتها.

منذ خمسين عامًا، كانت الأمطار تتساقط بانتظام، إذ كانت تبدأ في منتصف سبتمبر، وتستمر حتى أواخر الربيع. ويقول كوتييل عن ذلك: “كان هذا هو الموسم المطير”، لكن الآن، أصبحت الأمطار متقطعة، ولا يمكن التنبؤ بها. وأضاف موضحًا: “ربما تحدث عاصفةٌ مطرية هائلة في أكتوبر، ثم ينقطع المطر لستة أسابيع”.

وتتفق معه أوفيرا أيالون، عالمة البيئة في جامعة حيفا، إذ تقول: “علينا أن ندرك أنَّه عندما نكون بصدد التحدث عن تغير المناخ، فإنَّ النمط المعتاد السابق لن يستمر بالضرورة في المستقبل”.

يؤثر الغموض الذي يكتنف تغيُّر المناخ على جميع أنحاء العالم، إلا أنَّ المشكلة أكثر حدةً في الأردن، نظرًا إلى عدم وجود بياناتٍ متسقة ودقيقة، تتيح للعلماء فهْم الظروف الحالية بصورةٍ أفضل، مثل بيانات عن كمية الأمطار المتساقطة، التي تعيد تغذية كل طبقةٍ من طبقات المياه الجوفية.

ويوضح الرقاد قائلًا: “إذا لم تستطع حساب كمية المياه في عملية إعادة التغذية، فلن تتمكن من تقدير آثار تغير المناخ على العملية”. ولكي يتمكن الرقاد من إجراء بحوثه، لا بد من توافر معلومات عن كثافة تساقط الأمطار، ومدتها، ووتيرتها خلال العقود القليلة الماضية، إلا أنَّ البيانات القديمة تفتقر إلى الدقة والوضوح المطلوبين.

وأضاف الرقاد قائلًا: “يكتبون في البيانات عادةً: “حصلنا على 20 ملِّيمترًا من مياه الأمطار في هذا اليوم”، لكنَّنا لا نعرف هل تساقطت تلك الكمية على مدار اليوم كله، أم خلال بضع ساعات، أم خلال ساعة واحدة، أم خمس دقائق؟ هذا يشكل فرقًا كبيرًا لي، كمتخصص في الجيولوجيا المائية”. وأوضح أنَّ التساقط الكثيف للأمطار يعني مزيدًا من الفيضانات، وبالتالي مزيدًا من التبخر، مما يؤدي إلى تراجع كمية المياه التي تغذي طبقات المياه الجوفية.

وأشار إلى أنَّ البيانات الحكومية أصبحت أكثر دقةً منذ توجهت الوزارة قبل ثلاث أو أربع سنوات إلى الرصد الآني لتساقُط الأمطار، لكنَّ البيانات القديمة ستظل كما هي.

آثار متداعية

تثير كل هذه الأنماط سؤالًا حول النتائج المحتملة لاستنفاد الأردن موارد مياهه المتضائلة. حذَّر بعض الباحثين من أنَّ نقص المياه يمكن أن يؤدي إلى نشوب حربٍ، وأزمات لاجئين ضخمة. ففي ورقةٍ بحثية صادمة، نُشرت في عام 2015، أشار كوشنر وباحثون آخرون بأصابع الاتهام إلى حالة جفاف غير مسبوقة في سوريا، باعتبارها أسهمت في إشعال جذوة الحرب الأهلية، التي بدأت في عام 2011 (C. P. Kelley et al. Proc. Natl Acad. Sci. USA 112, 3241–3246; 2015).

وحاججوا بأنَّ تغيُّر المناخ فاقم حالة الجفاف، التي استمرت من عام 2007 إلى 2010، مما أدى إلى تلف المحاصيل، ونزوح أعدادٍ كبيرة من عائلات المزارعين في المناطق الريفية إلى المدن، وهو الأمر الذي أسهم في نشوب الحرب.

وأضاف الباحثون أنّ السياسات التي طُبِّقَت لعقودٍ، وعززت الإنتاج الزراعي غير المستدام -الذي اعتمد على الإفراط في استغلال المياه الجوفية -أثبتت فشلها. وجديرٌ بالذكر أنَّ الورقة البحثية نالت استحسانًا؛ لربطها تغيُّر المناخ بالصراع، لكنَّها تعرضت للانتقاد في الوقت ذاته؛ لافتقارها إلى الدقة، إضافةً إلى دحض باحثين آخرين لاستنتاجاتها الأولية. ولم تلقَ استنتاجاتها بشأن المياه الجوفية الكثير من الاهتمام في ذلك الوقت.

ورغم أنَّ الباحثين لا يعرفون سبب الحساسية غير المعتادة لهذه المنطقة تجاه التغيرات المناخية، إلا أنهم يدركون أنَّه في أي منطقةٍ قاحلة، يتسبب أيُّ نقصٍ – ولو ضئيل – في المطر في تأثيرٍ غير متكافئ مع مقدار النقص. ويوضح كوشنر قائلًا: “التغيرات الطفيفة في تساقط الأمطار يمكنها أن تُحدِث فَرْقًا كبيرًا في حياة البشر، وقد كان الأمر كذلك على مر التاريخ”.

