• بقلم الدكتور رشاد الكامل
يعتبر الهواء من أهم المستلزمات الأساسية لأي كائن حي وإذا كان بمقدور الإنسان تجنب شرب الماء الملوث، وتناول الأطعمة الفاسدة لحين توفر البديل المناسب.
غير أنه لايستطيع التوقف عن التنفس لفترة تزيد عن خمس دقائق بغض النظر عن نوعية الهواء المتوفر.
حيث أن تنفس الهواء عملية مستمرة وبتوقفها تتوقف الحياة ، والأصل في الهواء أن يكون نظيفاً خالياً من أي ملوثات وان يبقى في حالة توازن بمكوناته المختلفة كما خلقه الله تعالى.
وقد برزت في العقود الأخيرة في مدينة تعز جنوب غرب اليمن، ظاهرة حرق المخلفات الصلبة من قبل المواطنين بشكل يومي للتخلص منها.
وذلك تفادياً للروائح الكريهة المنبعثة منها وانتشار القوارض والبعوض والحشرات في آماكن تجمعها.
ونتيجة للإضراب المتكرر من قبل عمال النظافة، فقد تكدست أكوام هائلة من القمامة في شوارع وأزقة المدينة بشكل كبير ومخيف وينذر بكارثة بيئية إذا لم يتم التعامل مع هذه الظاهرة بحزم وجدية.
وما إن تتراكم تلك المخلفات بتلك الكمية الهائلة والتي تصل لعدة أطنان، والتي يقع معظمها ضمن المخلفات العضوية الناجمة عن المنازل والمطاعم والفنادق، كبقايا للمواد الغذائية المتنوعة والتي تعد الشرارة الأولى لحدوث التلوث البيولوجي.
ويزداد الأمر سوءاً، مع بقاء تلك المخلفات في مكان تولدها وخاصة مع ارتفاع الطقس الحار وهطول الأمطار خلال موسم فصل الصيف في المدينة.
مما يؤدي إلى انبعاث الروائح الكريهة الناجمة عنها بالاضافة إلى نمو مئات الأصناف من الجراثيم والطفيليات والبكتريا الفتاكة.
كما أنها تعتبر عامل جذب لمزيد من أصناف متعددة من الحشرات والزواحف والقوارض والتي تقوم بنقل الكثير من الأمراض المعدية وعلى رأسها التيفود ومرض الكبد الوبائي والإسهال وخصوصاً عند الأطفال بحكم نشاطهم ولعبهم بالقرب منها .
وتكون الكارثة أكبر حينما يلجأ السكان إلى طريقة الحرق للتخلص من تلك المخلفات للأسباب التي ذكرت سابقاً وإننا في مثل هذا الموقف نشاطر الشاعر العربي بقوله:
«وقال أصحابي الفرار او الردى .. فقلت هما أمران أحلاهما مر»
فبقاء القمامة وتراكمها في الشوارع، وما يترتب عليها من انتشار الأمراض وتشويه المنظر الجمالي للمدينة، والإضرار بالبيئة، كل تلك السلبيات كانت مؤشراً لاتخاذ خطوة سلبية أخرى وهي: إقدام السكان على إحراق القمامة.
تعتبر هذه الطريقة خطرة للغاية على صحة السكان والأحياء المجاورة، وأثناء الحرق يحدث تطاير للدخان، وانبعاث الغازات السامة في كل الاتجاهات ولمسافات بعيدة في المدينة، وخاصة نواتج حرق البلاستيك، واللدائن المستخدمة في التعليب، بسبب انبعاث غاز كلوريد الهيدروجين ومركبات الدايوكسين المسرطنة، والتي تكون عواقبها وخيمة!
تتسرب تلك المركبات المسرطنة عن طريق الجلد، وتتسبب في حدوث تلف فوري للأوعية الدموية الرئوية.
إن الدخان الناتج عن حرق تلك المخلفات، له آثار سلبية على الجهاز التنفسي والعصبي والبصري للإنسان، ناهيكم عن مضاعفات مرضى الربو والتحسس والقلب.
بالاضافة إلى التسبب بحدوث حالات تشوهات الأجنة للمواليد في تلك المناطق، وزيادة نسب حالات السرطانات المختلفة. والتي بدأت تظهر البيانات ارتفاعها بصورة مخيفة في الآونة الأخيرة في مدينة تعز.
من الصعب جداً تحديد قيمة الأثر الصحي الذي يمكن أن يلحق بالمجتمع والأجيال القادمة، جراء تلوث الهواء الناتج عن حرق المخلفات ،فسوف تكون الفاتورة الصحية باهظة التكاليف، ان لم نتدارك هذه المشكلة الخطيرة بأسرع وقت ممكن.
فتلوث الهواء يستنشقه جميع أفراد المجتمع، بمختلف فئاتهم ومستوياتهم الثقافية والاقتصادية، وعلى الجهات المسؤولة، وذات العلاقة مثل المجالس المحلية، وضع قيود وقوانين صارمة تحد من هذه الظاهرة الخطيرة.
ومعاقبة كل من يقوم بهذا العمل الخطير والذي يعاقب فيه الجميع بدون استثناء ، وأخيراً نقول: الوقاية خير من العلاج.
*الدكتور رشاد الكامل: أمين عام جمعية أصدقاء البيئة وتنمية المجتمع – تعز
المصدر: صحيفة الجمهورية