fbpx

حقل الديناصورات في اليمن

حقل الديناصورات في أرحب شمال صنعاء/ © حلم أخضر، تصوير: ماجد التميمي

حلم أخضر | تقرير: ماجد التميمي

الى الشمال من العاصمة اليمنية صنعاء (حوالي 40كم) تقع مديرية أرحب، التي تمتد على مساحة جغرافية تقدر 1274.6كم مربع. تعد أرحب ذات بيئة جغرافية جبلية، وتبدو متفاوتة من حيث درجة وعورتها، اذ لايمكن الاحساس بهذه الوعورة الا من خلال تضاريسها الصخرية المتشعبة التي تبدو كما لو كانت خالية من الحياة.

فصخورها صلبة ومحترقه في بعض الاماكن، وزاهية ونادرة في اماكن اخرى، وهي ملامح بارزة لما كان يعرف ببحيرات كبيره ومجاري مائيه عتيقه، أحواض رسوبيه، أسماك متحجره، وبقايا اثار اقدام لديناصورات في مسارات منتظمة ومتعددة الاتجاهات.

انها حقائق لتاريخ إحيائي عظيم ومتوحش وجميل في نفس الوقت، انه عالم من المستحاثات النادره والاحافير التي لم تكتشف بحجمها الطبيعي، والتي ظلت مطمورة في غياهيب الزمن لملايين السنين.

اثار قدم ديناصور في اليمن - خاص
اثار قدم ديناصور في أرحب/ © حلم أخضر

حقائق مطمورة وبداية الاكتشاف

ننطلق من شمال العاصمة صنعاء حيث نسلط الضوء على المحيط البيئي للديناصورات والمكتشف حديثا في جنوب الجزيره العربيه، بمديريه أرحب شمال العاصمة اليمنية صنعاء.

إذ سعت دراسة ميدانيه علمية قام بها استاذ علم البيئة بجامعه صنعاء الدكتور محمد الحيفي الى كشف الحقائق المخباءه عن هذا المحيط الجيولوجي والبيئي الهام.

البداية كانت قبل حوالي 66مليون سنه في التقدير الجيولوجي، حيث عاشت مخلوقات هائله تسمى الديناصورات ، واستوطنت هذه الحيوانات الارض لفترة زمنيه كبيره قبل ان يحدث مايسمى بالانقراض العظيم لهذه المخلوقات الضخمة.

وفي العصر الجوارسي –كما تشير الدراسه- عاشت الديناصورات في منطقة أرحب واستوطنتها قبل حوالي 145مليون سنه ، بالرجوع الى عمود الازمنه الجيولوجيه للارض (اللجنه العالميه للستراتوقرافي).

ديناصورات العصر الجوارسي في اليمن 

تذهب الدراسه الى ان انواع مختلفه من الديناصورات قد عاشت في هذا المكان بعضها منتميه لفصيله الـــ theropods ، ،وبعضها اكلات النبات وتنتمي لفصيله الــ sauropods ، وهناك ماينتمي لفصيلة الاورنيثوبوديات.

بعضها  ثنائي القدم diplopoda  وبعضها ثلاثي الاصابع tridactyl ومنها ما هو رباعي الاطراف، وهناك انواع مثل  الاورنيثوبوديات ornithopods ، والساوروبوديات وهي من فصائل ديناصورات الضخمه التي تزن عدة اطنان .

تدلل الشواهد الاثريه للمستحاثات والمتحجرات البيولوجيه ان المنطقه كانت عبارة عن محيط بيئي واسع متعدد البيئات، فالمنخفضات فيها قد شكلت احواض مائيه كبيره على مدى حقبة جيولوجيه طويلة.

واغلب الظن-كما جاءت نتائج المسوحات – ان بحرا قد غطى المكان ردحا من الزمن الجيولوجي القديم، المواقع على اختلاف تكوينها تتمتع بطبقات طينيه حمراء عازله  تختفي تحت كتل هائله من الصخور  ، وقد تركت لنا معالم بيولوجيه واضحه على صعيد هذا الاكتشاف العلمي النادر.

تتبع الباحث الدكتور ومعه فريقه مسارات تلك الديناصورات على طول منطقة الدراسة وكانت الخلاصه بروز اقدام واضحه للديناصورات بعد ان تركت اثارها على مسطحات من صخورالحجر الجيري ، وتلك الاثار  قد أظهرت– كما اخبرنا به الباحث – وجود اقدام لديناصورات نباتيه من فصيله الـ ornithopods، وبقايا متحجرة لمستعمرات الجوفمعويات.

تكشف الدراسة ان هذا المحيط البيئي لم يكن نقطة العبور لتلك الديناصورات فحسب ، ولكنها عاشت لفترات من الزمن مستفيدة من ايقاع التنوع الحيوي والغذاء  والمياه بالاضافة الى التنوع المناخي الذي حقق التوازن في هذه العناصر الحيوية.

الحقول الميدانية المكتشفة

حقل ديناصورات شمال صنعاء - الصورة خاص
حقل ديناصورات شمال صنعاء/ الصورة © حلم أخضر

تسنى لنا زيارة بعضاّ من هذا المواقع المكتشفة، وقد شعرت بالفعل ان حقبة عاشت فيه هذه المخلوقات الهائله لم تختفي الا منذ لحظات ، ثمة تراكم بيولوجي ، التضاريس محفورة بعناية، اخاديد وكهوف وقباب جبليه تعكس ارثاّ جيولوجيا وبيئيا لزمن طافح بالحياة والعنف.

تتوزع المواقع في تضاريس متنوعه، وقد كان امرا شاقا بالنسبة لباحث اكاديمي وبامكانياته المحدوده ان يستوعب كل تفاصيل الزمان والمكان هناك.