وتتزامن الزيادة في درجات الحرارة بالأردن مع زيادةٍ سريعة في عدد السكان، من أقل من 6 ملايين نسمة في عام 2006 إلى نحو 10 ملايين نسمة حاليًّا. ومع ذلك تستمر الدولة في الإفراط في ضخ المياه الجوفية، ويُسَوِّغ علي صبح – الأمين العام لوزارة المياه والري الأردنية – ضرورة فعل ذلك بالزيادة الحادة في عدد اللاجئين.

منذ أن تأسست دولة الأردن في عام 1946، وهي تستوعب لاجئين من الفلسطينيين، والعراقيين، والسوريين، بالإضافة إلى أعدادٍ قليلة من السودانيين، والصوماليين، واليمنيين. ويوجد الآن بالأردن أكثر من 750 ألف لاجئٍ مُسجَّل. ولا يشمل هذا العدد اللاجئين غير المسجلين، أو الملايين الذين استقروا في البلاد على مدى عقودٍ، وحصلوا على الجنسية.

وفي مقابلة مع صبح بمكتبه في وزارة المياه والري، بدت مشاعره المتأججة وهو يتحدث عن تاريخ اللاجئين، وكيف “جعلوا الحياة صعبةً على الأردن”.

قال صبح: “أتى جميع اللاجئين من مناطق غنية بالمياه، وهم غير معتادين على ترشيد استهلاك المياه”. وأقر بأنَّ البلاد تستهلك كميةً غير مستدامة من المياه، وأنَّه قلق للغاية بشأن المياه الجوفية. وأضاف: “إذا استمر الاستهلاك على هذا الحال، فسوف نفقد عديدًا من طبقات المياه الجوفية الرئيسة في القريب العاجل”، فإما أنَّها ستجف، أو ستزداد ملوحتها، حتى تصبح غير قابلة للاستهلاك.

وبسؤاله عن دور الحكومة في مواجهة أزمة تضاؤل الموارد، أشار صبح إلى استراتيجية الأردن الوطنية للمياه خلال الفترة من 2008 إلى 2022. دعت تلك الخطة إلى توفير كمياتٍ أقل من المياه للمزارعين مجانًا، ووَقْف الإفراط في ضخ المياه الجوفية. وتشمل الحلول الأخرى زيادة كفاءة استخدام المياه، وفي الوقت نفسه البحث عن موارد جديدة لتعويض العجز، مثل تحلية مياه البحر الأحمر.

وأضاف صبح أنّ الأردن أحرز تَقَدمًا في عدد قليل من هذه الحلول، مثل اتخاذ إجراءاتٍ صارمة تجاه استخدام الآبار غير القانونية، والحد من المياه المجانية التي تذهب إلى الزراعة، لكنَّه لم يحرز أي تقدمٍ في غيرها، مثل تقليل معدلات ضخ المياه الجوفية؛ وهو فشلٌ يلقي باللوم فيه مرة أخرى على اللاجئين.

وأشار إلى أنَّ الأردن ليس لديه خيار سوى الإفراط في استغلال المياه الجوفية. وتابع قائلًا: “إذا لم نُفرط في سحب المياه، فلن نتمكن من توفيرها للسوريين، أو الأردنيين، أو اللاجئين عمومًا”.

مشروع قناة بحرين

من وجهة نظر الرقاد وآخرين، تتمثل أفضل السبل لزيادة موارد الأردن المائية في تحلية كمياتٍ هائلة من مياه البحر، من خلال مشروعٍ ضخم مشترك مع إسرائيل، وهو «مشروع نقل المياه من البحر الأحمر إلى البحر الميت»، والمعروف أيضًا باسم مشروع «قناة البحرين». سينقل المشروع مياهًا محلاة من البحر الأحمر إلى عمَّان، ويُصرِّف الماء شديد الملوحة، الناتج عن عملية التحلية في البحر الميت عبر قناة، ما سيساعد على استقرار منسوب البحيرة، الآخِذ في الانخفاض. وأعرب صبح عن أمله في الموافقة على هذه الخطة، وتنفيذها.

تتوقع الخطة الأحدث لإدارة المياه في الأردن، التي تُنفَّذ في الفترة من عام 2016 إلى عام 2025، أن ينتهي تنفيذ القناة التي تربط البحرين؛ الأحمر، والميت بحلول عام 2025، وعندئذٍ سوف تُسهم بنسبة حوالي 10% من احتياجات البلاد من المياه، لكنْ يَعترِض بعض أنصار البيئة بشدة على المشروع، خوفًا من الأضرار التي ربما يُلحقها بالشعاب المرجانية، وغيرها من الأنواع البحرية في البحر الأحمر، والتغيرات التي لا يمكن التنبؤ بها في البحر الميت شديد الملوحة.

هذا، فيما يشك آخرون – مثل سلامة – في أن يُنفَّذ المشروع من الأساس. وقال سلامة إنَّه يرجح حلّ تحلية مياه البحر الأحمر، وضخها إلى أجزاءٍ من الأردن، لكن ليس بالضرورة ضمن مخطط مشروع «قناة البحرين».

