fbpx

المناخ وتأجيج الصراع في اليمن

من اعصار تشابالا في سقطرى – الصورة: unic

حلم أخضر – تقرير: فيكين شيتيريان (الحياة)

في الشرق الأوسط، نعتقد أن النقاش حول التغير المناخي، والمسائل البيئية بشكل عام، هي أمور غريبة لاتعنينا، بل تعني المجتمعات الغربية فقط. وبأفضل الأحوال، نعتبر أنها أمور مترفة لا يمكن أن تخصّ مجتمعاتنا. كما أننا نعتقد أن لدينا مشاكل أكثر أهمية، على غـــرار الحروب والمسائل الأمنيــــة وعاداتنا الاستهلاكية. وفي أسوأ الأحوال، نعتبر أن النقاش حول المناخ والتلوث وحماية البيئة مواضيع سخيفة وساذجة. كما نعتبر أننا أكثر ذكاءً من أن نتناولها.

نحن على خطأ؟ فالعلماء الذين يدرسون الشأن البيئي من منظار سياسي غالباً ما يربطون بشكل غير مباشر بين تدهور الوضع البيئي وانهيار النظام السياسي في الشرق الأوسط. أما الفكرة فهي أن زيادة عدد السكان بوتيرة سريعة، مصحوبةً بنضوب الموارد المتوافرة على غرار المياه والطاقة، تسببت بانعدام الاستقرار على الصعيد الاجتماعي. وقد أخفقت الأنظمة السياسية المتحجّرة التي تعتمد على القمع بدلاً من التوافق مع الجماهير في إدخال الإصلاحات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الضرورية، الأمر الذي زاد الوضع سوءاً.

تحدي تناقص الموارد

ولعلّ أفضل مثلين على هذا الواقع الشائع هما سورية واليمن، إذ يظهران علاقة البيئة بالاستقرار السياسي الاجتماعي. والحال أن البلدين يشهدان طفرة سكانية ملحوظة. ففي العام 1970، أي العام الذي تسلّم فيه حافظ الأسد مقاليد السلطة إثر انقلاب عسكري، وكرّس سلالة عائلته في الحكـــم، كان عدد السكان يبلغ 6.3 مليون نسمة. وفي العام 2011، أي العام الذي شهد انطلاقة «الربيع العربي»، بلغ عدد السكان 23 مليون نسمة. أي أنه بين 1970 و2011 لم تعد سورية البلد عينه بالنظر إلى الطفرة السكانية التي شهدتها، على رغـم احتفاظها بالنظام السياسي المتصلّب والديكتاتوري عينه. وسورية «الجديدة»، التي تتألّف من الشباب بغالبيتها (إذ أن 61 في المئة من السكان تتراوح أعمارهم بين 15 و65 سنة) تواجه أكثر فأكثر تحدّي تناقص الموارد. وكان البلد يشهـــد نزوحاً من الأرياف إلى المدن في شكـــل متزايد؛ عند بدء الثورة، كان لا يـــزال 57 في المئة فقط من السكان هــم سكان المدن. وكان ما تبقى من سكان الأرياف في أزمة حقيقية. فالجفاف كان زعزع طريقة عيشهم وفتــــك بماشيتهم وأجبر الآلاف منهم إلى النزوح إلى المدن.

وعلى مرّ أربع سنوات على التوالي ابتداءً من العام 2006، شهدت سورية جفافاً حاداً، هو الأسوأ منذ أربعة عقود. ونتيجةً لذلك، تراجعت محاصيل القمح إلى نصف الكمية، وخسر الآلاف من الرعاة قطعانهم. وفي العام 2008، كانت وكالات الأمم المتحدة أطلقت نداءات طوارئ لمساعدة 200 ألف عائلة من الأرياف، أو مليون شخص، طاولتهم الأزمة.

تداعيات التغيّر المناخي

وثمة أسباب رئيسية عدّة للأزمة. أوّلاً، خلال سنوات الجفاف، تراجعت نسبة هطول الأمطار بمقدار الثلثين مقارنةً بالسنوات السابقة. هل يعتبر هذا التراجع من بين تداعيات التغير المناخي؟ هل يجب أن نتوقّع مناخاً أكثر قسوةً؟ ما زال هذا السؤال برسم النقاش العلمي، إلا أنه لا يمكن للمنطقة تجاهل المسألة وتداعياتها فحسب.

أما السبب الآخر فهو انخفاض مستوى نهري دجلة والفرات اللذين ينبـعان من تركيا باتجاه سورية والــعراق في شكل ملحوظ نتيجةً لبناء مشروع جنوب شرقي الأناضول في تركيا. وفي التفاصيل أنه تم التخطيط لهذا المشروع في ثمانينات القرن الماضي وتشييده في التسعينات من القرن عينه، وهو يشتمل على 22 سداً و19 محطة لتوليد الطاقة المائية، الأمر الذي أدى إلى تقليص كمية المياه المتجهة من الفرات إلى سورية بنسبة 40 في المئة.

