fbpx

اليمن: كيف تدهورت زراعة القمح؟

Photo: Jaspreet Kindra/IRIN

حلم أخضر – تقرير خاص *

عرفت اليمن زراعة القمح منذ زمن طويل جداً، ونتيجة لاستيراده خلال العقود الأربعة الأخيرة، تدهورت زراعة القمح في اليمن.

يستعرض هذا التقرير من «حلم أخضر» تدهور زراعة القمح في اليمن، وانخفاض نسبة الاكتفاء الذاتي، والفجوة الغذائية للقمح في البلاد.

القطاع الزراعي: لمحة موجزة

يلعب قطاع الزراعة في اليمن دوراً حيوياً في دعم الأمن الغذائي ومكافحة الفقر. إذ يوفر حوالي 25% من الاستهلاك الغذائي في البلاد.

ويساهم قطاع الزراعة بحوالي 20 % من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لليمن، ويشغل قرابة 40.9 % من إجمالي قوة العمل، وينتشر جغرافياً بالمناطق الريفية حيث تتركز جيوب الفقر في البلاد.

يعتبر القمح سلعة استراتيجية في غاية الاهمية للأمن الغذائي في كافة البلدان، وتزداد أهميته في اليمن باعتباره مكوناً أساسياً في الوجبات الغذائية للمستهلكين بمختلف شرائحهم ومناطقهم.

لكن انتاج القمح المحلي أصبح محدوداً ومتناقصاً في مقابل تنامي الاحتياجات الاستهلاكية المتنامية للسكان.

وفقاً للنشرة الاقتصادية لوزارة التخطيط لشهر فبراير/شباط 2018، انخفضت نسبة الاكتفاء الذاتي من محصول القمح باليمن إلى أقل من 5%.

ولسد الفجوة الغذائية للقمح والمقدرة بأكثر من 3 مليون طن متري سنوياً، يستورد اليمن من الخارج حوالي 95% من احتياجاته الاستهلاكية من القمح.

وبحسب نشرة وزارة التخطيط، شكلت واردات القمح في اليمن المرتبة الأولى بين أهم 30 سلعة مستوردة لعام 2016.

مما جعل فاتورة استيراد القمح تؤرق الاقتصاد اليمني والعملة الوطنية، متجاوزة بذلك مبلغ 700 مليون دولار في السنة.

هذا الأمر، جعل القوت الضروري للسكان والأمن الغذائي في البلاد عرضة لصدمات سعر الصرف وتقلبات الأسعار الدولية للقمح.

إذ تسببت -مع عوامل أخرى- بزيادة أسعار القمح محلياً بمعدل %377.4 في الفترة بين يناير/كانون الثاني 2015 وأكتوبر/تشرين الأول 2018.

حقول القمح في ذمار/الصورة: ترخيص المشاع

إنتاج القمح في اليمن

تعتبر الحبوب من أهم المحاصيل الاستراتيجية والمنتج الرئيسي الذي تعتمد عليه الزراعة في اليمن. ويمثل إنتاج القمح ثاني أهم محاصيل الحبوب.

إذ يحتل القمح المرتبة الثانية بنسبة 27 % بعد محصول الذرة لعام 2017. ويظهر الجدول رقم (1) أدناه، هيكل إنتاج الحبوب في اليمن ومنها القمح.

يشير الجدول أدناه لانخفاض إنتاج القمح تدريجياً من 250,264 ألف طن عام 2012، إلى 95,651 ألف طن عام 2017، بمعدل انخفاض بلغ بالمتوسط 16.6 % سنوياً.

ويعود سبب ذلك ضمن عوامل أخرى إلى ارتفاع أسعار الوقود وغيره من مدخلات الانتاج وشحة الأمطار وتذبذب هطولها.

فضلاً عن ضعف خدمات الارشاد الزراعي، ومحدودية الحافز المالي للمزارعين لزيادة انتاجهم من القمح مقارنة بالمحاصيل النقدية -بالذات القات -التي توفر عائداً أكبر من القمح.

ولذلك، ارتفعت حصة انتاج القات في المساحة المزروعة محلياً من حوالي 11.3 % عام 2013، إلى 15.4 % عام 2017.

في مقابل انخفاض حصة القمح في المساحة المزروعة من 9.2 % إلى %5.7 خلال نفس الفترة، في ظل الوضع الحرج لانعدام الأمن الغذائي بالبلاد.

جدول (1) تقديرات انتاج الحبوب في اليمن 2012-2017 – المصدر: وزارة التخطيط

 

واردات القمح إلى اليمن

عرف اليمن زراعة وإنتاج القمح منذ زمن طويل جداً، لكن استيراده كان حديث نسبياً خلال العقود الخمسة الأخيرة.