تَعطَّل بدء مشروع القناة المقترَح عدة مرات منذ وُقِّعَت اتفاقيته للمرة الأولى في عام 2013. وواجه المشروع آخِر أزماته في ربيع هذا العام، على إثر الانتخابات الإسرائيلية، لكنَّ غوئي شاخام – وهو متحدثٌ باسم وزارة التعاون الإقليمي في إسرائيل – يقول إنَّه كان من المتوقع أن يوافق مجلس الوزراء على المشروع، ويقر موازنته بمجرد تولِّي حكومة جديدة السُّلطةَ في نوفمبر.

ولدى صبح توقعاتٌ مشابِهة، إذ يقول: “نأمل في حل العديد من المشكلات العالقة قبل نهاية هذا العام”. أما الرقاد، فيُعوِّل على مياه الصرف المعالَجة كموردٍ آخر للمياه، يمكن الاعتماد عليه، ويوضح قائلًا: “إنَّها ليست فضلات، بل مورد للماء”.

في أغسطس عام 2018، قرَّر الرقاد ترك منصبه في الجامعة الأردنية، ليشغل منصب المدير التنفيذي للشبكة الإسلامية لتنمية وإدارة موارد المياه، وهي مؤسسة بحثية في عمَّان، استضافت عدة مؤتمرات، وتشارك في الأبحاث المتعلقة بقضايا المياه. كان الرقاد يرغب في العمل على إعادة تدوير مياه الصرف الصحي، وتحويلها إلى موردٍ مهم للمياه في الأردن.

ويحاجج النقاد بأنَّ قرارات الأردن المتعلقة بإدارة المياه في الماضي قد ثبت ضيق أفقها، وعدم استنادها إلى استنتاجات وتحذيرات العلماء. ويحذر بعض المتخصصين من أنَّ السياسات الحالية أيضًا لا تستند إلى الأبحاث العلمية. وكانت واحة الأزرق أهم مثالٍ على ذلك.

فمنذ جفاف الينابيع في واحة الأزرق قبل ثلاثين عامًا، والجمعية الملكية لحماية الطبيعة في الأردن تعكف على محاولة إعادة إحيائها. وحتى الآن، أعادت إلى الحياة 10% منها، حسبما قال – بفخرٍ – حازم الحريشة، مدير محمية الأزرق المائية، خلال جولةٍ في المحمية خلال العام الماضي.

أثناء الجولة، كان الحريشة يقود سيارة من طراز «تويوتا هايلوكس» ببراعةٍ فوق سعف النخيل المتساقط على الأرض، الذي تحول لونه إلى الأبيض المائل إلى الرمادي؛ نتيجة تعرضه للشمس. تطل من حوله أعواد القصب، التي يصل طولها إلى ثلاثة أو أربعة أمتار. توقف الحريشة بالقرب من بِركةٍ، وأشار إلى أنبوبٍ يخرج منه ماءٌ صافٍ بارد، يشكل تيارًا صغيرًا يغذي البركة. هذا الماء كان يتدفق بصورةٍ طبيعية قبل 40 عامًا، لكنَّه الآن يُضَخ من طبقة المياه الجوفية في الأسفل.

من وجهة نظر الحريشة، تُعَد هذه الواحة الاصطناعية نجاحًا.. فقد أصبحت الطيور المهاجرة تقف مرةً أخرى على بِرَك المياه، التي ظهرت مجددًا في أجزاء من واحة الأزرق، لكنَّ سلامة لا يشاركه الحماس نفسه تجاه هذه البِرَك المُجددة، إذ يقول: “ربما تكون مفيدةً للطيور المهاجرة، أو ما يشبه ذلك، لكن ليس للمياه الجوفية”.

وبالنسبة إلى رضا اليونس، التي نشأت في واحة الأزرق، فإنَّ إعادة الواحة إلى الحياة هي محاولة واهية لإحياء مكانٍ دُمِّر منذ زمنٍ بعيد؛ بسبب انعدام البصيرة. غادرت اليونس واحة الأزرق في مطلع الألفية الجديدة، لتلحق بأطفالها في عمَّان، حيث كانت تتوافر الفرص، بعد أن تحولت الواحة إلى محطةٍ مؤقتة مغبرة في حياتهم.

وقالت اليونس: “عليك أن تفكر في المستقبل، والأشخاص الذين سيعيشون هنا. وبكل أسف. لا أحد يفكر بهذه الطريقة على الإطلاق”.

ـــــــ

* إليزابيث وايتمان: صحفية علمية من مدينة فينيكس في ولاية أريزونا الأمريكية. مَوَّلَ إعدادَ هذا التقرير كلٌّ من مجلس دعم الكتابة العلمية، ومؤسسة «برينسون»، ومؤسسة «نادي صحافة ما وراء البحار».

** المصدر الأصلي للموضوع: مجلة nature

(يعاد نشره بموجب ترخيص المشاع الإبداعي)

تعليقات
Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط
error: Content is protected !!