fbpx

اليمن: أزمة غاز الطبخ تفاقم الاحتطاب

تجارة الحطب على خط الحديدة

حلم أخضر – تقرير: حسين اليعبري

أدت الحرب الدائرة في اليمن منذ العام 2015، إلى مفاقمة الظروف الإنسانية والاقتصادية والبيئية على حد سواء. إذ تسببت بأسوأ أزمة إنسانية في العالم حسب وصف الأمم المتحدة.

وقد تسبب ذلك بالضغط على موارد البيئة الطبيعية واستغلال الغطاء النباتي على نطاق واسع.

فخلال السنوات الأخيرة، برزت مشكلة التحطيب وقطع الاشجار في المناطق الحراجية واراضي الغابات في البلاد، جراء ازمة المشتقات النفطية، وتحديداً مادة الغاز المنزلي.

اشجار ريف صنعاء عرضة للقطع المتزايد نتيجة أزمة الغاز /تصوير: حلم أخضر

أين تكمن المشكلة؟

تسببت عمليات الاحتطاب [الجائر] بتفاقم المشكلة، وأدت إلى زيادة استغلال الغطاء النباتي وتدهوره في عدة مناطق بالبلاد.

يتمثل ذلك الاستغلال في القطع الكلي للأشجار والنباتات الحراجية، لإنتاج الأخشاب والأحطاب وصناعة الفحم. واستهلاكها كوقود لأغراض الطبخ 

وبحسب ورقة سياسات أعدها الخبير الوطني المهندس محمد حسن مقبل، (حصل حلم اخضر على نسخة منها) فأن «هذا النوع من الاستغلال الذي تتعرض له الأشجار الحراجية في اليمن، له نتائج مدمرة للغطاء النباتي وخاصة بالمناطق الجافة».

وحسب ورقة السياسات تلك: فأن «الغابات والأحراج لعبت دوراً كبيراً في توفير فرص عمل لأعداد كبيرة من السكان الذين توقفت أعمالهم ورواتبهم بفعل الحرب».

وأشارت الورقة بأن «ارتفاع سعر الغاز وانقطاعه جعلت الكثير من الأسر، وبعض القطاعات الخدمية، تتحول لاستخدام الحطب كمصدر للطاقة لأغراض الطبخ، مما أدى لزيادة الضغط على الغطاء النباتي».

تكمن المشكلة في اجراءات الشركة اليمنية للغاز، (وهي شركة حكومية)، ورفعها لأسعار اسطوانة غاز الطبخ سعة (20 لتر) وعدم توفيرها للغاز في نقاط البيع التابعة للشركة. وصعوبة الحصول عليها كما كان في السابق.

بالنسبة للمواطنين، فرضت اجراءات شركة الغاز، الحصول على اسطوانة غاز الطبخ، عبر الحصص الشهرية التي يقرها عُقال الحارات، مما يحد من توافره في السوق.

كما دفع ذلك الاجراء، ببعض القطاعات الخدمية كالمخابز التقليدية والمطاعم، إلى التحول لاستهلاك الحطب كوقود لتعويض نقص كميات الغاز المحددة شهرياً.

لم يتعافى الغطاء النباتي في اليمن إلا في العقدين الماضيين، ولكن بسبب أزمة غاز الطهي الحالية، عادت مشكلة قطع الأشجار

المهندس/ عبدالله ابو الفتوح مدير المحميات الطبيعية في هيئة حماية البيئة
مخبز في منطقة هايل صنعاء/تصوير: حلم أخضر

أسعار مرتفعة وغير مستقرة

بحسب اعلان التسعيرة لشهر يوليو/تموز 2021، حددت الشركة اليمنية للغاز السعر الرسمي لمادة الغاز، في محطات تعبئة السيارات العاملة بالغاز، ولأصحاب المطاعم بأسعار شهدت زيادة مفاجئة.

وجاء في بيان الشركة على صفحتها الرسمية بموقع (فيسبوك) أن: «سعر اللتر الواحد من الغاز المنزلي بمبلغ 376 ريـال يمني» (ما يعادل 0,6 دولار).

وقالت شركة الغاز: «أن سعر أسطوانة الغاز المنزلي ذات التعبئة 20 لتر، بمبلغ 7,520 ريـالاً». -(أي ما يعادل 13 دولار).

