fbpx

الأمازون: أكثر من 390 مليار شجرة

غابات الامازون/ حقوق الصورة: earth.com

تقرير: كمال قبيسي – العربية

كثيرون من الناس، ومنهم أنا الذي عشت 20 سنة في البرازيل، لا يعلمون عن غابات الأمازون، إلا اسمها وأين تقع، وبأنها الأكبر في العالم، إضافة إلى بعض البديهيات. أما الباقي، فمعظمه مايزال مجهولاً.

ومع أنه المهم والساحر والمذهل، إلى درجة أن من يلم ببعضه، سيكتشف أن أشجار تلك الغابات التي تستحوذ على مساحة 5 ملايين و500 ألف كيلومتر مربع من 8 دول تحيط بها في أميركا الجنوبية، هي أشجار مفيدة للأرض ومن عليها أكثر بكثير من بعض سكانها الممعنين منذ زمن في اقتطاع أشجارها، حتى أصبحت تدعى “رئة الكوكب” التي نسمع عن أزمة حرائقها هذه الأيام، والتي تهدد مصير كوكب الارض، إن لم يتم إنقاذها مما هي فيه.

تكتظ الغابات في الأمازون بأكثر من 390 مليار شجرة حاليا، وهي أكبر ينابيع لما يسمونه “الأنهار الطائرة” والطائرة فعلاً لا بالمجاز، وفقا لتقرير صدر منذ عامين عن “المعهد الوطني للأبحاث عن الأمازون” بالبرازيل.

وجاء في التقرير، عن “النهر الطائر” أنه تيار من الهواء مشبع ببخار الماء، الناتج عما يسمونه Evapotranspiration أو الطفح التبخيري، المحوّل للماء المتولد من الأشجار بحوض الأمازون إلى بخار بفعل الحرارة، فيجري بخار الماء كما النهر بالجو، إلى أن تتوالد فيه شحنات كهربية ويسقط مطرا يلبي حاجات معظم أميركا الجنوبية.

الامازون - الصورة: BBC
الغطاء النباتي في الامازون/الصورة: BBC

ويشرح التقرير عن “الطفح التبخيري” بأن الشجرة البالغ قطر هامتها أو قبتها، حوالي 10 أمتار مثلا “تضخ في الجو أكثر من 300 ليتر بخار الماء يوميا، وإذا كان قطرها 20 فإنها تضخ 1000 ليتر”.

وهذا الضخ الهائل واليومي من مليارات الأشجار، يؤلف السحاب الحامل المطر للزرع وللينابيع والأنهر والبحيرات والأحواض والسدود المنتجة للطاقة وغيرها.

كما أن الغابات، في الامازون تختزن من 90 إلى 140 مليار طن متري من المواد الكربونية المحبوسة في اشجارها، المساعدة على توازن المناخ في العالم كله، لأنها تمثل وحدها 10% من حجم “الكتلة الحية” على سطح الأرض، وهي الكتلة المعروف باسم Biomass إنجليزيا.


لكل إنسان 50 شجرة في الأمازون

توجد في غابات الأمازون أكثر من مليونين و500 ألف نوع من الحشرات، إضافة إلى 2200 نوع من الأسماك وحيوانات المياه العذبة، و420 نوعا من الثدييات، والعدد نفسه من البرمائيات، مع 120 نوعا من العصافير، و370 من الزواحف.

وبحسب إحدى التقارير، توجد في غابات الأمازون حوالي 390 مليار شجرة بجذوع يبلغ قطرها 10 سم، أو أكثر، وحوالي 16 ألف نوع.

ودلت بعض المؤشرات والأبحاث الأثرية والعلمية عموما، أن الإنسان وصل إلى تلك الغابات منذ 11 ألفا و200 سنة تقريبا، وأنها بدأت بالظهور منذ 55 مليون سنة، وأن رمالا تهب عليها مع الهواء من صحاري إفريقيا، فتغذي ما فيها من معادن وتساعد على مزيد من التخصيب في الغابات المحتلة.

ومعظم “حوض الأمازون” البالغة مساحته 6 ملايين و300 ألف كيلومتر مربع، أي 35.5 % من مساحة أميركا الجنوبية، حيث نسبة 60% هي أراض تابعة للبرازيل، تليها 13% للبيرو، ثم 10% لكولومبيا، ونسب أقل لفنزويلا والإكوادور وبوليفيا وغيانا وسورينام، إضافة إلى “غيانا الفرنسية” التابعة كمحمية وراء البحار لفرنسا. إلا أن كل إنسان على الأرض يمكنه أن يقول إن له 50 شجرة في الغابات على الأقل.

إن اسم “الامازون” أطلقه المستكشف الإسباني “فرانسيسكو دي أوريانا” بعد أن قاتل إحدى قبائل المنطقة حين وصل إليها، ولاحظ أن نساءها يشاركن رجالها بالقتال، فتذكر أسطورة يونانية تتحدث عن Amazons أو “أمازونيات” مقاتلات، ولإحداهن تمثال حاليا في متحف بروما، فسمى النهر “أمازون” الذي شمل فيما بعد الغابات التي لا تزال تعيش فيها 60 قبيلة بعزلة تامة عن العالم الخارجي.

وأراد المستكشف الإسباني “فرانسيسكو” اكتشاف مصب النهر، فتتبعه حتى عثر عليه في نوفمبر سنة 1546 عند المحيط الأطلسي، وهناك انقلبت سفينته، وتعرض في الوقت نفسه لهجوم بسهام مسمومة، شنته قبيلة محلية، فقضى قتيلا بعمر 35 سنة قرب “الأمازون” الذي يعد النهر الأكثر غزارة بالماء في العالم، والثاني طولا بعد نهر النيل.

وفق ما قرأت بسيرة النهر الذي استطاع إنسان واحد من قطع السباحة فيه، وهو السلوفيني” مارتن ستريل” البالغ 55 حاليا، والوارد اسمه في كتاب “غينيس” للأرقام القياسية، حيث بدأ السباحة في نهر الامازون أول فبراير 2007 وبعد 66 يوما انتهى من قطعه في 7 إبريل وبلغت المسافة التي قطعها قرابة 5,268 كيلومترا.

حريق غابات الامازون

وبالحديث عن غابات الامازون وواقعها المرير في هذه الأيام التي تشهد فيه حرائق عملاقة، إلى درجة أن نهار مدينة “سان باولو” البرازيلية تحول إلى ليل دامس في الثالثة ظهراً يوم الاثنين الماضي، لأن دخان الحرائق المستمرة منذ شهر قطع آلاف الكيلومترات ووصل إليها وإلى غيرها، بحسب ما بثته قنوات التلفاز عن نيران بدأت تشعل أزمة عالمية الطراز على البرازيل التي دعت فنلندا دول الاتحاد الأوروبي إلى عدم استيراد اللحوم منها حتى تنتهي من إخماد النار.

أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فيقود منذ أسبوع حملة ضغط دولية على نظيره الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، ويهدده بإلغاء اتفاقيات ومشاريع حيوية للبرازيل، وهو ما حمل بولسونارو على تكليف الجيش البرازيلي بالمضي إلى الغابات لإخماد بؤر قالت وكالة NASA الخميس الماضي إن عددها 39.300 ألف بؤرة تلتهم مئات الأشجار كل دقيقة.


الفراشة التي تشرب دموع السلاحف

قلة تعرف أيضا، أن الأنواع والعناصر الحية في غابات الأمازون، مما يدبّ ويهبّ ويتبرعم ويغوص، منال أشجار والنباتات والحيوانات والطيور والحشرات والكائنات في الماء، هي مصدر كبير لصناعات حيوية بالعالم، أهمها مواد غذائية وللتجميل والأدوية.

وفيها 10 آلاف نوع من النبات الصالح بعضه لإنتاج المضادات المكافحة للآفات، منها نبتة يسمونها Unha de Gato في البرازيل، أو “مخلب القط” لشبه أوراقها به “تساعد فعلا بعلاج التهابات المفاصل، وتقلل من التعب، وتؤخر إلى حد ما احتدام السرطان لدى المتقدمين بالسن”.

وفقاً لخبر قرأته عنها بصحيفة O Globo البرازيلية يوم الخميس الفائت، وقالت فيه إن تقريرا صدر عن كلية الطب بجامعة سان باولو، أشار في العام 2017 إلى ما ظهر من نتائج إيجابية بشأنها بعد إجراء تجارب علمية متنوعة عليها. كما في الغابات فراشات غريبة “تشرب دموع سلاحف” معروف نوعها للعلماء باسم Podocnemis unifilis المنتمي لفصيلة الطفاشيات ذوات النقط الصفراء.

ويخرج من الغابات إلى العالم الكثير من المواد الغذائية الحرشية، وأهمها الفواكه الاستوائية المتنوعة والبالميتو والأدوية العشبية ومستحضرات التجميل النباتية الطبيعية، والجلود بأنواعها والخشب المستخرج من أشجار مسموح قطعها والحرف اليدوية والأحجار النادرة والزيوت وخشب الورد المستخرج منه جوهر العطور.

إضافة إلى أنواع عدة من الزيوت والمطاط الطبيعي لبعض الصناعات، وانزيمات جذوع الأشجار، إلى جانب معظم ما يحتاجه عدد كبير من علماء العلوم لأبحاثهم وتجاربهم من مواد خام. إلا أن أهم ما يخرج من تلك الغابات، التي تعد الأكبر بمليون كيلومتر مربع من مساحة دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة، هو الطفح الذي يجدد 20% من الأوكسيجين الموجود في هواء الأرض، والذي نتنفسه نحن البشر، وهذه وحدها تكفي.

المصدر: العربية نت

BBC
نهر الامازون وغاباته المطيرة/ الصورة: BBC
تعليقات
Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط
error: Content is protected !!