تواجه مهنة تربية النحل وإنتاج العسل في اليمن تحديات جمة جراء تأثيرات تغير المناخ، ما جعل النحالين عرضة للتهديدات المستمرة لحوادث المناخ المتطرفة
■ محمد الحكيمي – (صدى/ Carnegie)*
قبل 10 أعوام ونيّف، مع بدء الاضطرابات في اليمن، وتفاقم الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة، وما أعقبها من اندلاع الصراع في البلاد، اختارت الشابة ليلى سنان العمل نحالة.
بشغف كبير، مضت قدماً في تربية النحل وإنتاج العسل كمصدر للدخل، لتكون في طليعة النساء اليمنيات اللواتي اقتحمن العمل في قطاع اقتصادي لطالما احتكره الرجال.
ومن منزلها في شارع الزراعة في العاصمة اليمنية صنعاء، بدأت ليلى عملها في تربية النحل، من خلال حصولها على خلية واحدة جلبتها من الجامعة. وعقب حصولها على البكالوريوس في الزراعة، استطاعت هذه الفتاة اكتساب خبرة جيدة في تربية النحل، وبدء إنتاج العسل.
بالرغم من نجاح ليلى، بوصفها منتجة للعسل، ومدربة في مجال تربية النحل؛ إلا أنها تواجه تهديدات متزايدة، كبقية النحالين، في الحفاظ على نحلها، حيث تضررت العديد من خلايا النحل التي تملكها، جراء تقلبات الطقس وتأثيرات المناخ.
فيديو وثائقي من كارنيجي: كيف يهدد تغير المناخ تربية النحل وصناعة العسل في اليمن؟
عرفت اليمن تربية النحل وإنتاج العسل منذ القدم، وبحسب الدراسات يعود تاريخ النحالة اليمنية إلى القرن الـ 10 قبل الميلاد. ويشتهر العسل اليمني بجودته العالية، ويمتاز بخصائص علاجية عالية، ويعد من أغلى وأجود أنواع العسل في العالم.
في العقد الأخير، واجهت مهنة النحالة وتربية النحل في البلاد، -وما تزال- تأثيرات عدة، نتيجة تغيرات المناخ، وتذبذب مواسم وكميات الأمطار، وارتفاع درجة الحرارة، فضلاً عن زيادة الأنشطة البشرية والحضرية، وتداعيات الصراع، وقد أثرت كل تلك العوامل على مساحات شاسعة من المراعي والحقول الزراعية. وفرضت تحديات قاسية على مربيي النحل.
تأثر قطاع النحل وإنتاج العسل اليمني بشدة، في العامين الماضيين، جراء الصدمات البيئية والمناخية. ولعل من أبرز تلك التأثيرات كان الجفاف الشديد، والفيضانات المفاجئة التي شهدتها البلاد، حيث كانت الأسوأ منذ 4 عقود. ما أدى إلى تفاقم أزمة الأمن الغذائي، وتدهور الأراضي، وبالتالي تناقص الغطاء النباتي، ومراعي النحل في البلاد.
تقول ليلى: «من الصعوبات التي تواجه أي نحال وأنا منهم، هو هطول الأمطار لمدة أيام متواصلة! فالنحل لا يستطيع الخروج من الخلية ولا يسرح مع النحل السارح [النحل الكشاف]، وفي هذه الحالة نضطر إلى القيام بعمل تغذية داخلية للنحل وتزويده بالماء إلى داخل الخلية. وهذا طبعاً يضر بالنحل ويتعبه».
على الضفة الأخرى، في منطقة الضباب التابعة لريف محافظة تعز جنوبي غرب اليمن، يعمل محمد فارع منذ أكثر من عقدين، في مهنة النحالة وإنتاج العسل. لكنه اليوم يواجه تحديات مريرة، جراء شحة الامطار والجفاف الذي شهدته المناطق الجنوبية الغربية والصحراوية خلال العامين الماضيين.
تواجه مهنة تربية النحل وإنتاج العسل في اليمن تحديات جمة جراء تأثيرات تغير المناخ، ما جعل النحالين عرضة للتهديدات المستمرة لحوادث المناخ المتطرفة.@MohamedAlhakimi @holmakhdar https://t.co/R1uJGBpBVd
— Sada / صدى (@SadaJournal) February 23, 2023
مع بداية العام 2022، انخفضت معدلات سقوط الأمطار عن المعتاد في عدد من مناطق البلاد، مما فاقم المعضلة على مربيي النحل خلال موسم انتاج العسل اليمني.
