حلم اخضر – تقرير: محمد الحكيمي
بالنسبة للحكومة اليمنية، فأنها تعي أمراً أو أمرين، في أن توليد الكهرباء من طاقة الرياح، يحافظ على البيئة، ويخفف من اعتمادها على الوقود الأحفوري.
لكنها في المقابل لا تكترث لكل مشاريعها المعلنة والمتكررة أمام المانحين والجمهور العام، والتي غالبا لا تـُنـفذ.
كان الخبر السار: أن اليمن قررت أخيراً السير في نطاق استخدام موارد الطاقة المتجددة الوفيرة في البلاد، من أجل توليد الكهرباء التي فاقمت معاناة السكان.
فالجهود الحكومية لتأمين التيار الكهربائي لم تعد تـنـيّـر البلاد، ولعل موافقة البرلمان اليمني نهاية الأسبوع الفائت، على اتفاقية قرض لإنشاء أول مزرعة للرياح لتوليد الكهرباء، يدفع باحتمالية أن البلاد ستواجه صعوبة في استخدام الطاقة النظيفة.
حالة الطاقة الكهربائية
تبدو خدمة الكهرباء شبه مفقودة، في بلد كاليمن، وبحسب التقارير الرسمية تفاقمت خلال الثلاث السنوات الأخيرة مشكلة انقطاع التيار الكهربائي، حتى تحولت إلى أزمة مستمرة.
نتيجة تزايد عمليات التخريب التي تشنها عناصر مسلحة، على خطوط نقل الطاقة، والتي أدت إلى خروج محطة الكهرباء الغازية في مأرب عن الخدمة، جراء تعرضها لأكثر من 100 عملية تخريب منذ بدء تشغيلها في 2009.
إمدادات الكهرباء في اليمن تقدر بنسبة 20% من دون ذروة الطلب، مع فقدان 40% من الطاقة المولدة في نظام النقل والتوزيع.
ونتيجة للتعثر المستمر لمحطة مأرب الغازية، يتم تشغيل الغالبية العظمى من محطات تزويد الطاقة في البلاد بواسطة مادة المازوت أو الديزل.
تكلفة إيصال الكهرباء في اليمن وصلت إلى نسبة 6.9% من متوسط الدخل القومي للفرد، وتستغرق خدمة إدخالها 35 يوماً لانجاز 4 إجراءات، وذلك مقارنة بإقليم الشرق الأوسط الذي تقدّر فيه تكلفة إيصال الكهرباء بنسبة 1.3% من متوسط الدخل القومي للفرد، بحسب تقرير البنك الدولي 2009.
اليمن وقصة كهرباء الرياح
في العام 2007، بدأت فكرة إنتاج الكهرباء من الرياح في اليمن، كمشروع طموح تم طرحه، من أجل تنويع مصادر الطاقة، والحفاظ على البيئة.
وكان أن أعلنت الحكومة اليمنية -بشكل غير جاد-، الشروع في إنشاء أول مزرعة رياح، بقدرة أولية حددتها الحكومة آنذاك بين 10-15 ميجاوات، في منطقة “المخا” التابعة لمحافظة تعز جنوب غرب البلاد.
وعقب ذلك الإعلان الحكومي، وصلت ميناء عدن بعثة أجنبية على متن سفينة، من أجل أن تبارك للحكومة اليمنية الشروع بهذا المشروع، بقيادة الخبير بول هورسمان، مسئول حملة الطاقة في منظمة Greenpeace العالمية.
كانت تلك البعثة الدولية، تعتقد أن نوايا اليمن في هذا المشروع، نوايا جادة، وأنها تأتي من باب حرص رسمي على البيئة.
وحينها، أعرب الخبير بول هورسمان، عن ترحيب منظمة “غرينبيس”، لهذا المشروع، لكنه عبّر في المقابل عن تخوّفه ايضاً.
وفي مؤتمر صحفي عقدته غرينبيس على متن سفينتها، قال هورسمان:”لقد أثبتت حكومة اليمن اضطلاعها بدور ريادي في المنطقة، من خلال مخططاتها الهادفة إلى توسيع نطاق استخدام موارد الطاقة المتجددة والمتوافرة في البلاد”.
