حلم أخضر | خاص – تصوير: فهد الشهاري
يشكو عدد من مربي الماشية في العاصمة اليمنية صنعاء، من ظاهرة تناول الأغنام والأبقار للأكياس والنفايات البلاستيكية كطعام بديل عن العشب والأعلاف، الأمر الذي يجعلها عرضة للنفوق، بصورة ترتفع مؤشراتها على الدوام.
وقال عبده يحيى، وهو أحد مربي الماشية في مدينة “الأصبحي” بالعاصمة صنعاء، أن ” ثلاثة من اناث الماعز التي يملكها تعرضت للموت خلال عام ونصف، بسبب أنها أكلت أكياس بلاستيكية عن طريق تناولها بالفم”.
وأضاف يحيى، في حديثه لموقع “حلم أخضر”، أنه يشعر بالخوف اليوم، من أن “تتعرض بقية أغنامه للموت”، وسط احتمال أن يتكرر الأمر نتيجة انتشار هذه الأكياس بكثرة في الطرقات والمزارع المفتوحة.
وتعاني اليمن من تفاقم كارثة الأكياس البلاستيكية وأضرار التلوث، نتيجة الزيادة المضطردة في حجم الاستهلاك اليومي لتلك الأكياس،خلال السنوات العشر الأخيرة.
وأكد مصدر رسمي لـ”حلم أخضر”، في وقت سابق، أن استهلاك اليمن لأكياس البلاستيك يتجاوز 43 مليار كيس في السنة الواحدة، وتقدر الكميات المستوردة لهذه الأكياس محلياً حوالي 60 % من إجمالي الأكياس المتداولة في السوق اليمني، في حين تغطي المصانع والمعامل المحلية العاملة في البلاد إنتاج نسبة الـ40% من الكمية المباعة في السوق المحلي.
وتنتشر اكياس البلاستيك المتطايرة بفعل الرياح، بصورة مفزعة في شوارع وأحياء العاصمة صنعاء، ومناطق كثيرة من البلاد، بيد أن أبرز الأسباب لتفاقم الكارثة تأتي نتيجة قلة الوعي، وتقصير دور الجهات الحكومية المختصة، وتضارب المصالح.
وكان تقرير استقصائي نشره موقع “حلم أخضر” العام الفائت، أكد أن نسبة استهلاك المواطن اليمني للأكياس البلاستيكية في اليوم الواحد، تتأرجح بين 6 إلى 8 أكياس يضطر لاستهلاكها المواطن في اليمن بشكل يومي، وضروري اثناء شراءه الوجبات والخضروات والخبز. في حين يذهب استهلاكها الكبير في أسواق “القات”.
أكياس نايلون في بطون الماشية
تتسبب الأكياس البلاستيكية في الغالب، بنفوق الحيوانات البرية مثل “الأغنام والماعز والابقار والجمال”، وعدد من الحيوانات البرية، بمجرد أن تلتهم الأخيرة هذه الأكياس التي تعمل على الالتفاف حول المعدة.
وبحسب مصدر محلي في محافظة “ذمار” جنوب العاصمة صنعاء، سُجلت خلال شهرين عدد 6 حالات لنفوق حيوانات، كان يملكها مربيي الماشية في مناطق عدة في ريف “ذمار، حيث نفقت 4 من إناث الماعز وبقرتين، في حوادث متفرقة سببتها أكياس البلاستيك النايلون، المنتشرة داخل الأراضي الزراعية وعلى الطرقات، بحسب ما أفاد مصدر محلي لـ”حلم أخضر”.
وبحسب المصدر، يعاني مربيي الماشية المتضررين، من مكبات النفايات المليئة بالأكياس البلاستيكية، التي تنتشر وسط الحقول والمراعي والأراضي الزراعية.
وتخلو معظم مناطق الريف اليمني، من خدمات النظافة، ولا يوجود فيها براميل مخصصة للنفايات، والتي تشكل الأكياس والعلب البلاستيكية غالبيتها نتيجة الاستهلاك المفرط لمزارعي القات والخضروات في الارياف، وسط غياب كامل لدور قطاع النظافة وحماية البيئة في المجالس البلدية، بمناطق الريف في البلاد.
ويقول أحد بائعي اللحوم الطازجة من فئة الجزارين في صنعاء، “لقد وجدت أكثر من مرة كيس أوكيسين من البلاستيك ملفوفة داخل معدة الأغنام أو الابقار التي يذبحها في ملحمته”، والتي تكون الماشية قد إلتهمتها قبل ذبحها بيوم أو يومين، طبقاُ لوصفه.
وطبقاً لمصدر مختص في وزارة الزراعة اليمنية، يؤدي ابتلاع حيوانات الماشية وخصوصا الماعز والأبقار للأكياس البلاستيكية عن طريق تناولها بالفم، لانسداد الأمعاء وقنواتها الهضمية، ويتسبب ذلك بتوقف عملية الهضم نتيجة الإصابة بالطفيليات الداخلية.
وبحسب المصدر ذاته، فإنه في حال “ابتلاع الماشية لكيس من البلاستيك (النايلون) فإن النتيجة الطبيعية تكون مرضها وتعرضها للموت.
ويضيف:” تتعرض الماشية للموت لأن إنقاذها يتوقف على إجراء عملية جراحية لا يقوم بها غير طبيب بيطري مختص”، وهو ما يشكل بالنسبة لمربيي الماشية، بمثابة “كلفة مادية كبيرة داخل أوساط الريف الذي يعاني الفقر و شحة الخدمات الصحية، والبيطرية”.
