fbpx

للحد من الكوارث في المدن العربية

سيول في صنعاء | تصوير: أحمد الزرقة

حلم أخضر | أيرين

قد تكون الوقاية أفضل من العلاج، لكن بالنسبة للسلطات في المدن والبلدات العربية، يتم التعامل مع الكوارث الطبيعية بعد أن تقع في أغلب الأحيان.

وفي حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية “إيرين”، قال عبد الملك الجولحي، وكيل أول وزارة الأشغال العامة والطرق في اليمن: “إننا نستجيب للكوارث دون أي تخطيط، بل نبدأ فوراً في الاستجابة، وكما تعرف فإنه في غياب التخطيط، لا يمكن إتمام الأمور بالشكل الصحيح”.

لكن خبراء الوقاية من الكوارث يقولون أن المنطقة خطت خطوة في الاتجاه الصحيح الشهر الماضي بالانتهاء الرسمي من إعداد إعلان العقبة للحد من مخاطر الكوارث في المدن.

 “نريد أهدافاً متواضعة وقابلة للتحقيق لتحسين الحد من مخاطر الكوارث في المدن العربية،” كما أشار زبير مرشد، وهو مستشار إقليمي في مجال الحد من مخاطر الكوارث ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في القاهرة أثناء كلمته أمام أول مؤتمر إقليمي على الإطلاق حول هذا الموضوع عقد في مدينة العقبة الأردنية في مارس الماضي.

فقد توصل رؤساء بلديات وممثلو نحو 40 مدينة وبلدة في المنطقة، بما فيها العقبة وغزة ومقديشو وتونس، إلى اتفاق مؤقت بشأن الالتزامات غير الملزمة على مدى السنوات الخمس المقبلة في مؤتمر العقبة، وهي الوثيقة التي أصبحت نهائية الشهر الماضي بعد إجراء مزيد من المشاورات.

وتشمل الأهداف تخصيص واحد بالمائة على الأقل من الميزانيات السنوية للمدن لأنشطة الحد من مخاطر الكوارث، وإعداد تقرير تقييم مخاطر يسترشد به تخطيط التنمية الحضرية، وتنفيذ قانون واحد على الأقل لتحسين السلامة.

واتفق المسئولون العرب على الاجتماع في عام 2015 لمراجعة أدائهم، على الرغم من عدم وجود آلية رسمية لرصد التقدم المحرز.

وفي حال واصل المسئولون تنفيذ اتفاقهم، ستكون هذه خطوة هامة نحو الحد من الأخطار التي تحيق بسكان المنطقة الذي يعيش أكثر من 55 بالمائة منهم في المناطق الحضرية.

النمو الحضري السريع

اطفال في صنعاء يلعبون وسط السيول | تصوير:انا صوفيويعد النمو السكاني في المنطقة العربية من بين أعلى المعدلات في العالم، فقد تضاعف عدد السكان في المناطق الحضرية أكثر من أربع مرات منذ عام 1970، ومن المتوقع أن يتضاعف مرة أخرى بحلول عام 2050، وفقاً لتقرير حالة المدن العربية لعام 2012، الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الموئل).

وتتركز الموارد الطبيعية للمنطقة وثروتها على نحو متزايد في عدد قليل من المدن الضعيفة للغاية والكثير من هذه المجتمعات معرض لأخطار متعددة،” حسبما ذكر جلالي بانوار، مدير مختبر بحوث البيئة في جامعة العلوم والتكنولوجيا – هواري بومدين الجزائرية.

وأضاف أن “الكثير من الكوارث التي حدثت في العقود الأخيرة أثرت بشكل رئيسي على المناطق الحضرية، حيث توجد كثافة سكانية كبيرة تعتمد بالأساس على البنية التحتية والخدمات”.

وقد تفاقمت المشكلة بسبب تدفق النازحين جراء الصراعات والذين كثيراً ما يستقرون على أراض غير ملائمة – إما سهول معرضة للفيضانات أو تلال غير مستقرة، ونظراً لأن 87 بالمائة من المنطقة أراض صحراوية، تلعب المراكز الحضرية دوراً حيوياً في الاقتصاد، مما يجعل أي كارثة في مدينة كبرى كارثة وطنية.

وأوضح مرشد من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن “العديد من هذه المدن تعادل تقريباً البلاد بأكملها – على سبيل المثال، جيبوتي والقاهرة وبيروت. يوجد مطار مدني رئيسي واحد في لبنان وهو في بيروت“، مضيفاً أن العديد من هذه المدن العربية تقع على خطوط الصدع الزلزالية الرئيسية.

