حلم أخضر | WB
تخيل أن مزارعاً فقيراً يقوم بقطع أشجار هكتار من الغابات المطيرة الغنية بالتنوع البيولوجي حتى يتمكن من إقامة مرعى لا تزيد قيمته على 300 دولار أميركي.
وأدى قطع وحرق تلك الأشجار إلى انبعاث 500 طن من ثاني أكسيد الكربون الحابس للحرارة إلى الغلاف الجوي، مما أسهم في ظاهرة الإحترار العالمي.
وفي الوقت ذاته، هناك شركات في البلدان الصناعية تدفع مبالغ تفوق بمرات كثيرة قيمة الأرض التي تمت إزالة الأشجار منها ـ حوالي 7500 دولار أمريكي ـ حتى تستوفي الالتزامات المستحقة عليها للحد من نفس الكمية من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
يقول كينث تشوميتز، المؤلف الرئيسي لتقرير جديد صادر عن البنك الدولي بشأن الغابات المدارية، “إن قيمة الأشجار ـ التي تقوم بتخزين الكربون ـ وهي على قيد الحياة تفوق بكثير قيمتها إذا تم حرقها وتحويل الأراضي التي تحويها إلى حقول غير منتجة.إلا أن الناس الذين يعيشون عند حافة الغابات لا يستطيعون الاستفادة من هذه القيمة في الوقت الحالي”.
يرى هذا التقرير الذي يصدر بعنوان: “التوسع الزراعي، وتقليص الفقر، والبيئة في الغابات المدارية: هل هناك تعارض في الأهداف؟” أن بوسع نظام للمدفوعات الدولية ـ تمويل تخفيض انبعاثات غاز الكربون في مناطق الغابات ـ أن يؤدي إلى تغيير ذلك الوضع.
يقول فرانسوا بورغينون، النائب الأول لرئيس البنك الدولي لشؤون اقتصاديات التنمية ورئيس الخبراء الاقتصاديين، “يمكن لتمويل تخفيض انبعاثات غاز الكربون في الغابات العالمية أن يكون حافزاً قوياً لوقف عمليات إزالة الغابات”.
ويرى هذا التقرير أن بوسع المزارعين الفقراء في مدغشقر والبلدان الأخرى الغنية بالغابات ـ في ظل توافر حوافز مالية أقوى لتفادي قطع الأشجار ـ أن يستثمروا في الزراعة المستدامة في الحقول التي تمت بالفعل إزالة الأشجار منها، بدلاً من إزالة مزيد من الغابات لتحقيق مكاسب زهيدة وأرباح مؤقتة في أحوال كثيرة.
ويُذكر أن عملية إزالة الغابات المدارية تتسبب في حوالي 20 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم، ولذا فإن هذا التقرير يقول إن تمويل تخفيض انبعاثات غاز الكربون في الغابات العالمية يمكن أن يوفر أداة لإبطاء الاحترار العالمي.
يقول تشوميتز، “إن العالم يفقد تلك الغابات بمعدل 5 في المائة أو أكثر كل عشر سنوات. وبالرغم من أن هذا الرقم قد لا يبدو الآن ذا شأن، إلا أنه يعادل فقدان مساحة بحجم مساحة البرتغال سنوياً، وهو ما يعني أن منتصف القرن الحالي لن يحل إلا وتكون الغابات المدارية الواسعة قد تقلصت إلى جزء ضئيل للغاية مما كانت عليه ذات يوم”.
تقول كاثيسيرا، نائب الرئيس لشؤون التنمية المستدامة، “لقد حان الأوان للحد من الضغوط الواقعة على الغابات المدارية، وذلك عن طريق وضع إطار شامل يدمج الإدارة المستدامة للغابات في الإستراتيجية العالمية المعنية بالتخفيف من حدة تغيّر المناخ، والحفاظ على التنوع البيولوجي.”
ويؤكد هذا التقرير على أن الجهود الرامية إلى مكافحة الفقر في مناطق الغابات يجب أن تكون جزءاً من هذا الإطار. فحوالي 800 مليون شخص يعيشون في مناطق الغابات المدارية والمناطق المحيطة بها، ويعاني كثيرون منهم من فقر مدقع.
يقول تشوميتز، “لكن ينبغي ألا نفترض تلقائياً أن الفقر هو سبب إزالة الغابات، أو أن إزالة الغابات هي سبب الفقر. فهذه التعميمات صحيحة في جزء منها فقط، لكنها لا تقدم أساساً جيداً لوضع السياسات.”
واستطرد قائلاً إن عملية إزالة الغابات ـ التي يقوم بها في الغالب المزارعون وأصحاب المزارع الأغنياء والأسر الفقيرة ـ يمكن أن تؤدي إلى اقتطاع الأراضي الزراعية المنتجة من الغابات.
ويضيف هذا التقرير أن من بين طرق معالجة هاتين المشكلتين تدعيم نظام الإدارة العامة لشؤون الغابات ـ الذي يعني من الناحية العملية إيجاد سبل لتسوية المطالبات المتعارضة بشأن الأشجار والأراضي.
لكن تلك النهج تختلف في ثلاث مناطق من مناطق الغابات الوارد ذكرها في التقرير؛ يقول هذا التقرير إن أسواق الخدمات البيئية يمكن أن تساعد في المناطق التي تشهد مزيجاً متنوعاً من الأراضي والمزارع والغابات حيث يعيش معظم الناس. ففي كوستاريكا والمكسيك، أتاحت تلك الأسواق لمستخدمي المياه تعويض ملاك الغابات في أعالي الأنهار عن قيامهم بتخفيض مستوى الرواسب في مياه الأنهار.
وفي المناطق الواقعة على أطراف الغابات، حيث يتنافس قاطعو الأشجار وملاك المزارع والأسر على الحصول على الأشجار والأراضي، فإن توفير حيازات أكثر أمناً من شأنه محاربة قيام النخب بالاستيلاء على الموارد، ومنع الإسراف في إزالة الغابات.
في الكاميرون، على سبيل المثال، يتم تخصيص امتيازات استغلال الغابات عن طريق مزاد علني، وتضطلع جهة مستقلة برصد تلك العملية لضمان إجرائها وفقاً القانون. ويتم توزيع جزء من رسوم الامتياز الخاصة باستغلال الغابات على المجتمعات المحلية والمنظمات غير الحكومية التي ترصد كيفية قيام أصحاب الامتيازات بتوفير الرعاية الواجبة لمناطق الغابات التي أوكلت إليهم، وذلك عن طريق قيامها باستخدام صور الأقمار الصناعية والزيارات الميدانية.
وفي المناطق التي تقع حالياً خارج نطاق الضغوطات الزراعية، يقول التقرير إن التحدي الحالي يتمثل في القضاء على الصراعات المستقبلية. فتصحيح الوضع القانوني للمناطق المحمية والاعتراف بأراضي الشعوب الأصلية يمثلان منهجين جرى استخدامهما بنجاح في هذه المنطقة.