في حين أن التسعيرة الرسمية لأسطوانة الغاز (20 لتر) كانت قبل 3 أشهر بمبلغ 4,300 ريـال. (ما يعادل 7 دولار).

لكن عدداً من سكان 4 أحياء بصنعاء، أكدوا لـ «حلم أخضر» أنهم يشترون اسطوانة الغاز من عاقل الحي بمبلغ 5,000 ريـال.

قطع الاشجار يقلص الغطاء النباتي في اليمن/حلم أخضر

الضغط على الغطاء النباتي

على الطريق الاسفلتي الذي يصل بين العاصمة صنعاء ومدينة الحديدة الساحلية، تتراكم اكوام ضخمة من حطب الأشجار المقتلعة والمعروضة للبيع.

إذ تزايد الطلب على الحطب من قبل قطاع المطاعم والافران لسد حاجاتهم من الحطب والفحم، لانتاج وجبات هذا القطاع.

يقول المهندس عبد الله أبو الفتوح، مدير عام التنوع الحيوي والمحميات الطبيعية بالهيئة العامة لحماية البيئة بصنعاء: «يشكل الاحتطاب ضغوط قوية على الغطاء النباتي، وعلى تناقص الأشجار في الأرياف والمدن».

«تعرضت غابات المانجروف في محمية جزيرة كمران بمحافظة الحديدة على ساحل البحر الأحمر، للاقتطاع والتحطيب الجائر».

وأضاف: «في منطقة (صعفان) في حراز بمحافظة صنعاء، شكا المواطنين لمسؤولي هيئة البيئة من زيادة احتطاب اراضيهم من قبل أناس باستمرار».

وقال أبو الفتوح لـ «حلم أخضر»: «من خلال مسح أولي قامت به هيئة البيئة في 2018، تبين وجود حوالي 722 مخبز لإنتاج الخبز بصنعاء، باعتبار ان كل مخبز يستهلك حمولة شاحنتين من الحجم المتوسط. وكل شاحنة تقدر حمولتها بحوالي 50 شجرة».

التصحر يتمدد في اراضي المراعي في الحديدة © تصوير: حلم أخضر
كل مخبز بصنعاء يستهلك 4 حمولات حطب شهرياً/ تصوير: حلم أخضر

زيادة الطلب على الحطب

تحولت عمليات الاحتطاب وصناعة الفحم إلى عملية تجارية واسعة في البلاد، وفتحت أسواق الحطب والفحم بعدة مناطق وعلى الطرق الرئيسية ونتج عنها إزالة مساحات كبيره من الغطاء النباتي.

وبحسب عدد من مُلاك المخابز بالعاصمة صنعاء، فان معدل احتياجهم لمادة الغاز، يتراوح ما بين 3-5 أسطوانات في اليوم الواحد.

ويقول محمد دبوان (44 عاماً) وهو مالك مخبز(التوكل) بمنطقة هائل: «في البداية كنت اشتري الحطب في حمولة شاحنة نقل صغيرة بمبلغ 35,000 ريـال (ما يعادل 60 دولار) لكن أسعاره ارتفعت الان».

وأضاف دبوان: «اليوم نشتري شاحنة الحطب بسعر 130 ألف ريـال (220 دولار)، ونستهلك حمولة الحطب هذه خلال 6-7 أيام لإنتاج رغيف الخبر، وفي أيام المدارس نستهلك حمولة الحطب في 5 أيام».

«يبلغ احتياج مخبزنا في الشهر ما لا يقل عن 4 حمولات من الحطب (4 شاحنات نقل صغيرة). وباليوم الواحد نستهلك من الحطب بقيمة 20 ألف ريـال (ما يعادل 33 دولار)». قال دبوان.

التصحر يغزو أحد مراعي لحج الخضراء/ تصوير: حلم أخضر

اتساع رقعة التصحر

تقع اليمن في إطار المناطق الجافة وشبه الجافة مع وجود جيوب أو جزر مطرية ضمن المناطق الرطبة وشبه الرطبة. وتبلغ مساحة اليمن 527,970 كم2، أي ما يعادل (52,797,000 هكتار).