ويعد تعرض مدن مثل دمشق وحلب وبيروت والجزائر والإسكندرية للدمار في الماضي مؤشراً على التهديد المحتمل الذي تمثله الزلازل وحدها.

ويقول خبراء في مجال مخاطر الكوارث أن المنطقة العربية كانت محظوظة نسبياً في القرن الماضي، ورغم ذلك، وقعت أكثر من 270 كارثة، وحدثت 150,000 حالة وفاة على الأقل في العقود الثلاثة الماضية.

وبينما قد يكون من المستحيل تجنب الكوارث الطبيعية، ولكن الحد من مخاطر الكوارث بشكل جيد يمكن أن يحدث الفرق بين الحدث الذي يدمر النمو لسنوات عديدة قادمة، أو ببساطة يؤدي إلى انتكاس المدينة لبضعة أشهر فقط.

وأفادت مارجريتا والستروم، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث، أنه إذا قررت المدن والحكومات المحلية التصدي لهذه القضايا، فإنها ستحد بالفعل من المخاطر العالمية”.

شعار: كن متأهباً

منزل هدمته الزلازل في جنوب لبنان | الصورة: أنا صوفي فلامون
منزل هدمته الزلازل في جنوب لبنان | الصورة: أنا صوفي فلامون
وتتحول الأخطار الطبيعية إلى كوارث بشكل خاص عندما تضرب المجتمعات الضعيفة غير المتأهبة. ولكن يمكن للمدن أن تفعل المزيد لتكون أكثر تأهباً – بدءاً من إنشاء نظم للإنذار المبكر، وبناء المؤسسات والبنية التحتية التي تتيح مواجهة الكوارث بشكل أفضل، إلى رسم صورة دقيقة عن المخاطر التي تواجهها.

واعترفت الأمم المتحدة في شهر مارس بمدينة العقبة الساحلية الأردنية كأول “مدينة تضرب مثلاً أعلى في الحد من مخاطر الكوارث”، وتنفذ عدداً من التدابير للحد من المخاطر.

ففي زاوية من مدرسة العقبة الثانوية للبنين، توفر حاوية شحن قاعدة لمتطوعي مواجهة الكوارث في الأحياء بهذه المدينة. وفي الداخل، تمتلئ الرفوف بمعدات للإسعافات الأولية، والمعاول، والماكينات الكهربائية، والسترات العاكسة، من بين أشياء أخرى، ويقوم المتطوعون بفحصها بانتظام.

وقال نوح الخطاب، وهو أحد المتطوعين: “في هذا الفريق، يجب أن نكون متأهبين 24 ساعة يومياً لمساعدة الناس والحد من آثار الكوارث. فمن خلال التأهب، يمكننا إدارة أي كارثة”.

وقال خالد أبو عيشه، رئيس وحدة الحد من مخاطر الكوارث في سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة أن المتطوعين يؤدون تدريبات دورية على الاستجابة للكوارث. وأضاف قائلاً: “إنهم أناس عاديون مثلك ومثلي، يعيشون في الحي – نساء ورجال وشباب صغار، وموظفون عاديون. ونحن نجتمع مرتين في الشهر”.

وتبعد الثلاث مدن الرئيسية في الأردن (عمان والزرقاء وإربد) – التي يعيش بها أكثر من 70 بالمائة من السكان – 30 كيلومتراً أو أقل عن صدع البحر الميت التحويلي الذي يفصل بين الصفائح التكتونية الإفريقية والعربية.

كما يقع ميناء العقبة على مقربة من خط الصدع، وفي عام 1995، قتل زلزال بقوة 7.3 على مقياس ريختر ثمانية أشخاص على الأقل وأصاب المباني بأضرار في جميع أنحاء المدينة. وعلى مدار الـ 2,500 سنة الماضية، شهدت المنطقة نحو 50 زلزالاً خطيراً.

وفي عامي 2006 و2007، ساعد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سلطة منطقة العقبة الاقتصادية على إجراء تقييم مخاطر الزلازل في المدينة لتحديد نقاط الضعف.

وبينما قد تكون الزلازل ظاهرة طبيعية غير مرتبطة بالنشاط البشري، إلا أن قواعد البناء قد تحدث فرقاً هائلاً في حجم الكارثة.

وكما يقول جلال الدبيك، مدير مركز التخطيط الحضري والحد من مخاطر الكوارث في جامعة النجاح الوطنية الفلسطينية: “المباني هي التي تقتل الناس وليس الزلازل”.

