■ الدكتور. عبد الغني جغمان
يُعرف تغير المناخ Climate Change، بأنه التعديل الدوري للمناخ الأرضي بسبب التغيرات في الغلاف الجوي والتفاعلات بين الغلاف الجوي والعوامل الجيولوجية والكيميائية والبيولوجية والجغرافية الأخرى داخل نظام الأرض.
ويشمل تغير المناخ أيضاً، ما يسمى بـ الاحترار العالمي Global Warming الناجم عن انبعاثات غازات الدفيئة (GHG emission) نتيجة الأنشطة البشرية وما ينجم عن ذلك من تحولات واسعة النطاق في أنماط الطقس.
ويعتقد أن التغير المناخي يحدث بسبب ارتفاع نسب غازات الدفيئة في الغلاف الجوي جراء الأنشطة البشرية، مما يتسبب بحبس المزيد من الحرارة.
وبحسب اللجنة الحكومية الدولية للتغيرات المناخية (IPCC)، وهي منظمة دولية تتبع الأمم المتحدة وتتألف من 3 آلاف من علماء المناخ؛ فإن هذا الاحترار الأسرع يتوافق بكثير مع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، التي تتزايد منذ الثورة الصناعية.
لذا، عندما يتحدث الناس عن تغير المناخ اليوم، فإنهم يقصدون تغير المناخ بسبب الإنسان. ويقصد به ارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض نتيجة للنشاط البشري، مثل حرق الفحم والنفط والغاز لإنتاج الطاقة لتغذية منازلنا وتنقلاتنا، والمصانع والمنشأت الصناعية، ونقل وقطع الأشجار لإنتاج الطعام.
ولأجل ذلك، وضعت الأمم المتحدة وهيئاتها، هدف عالمي يسعى لخفض الانبعاثات للغازات الدفيئة الى صفر بحلول العام 2050 (صافي صفر انبعاث Net Zero Emission).
هذا الهدف الأممي يسعى لضم أكبر عدد من الدول لتحقيقه، إلى جانب الشركات الانتاجية الكبرى، والمدن والمؤسسات المالية وقطاعات الاعمال.
يشير الصافي الصفري إلى التوازن بين كمية غازات الدفيئة المنتجة والكمية المُزالة من الغلاف الجوي. ويمكن الوصول إلى صافي صفر عندما لا تكون القيمة التي نضيفها أكبر من القيمة التي تمت إزالتها.
وفي حين أن الصافي الصفري هو هدفٌ هام طويل الأجل، فإن التخفيضات الحادة للانبعاثات – خاصةً من قبل أكبر مصادر انبعاثات غازات الدفيئة – ضروريةٌ في السنوات الخمس إلى العشر القادمة من أجل الحفاظ على الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية وحماية مناخٍ صالحٍ للعيش.
ولا تزال التخفيضات المجمعة للانبعاثات المخطط لها بحلول عام 2030، أقل بكثير من مستوى الطموح المطلوب لتحقيق هدف يتمثل بتخفيض درجة الحرارة بحوالي 1.5 درجة مئوية.
حيث ما تم إنجازه حتى الآن، هو نسبة تخفيض الغازات بمقدار 1% والمفترض ان تصل الى 45% بحلول العام 2030.
بمجرد النظر للتفاصيل، نجد أن قرابة 80 دولة من بين 191 دولة من الحكومات الموقعة على اتفاقية باريس، قدمت خطة عمل وطنية جديدة أو محدثة -تسمى المساهمات المحددة وطنياً (NDCs)- كما هو مطلوب بموجب الاتفاقية.
لكن في الواقع، كانت 8 دول فقط من أصل 191 دولة، هي التي حققت أهداف اتفاقية باريس للمناخ، حسب تصريح وزير التنمية الألماني غيرد مولر، لوسائل الاعلام في أغسطس/آب الجاري.
This week the #IPCC released its latest #ClimateReport, #ClimateChange 2021: the Physical Science Basis.
Read the report ➡️ https://t.co/uU8bb4inBB
Watch the video with captions in all UN languages here ➡️ https://t.co/edI5sZ2t2w pic.twitter.com/2fflayFnB6— IPCC (@IPCC_CH) August 11, 2021
تقرير أممي مثير للقلق
في تقريرها الصادر في 9 آب/أغسطس الجاري، حذرت اللجنة الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC، من عواقب وخيمة جراء استمرار ارتفاع درجة حرارة الأرض.
وفي التقرير المؤلف من 42 صفحة بعنوان: “ملخص لصانعي السياسات”، أشار إلى ان درجة حرارة الأرض في عام 2019، تعد الأعلى منذ عام 1970، حيث تجاوزت نسبة 1.5 درجة مئوية عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
وأفاد التقرير، أن درجة الحرارة، سوف تستمر في الارتفاع لأكثر من عقد، بغض النظر عن أي إجراءات دولية تهدف الى تخفيض الانبعاثات. لان الأثر قد أصبح موجوداً ولا يمكن تلافيه.
