حلم أخضر – عادل الدغبشي
توسعت زراعة القات باليمن تحت ستار من الأزمة الراهنة، وبعد أن كانت شجراته تُزرع على المرتفعات الجبلية والهضاب، باتت تجثم على نحو 15% من الأراضي الزراعية هناك، وفقًا لأرقام وزارة الزراعة والري اليمنية.
كذلك تؤكد إحصاءات الوزارة رواجًا كبيرًا في تجارته مؤخرًا، حتى بلغ إنفاق اليمنيين -في سبيل تعاطيه منشطًا- نحو 12 مليار دولار أمريكي سنويًّا.
أضرار مضغ سيقانه وأوراقه الغضة كثيرة ومؤكدة؛ فضلًا عن آثار تعاطيه السلبية المعروفة من النواحي النفسية والاجتماعية والثقافية، والاقتصادية.
لكن شبكة SciDev.Net تولي في هذا التقرير اهتمامًا لما يعنيه انتشار زراعة القات على الأمن الغذائي بالبلاد، وتستنطق عددًا من المعنيين والمختصين حول هذا الشأن، لا سيما في ظل انعدامه هناك، ووقوع اليمن على شفير مجاعة، بدأت تلوح أماراتها في عدد من المحافظات.
لغة الأرقام تشير إلى أن القات بات فعلًا يشكل أزمة حقيقية، تزيد من وطأة الأزمة السياسية والاقتصادية المتفاقمة، “التي جعلت نحو 82% من السكان بحاجة للمساعدات العاجلة”، وفق مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في اليمن.
وإحصاءات وزارة الزراعة تؤكد أن مساحة زراعة القات ظلت في تنامٍ مستمر خلال السنوات الثلاث الماضية، ولم تشهد تراجعًا ملحوظًا كما حدث لمساحة زراعة المحاصيل الأخرى، نتيجة استمرار الأزمة وانعدام الوقود والتغيرات المناخية والجفاف.
فلقد احتلت زراعة القات المرتبة الأولى بقائمة المحاصيل النقدية في اليمن، وبلغ متوسط المساحة المزروعة منه 166 ألفًا و557 هكتارًا من إجمالي الأراضي المزروعة التي تقدر بنحو مليون و172 ألف هكتار، وبلغت غلة القات ما يقرب من 190 ألف طن سنويًّا.
بل إن محمد المروني -ويعمل استشاري إرشاد زراعي وتنمية ريفية لدى وزارة الزراعة والري- يقول: ”هذه الأرقام أقل بكثير من الواقع“، ويحكي: ”شاركت قبل سنوات في مسح للمبيدات المستخدمة على القات، وكانت التقديرات تؤكد استيلاءه على مساحة زراعية تقارب 300 ألف هكتار“.
ولا تتوقف مضار زراعة القات عند هذا الحد، بل تتعداه لاستنزاف المياه الجوفية اللازمة لري المحاصيل الزراعية الأخرى اللازمة لتأمين الغذاء.
فيؤكد إسماعيل محرم -الرئيس السابق لمجلس إدارة الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي في اليمن- أن: ”القات يستهلك نحو 38% من إجمالي المياه التي يستخدمها القطاع الزراعي“.
كما يدور حديث عن ارتفاع عدد الآبار التي جرى حفرها خلال العامين الماضيين إلى نحو الضعف في ظل حالة ’اللارقابة‘ التي فرضتها الحرب، وفق المروني.
مصداقًا لما سبق، فإن خالد سريع -أحد مزارعي القات في بني الحارث، كبرى مديريات العاصمة صنعاء- يؤكد: ”مساحة زراعة القات زادت خلال السنوات القليلة الماضية، ومبيعاته أيضًا، وبات يشكل مصدر دخل مربحًا للغاية“.
وحين أبدى سريع تضجره من انخفاض المبيعات خلال الشهور الثلاثة الماضية بعد توقف مرتبات موظفي الدولة في ظل الضائقة المالية، يؤكد أن تجار القات لجأوا إلى اتخاذ تدابير كثيرة لرفع نسبة مبيعاتهم وتعويض انخفاض الأسعار.
من بين هذه التدابير -كما يوضح سريع- استقطاب كل بائع لأشخاص محددين وتقديم تخفيضات خاصة لهم بشرط دوام التردد للشراء، ومنحهم احتياجهم من القات يوميًّا بالدفع الآجل، أو توفير أصناف جديدة من القات لم تكن مرغوبة فيما مضى لكنها الآن مقبولة لملاءمتها للقدرات الشرائية للناس.
شجرة القات باتت تهدد المناطق الاستراتيجية للمحاصيل الحقلية، كما أصبحت منافسًا لكل المحاصيل الزراعية باستثناء مناطق الشريط الساحلي، على حد قول محرم، الذي يخشى زحف زراعة القات قريبًا إلى تلك المناطق في ظل التقنيات الجديدة التي يستخدمها مزارعو المناطق الباردة.
يحدث هذا رغم تأكيد المروني: ”لا يمكن الحديث الآن عن توجه حقيقي للحد من زراعة القات على أهميته، فالأمر بحاجة لوضع خطط بديلة وإجراءات مصاحبة، ولا توجد الإمكانيات ولا التمويل اللازمان لذلك“.
وبالمثل، فإن ماجد المتوكل -مدير عام الإرشاد والإعلام الزراعي بوزارة الزراعة والري اليمنية- يوضح أن ثمة جهودًا كبيرة بُذلت على مدى السنوات الماضية للحد من زراعة القات وإيجاد بدائل فعالة، ”غير أن عمل برامج للحد من زراعته في ظل ظروف الحرب والاقتتال أمر صعب للغاية“.
* هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وينشر في “حلم أخضر” باعتباره شريك اعلامي موثوق.