وأضاف قائلاً: “تكمن المشكلة في أن الحد الأدنى من المتطلبات ليس متوفراً حتى الآن. نحن نواجه واقعاً عربياً يؤكد أن البناء في العالم العربي لا يزال بعيداً للغاية عن الحد الأدنى من المتطلبات”.

ويعكف المهندسون والمسؤولون حالياً على إعداد قانون بناء إقليمي عربي، ولكن حتى بعد الاتفاق عليه، لا بد من تنفيذ لوائحه على أرض الواقع.

في الوقت نفسه، يخشى خبراء المخاطر أن المدن العربية لا تزال غير متأهبة على الإطلاق تقريباً. وقالت شهيرة وهبي، رئيسة قسم التنمية المستدامة والتعاون الدولي في جامعة الدول العربية، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): “نحن قلقون بالتأكيد. العديد من المدن، مثل العقبة، متأهبة، لكن في نفس الوقت هناك مدن آخرى ليست كذلك، وهذا أمر مقلق”.

السيول

وقد تم تسليط الضوء على خطر البناء غير المنضبط في الأودية أثناء فيضانات عام 2009 في جدة، بالمملكة العربية السعودية، عندما لقي أكثر من 150 شخصاً مصرعهم بعد هطول أمطار مفاجئة “90 مليمتراً من الأمطار في أربع ساعات أي ضعف متوسط هطول الأمطار السنوي”.

الناس ليسوا متأهبين. لا أحد يتحدث عن التأهب. سوف يحدث ذعر، وسيموت بعض الناس، ليس فقط من جراء الزلزال وانهيار الأشياء، ولكن بسبب الذعر لأنهم لا يعرفون ما ينبغي عليهم فعله.

وكان العديد من الذين لقوا حتفهم في جدة عمالاً مهاجرين يعيشون في الأحياء الفقيرة المبنية في الأودية. وقد غمرت المياه مفترق طرق سريعة كان مبنياً في أحد الأودية فلقي سائقون حتفهم وحدث دمار واسع النطاق.

كما ضربت السيول منطقة الشلاله في العقبة، التي بنيت بالقرب من واد جاف في عام 2010، مما تسبب في سقوط عدد من القتلى.

وقد قررت سلطة منطقة العقبة الاقتصادية نقل سكان المنطقة البالغ عددهم 5,000 نسمة، فانتقلت 700 أسرة إلى منطقة سكنية حديثة في الكرامة، بينما أعطي الباقون أراض شاغرة وتعويضات نقدية.

وغالباً ما تتطلب الوقاية من الفيضانات نفقات هائلة. ففي المكلا، عاصمة محافظة حضرموت اليمنية، تلتقي ثلاثة وديان نهرية في المدينة الميناء مما يؤدي إلى حدوث فيضانات متكررة، ولذا حفر السكان قناة بطول 600 متر في وسط المدينة للسماح للمياه بالتدفق دون عوائق في المحيط.

مدن تتسم بالقدرة على التصدي

ولتشجيع المدن على التأهب بشكل أفضل، أطلق مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث (UNISDR) في عام 2010 حملة لتحضير المدن قادرة على التصدي للكوارث، وشجع البلديات المحلية على إنشاء برامج الحد من مخاطر الكوارث.

ومن بين 1,419 مدينة وبلدة انضمت إلى المخطط، يوجد نحو 270 في العالم العربي، جميعها تقريباً في لبنان حيث يعيش 87 بالمائة من السكان في المناطق الحضرية. وفي فبراير الماضي، أصبحت نابلس أول مدينة فلسطينية تنضم إلى حملة بناء القدرة على الصمود.

ولكن بشكل عام، يقول خبراء الحد من مخاطر الكوارث أن المدن العربية لا تزال تمنح الأولوية لقضايا أخرى أكثر وضوحاً مثل نقص المياه والأمن، وتكاد تكون غير مستعدة على الإطلاق لمواجهة الكوارث الكبرى مثل الزلازل، على الرغم من الآثار المدمرة التي يمكن أن تحدثها تلك الكوارث.

وحذر بانوار من جامعة العلوم والتكنولوجيا هواري بومدين في الجزائر خلال حواره مع شبكة الأنباء الإنسانية، من أن “الناس ليسوا متأهبين. لا أحد يتحدث عن التأهب. سوف يحدث ذعر، وسيموت بعض الناس، ليس فقط من جراء الزلزال وانهيار الأشياء، ولكن بسبب الذعر لأنهم لا يعرفون ما ينبغي عليهم فعله”.

تعليقات
Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط
error: Content is protected !!