حيث تلقى اليمن أول شحنة قمح في العام 1959، كمنحة من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بلغت حوالي 14,000 ألف طن.

تلتها شحنات كثيرة ومتوالية من القمح والدقيق على شكل هبات أو بأسعار رخيصة. حسب تقارير وزارة التخطيط اليمنية.

وعقب ذلك، تنامى الاعتماد على القمح والدقيق المستورد لتلبية المتطلبات الاستهلاكية للسكان، حتى وصل حوالي 3.4 مليون طن متري العام 2014.

وفي العام 2015، انخفض القمح المستورد بحوالي 18.1 % بينما زاد الدقيق المستورد بصورة ملحوظة بلغت 642 % مقارنة بما كان عليه عام 2014.

وخلال الفترة بين عامي: 2014 – 2016، انخفض القمح المستورد بمقدار 30.7 % بينما زاد الدقيق المستورد بنسبة 472.8 %.

على الأرجح، فأن زيادة استيراد الدقيق جاءت للتعويض عن انخفاض سعة التخزين، وقدرات طحن القمح، وتضرر الموانئ في عدن والحديدة جراء الحرب الجارية.

تشير بيانات حكومية، أن واردات القمح عاودت الارتفاع في العام 2017 إلى المستوى الذي كانت عليه تقريباً في العام 2014.

وبحسب نشرة المستجدات الاقتصادية لوزارة التخطيط، يعود سبب ذلك إلى إصلاح مرافق تخزين وطحن الغلال لإحدى الشركات الكبيرة في عدن.

أحد حقول زراعة القمح في اليمن حضرموت/تصوير: محفوظ بافطيم

صعوبات تواجه المستوردين

تعد واردات القمح والدقيق من أهم السلع غير النفطية المستوردة لليمن، والتي تستنفد النقد الأجنبي في البلاد.

إذ شكلت المرتبة الأولى بين أهم 30 سلعة مستوردة لعام 2016، ومثلت ما يقارب ثلث قيمة الواردات الغذائية الزراعية، وشكلت 9.6 % من إجمالي واردات السلع بالمتوسط الفترة 2011 -2016.

بحسب وزارة التخطيط، تقدر فاتورة استيراد اليمن لمادتي القمح والدقيق حالياً بأكثر من 700 مليون دولار سنوياً.

ويبلغ عدد مستوردي القمح النشطين حوالي 6 – 7 مستوردين محليين، ما يعكس حالة الاحتكار التي تسود سوق استيراد القمح.

ويواجه المستوردين اليمنيين العديد من الصعوبات أثناء الحرب والصراع الراهن في البلاد، بما فيها ارتفاع تكلفة التأمين على الشحنات المستوردة.

بالإضافة للتأخير في تصاريح الموانئ وإجراءات التخليص الجمركي، وانخفاض قدرات الموانئ المحلية نتيجة الظروف الراهنة.

فضلاً عن تعقد الوضع أكثر مع انقسام السلطة النقدية والعجز في تمويل واردات السلع الاساسية بسعر صرف موحد، وصعوبة الحصول على العملة الصعبة والوصول للخدمات المصرفية الدولية.

ولتخفيف تلك الصعوبات، استأنف البنك المركزي اليمني في عدن منذ بداية الربع الأخير من العام 2018، تمويل واردات السلع الاساسية (قمح، ذرة، أرز، سكر، حليب، زيت الطبخ) بسعر صرف رسمي.

وقد يسرت تلك الإجراءات للمستوردين الحصول على العملة الصعبة وفتح الاعتمادات المستندية. إذ تستغرق إجراءات الموافقة على التمويل قرابة 12 يوم عمل.

قمح مستورد لليمن/ الصورة: ترخيص المشاع
الشكل (2) تقديرات إنتاح القمح على مستوى المحافظات اليمنية 2017 – المصدر: وزارة الزراعة

لماذا تدهورت زراعة القمح؟

ثمة أسباب عديدة لتدهور الزراعة في اليمن. لكن تدهور زراعة القمح كان نتاج فشل رسمي، وفقاً لدراسة أعدتها الباحثة أروى البعداني، بعنوان “زراعة القمح في اليمن: التحديات والحلول والفرص المتاحة”.

بحسب تلك الدراسة، فان المشكلة تعتبر تراكمية وهي نتيجة للإهمال الرسمي لسنوات طويلة، حيث لم تعط الحكومات المتعاقبة الاهتمام الحقيقي لزراعة القمح ومواجهة الطلب المتنامي عليه في الأسواق المحلية، واكتفت بتغطية العجز في الطلب للقمح بالاعتماد على الاستيراد الخارجي.

تفيد الدراسة، أن ذلك الأمر شكل أحد أهم أسباب تفاقم أزمة الغذاء وانعدام الأمن الغذائي بالبلاد، إذ باتت اليمن تعاني منه بصورة خطيرة مع تفاقم الصراع والحرب الراهنة منذ 2015.