عمليات اخراج الأكياس
ويؤكد أحد الأطباء البيطريين أن “ازالة اكياس البلاستك من الامعاء ليس بالأمر السهل لكنه ليس مستحيلاً”، على حد قوله.
ويقول الطبيب البيطري “سعيد”، أن “الجيد بالأمر ان ازالة كيس البلاستيك من معدة الحيوان، يفسح المجال للأمعاء الداخلية من الاستفادة القصوى، والأكل حتي الشبع، لأن بقاء النايلون في المعده يشكل معاناة لا تزول ولا يمكن له أن يذوب في المعدة، وانما سوف يبقي داخل المعده بشكل ملتوي وملفوف حول الامعاء.
ويضيف:”تظل الماشية متأثرة بوجود الكيس البلاستيكي في امعائها الهضمية، الي ان تموت لأن جسمها لا يستطيع الحصول على الغذاء، ولا يستفيد من الكيس، ولا تساعد المعدة على فتح الشهية كونها تتوقف, فتبدا حينها عملية الاصابة بنقصان الوزن الي ان تنفق الماشية”.
ويؤكد البيطري “سعيد” بالقول:”الامر الصعب في اخراج الكيس من معدة الماشية يكمن في اجراء عملية جراحيه لأن هذا يتطلب جراحه بيطرية جيدة لإتمام العملية، لكن من باب رفع الحرج يضطر بعض البيطريين الاعتذار عن اجراء العملية بحجة ان العملية صعبة ولا ليس منها فائدة، وتتطلب الكثير من المال، وتبرير بعض الأعذار”.
خطورة أكياس البلاستيك
وتفيد عدد من الدراسات العلمية، أن صناعة الأكياس البلاستيكية تكون نتيجة عمليه تحويل غاز “الإثيلين” إلى “بوليمر” وهي حبيبات بلاستيكية يتم تجميعها وإضافة اللون إليها مما ينتج عنها الأكياس البلاستيكية التي يتم تداولها بالسوق.
وتمثل الأكياس البلاستيكية خطورة كبيرة على البيئة، كونها لا تتحلل مع مرور الزمن، وهي تتطلب من 100 إلى 150 عاما على الأقل حتى يتم تحللها، ورغم مرور ذلك لا تتحلل، بيد أنها تتفتت لأجزاء صغيرة، الأمر الذي يمثل مشكلة بيئية خطيرة، حيث إن حرق هذه الأكياس أو تسخينها يؤثر على البيئة.
كما تؤدي عملية تطاير الأكياس البلاستيكية في الهواء بفعل الرياح، إلى إعاقة نمو الأشجار والمحاصيل الزراعية، التي تلتصق بها، كما أنها تؤثر على المياه والأحياء البحرية والتي غالباً ما تنفق نتيجة اختناقها جراء الأكياس البلاستيكية.
ومن الأخطار التي تحدثها الأكياس البلاستيكية أثناء الحريق أنها تؤجج هذه الحرائق كما تؤدي إلى خروج غاز “الدايوكسين” وهو غاز سام ومضر بالبيئة والإنسان.
وزارة المياه وهيئة حماية البيئة .. دور غائب
بالنسبة لوزارة المياه والبيئة في اليمن، فثمة الكثير من العمل أمامها الذي ينبغي القيام به، فالوزارة المسئولة عن حماية البيئة، لم تقم أو تبادر حتى الآن بتفعيل وإصدار التشريعات التي تقلل من الاعتماد على الأكياس البلاستيكية، من باب حماية البيئة والحفاظ عليها مما يلوثها.
تبدو الحاجة ملحة للغاية اليوم، لإصدار قرار وزاري يفرض على الشركات المستخدمة للأكياس البلاستيكية بتدوير 20% من نفاياتها من البلاستيك، الى جانب الدفع بتشجع قيام مصانع لتدوير البلاستيك، في مقابل المواد البلاستيكية .
ينبغي أن تقوم وزارة المياه والبيئة والهيئة العامة لحماية البيئة، بتشجيع التقليل من استخدام الأكياس البلاستيكية في المحلات التجارية والاسواق، كما ينبغي عليها السعي في المستقبل بتخصيص المرادم ليتم التحكم في حجم الفاقد من الأكياس البلاستيكية وذلك لإلزام هذه الشركات بتدوير المواد البلاستيكية وتنظيف البيئة منها.
ولعل الأهم، أن تسعى وزارة البيئة وهيئة حماية البيئة، لايجاد بدائل، من خلال تشجيع استخدام الأكياس الصديقة للبيئة، والتي تتحلل بسهولة، من خلال ايجاد مصانع ومعامل لانتاج أكياس من القماش والورق كحلول بديلة حرصاً على البيئة والانسان على حد سواء.
ثمة امكانية كبيرة بأن تبادر جهات البيئة الحكومية، بتقليل استخدام الأكياس البلاستيكية، وذلك بتقليص إنتاجها، وبالتالي تخفيض إيذائها بالبيئة.
ويمكن لهيئة حماية البيئة بصنعاء، أن تسعى لفرض ضريبة على الأكياس البلاستيكية، وبموجبها، يدفع المستهلك ضريبة عن كل كيس يأخذه، ليتم تحويل أموال الضريبة إلى صندوق حكومي وخاص (مختلط) يخصص لعمل مشاريع تكرس لأضرار هذه الأكياس وحسب.
* شاهد بالصور: قطيع من الماعز والأغنام يلتهم أكياس ونفايات بلاسنيكية في مدينة الاصبحي بالعاصمة اليمنية صنعاء. بعدسة:حلم أخضر. تصوير: فهد الشهاري.