fbpx

قصة اكتشاف حقبة الديناصورات في اليمن

احافير ترشد الى حقبة الديناصورات في ارحب - رويترز

حلم أخضر (هيئة التحرير)

قبل قرابة عقدين من الزمان، لم يكن أحد يعرف أن اليمن تحتضن الكثير من حقبة العصر الجوراسي، لدرجة أن السكان المحليون في الريف اليمني اعتادوا طيلة عقود على رؤية آثار الأقدام المتحجرة في مناطقهم، وهم يعتقدون أنها صُنعت من أقدام “البعير” الجِمال العملاقة التي عاشت في الزمن القديم.

محمد الظاهري
محمد الظاهري

لكن الأمر لم يكن كذلك، فثمة قصة غيرت مجرى الأمر. وأدرك الناس بعدها أن تلك الاقدام الضخمة المنتصلبة على الصخور ليست اقدام جمال ضخمة.

في العام 2003، كان الصحفي محمد الظاهري، في زيارة إلى قرية “مدار” الريفية التابعة لمديرية “أرحب” شمال شرق العاصمة اليمنية صنعاء. وأثناء تواجده في المكان عثر على آثار تلك الأقدام الغريبة على الأرض.

قال الظاهري، أنه شعرَ حينها بأن هذه الأقدام الضخمة ليست كما يصفها ابناء المنطقة. فقام بتصويرها بالكاميرا، وانطلق على الفور إلى قسم (الجيولوجيا) علوم الارض في جامعة صنعاء للبحث عن اجابة.

محمد الاسعدي

في الجامعة، إلتقى آنذاك بأستاذ الأحافير، الدكتور محمد الوصابي، الذي أبدى تفاعله باهتمام. وقام الوصابي بالنزول الميداني للمنطقة برفقة الصحفيان الظاهري ومحمد الأسعدي، وألتقطوا عدداً من الصور، وأخذ الدكتور الوصابي بعض القياسات، وأرسلها لإحدى الجهات الدولية العلمية.

وكانت النتيجة، أن حصل الدكتور الوصابي على تأكيد علمي من البروفيسورة أنجيلا ميلن، أستاذة علم الحفريات الفقارية، في المتحف الطبيعي البريطاني. والتي أكدت بأن “الصور التي التقطت ترجع لديناصورات ضخمة، يرجح أن تكون من نوع الديناصورات الآكلة لـ اللحوم، بسبب أطرافها المدببة التي تظهرها الصور”.

وبمجرد الاستناد على تلك المعلومات والملاحظات العلمية والصور، قام الظاهري والأسعدي بنشر أولى التحقيقات الصحفية عن هذا الاكتشاف في الصحف التي كانا يعملان بها. لتبدأ بعدها مسيرة اكتشافات كبرى حول وجود الديناصورات في اليمن، ولأول مرة على مستوى منطقة الجزيرة العربية.

آثر لقدم ديناصور في مديرية أرحب صنعاء 2013/ الصورة: © حلم أخضر

فريق علمي يكتشف الديناصورات

وعقب ذلك، سعى أستاذ الأحافير، الدكتور محمد الوصابي وبجهوده الشخصية، لقرابة 3 سنوات تالية، نحو اجراء دراسة حقلية مع فريق علمي لاكتشاف المزيد حول حقبة الديناصورات في اليمن.

قام الوصابي بالتواصل مع عدد من علماء الحفريات في العالم، وعرض عليهم المجيء لليمن، ومشاركته دراسة هذا الاكتشاف.

ومن بين اعتذارات كثيرة تلقاها، وافق اثنان فقط من العلماء على المجيء لليمن على نفقتهما الخاصة. وهما: الدكتورة آن شولب، عالمة الحفريات في جامعة ماستريخت في هولندا. والدكتورة نانسي استيفنز من جامعة أوهايو الأميركية. وتأسس حينها فريق علمي لاكتشاف الديناصورات في اليمن، من 3 خبراء، وعدد من الجيولوجيين اليمنيين، برئاسة العالمة شولب.

عالمة الحفريات آن شولب في حقل الديناصورات في أرحب شمال صنعاء/ رويترز

وفي العام 2006، اكتشف هذا الفريق آثار أقدام ضخمة متحجرة لقطيع من الديناصورات الضخمة في قرية “مدار” في “أرحب” بمحافظة صنعاء. وقاموا بعد عامين بنشر دراسة علمية في مجلة ” PLOS ONE” العلمية. أثبتوا في بحثهم وجود آثار أقدام ضخمة لعدد 11 ديناصور من الديناصورات الضخمة في منطقة أرحب.