وتشير ورقة السياسات للمهندس محمد مقبل، عن حالة الأراضي الحراجية، إلى أن «أراضي الغابات في اليمن تمثل نسبة 1 % حوالي (549 ألف هكتار)، وتمثل الأحراج مساحة 2.7 % (1.4 مليون هكتار)».

المزيد من المشاركات

وباحتساب ذلك، تكون نسبة الغابات والأراضي الحراجية في البلاد حوالي 3.7 %، وإجمالي مساحتها تصبح حوالي 1.955.000 مليون هكتار.

وتحتل مساحة الأراضي الصحراوية والحضرية حوالي 49.5 %، أي ما يعادل (26,134,515 هكتار). وتكشف هذه الأرقام عن فجوة كبيرة بين مساحة الغطاء النباتي ومساحة التصحر.

ووفقاً لبيانات وزارة الزراعة، فأن الأراضي المتصحرة في اليمن مقسمة بين أراضي رملية صحراوية، وساحلية وقارية وجبال وأراضي سكنية وطرق.

اقتلاع 860 ألف شجرة بالسنة

في الماضي، قبل 5 عقود، لم يكن غاز الطبخ متوفراً في البلاد. وأعتاد السكان في الارياف (يشكلون 70% من اجمالي السكان) على التحطيب وفق أعراف تقليدية لا تدمر الغطاء النباتي.

كان يتم تقليم فروع الأشجار، لكن حالياً، يتم قطع الاشجار بشكل كلي، ولا يتم غرس أشجار جديدة لتجديد الغطاء النباتي.

ويرى المهندس أبو الفتوح، أن «ظاهرة الاحتطاب موجودة في اليمن من قبل عشرات السنين، خاصة في فترة السبعينات والثمانينات، ثم بدأ الناس بالأرياف باستخدام غاز الطبخ منتصف التسعينات».

«ولم يتعافى الغطاء النباتي إلا في سنوات العقدين الماضيين، لكن وبسبب الازمة الراهنة في اليمن عادت مشكلة الاحتطاب من جديد».

ويضيف: «يتم قطع ما يزيد عن 866,400 ألف شجرة بالسنة، لتشغيل مخابز صنعاء فقط، إذ يتم حرق قرابة 17,500 طن من الحطب سنوياً».

«هذا يقضي على مساحة قدرها 780 هكتارًا من الأراضي المزروعة، ولو تم تطبيق مثل هذا المسح على محافظات اليمن التي تعاني من أزمة الوقود، سنجد ملايين الأشجار تتعرض للاحتطاب سنوياً». قال أبو الفتوح.

ويرى أبو الفتوح، أن «الغطاء النباتي يعاني من سوء الإدارة، والانشطة البشرية غير المنظمة والمتزايدة، وقد تناقص الغطاء النباتي كماً ونوعاً بشكل كبير، ويتعرض لاستخدام مكثف وتحطيب مفرط، وإزالة لغرض التوسع العمراني».

مخبز يستهلك الحطب كوقود بصنعاء/ تصوير: حلم أخضر
أمام كل مخبز كومة من الاشجار المقطعة/تصوير: حلم اخضر

الآثار المترتبة جراء الاحتطاب

خلال السنوات الماضية، أدت عمليات قطع واقتلاع الأشجار الحراجية، إلى بروز تأثيرات سلبية على أنشطة اقتصادية هامة في المجتمع.

أهم تلك الأنشطة المتأثرة: الرعي وتربية الماشية، وتربية النحل وإنتاج العسل. إضافة للتأثيرات السلبية الأخرى على تدهور التربة وانجرافها بفعل السيول والرياح.

بالإضافة إلى تهديدات مباشرة تتمثل في: تعرض مشاريع البنية التحتية والتجمعات السكانية لمخاطر الفيضانات وزحف الكثبان الرملية لقلة الغطاء النباتي.

وكذلك: حرمان المجتمع من السياحة في المناطق الخضراء، ونقص العمر التخزيني للمنشآت المائية، وتدهور الموائل البرية لانحسار الغطاء النباتي الحراجي.

حطب امام مخبز في صنعاء/ حلم أخضر

إعادة النظر بإجراءات السياسات

تشير الورقة البحثية، أن «أنظمة الانتفاع من الغطاء النباتي في اليمن تفتقر إلى العديد من الضوابط المنظمة».