أما السبب الثالث فهو سياسي بحت: فعلى رغم الجفاف المتكرر، لم تتحلَّ السلطات السورية بالمرونة الكافية للتأقلم مع الأزمة وتغيــير النماذج الزراعية القديمة التي تعتـــمد على الاستخدام المفرط للميـاه، وتوفير سبل عيش بديلة للأســـر المتضرّرة هذا الجراء. وكانــــت النتيجة أن نزح ما يناهز 500 ألف شخص داخلياً، تاركين المناطق الزراعية في الجزيرة وإدلب لتصبح حزام الفقر الذي يلفّ حول المراكز المدنية، مهد الثورة السورية.

وعلى صعيد آخر، شهدت اليمن ظروفاً مماثلة، ففي العام 1970، كان عدد سكانها 6 مليون نسمة؛ وفي العام 2011، 24 مليوناً. وقد يسجّل العام 2025 حوالى 32 مليون نسمة. وفي بلد يعتمد فيه 70 في المئة من الشعب على الزراعة، تعني الطفرة السكانية تضاؤل كمية المياه الممكن استعمالها للشخص الواحد. في الواقع، يبرز اليمن من بين الدول الأكثر افتقاراً للمياه في الشرق الأوسط، إذ لا تتعدّى كمية المياه للشخص الواحد سنوياً 140 متراً مكعباً، في حين تعتبر المعايير الدولية أن 1700 متر مكعب سنوياً هو «نقص حاد في المياه». إلا أن نصف كمية مياه الري تستخدم في سقي القات (وهي أوراق منبّهة يتم مضغها ويمكن الإدمان عليها)، وقد ازدهرت زراعتها في شكل ملحوظ في العقد المنصرم.

محدودية النفط

إلى ذلك، ثمة مشكلة إضافية تعاني منها كل من سورية واليمن ألا وهي إنتاج النفط المحدود، غير أن تصديره إلى الخارج ساهم في سد بعض من العجز في الموازنة، وإحلال بعض التوازن في التبادل الأجنبية. وفي حال اليمن، شكّل هذا الأخير ما يناهز 75 في المئة من العائدات الحكومية، و90 في المئة من إجمالي الصادرات. وفي العام 2000، بلغ الإنتاج حوالى 440 ألف برميل يومياً، مسجلاً تراجعاً إلى ما دون النصف بحلول العام 2011.

إن درجتين من الاحترار العالمي، وهو الهدف المتفائل من القمة في باريس، من شأنها أن تكون كارثية بالنسبة إلى سورية واليمن والشرق الأوسط في شكل عام، لأنها تعني أمطاراً أقل وتبخراً أكثر واعتماداً أكبر على استيراد المواد الغذائية. وبحسب التوقعات الحالية، إن الاحترار العالمي من درجة إلى ثلاث قد تكون له تداعيات وخيمة على الشرق الأوسط – وهو أكثر المناطق الجافة في العالم، إذ قد يتسبب بنقص حاد في المياه يطاول 100 مليون نسمة إضافية، ويزيد الضغط على موارد المياه الجوفية، كما أن ارتفاع مستوى مياه البحر والفيضانات قد تتسبب بنزوح بين 6 و25 مليون نسمة.

يتزامن الوضع المتفجر في الشرق الأوسط الذي يعرف بالربيع العربي بارتفاع في إنتاج النفط. وبعبارة أخرى، يواجه الشرق الأوسط مشاكل ثلاث مرتبطة بالتغير المناخي: تراجع وفرة الموارد المائية للشخص الواحد، وارتفاع الحرارة وما يصحبها من تداعيات على الحيوانات والنباتات، وتراجع إنتاج النفط الذي يعتبر العمود الفقري للاقتصاد الإقليمي. وفي حال شهد الشرق الأوسط حرباً بربرية على غرار ما يجري اليوم في سورية وأوجد تنظيم مثل «داعش» فماذا سيحصل عندما ينهار الاقتصاد الإقليمي ككل؟

إلا أن هذه المسائل لا تعنينا البـــتة. فالشرق الأوسط منهمك بحمـــــى الحروب، الدولة ضد شعبـــــها، والعرب ضد العرب، والحزب الجهــــادي ضد المنظمة الجهادية، والدولة التركية ضد معارضيها الأكراد. نستدعي الجيوش الغريبة إلى أرض الوطن لأنه يستحيل علينا الوثوق بالمواطنين، ونخاف من الدول المجاورة، ونقاوم الصحراء من خلال زرع الأشجار، ونبني حلولاً هندسية للدفاع عن المرافئ البحرية من ارتفاع منسوب المياه من البحر. نحن منهمكون بمسائل أهم على غرار تدمير شعوبنا ومدننا وآثارنا.

الأمور التافهة والبسيطة على غرار التغير المناخي لا تعنينا، فنحن نتركها للغرب النتن. وعندما يحتر العالم أكثر وتجف آبارنا وتبتلع الصحراء واحاتنا وتنقرض أشجارنا وظلالها لا داعي للقلق أبداً لأننا نعرف من المسؤول عن دمارنا: سوف نتّهم المستعمرين والإمبرياليين وكل الشياطين الأجنبية عن البؤس الذي نعيشه.

* المصدر الأصلي للمادة: جريدة الحياة اللندنية. دور بارز للمناخ في تأجيج الصراع في سورية واليمن.

تعليقات
Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط
error: Content is protected !!