الفريق العلمي للاكتشاف - رويترز
الفريق في حقل الديناصورات أرحب/ رويترز

يقول الدكتور الوصابي: “وجد الفريق في منطقة أرحب، دليلًا على وجود نوع Ornithopod كبير، وهي ديناصورات سريعة وثنائية الحركة. وتم العثور على آثار اقدام ديناصورات من نوع (Sauropods) وهي أضخم حيوان بري في تاريخ الأرض، والتي كانت تسير على 4 أرجل، وتعيش على أكل النباتات. كما عثر الفريق على آثار ديناصورات آكلة لـ اللحوم”.

في العام 2008، كشفت نتائج المسوحات التي اجراها الفريق العلمي ذاته، ان أحجام الديناصورات متباينة، فمنها كبيرة الحجم يصل طول الواحد منها الى أكثر من 6 أمتار، وارتفاعها الى أكثر من 3 أمتار ونصف متر، وتتميز بذيل طويل، وعنق مرتفع بشكل طولي إلى الأمام، ويبلغ وزن الواحد منها أكثر من 15 طناً.

وفي 22 مايو/آيار 2008، نشرت وكالة رويترز خبراً عن هذا الاكتشاف بعنوان: “العثور على أول آثار ديناصورات في شبه الجزيرة العربية “، وعبّرت رئيسة الفريق العالمة شولب، عن دهشتها لهذا الاكتشاف، وقالت: “اكتشاف أثر قدم واحدة لديناصور أمر مثير، لكن ما عثرنا عليه مدهش لأننا وجدنا كمّاً من آثار أقدام الديناصورات المنقرضة في مكان واحد”.

كان هذا الاكتشاف الذي سمع عنه الجميع في 2008، يعد الأول من نوعه لآثار الديناصورات في منطقة شبه الجزيرة العربية. حيث يرجع تاريخ حياة الديناصورات في اليمن الى فترة العصر الجيوراسي.

آثار الديناصورات باليمن: 150 مليون سنة

صحيح أن منطقة الجزيرة العربية، شهدت اكتشاف بقايا عظام ديناصورات في سلطنة عمان بالعام 2006، وفي المملكة العربية السعودية أعلن عن العثور على بقايا ديناصور في سنة 2014،

لكن تواجد الديناصورات في السعودية وعُمان تعود عمرها إلى ما لا يقل عن 72- 80 مليون سنة فقط. في حين أن “تاريخ آثار اقدام الديناصورات في اليمن يعود إلى 150 مليون سنة”، بحسب عالمة الاحافير شولب. ما يعني أنها أقدم تاريخاً من غيرها.

اثار اقدام الديناصورات بأرحب صنعاء/ الصورة: © حلم أخضر
حقل الديناصورات في أرحب شمال صنعاء 2013/تصوير: © حلم أخضر

وقد شدد أعضاء هذا الفريق العلمي على ضرورة ان تتخذ الحكومة اليمنية خطوات فعالة، لحماية منطقة الاكتشاف من عبث المواطنين، واعتماد سلسلة دراسات لمتابعة ما اكتُشف. لكن الحكومة اليمنية اكتفت بعمل سياج حديدي بسيط حول الاقدام، ولم تعتمد أي سلسلة دراسات حتى اليوم.

وأشار تقرير بثته وكالة BBC أن “هذا الاكتشاف الذي يؤكد أن اليمن تحتضن ماضيها الجوراسي، سيتعلم منه السكان المحليون في قرية “مدار” باليمن أخيرًا أن آثار الأقدام المتحجرة التي تجوب مدينتهم لم تكن مصنوعة من الجمال العملاقة”.

اكتشاف الأسماك المتحجرة

لم تنتهي رحلة الاكتشافات في ارحب عند اقدام الديناصورات فقط، بل تعدت ذلك. فقد ألهم اكتشاف آثار أقدام قطيع الديناصورات العشرات من أساتذة الجيولوجيا اليمنيين لاجراء الدراسات الميدانية، واكتشاف المزيد.

وفي أغسطس/آب 2009، أعلن فريق علمي يمني برئاسة الدكتور محمد الحيفي، أستاذ البيئة في جامعة صنعاء، عن توصله لاكتشاف أسماك متحجرة في منطقة شراع بمديرية أرحب بمحافظة صنعاء.

وقال لـ حلم اخضر، الدكتور محمد الحيفي، “هناك درجة احتفاظ واضحة جدا لبعض الأجزاء المتحجرة للاسماك ومحتفظة بمعالم الأوعية الدموية”. وأضاف: “ان الحصول على تلك الأسماك متحجرة، في شكل مجموعات، دليل على أن سبب انقراضها كان حدثا بيئيا واحداً”.

“وجدنا إن احدى الأسماك المتحجرة المكتشفة في هذه المنطقة، يبلغ طولها 24 سم، وهي تنتمي إلى طائفة الأسماك العظمية”، قال الحيفي.

اثار حراشف الاسماك في أرحب/ الصورة: © حلم أخضر
اثار اقدام الديناصورات في ارحب/ الصورة: حلم اخضر من د.محمد الحيفي

تعليقات
Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط
error: Content is protected !!