يقول فارع: «لقد فقدت في العام الماضي 150 خلية نحل، وفي هذه السنة فقدت 200 خلية، بسبب الجفاف. وكل ما تبقى لدي اليوم هو نحو 150 خلية».
شكلت التغيرات المناخية في اليمن، أزمة جديدة لمربيي النحل، داخل الأزمة الكبرى التي تعيشها البلاد. تعرض النحالون لخسائر فادحة جراء تقلبات الطقس، وهطول الأمطار غير الموسمية.
فقد الكثيرون مصدر دخلهم نتيجة الفيضانات المفاجئة التي جرفت الالاف من خلايا النحل، علاوة على ذلك، أعاقت الحرب تنقلاتهم المعتادة في مناطق الساحل الغربي، بحثاُ عن الأزهار.
يضيف النحال محمد فارع إنه منذ العام 2011، وحتى الان، تأثر النحل بشكل لا يتصور بسبب قلة الامطار وقلة الزهور. وإنتاج النحل لم يعد مثلما كان نتيجة تلوث البيئة جراء الحرب والسموم. وكذلك تعاقب المواسم يشهد اختلافاً، في مطلع هذا الصيف لم تهطل أمطار هنا، ولهذا نضطر الى الانتقال من مكان الى آخر كل ثمانية أو عشرة أيام.
فيديو: فعالية إطلاق سلسلة صدى الوثائقية بمشاركة حلم أخضر: مواجهة تغير المناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
ينتج النحالون اليمنيون محصولهم من العسل وفق الطرق التقليدية القديمة. تختلف تربية النحل في اليمن عن بلدان العالم، إذ تعتمد هذه المهنة على التنقل المستمر للنحالين المحليين طيلة العام من منطقة لأخرى، بحثاً عن المراعي والأزهار، ما يجعل محاصيلهم شديدة التأثر بالعوامل المناخية والبيئية.
يعمل في اليمن أكثر من 90 ألف نحال، وهم يتنشرون في 21 محافظة، وطبقا لبيانات إدارة الاحصاءات الزراعية، وصل إنتاج العسل اليمني إلى نحو 2,823 طن في العام 2020. لكن هذا الإنتاج يشهد تذبذباً وتراجعاً نتيجة الظروف المناخية.
يُقدر مدير الحملات في الإدارة العامة لوقاية النبات بوزارة الزراعة في صنعاء، المهندس علي محرز، أن حجم التداول لسوق العسل اليمني يقدر بنحو 500 مليون دولار سنوياً.
ويضيف محرز إنه من المتوقع أن يشهد هذا الرقم تراجعا يصل إلى 30 في المئة جراء الحرب، وبسبب الفيضانات والسيول التي جرفت آلاف من خلايا النحل، وأشار إلى أن هناك آلاف النحالين تكبدوا خسائر فادحة.
التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية على قطاع نحل العسل اليمني، دفعت المنظمات الدولية والإنسانية إلى التحذير من خطورة التهديد الذي يتعرض له النحالون.
في يونيو/حزيران الفائت، قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تقرير أصدرته، إن النزاع المسلح وتغير المناخ يهددان إنتاج العسل في اليمن، المعروف بإنتاج بعض من أفضل أنواع العسل في العالم.
تقول دراسة الحالة التي أجرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إن اليمن، مثل العديد من البلدان المتضررة من النزاع، يتأثر بشكل غير متناسب بتغير المناخ. وإن ارتفاع درجات الحرارة في السنوات الأخيرة، إلى جانب التغييرات الشديدة التي طرأت على البيئة، سبَّبت اضطراباً في النظام الإيكولوجي للنحل، الأمر الذي يؤثر سلباً في عملية التلقيح. وطبقاُ لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإنّ نحو 100 ألف أسرة يمنية تعمل على تربية النحل، وتعتمد عليها بوصفها المصدر الوحيد للدخل.
في كل موسم، لا تفرق التغيرات المناخية في تأثيراتها على النحل بين ليلى وفارع كنحالين تقليديين يعملون في مناطق مختلفة؛ إذ أن المعاناة واحدة، والنتائج تبدو قاسية على الجميع. ذلك أن آلاف النحالين يشاهدون نفوق نحلهم بمرارة، وهم عاجزين تماماً عن صنع حلول للتصدي لحوادث المناخ المتطرف.
* هذا المحتوى نقلاً عن موقع مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي (بإذن منه)
رابط المصدر الأصلي: CarnegieEndowment.org/Sada