“لكننا نتخوّف في الوقت نفسه من الإعلانات التي صدرت مؤخراً حول خطط تطوير الطاقة النووية”. قال هورسمان.
كانت مخاوف الرجل صائبة، وان لم تكن في محلها، فقد ظل هذا المشروع، متعثراً منذ ذلك الحين، ولم يرى طريقه إلى النور طيلة 5 سنوات ماضية، نتيجة تغقد البيروقراطية وتفشي الفساد في الجهاز الحكومي.
وفي مطلع ديسمبر 2010، أرتفع الطموح الحكومي فجأة، لدى مسئولي وزارة الكهرباء، لتنفيذ المشروع ذاته، بعد أن وجدوا ضوءاً أخضر من مانحين دوليين.
لم يكن ذلك الطموح، بدافع الحرص على توفير الطاقة، أو تفادياً للاحتباس الحراري، بل لأن الحكومة شعرت بمغبة فقدان محطتها الكهربائية التي انتهت من انجازها قبل 3 سنوات، في واحدة من أضعف مناطق سيطرة الدولة.
رأت الحكومة أن بقاء محطة توليد الطاقة بالغاز بين أيدي القبائل المسلحة في مأرب شرق العاصمة صنعاء، سيظل مصدر تهديد مستمر، وأنه سيضعها أمام دوامة من المشاكل التي لا تنتهي.
والنتيجة أن شبكة الكهرباء ستدفع ثمناً باهظاً، فضلاً عن أنها ستتعرض للإبتزاز الدائم من قبل القبائل، في حين أن وجود مصدر للطاقة النظيفة للكهرباء، في منطقة المخا سيكون مطمئناً، وستجذب فكرة توليدها من الرياح أنظار المانحين الدوليين،
وربما فات أوان أن نسأل: لماذا لم تفكر الحكومة بكل تلك العواقب حين قررت إنشاء محطة الطاقة في مأرب؟
الاستجابة الدولية لرغبة الحكومة، كانت سريعة، إذ أعلن الصندوق العربي للإنماء، ومعه البنك الدولي، استعدادهما للمساهمة في تمويل مزرعة الرياح تلك بمبلغ 55 مليون دولار، من إجمالي كلفة المشروع البالغة 125 مليون دولار.
لكن، سرعان ما تعثر مشروع مزرعة الرياح مجدداً، بعد أسابيع قليلة من الإعلان الحكومي الثاني عنه في الصحف الرسمية نهاية العام 2010.
وانتهى به الأمر -حينها-، داخل أدراج مكتب وزير الكهرباء، مثله كمثل مشروع الإستراتيجية الوطنية لكهرباء الريف والطاقة المتجددة، وغيرها من المشاريع التي لا ترى النور.
ومرة أخرى، أعاق الفساد الرسمي، نجاح ذلك المشروع، الذي كان سيعمل على مساهمة الطاقة المتجددة، وكفاءة الطاقة بنسبة 30% من إجمالي الطاقة حتى العام 2025.
باعتبار أن مزرعة الرياح، ستشكل أول مشروع ريادي يسهم في الحفاظ على البيئة، وزيادة مصادر الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء، والتقليل من الاعتماد على الوقود الأحفوري محلياً، وتعزيز أمن الطاقة في البلاد.
ما هو أهم من ذلك، أن انجاز مشروع كهذا؛ سيدفع باتجاه تشجيع الرساميل الوطنية، على دخول سوق الكهرباء في اليمن، والاستثمار في مجال توليدها من مصادر الطاقة المتجددة.
البرلمان يقر إنشاء مزرعة رياح
وسط الإجراءات السيئة، ودائرة الروتين الذي تعاني منه البلاد، كان الخبر السار، موافقة البرلمان اليمني، الذي أقر في جلسته يوم الأربعاء 18 ديسمبر/كانون الأول 2012 الفائت، على قرض مشروع إنشاء مزرعة للرياح، بقدرة 60 ميجاوات، في المخا، في إطار الاتفاقية المبرمة بين الحكومة اليمنية والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، بمبلغ 18 مليون دينار كويتي، (ما يعادل قرابة 65 مليون دولار).
