حلم أخضر – تقرير خاص
تتعرض السلاحف البحرية في المياه اليمنية للعديد من التهديدات المستمرة من قبل البشر، ويزداد اليوم خطورة هذا الأمر بصورة كبيرة، نتيجة تناقص أعدادها في البحار اليمنية، وشواطئ المحميات الساحلية.
تعد جميع أنواع السلاحف البحرية حيوانات مهددة بالانقراض في جميع أنحاء العالم، وهي مدرجة في القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة IUCN. وأي شكل من أشكال صيدها في جميع أنحاء العالم يعد غير قانوني.
ووفقاُ لتقرير الهيئة العامة لحماية البيئة للاهم 2014، تم تسجيل خمسة أنواع من السلاحف المتواجدة في المياه اليمنية، وهذه الأنواع هي: السلاحف الخضراء، السلاحف صقرية المنقار، والسلاحف ضخمة الرأس، والسلاحف جلدية الظهر. والسلاحف الزيتونية (ردلي الزيتونية) Olive ridley.
وتعد اليمن احدى الدول الموقعة على اتفاقية الاتجار الدولي في الأنواع المهددة بالانقراض، (اتفاقية سايتس CITES). والتي صادقت عليها اليمن في العام 1997، وقد أدرجت السلاحف البحرية في الملحق من هذه الاتفاقية. وهي بموجبها تحظى بالحماية من التجارة الدولية.
سقطرى: صيد السلاحف مستمر
في جزيرة سقطرى اليمنية، التي توصف بأنها “المكان الأكثر غرابة على الأرض”، تتواجد الأنواع الأربعة من السلاحف البحرية دوناً عن كافة مناطق اليمن، وهي: السلاحف الخضراء، السلاحف صقرية المنقار، السلاحف الكبيرة الرأس، والسلاحف جلدية الظهر.
وفي العام 2010، دشنت هيئة حماية البيئة في سقطرى، إطلاق برنامج مراقبة السلاحف البحرية. وقد ركز هذا البرنامج بطريقة أساسية على محمية عبلهن البحرية الواقعة غرب مدينة حديبو عاصمة الجزيرة.
حيث تضع الكثير من السلاحف بيضها في رمال محمية عبلهن، خلال موسم الرياح الموسمية، ويشارك في برنامج حماية سلاحف سقطرى، أعضاء من المجتمع المحلي، وأفراد من الشرطة، وفريق من هيئة حماية البيئة.
وفي كل عام، يمتد موسم تعشيش السلاحف البحرية في سقطرى، من بداية مايو حتى نهاية أغسطس، وأثناء هذه الفترة تصل الى شواطئ الجزيرة قرابة 200 أنثى سلحفاة، لوضع بيضها هناك، حسب تقديرات هيئة البيئة وبرنامج صون سقطرى.
وتقول الباحثة سوزانا تولريانوفا، في مقالة نشرتها قبل سنوات بعنوان: “استمرار اصطياد السلاحف في سقطرى”، أن “المئات السلاحف التي تصل شواطئ سقطرى للتعشيش ووضع البيض، لا تستطيع إنجاز مهمتها بنجاح. بسبب أنها تلقى مصير فادح، وتتحول الى وجبة مكملة للغذاء السقطري. حيث يتناولها بعض السكان المحليون اثناء قضاء أوقات السمر في الليل”.
ويؤكد الباحث جمال الحراني، وجود عدد من اعشاش السلاحف في ساحل رأس كدمه، في جزيرة عبد الكوري (أحد جزر سقطرى)، والتي تتعرض للاستغلال من قبل سكان الجزيرة الذين يقومون بذبحها.
وتعد لحوم وبيض السلاحف ضخمة الرأس، شائعة الاستهلاك بين السكان المحليين، خاصة في جزيرة عبد الكوري.
وطبقاً للباحثة سوزانا: “يعتقد السكان المحليون في سقطرى، أن زيت ولحم السلاحف لديه خاصية سحرية، تعالج جميع الأمراض. مما يجذب الكثير من صائدي السلاحف الذين يقومون بالتلصص على طول الشواطئ في الظلام على سيارتهم أو على القوارب أو سيراً على الاقدام”.