ويتفق كثير من المختصين، بأن ذلك يتطلب الحاجة إلى ضرورة تفعيل التشريعات القانونية، وتوعية المجتمعات المحلية بخطورة الاحتطاب الجائر.

وبمقابل شكاوى الكثير من المواطنين ومُلاك المطاعم والمخابز، ينبغي على السلطات إعادة النظر في إجراءات السياسات الراهنة لتوفير سلعة الغاز.

وإعادة الخدمة عبر نقاط البيع التابعة لشركة الغاز بالمدن، حيث كانت تعتمدها بالسابق، ووقف احتكار عُقال الحارات بعملية التوزيع.

إن إعادة النظر بإجراءات السياسات المتعلقة بمادة الغاز، وتنفيذ اجراءات عادلة، ستعمل على الحد من الاحتطاب، وتحافظ على الموارد الطبيعية.

اشجار جامعة صنعاء لم تسلم من الاحتطاب في 2019/تصوير: حلم أخضر

ماذا عن الحلول؟

بالحديث عن حلول المشكلة، يقترح المهندس محمد مقبل في ورقته أن «الحاجة ماسة لوضع سياسات حراجية تتمثل في إجراء المسوحات ورصد المخصصات اللازمة للحد من التصحر».

ويقترح مقبل «تنفيذ برنامج متكامل لزراعة الأشجار الحراجية متعددة الأغراض، بحيث يشمل البرنامج تشجير مساحة 5 ألاف هكتار من المناطق المتدهورة، ويغطي قرابة 11 محافظة محلية مستهدفة».

إن تنامي تجارة الحطب والفحم، وزيادة اقتلاع الأشجار بشكل مستمر، تؤثران على البيئة والمناخ وعلى تناقص الموارد الطبيعية بشكل كبير.

كما ان الإجراءات الحالية لتوفير الغاز، تشهد غياب الرقابة على الحارات والتحقق من توفير الغاز للجميع، ولا تراعي الموارد الطبيعية.

وتسببت تلك الإجراءات بتناقص الغطاء النباتي نتيجة الاستغلال غير المنظم، وأثرت على البيئة، وزادت من التصحر والجفاف، وفقدان التربة الخصبة.

قد يكون الأخطر ان الاحتطاب يرفع احتمالية حدة الكوارث المناخية كالفيضانات والسيول، وبالتالي يزيد من مفاقمة الأزمة الإنسانية في البلاد.

حلول لتفادي تأثير أزمة غاز الطهي على الغطاء النباتي

يصيغ «حلم أخضر» مجموعة المقترحات التي تم التطرق لها، ويضعها في نقاط  أمام السلطات، والتي قد تعمل على الحد من الاحتطاب، وتحافظ على الموارد الطبيعية، وهي كالآتي:

1- ينبغي على السلطات إعادة النظر في إجراءات السياسات الحالية المتبعة لتوفير سلعة غاز الطبخ للسكان وقطاع الخدمات: المطاعم والمخابز.

2- تفعيل نقاط البيع التابعة للشركة اليمنية للغاز في كافة المدن والمديريات. والتي كانت تعمل في السابق على تقديم خدمة البيع المباشر.

3- وضع سياسات حراجية للحد من التصحر والبدء في تنفيذ أنشطة التشجير.

4- وضع ضوابط محددة وواضحة لنظام الانتفاع من الغطاء النباتي في اليمن.

5- إلزام التجار والعاملين في تجارة الحطب في الوقت الراهن، بضرورة اتباع طريقة القطع الانتقائي والقطع المتباعد للأشجار في الأراضي الحراجية.

6- إصدار تشريع خاص بالغابات يتضمن حقوق الانتفاع لسكان المناطق الحراجية.

7- العمل مع المجتمعات المحلية من أجل تفعيل الأعراف والتقاليد التي تعنى بحماية وصيانة المراعي والأحراج وكيفية استغلالها، وتوعية المجتمعات المحلية وحثها على الحفاظ على البيئة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

* حسين اليعبري: صحفي، وعضو هيئة تحرير «حلم أخضر».

تعليقات
Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط
error: Content is protected !!