مما أدى لوقوع نصف سكان اليمن (24 مليون شخص) تحت تبعات انعدام الأمن الغذائي، بحسب منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة.

وتؤكد الدراسة أن السياسات التي انتهجتها الحكومات اليمنية المتعاقبة كان لها الأثر البالغ في تدهور الإنتاج المحلي للقمح بصورة خاصة.

بالإضافة أن السياسات الحكومية لم تشهد تنفيذ خطط استراتيجية مجدولة زمنياً لتحقيق الاكتفاء الذاتي بحيث تحشد لها الموارد اللازمة والبرامج المناسبة.

لكنها اكتفت باتباع سياسة تحقيق الاكتفاء عبر الاستيراد الخارجي للقمح كخيار استراتيجي ضيق الأفق، متجاهلة بذلك المفهوم الأساسي للاكتفاء الذاتي بمجال الغذاء.

جدول (3) تقديرات الفجوة الغذائية للقمح في اليمن/ مصدر الجدول: وزارة الزراعة، 2018.

اليمن والفجوة الغذائية في القمح

تعرف الفجوة الغذائية في القمح بأنها الفرق بين الانتاج والاستهلاك المحلي من القمح، الذي يتم تغطيته بالاستيراد من الخارج.

وتظهر بيانات وزارة الزراعة والاحصاء الزراعي، تراجع الانتاج المحلي من القمح عاماً بعد آخر، مقابل كبر حجم الطلب الاستهلاكي للسكان الذي يقدر بأكثر من 3 مليون طن متري سنوياً.

وتقدر الاحتياجات الشهرية من واردات القمح ودقيق القمح بحوالي 350,000 طن متري، وفقاً لخطة البنك الدولي للاعمار والتعافي في اليمن 2017.

وبالتالي، بات اليمن يعتمد على الاستيراد الكبير لتلبية أكثر من 95 % من احتياجاته الاستهلاكية من القمح.

في العام 2017، قدرت الفجوة الغذائية في القمح بحوالي 3.4 مليون طن متري، وقدرت نسبة الاكتفاء الذاتي بحوالي 2.8% فقط.

وأصبح القمح من أهم المحاصيل الغذائية المستوردة بواسطة القطاع التجاري، أو في شكل معونات إنسانية مما يعكس خلالاً جوهرياً في تأمين سلعة القمح الاستراتيجية.

ورغم الجهود المتواضعة التي بذلت لزيادة الرقعة الزراعية بالبلاد، إلا أن الفجوة الغذائية لم تجد معالجات مستدامة، وما زالت كبيرة للغاية.

إذ تتسع الفجوة الغذائية باستمرار في ظل محدودية الانتاج المحلي، وتزايد عدد السكان، وتنامي الطلب على الواردات.

وهذا ما يزيد من حجم التهديدات التي تواجه الأمن الغذائي في بلد يعاني نحو 53 % من سكانها (15.9 مليون شخص) من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

مدرجات زراعة القمح في ملحان/ الصورة: ترخيص المشاع

دراسة خيارات السياسات

لعل هذا الأمر، يستدعي دراسة خيارات السياسات العامة اللازمة، لتغيير النمط الاستهلاكي في الوجبة الغذائية وزيادة الانتاج المحلي من القمح.

أيضاً، ثمة حاجة ضرورية وملحة لرفد البحث والتطوير الزّراعي في اليمن.

فإذا كان المطلوب من البحث والتطوير الزّراعي، انتاج مخرجات عالية الجودة ويصبح أكثر فعالية، يجب توفير مستويات عالية من التمويل.

تحتاج الحُكومة اليمنية إلى تحديد أوليات البَحث والتطوير الزراعي على المدى البعيد، وتخصيص تمويل مستدام لا يغطي رواتب الكوادر فقط.

بل دعم تكاليف اجراء البحوث الزراعية، بالإضافة الى ذلك، هنالك حاجة الى استكشاف آليات إبداعية من اجل تحفيز القطاع الخاص للقيام بتمويل البحث والتطوير الزّراعي في اليمن.

* المصادر:

– النشرة الاقتصادية 38: “القمح في اليمن: تنامي الفجوة الغذائية”، قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية، وزارة التخطيط . صنعاء. فبراير/شباط، 2018.

– أروى البعداني، “زراعة القمح في اليمن: التحديات والحلول والفرص الكامنة”، جريدة (الثورة) اليمن. 2018.

مناطق زراعة القمح في اليمن - الوضع الراهن
خريطة مناطق زراعة القمح في اليمن/ مصدر الخريطة: وزارة الزراعة
تعليقات
Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط
error: Content is protected !!