وعلى امتداد الشاطئ في محمية السلاحف بمنطقة عبلهن بسقطرى، كان يتناوب 8 حراس متطوعون من المجتمع المحلي، من برنامج حماية ومراقبة السلاحف، للقيام بدوريات مراقبة صائدي السلاحف.
لكن هذا العدد من المتطوعين يظل غير كافي، لحماية شواطئ محمية عبلهن، الممتدة على طول الساحل الذي تبلغ مساحته 12 كيلومتر.
وفي نهاية يونيو 2011، تم الإبلاغ عن وجود 48 سلحفاة مقتولة في مناطق متفرقة في جزيرة سقطرى، في حين أن العدد الكلي الاجمالي للسلاحف المقتولة كان أكبر بكثير.
توجد جثث السلاحف في جميع انحاء الجزيرة، بعضها تم العثور عليه في مخابئ الكهوف. وبعضها يترك في العراء على الشواطئ أو في المناطق الداخلية مثل وادي عيفات أو درهور.
قبل 10 سنوات، حقق برنامج مراقبة السلاحف البحرية في سقطرى، نوعاً من النجاح في إيقاف جرائم صيادي السلاحف، نتيجة لجهود الحراسة الليلية، وزيادة التعاون بين البرنامج والسطات الأمنية في الجزيرة.
وقبل اندلاع الحرب في اليمن، كان البرنامج يقوم بإلقاء القبض على مجموعة من الصيادين وهم في حالة تلبس بجريمة صيد السلاحف في منطقة المحمية. وتم وضعهم في السجن لعدة أيام.
وفي منتصف 2011، ووفقاً للباحثة سوزانا تم رفع ملف بحوالي 37 جريمة قتل وقعت ضد السلاحف إلى محكمة حديبو. لكن لم يتم إدانة أي متهم حتى الآن. ولم يتم تطبيق عقوبة السجن لشهرين، أو دفع مبلغ غرامة 10,000 دولار أمريكي حسب قانون مصائد الأسماك في سقطرى.
خلال الفترة الأخيرة، وفي ظل الأوضاع المضطربة التي تعيشها سقطرى، تم الإبلاغ عن استخدام الأسلحة النارية في صيد السلاحف من قبل الصيادين، بحسب ما أورده ناشطين كانوا في برنامج مراقبة السلاحف، والذي تعثر عمله نتيجة خروج الجزيرة عن سيطرة السلطات الحكومية.
العبث بمحمية السلاحف
منذ اندلاع الحرب في اليمن قبل 6 سنوات، ظلت جزيرة سقطرى بعيدة عن القتال بسبب بعدها الجغرافي، لكنها ولأسباب غير مبررة خرجت عن قبضة السلطات اليمنية، وأصبحت منذ 4 سنوات تحت سيطرة قوات تابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة. بحسب إفادة مسؤولين في الحكومة اليمنية.
وفي مطلع مارس/آذار 2018، أفاد تقرير صحفي، عن قيام السلطات ببيع محمية السلاحف في منطقة “عبلهن”، وتشييد سور على شواطئ المحمية، وفقاً لمذكرة رسمية، صدرت مطلع فبراير/شباط 2018، وحصلت عليها الاناضول، على حد قولها.
وقال التقرير: “لم يتوقف الأمر عند بيع محمية السلاحف، لكن الأمر امتد إلى بيع وتصدير الشعب المرجانية في الجزيرة”.
تحذير دولي لحماية السلاحف
في 18 يونيو/حزيران 2018، قدم الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة توصيات عن الأضرار التي تهدد بيئة السلاحف في جزيرة سقطرى، بسبب عمليات التنمية غير الخاضعة للرقابة لسلطات الجزيرة، والتي تتعلق بشكل أساسي بالاستثمار الخاص في المنطقة.
