(متابعات) تقرير: ألف هورنبورغ، BBC
على الرغم من الجهود التي بذلها الملايين من الثوريين والناشطين والسياسيين والمنظرين على مدى القرنين الماضيين في مجال الحفاظ على البيئة، لم يتمكن أحد بعد من التصدي للاستقطاب الاقتصادي والتدهور البيئي اللذين أفرزتهما العولمة.
وقد يرجع ذلك إلى انسياقنا وراء أساليب التفكير الخاطئة عن تكنولوجيا الطاقة والاقتصاد التي هيمنت على النقاشات الحالية عن تغير المناخ.
لقد زادت انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري إلى حد غير مسبوق وارتفعت معها نسب القلق والخوف بين الناس من مآلات تغير المناخ، وتصدرت عناوين الصحف تقارير وتكهنات عن زوال الحضارات أو فناء البشر.
وحذر العلماء من اقتراب نهاية العالم ما لم نخفض الانبعاثات في غضون 10 سنوات بمقدار النصف. ويطالبنا طلاب المدارس مثل غريتا ثانبرغ والحركات المناهضة لتغير المناخ مثل “التمرد على الانقراض” بأن نستشعر جسامة الموقف. لكن ما هو الحل لتفادي الكارثة؟
يعلق الكثير من العلماء والساسة وكبار رجال الأعمال آمالهم على التطور التكنولوجي، إذ يرى الكثيرون أنه يمكن تسخير التكنولوجيا الحديثة للنهوض بمشروعات الطاقة المتجددة والاستغناء عن الوقود الأحفوري، أو لإزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي أو للتحكم في المناخ عن طريق تطبيقات “هندسة المناخ”.
لكن هؤلاء فاتهم أن تطبيقات تكنولوجيا الطاقة تتطلب إنفاق مبالغ طائلة وسيترتب على ذلك الاعتماد على العمالة والموارد الواردة من مناطق أخرى.
كلفة الحفاظ على البيئة
يلبي الوقود الأحفوري 90 في المئة من احتياجات العالم من الطاقة. وفي عام 2017، لم تغط الطاقة الشمسية إلا 0.7 في المئة من الطلب العالمي على الطاقة، بينما غطت طاقة الرياح 1.9 في المئة فقط.
وثمة تحديات عديدة تواجه مشروعات الطاقة المتجددة، منها مساحات الأراضي التي تحتاجها. إذ يقول الخبراء إن الاعتماد كليا على مصادر الطاقة المتجددة بدلا من الوقود الأحفوري سيتطلب مساحات شاسعة من الأراضي.
ولهذا اقترحت مشروعات عديدة لمحطات الطاقة الشمسية استغلال أراض قاحلة مثل الصحراء الكبرى. لكن هذه المشروعات لا تستقطب الكثير من المستثمرين بسبب عدم جداوها اقتصاديا.
ومنذ 10 سنوات، على سبيل المثال، انهار مشروع “ديزيرتيك” الذي كانت تكلفته المتوقعة 400 مليار يورو بعد انسحاب كبار المستثمرين واحدا تلو الآخر.
وفي الوقت الحالي، تعد محطة “ورزازات” للطاقة الشمسية في المغرب أكبر مشروع للطاقة الشمسية في العالم، إذ تغطي المحطة مساحة قدرها نحو 25 كيلومترا مربعا وبلغت تكلفة بنائها نحو تسعة مليارات دولار.
وصممت المحطة لتوفير الكهرباء لنحو مليون شخص، أي أن المغرب ستحتاج 35 مشروعا في حجم محطة ورزازات بتكلفه 315 مليار دولار لتوفير الكهرباء لجميع سكانها.
ولا تخلو محطات الطاقة المتجددة أيضا من انبعاثات الكربون، إذ لا تزال توربينات الرياح ومحطات الطاقة النووية تعتمد على الطاقة المستمدة من الوقود الأحفوري لتشغيلها وصيانتها وتوليد الطاقة. ولهذا يأمل البعض أن تستخدم التقنيات الحديثة في إزالة الكربون من انبعاثات المصانع ومحطات الطاقة.
ولو افترضنا أن الطاقة المتجددة أصبحت تلبي 100 في المئة من احتياجاتنا من الكهرباء، فإن المركبات الجوية والسفن التي تدار بالكهرباء لا تزال حديثة وقليلة العدد نسبيا ولن تحل محل المركبات التي تعمل بالوقود الإحفوري.