لكنه استطاع كشف تاريخ طبيعي مجهول، املا ان يفتح مثل هذا الاكتشاف العلمي نافذة نحو وعي قائم على البحث والدراسة والتحليل.

لعل من اهم وابرز المواقع المكتشفه والتي ظهرت فيها علامات بارزه لهذه الكائنات العملاقه في: موقع صرواح، الاضايق، الزيول، بيت شعفل، بيت صيفان، بيت الوشر، حبار، الجنادبه، وهي مواقع متناثرة.

يعد موقع صرواح من اهم المواقع الاثريه ويقع على احداثيات  15 46  030 شمالا و 44 13 557شرقا، وفيه تكمن بقايا اثار لديناصورات بشكل كبير ناهيك عن كونه موقعا لحضارة قديمه لم تسجل تفاصيلها حتى الان رغم تلك البقايا التي تركها الانسان هناك.

وقد أشار الباحث الحيفي في كتابة أن هذا هو اول موقع يتم اعلان اكتشافة من قبل العالم آن شلوب وأخرون.

اما موقع الاضايق والزيول فكلاهما متقاربان من حيث نطاقهما الجغرافي ويقعان على احداثيات  15  43  981 شمالا و 44  13  375 شرقا، وقد اظهرت الدراسه وجود فقرات ذيلية متحجرة وأسماك البيكنودونت الجوارسيه المتحجره .

وفي موقع بيت شعفل الذي يقع ضمن احداثيات 15  49  847 شمالا  و44  15  877شرقا يمكن ادراك حجم البحيره التي ارتادتها الديناصورات بكثافه نظرا لتعدد مسارات اقدامها وتداخلها ولطول المسارات هناك.

وقد عثر على أول مسار لديناصور يافع بعد الفقس, مما يوحي ان المكانكان بيئة ملائمة للتكاثر ووضع البيوض.

ثمة اثار لحيوان يعتقد انه حمار وحشي، فقد عثر على هيكل كامل في موقع الجنادبة، وعظام متحجره لكائنات غير معروفه حتى الان، مما يدلل حسب المؤشرات العلميه ان هذه البيئات كانت سائده في عصر الاوليقوسين ( 28-31مليون سنه).

هذه البيئات القديمه جديرة بان تكتشف بشكل حقيقي، فهي تلخص ازمنة جيولوجيه قديمه لشبه الجزيرة العربيه، وربما يقودنا ذلك الى اكتشاف ماهو اعظم من عوالم احيائيه  قديمه في بيئات لطالما شكلت النواة الاولى للارض.

اكتشاف كائنات مائيه

لقد تغير شكل الارض منذ ملايين السنين، اذ ان الظروف والتغيرات البيئية والجغرافيه والتقلبات المناخية قد جعلت الحياة على الارض تاخذ اشكالا مختلفه خلال الحقب والعصور الجيولوجيه.

وهو ما يذهب الى التفسير ان شبة الجزيرة كانت عبارة عن بحر متلاطم، فالشواهد التي خرجت به هذه الدراسة تؤكد ان المكان قد شهد تغيرات بيئية كثيره كانت الامتدادات النهريه والبحريه بارزه  وواضحه.

هناك هياكل لأسماك عظمية متحجرة، تعرف بأسماك النايتيا knightia sp قد تم ملاحظتها في احد المواقع والتي عثر على عينات منها في الولايات المتحده، وتعرف باسم (القرين ريفر بيزمنت  green river basement) وهي أسماك انقرضت قبل حوالي 55مليون سنه  ولم يعد لها وجود في الارض.

اثار حراشف وزعانف في ارحب/ © حلم أخضر

وظهرت اثارا لحراشف وزعانف لأسماك عظميه كبيره احتفظت اجسامها كاملة بما فيها القشور في طبقة من رواسب الطفل، وعلاوة على  ذلك عثر الفريق على قشور واشعه زعنفيه وبعض الاجزاء العظميه لسمكه ضخمه يطلق عليها oestichthys متحجره في صخور الحجر الجيري.

وتقول فرضيات الدراسة انها انقرضت بفعل قلة  الاوكسجين الذائب في مياة المنطقة الذي انتهي بفعل اختزال بيئة النهر، وقد كان هذا واحد من مؤشرات التغيرات المناخيه  الذي صحبه الكثير من موجات الاعاصير ثم الجفاف.

أهمية الاكتشاف

لعل الثراء النفطي الذي تميزت به شبه الجزيره العربيه ماهو الاحقيقة دامغة من انها قد شكلت يوما بيئة خصبة للديناصورات التي استوطنتها قبل ان يحدث ذلك الانقراض العظيم الذي اخفى معالم الحياة لفتره زمنيه ليست قصيره.

اكتشافا كهذا يعد مهما في سجل التطور العلمي العربي ، انه – إن حالفنا التقدير- سيؤسس لمتحف بيولوجي طبيعي مفتوح في شبه الجزيرة العربيه، وسيوفر فرصة للباحثين والاكاديمين من كل البلدان العربيه  من خلال قراءة مفتوحه لعالم المستحاثات والاحافير.

رغم ذلك، فالاكتشاف لايزال في طوره الاول، انه كمن ازاح الستار عن عالم مجهول، ليبقى مجهولا بالفعل رغم كل جهد ايجابي بذله الفريق، لقد اماط هذا الاكتشاف اللثام عن حضارة الديناصورات رائدة البيئة في تلك الحقبة الصاخبه والمظلمه من الزمن الجيولوجي البعيد.

اثار اقدام الديناصورات بأرحب صنعاء/ الصورة © حلم أخضر
تعليقات
Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط
error: Content is protected !!