وقد شملت تلك التوصية التحذير من إقامة المنتجعات الترفيهية في المناطق الحساسة بيئياً، والتي تلحق الضرر بالشعاب المرجانية وشواطئ تعشيش السلاحف البحرية في سقطرى، ومنشآت تصدير الأسماك التي تضغط على مصايد الأسماك التقليدية وتزيد من أسعار الأسماك، مما يجعلها غير ميسورة التكلفة بالنسبة للسكان المحليين.
سقطرى توجه بضبط الصيادين
وفي يونيو/حزيران 2020، وجهت السلطة المحلية في جزيرة سقطرى، الجهات الأمنية بضبط من يقوم باصطياد السلاحف من شواطئ الجزيرة. بحسب ما ذكرت وسائل اعلام محلية.
وقال مدير عام الهيئة العامة لحماية البيئة في الجزيرة علي محمد سالم في تصريح صحفي، أن “هيئة حماية البيئة لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه من يقوم باصطياد السلاحف من الجزيرة”.
وقال علي سالم ” أن عمليات الاصطياد للسلاحف في جزيرة سقطرى، زادت في السنوات الأخيرة بسبب توقف نشاط مراقبة اصطياد السلاحف بسقطرى منذ بداية الصراع في الجزيرة”. مؤكداً “أن ذلك كان له تأثير كبير في تفاقم مشكلة الاصطياد للسلاحف من شواطئ الجزيرة”، على حد قوله.
شرمة: 250 سلحفاة تعرضت للصيد
وفقاً للتقرير الوطني للتنوع الحيوي، توجد نوعين أساسيان من السلاحف البحرية في محمية شرمة -جثمون في محافظة حضرموت. النوع الأول: السلاحف الخضراء. والنوع الثاني: السلاحف صقرية المنقار.
تم تصنيف محمية شرمة – جثمون الواقعة في محافظة حضرموت شرق اليمن، باعتبارها أهم المواطن الطبيعية لتعشيش وحضانة بيض السلاحف الخضراء على مستوى المنطقة، وفقاً لدراسات هيئة البيئة.
خيث صُنف شاطئ رأس شرمة، بأنه أهم منطقة تعشيش للسلاحف الخضراء في المنطقة العربية بأكملها، بما في ذلك منطقة البحر الأحمر وخليج عدن. ويشير التقرير الوطني لهيئة حماية البيئة للعام 2014، إلى إنه قد تم تسجيل ما يقارب من 1000 ألف سلحفاة في هذه المنطقة.
لكن السلاحف البحرية في محمية شرمة، تتعرض لتهديدات خطرة ومستمرة من قبل السكان المحليين، الأمر الذي يهددها بالانقراض من هذه المحمية، لتلقى ذات المصير الذي واجهته السلاحف صقرية المنقار طيلة العقود الأخيرة.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، كشف تحقيق صحفي بثه حلم اخضر، عن جرائم صيد وقتل مستمرة، تطال السلاحف الخضراء في محمية شرمة. ورصد التحقيق صيد 18 سلحفاة في شرمة وبيع لحومها لمطاعم الأطعمة البحرية. في ظل عدم وجود تشريع رادع من قبل السلطات حيال تلك الجرائم.
وفي 2017، أورد تقرير صحفي، تعرض أكثر 250 سلحفاة في سواحل محمية شرمة في حضرموت، للقتل والافتراس من قبل البشر، بسبب استمرار الجزارين ببيع لحومها للمطاعم التي تقدم الأطعمة البحرية.
ونتيجة لكل تلك الجرائم البيئية، اختفت قبل 10 سنوات، السلاحف صقرية المنقار من سواحل محمية شرمة في حضرموت، بسبب استمرار عمليات الصيد وبيع لحومها لمطاعم الماكولات البحرية. ولعل السلاحف الخضراء المتبقية في هذه المحمية، ستلقى ذات المصير، وستواجه خطر الانقراض.
وفي 18 ابريل/نيسان الفائت، أطلق حلم أخضر حملة توعية على منصاته في شبكات التواصل، ووجه فيها نداءاً إلى السلطات المحلية في محافظة حضرموت، للتحرك من أجل إيقاف صيد السلاحف الخضراء في محمية شرمة وجثمون، لكن وحتى اليوم لم تحدث أية استجابة من قبل السلطات في حضرموت.