يبدو المثير للانتباه، أن قدرة الطاقة في مشروع مزرعة الرياح هذه، ارتفعت من 15 ميجاوات التي كانت قد حددت العام 2007، إلى قدرة 60 ميجاوات التي أقرها البرلمان في نهاية 2012، وهذا جيد.
ما يبعث على التفاؤل، أن البرلمان اليمني، ألزم الحكومة ممثلة بوزير الكهرباء والطاقة صالح سميع، الالتزام التام بتوصياته، والتي أكدت على توفير التمويلات المكملة لمبلغ القرض، وفي أسرع وقت لاستكمال كافة الإجراءات.
كما ألزم البرلمان وزارة الكهرباء بالعمل على سرعة تنفيذ المشروع طبقاً لمواصفات ومقاييس الجودة العالمية، وتعديل خيارات قدرات “التوربينات” المطلوب تنفيذها بين (2/3/5) ميجاوات، والحرص في اختيار الشركات الاستشارية، والشركات المنفذة ذات الكفاءة العالية والمؤهلة مالياً وفنياً عبر مناقصات عامة.
توصيات البرلمان، ألزمت وزارة الكهرباء الالتزام بالبرنامج الزمني المحدد لتنفيذ هذا المشروع، و”عدم صرف أي مبلغ من هذا القرض إلا في الأغراض المخصصة له في المشروع”.
ويبدو هذا الإلزام مهماً للغاية أمام شهية وزارة الكهرباء، في مشروع لطالما تعثر منذ إعلانها الشروع فيه منذ العام 2007.
كما ألزمت توصيات النواب، وزير الكهرباء، بإدراج الضرائب والجمارك اللازمة للمشروع بواقع 13% من إجمالي كلفة المشروع البالغة 125مليون دولار، ضمن الموازنة العامة للدولة لعام 2013، إضافة إلى مساهمة الحكومة، وكذا توفير الاعتمادات المالية اللازمة لتحديد وحجز موقع تنفيذ المشروع.
إستراتيجية الكهرباء: كل الخطط لم تتحقق
يقول المهندس رامي الشيباني، من إدارة الطاقة المتجددة بوزارة الكهرباء والطاقة: “الحكومة تولي اهتماما خاصا بالتنمية المستدامة للريف؛ ولأجل ذلك شرعت وزارة الكهرباء بإعداد الإستراتيجية الوطنية لكهرباء الريف والطاقة المتجددة، بتمويل حكومي وبدعم من البنك الدولي والحكومة الألمانية”.
ويضيف الشيباني، أن من “مخرجات هذه الإستراتيجية هو إنشاء هيئة مستقلة تتولى برنامج كهرباء الريف وتنفيذ مشاريع ريادية باستخدام الطاقة المتجددة”.
لكن تلك المخرجات التي يتحدث عنها الشيباني، لم تتحقق حتى الآن بشكل كلي.
بالنسبة للحكومة اليمنية، فأنها تعي أمراً أو أمرين، في أن توليد الكهرباء من طاقة الرياح، يحافظ على البيئة، ويخفف من اعتمادها على الوقود الأحفوري.
لكنها في المقابل لا تكترث لكل مشاريعها المعلنة والمتكررة أمام المانحين والجمهور العام، والتي غالبا لا تـُنـفذ.
المحبط أن الحكومة، لم تبذل قصار جهدها ولم تثابر على إتمام المشروع، رغم إدراكها أن طاقة الرياح تعد مصدر يعوّل عليه وقابل للتجديد، ولا تتأثر بتقلّبات أسعار الوقود الأحفوري.
ينبغي على الحكومة اليمنية، الإصغاء جيداً لنصيحة الخبير بول هورسمان، والتي تقول: إن “الاستخدام الذكي للطاقة، وليس التعفف عن استخدامها، يشكل الفلسفة الأساسية للحفاظ على مخزون الطاقة مستقبلاً”.
وعندما يرتبط هذا الاستخدام الذكي للطاقة بالسياسات الملائمة التي تدعم تقنيات الطاقة المتجددة وبرامج كفاءة الطاقة، سيشكل العامل الأساسي والضروري لضمان مستقبل الطاقة في اليمن على نحو يعزز الازدهار الاقتصادي، ويسرّع عجلة التنمية، ويساعد على تعزيز الأمن، عبر الحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري.