حلم أخضر – تقرير: عبدالحميد المساجدي
أدت الحرب الدائرة ومعها الحصار المفروض على اليمن، وغلاء مادة الديزل المستخدمة لري الأشجار من آبار المياه، إلى جفاف وموت قرابة مليون شجرة من اشجار النخيل المثمرة في عدد من مناطق ومديريات “الدريهمي” التابعة لمحافظة الحديدة اليمنية. وفقاً لتقديرات مكتب وزارة الزراعة في المحافظة.
وتواجه مزارع النخيل في وادي تهامة في محافظة الحديدة اليمنية، خطر الانقراض نتيجة الجفاف والتصحّر الذي يبتلع المزيد من المساحات المزروعة بأشجار النخيل.
ويشتهر سهل تهامة تاريخياً بزراعة أشجار النخيل وإنتاج التمور، وتعتبر التمور والبلح من المحاصيل التقليدية في المنطقة. وتتركز زراعته بكثافة في عدد من المناطق التهامية بالقرب من ساحل البحر الأحمر، وتحديداً في 3 مديريات هي: مديرية “التحيتا”، ومديرية “الدريهمي”، ومديرية “بيت الفقيه” التابعة لمحافظة الحديدة.
تهامة: 2 مليون نخلة مهددة بالانقراض
وبحسب الهيئة العامة لتطوير تهامة، تقدر أعداد أشجار النخيل في سهل تهامة بما يقارب 2 مليون و200 ألف شجرة من أشجار النخيل. في حين يبلغ عدد أشجار النخيل في اليمن اجمالاً حوالي 4.680 مليون نخلة، منها ما يقرب من 67 % أشجار مثمرة، وجميعها تشغل رقعة زراعية تقدر بحوالي 23.6 ألف هكتاراً، وبقدرة إنتاجية تبلغ نحو 50 ألف طن سنوياً، حسب إحصاءات رسمية من وزارة الزراعة والري.
ويبلغ الإنتاج السنوي التقديري للنخيل في سهل تهامة ما يقارب 35 ألف طن من البلح تقريباً. وظلّت مزارع النخيل في وادي تهامة تعاني على مدى الأربعة العقود الماضية، نتيجة الظروف البيئية القاسية التي واجهته مناطق النخيل، ناهيك عن غياب الدعم الحكومي لزراعة النخيل، بحسب ما أوضح المهندس محمد عكاشه، نائب مدير الشؤون الزراعية في هيئة تطوير تهامة.
وأشار عكاشة إلى أن قلة الأمطار وشدة الجفاف ساهمت في شح مياه آبار الري ونزول مستواها، وتملح الكثير منها، الأمر الذي تسبب في جفاف مساحات كبيرة من مناطق زراعة النخيل وموت أعداد كبيرة منها.
مليون نخلة في “النخيلة”
كان لمنطقة “النخيلة” من اسمها النصيب الأوفر، لكن الحرب والحصار المفروضان على اليمن، وعلى الحديدة بشكل خاص، دمرت أجزاء واسعة من غابات النخيل، الامر الذي زاد من حدة التصحر الذي يتمدد على ارجاء المنطقة.
وتقع بلدة “النخيلة” على شاطئ البحر الأحمر، على بُعد 15 كيلومتراً جنوب مدينة الحديدة، وهي تتبع إدارياً مديرية “الدريهمي”، وقد اشتهرت بغابات النخيل منذ القدم. حيث تمتد مزارعها على دلتا وادي رمان، ووادي سهام أحد أشهر الأودية الخصيبة في الجمهورية اليمنية. ومع استمرار الحرب والحصار على اليمن منذ 26 مارس 2015، تحولت أجزاء واسعة من هذه المزارع إلى خطوط النار، ومناطق خطرة على المزارعين.
ويؤكد الشيخ أحمد بلعوص، عاقل قرية النخيلة، أن مديرية الدريهمي كانت تشتهر وتوصف بأنها بلدة المليون نخلة، لكثرة مزارع النخيل فيها ووفرة المياه بها. وقال بلعوص: “في العام 2000 أصدرت وزارة الزراعة إحصائية أكدت فيها أن مزارع الدريهمي تحوي ما يقارب مليون نخلة مثمرة، وبعد هذا التاريخ بعشر سنوات، قامت منظمة التنمية المستدامة بالنزول إلى المزارع ورفعنا تقريراً يفيد بأن 50 ألف نخلة في الدريهمي نفقت وتصحرت مزارعها، والسبب عدم قدرة المزارعين على الاعتناء بها وعجزهم عن ريها، واستصلاح الأراضي بعد ارتفاع سعر مادة الديزل.
تراجع انتاج التمور في 2019
وانخفض انتاج التمور في اليمن هذا العام، نتيجة تلف وموت أشجار النخيل في مناطق الحديدة، تزامناً مع بدء موسم حصاد التمور والذي بدا منتصف الشهر الماضي في سهل تهامة.
وقال عدد من المزارعين في تهامة، لموقع “الحديدة نيوز” ان موسم الحصاد لمحصول التمور هذا العام، يعد من المواسم الأقل انتاجاً بسبب تعرض مزارع وأشجار النخيل للكثير من التلف، نتيجة الجفاف واستمرار القصف الجوي والنيران الذي تتعرض لها تلك المناطق، خصوصا في منطقتي “الجاح” و”الدريهمي”.
الجفاف يغزو نخيل وادي السويق
وأشار سليمان قطاب، وهو أحد مزارعي النخيل في وادي السويق في مديرية التحيتا بالحديدة، إلى أنهم تركوا أشجار النخيل لتواجه مصيرها بالجفاف، بعدما تعذّر الحصول على أي حلول أو أي دعم حكومي لريّها، مؤكداً أن الجفاف يغزو كل يوم المزيد من أشجار النخيل.
ويؤكد قطاب في تصريح لـ”العربي”، بأن مزارعي النخيل بدأوا باقتلاع أشجار النخيل الجافة واستبدالها بأشجار الليمون، التي تتطلب كميات أقل من المياه لريها، ناهيك عن جدواها الاقتصادية في ظل إغراق السوق المحلية بالتمور المستوردة.
وقال قطاب: أن جفاف مزارع النخيل في وادي تهامة يهدد آلاف العاملين في هذه المزارع بالبطالة وبالتالي سيجعل آلاف الأسر عرضة للفقر بعد توقف مصادر دخلهم، التي تعتمد بشكل رئيسي على العمل في زراعة النخيل، موجهاً نداء استغاثة عاجلة لإنقاذ الحقول التي تضررت بصورة كبيرة جراء الأزمة التي تمر بها اليمن.
توقف مضخات المياه بالديزل
وقال رئيس هيئة تطوير تهامة، الدكتور سقاف السقاف، في تصريحات سابقة، أن اتساع رقعة جفاف المساحات المزروعة بالنخيل، هي إحدى تداعيات المشاكل التي يواجهها مزارعو النخيل في وادي تهامة، والتي من أهمها غياب الدعم الحكومي لمزارعي النخيل من خلال دعم مادة الديزل، وتوفيرها لهم بأسعار مناسبة تمكنهم من ري مزارعهم بمضخات المياه العاملة بالديزل.
وأوضح سقاف لموقع ”العربي” أن مزارعي النخيل يجدون صعوبة بالغة في توفير مادة الديزل، خاصة منذ بدء الحرب في اليمن والحصار المفروض، ما تسببت في انعدام مادة الديزل وازدهار السوق السوداء وأسعارها الخيالية التي تفوق قدرة المزارعين على شراء الديزل، مشيراً إلى أن ذلك دفع المزارعين إلى إيقاف مضخات المياه العاملة بالديزل.
من جهته، كشف محمد المزجاجي، أحد كبار مزارعي النخيل في وادي “السويق” في مديرية “التحيتا”، أن نحو 3000 نخلة في مزارعه تعرضت للجفاف العامين الماضيين، نتيجة توقف مضخة المياه العاملة بالديزل، وعدم قدرته على شراء الديزل بمبالغ كبيرة، لافتاً إلى أن المساحات الجافة في اتساع مستمر نتيجة الجفاف.
إغراق اليمن بالتمور المستوردة
ويقول رئيس هيئة تطوير تهامة، الدكتور سقاف السقاف، أن من بين التحديات التي يواجهها مزارعو النخيل فتح السوق المحلية أمام منتجات التمور المستوردة، والتي أغرقت الأسواق، مشدداً على ضرورة حماية المنتج المحلي من التمور من خلال توفير الحماية القانونية لتنظيم عملية الاستيراد بحيث يجد المنتج المحلي طريقة للسوق المحلية بدرجة أولى، لافتاً إلى أن المنتج المحلي يشهد منافسة غير عادلة، تتمثل في دخول التمور بكميات كبيرة من السعودية والامارات.
وتقدّر كمية التمور المستوردة من الخارج في العام الواحد بنحو مليون وخمسمائة ألف طن، والتي يتم استيرادها من المملكة العربية السعودية بدرجة أساسية، تليها الإمارات العربية المتحدة ودول أخرى. وبحسب الإحصاءات يستهلك اليمنيون في موسم شهر رمضان، نحو 900 ألف طن، ما يمثل 60 % من الكمية المستوردة.
مصادر اضافية: وكالة الانباء اليمنية سبأ/ موقع العربي/ جريدة البيان.