الكلاب تهدد السلاحف:
في ورقة بحثية، أشار الباحث البيئي جمال الحراني، إلى مخاطر أخرى تهدد السلاحف البحرية، وهي التجمعات التي تكونها الكلاب الضالة في الشواطئ، مما يجعل السلاحف الصغيرة عرضة للخطر المستمر.
وبحسب الحراني، تم رصد هذه التجمعات فوق مواقع التعشيش للسلاحف الخضراء في منطقة رأس شرمة- جثمون في حضرموت.
تصطاد الكلاب، بيض السلاحف، وقد تم الإبلاغ عن بعض الحوادث في شواطئ التعشيش في شواطئ رأس شرمة في حضرموت. في حين يصطاد السكان المحليون بيض السلاحف في جزيرة عبد الكوري في سقطرى.
وتتعرض صغار السلاحف للاختناق والموت، اثناء وقوعها في شباك الصيادين، وخصوصاً بالقرب من مواقع التغذية ومناطق التعشيش.
كما ارتفعت التهديدات على بيئة السلاحف جراء زيادة النشاطات البشرية في الشواطئ، وفوضى الضوضاء والإضاءة الاصطناعية، وحركة الأشخاص والسيارات في شواطئ التعشيش.
عدن: 3 سلاحف تذبح يومياً
في جزيرة العزيزي الواقعة في منطقة رأس عمران الساحلية في محافظة عدن جنوب البلاد، كونت الظروف المناخية بيئة مثالية لعيش السلاحف البحرية.
وخصوصاً السلاحف ذات المنقار الصخري، والسلاحف جلدية الظهر، إذ تقطع هذه السلاحف الآلاف من الأميال البحرية، لوضع بيضها في شواطئ هذه الجزيرة.
لكن إحدى الدراسات المحلية، أشارت إلى أن السلاحف جلدية الظهر، لم تعد شائعة جداً في البحار اليمنية. لكنها شوهدت من قبل صيادين محليين، بالقرب من ساحل رأس عمران في عدن، وفي أرخبيل سقطرى. في حين أنه لا توجد بيانات دقيقة عن أعشاشها في الشواطئ اليمنية.
وطيلة العقود الماضية، تم تسجيل منطقة رأس عمران في عدن، كشاطئ تعشيش مهم لسلاحف منقار الصقر في خليج عدن.
لكن العقد الأخير، شهد تزايداً مستمراً لجرائم صيد السلاحف في هذا الشاطئ. وارتفعت عمليات العبث بالبيض، وقتل صغار السلاحف وبيع لحومها للمطاعم البحرية في عدن. وفي سوق وحراج الأسماك في منطقة صيرة كان يجري بيع السلاحف في وضح النهار حتى نهاية العام 2018.
إلى ذلك، أدت الضوضاء والانوار الساطعة في المنطقة، ورحلات الزوار من السكان، إلى مفاقمة حالة النظام البيئي، وتعرض الشاطئ الذي كان مثالياً لتعشيش السلاحف لعملية تلوث واسعة بالعلب والاكياس البلاستيكية. مما عمل على منع السلاحف من وضع البيض في الشاطئ.
ومع ازدياد جرائم صيد السلاحف، أسس ناشطون في العام 2015، جمعية رأس عمران لحماية السلاحف البحرية، في عدن. وبحسب الجمعية فإنها حازت على عضوية في الاتحاد العالمي لصون الطبيعة IUCN.
وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أشارت مقالة نشرتها جمعية رأس عمران لحماية السلاحف على صفحتها في شبكات التواصل، إلى أن “أكثر من ثلاث سلاحف تقريباً، يتم ذبحها في اليوم الواحد في شاطئ تلك الجزيرة”.
في حين يتم رمي البيض في عرض البحر، وأن “قرابة 300 بيضة تتعرض للتلف وتنفق لأنها لم توضع تحت رمال الشاطئ”، وفقاً لما نشرته جمعية رأس عمران لحماية السلاحف في عدن.