وقال التقرير: «أن تأثير البشر الضار على التغير المناخي حقيقة لا تقبل الجدال. وأن تغير المناخ يزداد حدة، ويحدث بوتيرة متسارعة ويؤثر بالفعل على كل منطقة من مناطق الارض».
ويذكر التقرير أن انبعاثات غازات الدفيئة الناجمة عن الأنشطة البشرية تسببت في الاحترار العالمي بمعدل لم يسبق له مثيل على الأقل في السنوات الماضية.
وبحسب المؤلفون فأن تغير المناخ الناجم عن البشر، مسؤول عن حوالي 1.1 درجة مئوية من الاحترار منذ 1850-1900، وهي الفترة الأولى التي تحتوي على قياسات موثوقة لدرجات حرارة السطح العالمي.
درجات الحرارة سترتفع
والأكثر من ذلك، وجد التقرير أنه من المتوقع أن تتجاوز درجات الحرارة العالمية درجتين مئويتين من الاحترار في هذا القرن “ما لم تحدث تخفيضات كبيرة في [ثاني أكسيد الكربون] وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري الأخرى في العقود المقبلة”.
وقالت فاليري ماسون ديلموت، الرئيسة المشاركة لمجموعة الخبراء في الفريق المعني بتغير المناخ IPCC، في بيان: “لقد كان من الواضح لعقود أن مناخ الأرض يتغير، ودور التأثير البشري على النظام المناخي لا جدال فيه.
ويرى كو باريت، نائب رئيس الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ وكبير مستشاري المناخ في الإدارة الوطنية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي، إن التقرير يظهر أنه بغض النظر عما يفعله البشر في المستقبل، فإن المستقبل سيكون أكثر سخونة مما هو عليه الآن.
ويقول باريت: «قد يكون من الصعب او المحبط التفكير في ان هناك الكثير من الاشياء التي لا رجعة فيها لفترة طويلة من الزمن “. لكن الخبر السار هو أن هذه التغيرات التي لا رجعة فيها يمكن أن تتباطأ مع تخفيضات سريعة وقوية ومستمرة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري».
وتقول كورين لو كوريه، أستاذة علوم تغير المناخ في جامعة إيست أنجليا في المملكة المتحدة، والتي لم تشارك في تقييم الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ: «يوضح التقرير تماما: إذا أردنا الحد من الاحترار إلى أي مستوى يمكن التحكم فيه، عليك فقط خفض الانبعاثات بشكل كبير وفورا. وقالت إنه على الرغم من أن النتائج قاتمة، فإن “مسؤولية العمل تقع على عاتقنا جميعاً».
إنذار أحمر للبشرية
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، قد علق على الامر بالقول: “إن تقرير مجموعة العمل 1 للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ اليوم بمثابة إنذار أحمر للبشرية”، مضيفا أنه “يدق أجراس الإنذار بأعالي الصوت، والأدلة التي أوردها لا يمكن دحضها”.
وأضاف غوتيريس “يجب أن يكون هذا التقرير بمثابة نقطة نهاية للفحم والوقود الأحفوري، قبل أن يدمرا كوكبنا. وإذا قمنا بتوحيد القوى الآن، سنتمكن من تجنب وقوع كارثة مناخية.”
ودعا غوتيريش الدول الغنية وبنوك التنمية إلى تقديم المزيد من الأموال للتكيف مع تغير المناخ في المناطق الفقيرة من العالم. وقال إنه يجب الوفاء بالتعهد السابق بجمع 100 مليار دولار سنويا لهذا الغرض.
وفي هذا التقرير، يذهب التقييم الجديد للفريق الدولي المعني بتغير المناخ، إلى أبعد من أي من التقارير السابقة للفريق في ربط تغير المناخ الناجم عن الإنسان بالزيادات في الظواهر الجوية المتطرفة في جميع أنحاء العالم.
وكتب واضعو التقرير “من المؤكد تقريبا ان الظواهر المتطرفة للمناخ (بما في ذلك موجات الحرارة) اصبحت أكثر تواترا وكثافة في معظم المناطق البرية منذ الخمسينات.
في حين ان درجات الحرارة الشديدة (مع موجات البرد) اصبحت اقل تواترا واقل حدة”، وأن الاحترار العالمي الناجم عن الانسان هو “المحرك الرئيسي” لهذه التغييرات.
وقد سلطت الأحداث الأخيرة، بما في ذلك الجفاف واسع النطاق غرب الولايات المتحدة، وموجات الحرارة بجميع أنحاء أوروبا وأمريكا الشمالية وحرائق الغابات المدمرة في اليونان وتركيا والولايات المتحدة، الضوء على عواقب ارتفاع درجة حرارة العالم.
ردود أفعال رافضة
ضمن ردود الأفعال، وبحسب ما تناقلته الأخبار، رفض رئيس الوزراء الأسترالي، سكوت موريسون، يوم أمس الثلاثاء 10 أغسطس/آب، الدعوات المتزايدة إلى «تبني أهداف أكثر طموحا للانبعاثات»، مُصراً على أن بلاده «تبذل ما يكفي من الأنشطة للتصدي لتغير المناخ».