وفي الوقت نفسه، لا يزال إنتاج الفولاذ والإسمنت المطلوبين لبناء محطات الطاقة المتجددة مصدرا رئيسيا للغازات المسببة للاحتباس الحراري.
مشكلة التكنولوجيا العالمية
قد يبدو أن هناك إجماع عالمي على أن حل مشكلة تغير المناخ يكمن في إحلال تقنيات جديدة لتوليد الطاقة محل التقنيات الحالية. رغم أن الاختراعات والتقنيات طالما ارتبطت بجمع المال.
إذ تعد الآلات البخارية، على سبيل المثال، اختراعا متطورا لتسخير الطاقة الكيميائية للفحم، لكن في الحقيقة لولا تجارة العبيد والقطن الخام والأقمشة القطنية عبر المحيط الأطلسي لما أقيمت المصانع التي تعمل بالبخار في مانشستر في القرن التاسع عشر.
وكانت تقنيات توليد الطاقة من البخار تعتمد على العلاقات التجارية الدولية، ليس اعتمادا ماليا فحسب، بل إن رواج الآلات البخارية كان مرهونا بتدفق العمالة وغيرها من الموارد، مثل الفحم من ويلز والحديد من السويد.
ويرى الكثيرون أننا لم ندرك بعد آثار “التطور التكنولوجي”، فالسيارات الكهربائية والأجهزة الصديقة للبيئة كثيرا ما تنطوي على نقل أعباء العمل والأضرار البيئية إلى مناطق أخرى من العالم.
وقد يرى مستخدمو هذه السيارات الكهربائية أنها عادلة وغير مضرة للبيئة. وقد يرجع ذلك إلى نمط الإنتاج الرأسمالي، الذي جعل كل شيء تقريبا يُشترى بالمال، ودفع الناس إلى البحث باستمرار عن أفضل الصفقات، مثل استخدام العمال الذين يتقاضون أقل الأجور والحصول على أرخص الموارد من الدول الأقل تطورا.
وعلى الرغم من أن معظم الناس يريدون القضاء على انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، إلا أن الخطوات التي يطالب النشطاء والحركات المناهضة لتغير المناخ بتنفيذها لتحقيق هذا الهدف، ليست واضحة بعد.
إعادة هيكلة النظام الاقتصادي
ويرى البعض أن مشاكل الاقتصاد العالمي المعاصر سببها استخدام المال لتنظيم العلاقات الاجتماعية والبيئية، وأن هناك طرقا بديلة للبيع والشراء.
ومن بين هذه الطرق أن تصدر السلطات المحلية عملة مكملة للعملة التقليدية الوطنية، وتوزعها على السكان كدخل أساسي شامل على أن يقتصر استخدامها على شراء السلع والخدمات التي جرى إنتاجها في نطاق محدد لا يبعد كثيرا عن منفذ البيع.
وهذه العملة تختلف عن العملات المحلية، مثل جنيه بريستول، التي يمكن أن تشتري بها سلعا مصنعة في أي منطقة بالعالم، ما دمت تشتريها من متجر محلي. لكن هذه العملات المحلية لن تحول دون توسع السوق العالمية.
في حين أن العملة الخاصة التي لا تستخدم إلا لشراء منتجات مصنعة محليا ستمنع بالفعل تغول العولمة. لأنها ستسهم في تخفيض الطلب على النقل العالمي، الذي يعد المصدر الرئيسي لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وستثري المجتمعات وتزيد من قدرتها على استخدام مواردها المحلية بكفاءة لمواجهة الكوارث والأزمات الخارجية.
ولن تسعى الشركات العالمية لتأسيس مصانعها في المناطق التي تقل فيها الأجور أو تكون فيها التشريعات البيئية أكثر تراخيا، كما هو الحال الآن.
إن توطين الاقتصاد بهذا الشكل لزيادة الإنتاج المحلي، لا يعني أن المجتمعات ستخفض استهلاكها للكهرباء، لإنارة المستشفيات مثلا وتشغيل الأجهزة الكهربائية، لكنه سيسهم في تقليل الاعتماد على البنى التحتية العالمية التي تدار بالوقود الأحفوري لنقل الناس والسلع الغذائية وغيرها حول العالم.
وستكون الطاقة الشمسية بالطبع مكونا لا غنى عنه للأنظمة المقبلة. لكن التكنولوجيا وحدها لن تنقذ البشرية، بل إن إعادة هيكلة النظام الاقتصادي العالمي قد تكون طوق النجاة لكوكب الأرض.
المصدر: موقع BBC