حلم أخضر – تقرير: حمدي حشاد
احتدم الجدل مؤخراً حول تقديم الحماية لعدة ملايين محتملة من “لاجئي المناخ” الذين تشردوا أو سيتشردون بفعل تقلبات الطبيعة. بات العلماء يطلقون عليهم اسم “لاجئي المناخ” ممن اضطرتهم الظروف للهرب من ارتفاع مستوى البحار وزحف الجفاف إلى أراضيهم وحقولهم، وفق دراسة عرضت في إطار المؤتمر العالمي لارتفاع حرارة الأرض الذي عقد مؤخراً في اكستر في جنوب غرب بريطانيا.
فوفقاً للدراسة قد تتسبب الاضطرابات المناخية من الآن وحتى العام 2050 في تشرد نحو 150 مليون شخص يرجح أن يكون ثلثهم من دول جنوب البحر المتوسط.
ويخشى أن يؤدي ارتفاع حرارة الأرض إلى تفاقم المشكلات الناجمة عن التصحر أو نقص في مياه الشرب التي تعاني منها دول شمال إفريقيا، ويعيش في هذه المنطقة حاليا 200 مليون شخص، يعتبر 60 مليون شخص منهم محرومين من المياه الصالحة للشرب، حيث يحصل كل شخص على اقل بكثير من ألف متر مكعب من المياه سنويا، فعلى سبيل المثال يقدر نصيب الفرد في تونس بـ387 متر مكعب من المياه العذبة.
مسألة التغير المناخي تعتبر من أقوى عوامل التغيير السياسي والاقتصادي في التاريخ. وفي الآونة الأخيرة، تدفقت نحو أوروبا موجات من اللاجئين الذين فروا من حروب الشرق الأوسط، وآخرين هربوا من بداية انهيار النظام البيئي في دول جنوب البحر المتوسط.
وكانت تأثيرات موجات اللاجئين تلك، أكبر من كل التوقعات وقد شملت «بريكسيت» (تصويت البريطانيين للخروج من الاتحاد الأوروبي)، وانتشار الإسلاموفوبيا عبر العالم الغربي. وظهور ردود فعل ذات أبعاد سياسية شملت العداوة، والكره، والتشاحن، ومحور دعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في حملته الانتخابية.
بات التغير المناخي يثير الكثير من القضايا السياسية والاقتصادية المرتبطة مباشرة بتشرد ونزوح ملايين الناس في دول شمال إفريقيا حيث أنتقل النقاش من أروقة الجامعات إلى خطابات السياسيين ودعاية الأحزاب.
فمشكلة الهجرة الضخمة إلى أوروبا اليوم ليست سوى صورة مصغرة لما سيشهده المستقبل من تحول ملايين من الناس إلى لاجئي مناخ. ومن غير الممكن أن نتوقع اليوم ما سيكون عليه العالم في المستقبل نتيجة تزايد حرارة الأرض، وارتفاع مستويات البحار، وزحف التصحر، وتفاقم الجفاف، وتفجر الكثير من الاحتكاك بين ملايين الناس.
في الواقع، أخذ لاجئو المناخ يصبحون ظاهرة عالمية ذات أبعاد هائلة. وهذا يطرح سؤالاً طارئاً: إلى أين سيذهب 50 مليون لاجئ في السنوات العشر المقبلة؟ هل سيتشردون في الأرياف مثل عصابات الهيامين في العصور الوسطى التي كانت تغير على قلاع النبلاء؟ فإن موجات الحر والجفاف الناجمة عن الإحترار المناخي أصبحت تغطي الآن 10% من مساحات البر في العالم، مقارنة مع 0.02% فقط قبل 50 سنة. وهذا سيتسبب في النهاية بحركات نزوح هائلة للاجئي المناخ ستغير من الخارطة السياسية للعالم.
يبقى هذا الموضوع غير معرف اقتصاديا واجتماعيا في دول جنوب المتوسط بشكل كافي يؤهلها لتتصدر أولويات السياسات التنموية والاستراتيجية مستقبلاً، ففي تونس على أقل تبدو جذور هذه الأزمة موجودة منذ بضعة سنوات لكنها لم تأخذ شكل أزمة اجتماعية معرفة وموثقة من قبل الدوائر المختصة حيث أجبرت موجات الجفاف المتتالية.
وتملح التربة مئات الألوف من سكان الريف التونسي على ترك أراضيهم والنزوح نحو المدن الكبرى للبحث عن حياة أفضل وهو ما يمكن اعتباره أزمة نزوح مناخي داخلية مازالت في أطوارها الأولى ولم تتجاوز بعد حدود الوطن الواحد، لكن يبقى الأمل منوطاً في مدى مسؤولية النخبة السياسية والعلمية في تخفيف من تداعيات أزمة كبيرة بدأت بوادرها تلوح فالأفق.
* المصدر: منظمة “كلايمت تراكر Climate Tracker” المتخصصة في قضايا المناخ.