وقال موريسون: «إن أستراليا تقوم بدورها”، وأضاف: لن اوقع شيكا على بياض باسم الاستراليين لأهداف من دون خطط».
وفقاً لـ المصادر، تعد أستراليا في طليعة أزمة المناخ العالمية، باعتبارها من أكبر مصدري الوقود الأحفوري في العالم وضحية للكوارث المتعددة التي تفاقمت بسبب المناخ.
وفي السنوات الأخيرة، عانت أستراليا من موجات جفاف شديدة، جراء اندلاع أكبر موجات حرائق الغابات في تاريخها، وفيضانات، وكوارث أخرى.
إلى ذلك، طالب وزير التنمية الألماني غيرد مولر، قبل نشر التقرير الاممي، بـ «مزيد من الدعم من الاتحاد الأوروبي للدول الفقيرة فيما يتعلق بحماية المناخ».
وقال مولر في تصريحات لصحف ألمانية: «نحن بحاجة إلى صفقة خضراء عالمية: باستثمارات ضخمة لتوسيع الطاقة المتجددة وكذلك نقل التكنولوجيا وحملة استثمارات من قبل الدول الصناعية في البلدان الناشئة والنامية».
هل ثمة تهويل؟
شخصياً، أجد أن هنالك تضخيم لما يحدث، فكما كان 2020 عام جائحة كوفيد-19، فهنالك تلميحات بان عام 2021 سيكون عام التغيرات المناخية. فالأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، يعتقد أن 2021 سيشهد “نجاحَ أو فشل” عملية مواجهة تغير المناخ.
ومن جهة ثانية، أفادت دراسة جديدة في جامعة ستانفورد بأن التغير المناخي أدى على مدار نصف القرن الماضي إلى تفاقم التفاوت بين دول العالم بنسبة تزيد عن 25%.
إذ عرقل النمو بالبلدان الأكثر فقراً، بسبب مواجهة تأثيرات عميقة ليس لدى اغلبها سوى قدرة محدودة على التعامل مع الكوارث الطبيعية الناتجة عن التغيرات المناخية.
برأيي الشخصي، يمكن القول هنا أن تغير المناخ لا يفيد أحداً على المدى البعيد، وإن استمرار هذه الظاهرة بلا انقطاع وبكامل قوتها الحالية سيجعلنا نواجه “تغيرات جامحة في المناخ تضر البشرية بشكل عام”.
المُشككين بأسباب التغيير المناخي
من جهة أخرى، هناك ما بين 20 إلى 30٪ من سكان الولايات المتحدة وأوروبا يُشككون أو لا يقتنعون بوجود ظاهرة الاحتباس الحراري أو بالمسؤولية البشرية عنها أو بمخاطرها”،
حيث يشير العالم فيرنر مونتر: “الى ان هنالك عدّة عوامل ينبغي أن تُؤخذ في الحسبان، فالشمس هي مصدر الطاقة الوحيد الذي يُسخّن الأرض وليس غاز ثاني أكسيد الكربون، والذي يحدد سخونة وبرودة كوكب الأرض هي الإشعاعات الشمسية والحقل المغناطيسي للشمس”، على حد تعبيره.
ومن وجهة نظر مونتر، فإن «ظاهرة الاحتباس الحراري ونسبتها إلى انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، هي أيضا قضية مزعومة! منذ أكثر من قرن ونحن نعلم بأن هذه الظاهرة لا يُمكن أن توجد، لأنها لا تتوافق مع قوانين الفيزياء».
ويقول فيرنر مونتر مستشهدا بدراسة للفيزيائي الأمريكي روبرت وود، بأن «علم المناخ القديم قد كشف على مدار مئات ملايين السنين عدم وجود علاقة بين ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي وبين درجة الحرارة فوق سطح الأرض».
هناك دليل آخر، يتمثل في أن ثاني أكسيد الكربون غير ضار نسبياً، وإنما هو “غاز حيوي، لا يمكن تصور وجود الحياة فوق كوكب الأرض بدونه”، وفق توضيح العالم مونتر، أثناء حديثه بمناسبة الاحتفال بمرور 125 عاما على تأسيس جامعة فريبورغ.
كما أن تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي لا يكاد يُذكر (0,04٪)، وأن 5٪ فقط من كمياته الحالية مصدرها الإنسان، “فهل يُعقل أن هذا بإمكانه إحداث تغيير في المناخ”.
بالنسبة لي، أرى أن ما تتوقعه النماذج المناخية قد تتغير بشكل مفاجئ جداً، بسبب انبعاث بركان هنا او هناك، او حدوث ظواهر طبيعية تغير تركيزات الغازات بشكل كبير.
ومن الممكن ان تحدث طفرة تكنولوجية، تعمل على تعزيز الوصول الى الطاقة النظيفة المتجددة في وقت أسرع من المتوقع.!
وبالتالي، قد يتطلب الامر إعادة النظر في كل مدخلات النماذج الخاصة بالتغير المناخي، ولا شك أن إهمال النماذج المناخية وتوقع الأفضل في الوقت نفسه قد يبدو عملاً غير مسؤول.