حلم أخضر | تقرير:توفيق الزغروري
منطقة “التعزية”، هي المديرية الأكبر في محافظة تعز، جنوب غرب اليمن، تحدها 11 مديرية من محافظتي تعز وإب، بيد أنها تصاب بالوجع من اتجاه واحد.
كانت المنطقة، ذات زمن تمد المدينة بـالحبوب والخضروات، وما تزال حتى اليوم تضخ مياهها الجوفية لتروي ظمأ مدينة تعز على حساب أراضيها الزراعية الشاسعة.
تكمن مشكلة التعزية، في كونها صارت محاصرة بالتلوث، فثمة مقلب قمامة، ومجاري طافحة، وسدود عفنة، ومناشير أحجار مزعجة.
إن منطقة “التعزية” اليوم تحولت إلى مكب كبير للمخلفات، الأمراض تلتهم أجساد سكانها الفقراء، فيما الجهات المعنية تتجاهل توفير مستشفى ريفي ليخفف عن معاناتهم.
صحيح أن هناك 33 مركزا ووحدة صحية تتوزع على قرى وعزل المديرية، لكنها لا تمنح العلاج، فهي مبان فقط من دون أطباء.
منطقة مؤبوة
يقول أمين المجلس المحلي بمديرية التعزية، علي عبد السلام:”أصبحت مديرية التعزية منطقة لجميع الأمراض الوبائية نتيجة للوضع القائم فيها والناتج عن جعلها مكبا للمخلفات السائلة والصلبة القادمة إليها من مدينة تعز، مثل مياه المجاري والقمامة، وأيضاً حاضنة لمياه السيول المتدفقة من جبل صبر وعابرة في شوارع المدينة مصطحبة معها كل المخلفات السامة وغيرها، الأمر الذي يجعلها تتعرض لأمراض كثيرة، والملاريا أكثرها انتشاراً”.
ومن أكثر المناطق تضرراً من ما يقوله عبدالسلام، تأتي مناطق “الهشمة وحذران والدعيسة”، إضافة إلى كون المنطقة تقام عليها العديد من المصانع والكسارات وفي مجملها تحمل الكثير من الآثار السلبية على المجتمع وتجلب أمراض السرطان والربو وغيرها.
ويضيف عبدالسلام: “لقد حاولنا تغطية مناطق التعزية بمراكز صحية نتيجة للأمراض المنتشرة فيها إلا أننا وجدنا مشكلة غياب الكادر الطبي؛ كون مكتب الصحة والخدمة المدنية بالمحافظة لم يغطوا حاجتنا من الكادر بحجة أن الأمر مركزي والمشكلة إذا تم توظيف أحد الأطباء في أحد مراكز المديرية نفاجأ بنقله بعد شهر أو شهرين أو يعطى إجازة دراسية وأغلب المراكز والوحدات الصحية التي وصل عددها بالمديرية إلى 33 مركزا ووحدة بدون أطباء”.
بدون بدائل
وعلى ذات السياق، يقول المسئول المحلي لمديرية التعزية: “لقد جعلنا همومنا المتمثلة بمقلب القمامة، وسد البريهي، وسد العامرة إلى قيادة المحافظة طالبين نقل مكب القمامة وسد البريهي لمجاري مدينة تعز إلى موقع آخر، إلا أن قيادة المحافظة قالت لا يوجد بديل؛ الأمر هنا جعلنا نفتقد قدرة معالجة مكامن الداء؛ نظراً لكونه قراره بيد المجلس المحلي للمحافظة، وهو الذي يستطيع إصدار قرار بنقل مواقع المخلفات إلى موقع بعيد عن المديرية والسكان فيها، حيث إن المواقع التي تستوطن فيها مراكز المخلفات أصبحت تتجاوز المساكن العمرانية بفعل الزحف العمراني بالمديرية.
ماذا عن الجهات المختصة؟
وفي هذا الشأن، قال عبدالسلام: “الحملات الوطنية التي يقوم بتنفيذها مكتب الصحة بالمحافظة، للتلقيح بالمديرية يجري فيها التنسيق معنا بشأنها ويقتصر دورنا بالعمل الإشرافي عليها وتسهيل مهمات اللجان أن وجدت صعوبات في عملها، لقد سبق لنا قبل أربع سنوات وطرحنا مشروع بناء مستشفيين بالمديرية أحدهما بمفرق الذكرة، وآخر في مفرق شرعب كان الهدف مواجهة المشكلات الصحية التي تعاني منها المديرية أولاً وثانياً تخفيف الضغط على المستشفيات العامة بالمدينة وتقدمنا بذلك لمكتب الصحة بالمحافظة، ولكن دون فائدة، كون هذا الأمر مخولا به مكتب الصحة، فيما لا يحق لنا بالمديرية اتخاذ بشأنه قرار مباشر”.
متنفس رائع
وبحسب المسئول المحلي، فإن الحال الذي وصلت إليه مديرية التعزية أمر لا يقودك لتحديد الجهة أو الفرد الذي يقع عليه اللوم.
ويقول المسئول ذاته:”مشاكل كل التعزية بمقلب القمامة ومستنقع المجاري، جاء بالتأكيد بفعل قرارات مسئولين ولكن من هم؛ الأمر له سنوات طويلة والمؤسف هذا إذا استعدنا الدور الكبير لهذه المديرية سنجد أنها كانت منتجع طبيعي للمدينة كان الناس يجدون فيها متنفسا رائعا من حيث المزارع التي كانت منتشرة فيها والمناظر الطبيعية الخلابة”.
مصدر الحبوب
تشير المعلومات إلى أن هذه المنطقة التي أضحت عرضة للتلوث، كانت الممول الأول لسوق الحبوب والخضار بالمحافظة، حتى تعثرت بمشكلة الاستنزاف غير المدروس لمياهها الجوفية، و السطحية ايضاً، لتصبح المديرية المركز الأساس في تموين مدينة تعز بالمياه والذي نتج عنه تجفيف أحواضها منها “ الحيمة والهشمة والشعبانية والمسنح وحذران” والتي لا تزال هي مصدر مياه المدينة.
وما هو أبعد من ذلك، تعاني التعزية من الحرمان في حقها في استغلال مياهها الجوفية، وعندما ذهب السكان إلى مؤسسة المياه بالمحافظة للمطالبة بامدادهم بالمياه ضمن شبكة المشروع الحكومي، كي يحصلوا على مياه جيدة للشرب كحق إنساني وطني، قابلهم المسئولين الحكوميين بالقول: نحن مسئولين عن المدينة فقط!؟.
ليس من العدل أن تعول مديرية التعزية، محافظة ضخمة بحجم تعز، بالمياه الجوفية، كي تبقى دون حق للحصول عليه، فضلا عن مكافأتها بنفايات المدينة من المجاري والصرف الصحي والمخلفات الأخرى، وهو الأمر الذي يفاقم اتساع دائرة المعاناة لدى سكانها في الجوانب الصحية والبيئية.
مرصد وبائي
يقول مدير مكتب الصحة بالمديرية، الدكتورعلي صادق الفاتش:”هناك إشكاليات كثيرة تواجهنا بقطاع الصحة بمديرية التعزية، أولها العجز الشديد بالكادر الطبي والوظيفي والذي يمس كافة المرافق الصحية العاملة، فالمديرية فيها 31 مرفقا صحيا منها 29 مرفقا عاملا 2 مرافق صحية قيد التشغيل.
بالإضافة إلى 2 من المرافق قيد التنفيذ وكل هذه المرافق مضاف إليها إدارة الصحة والسكان في المديرية يعمل بها 136 مشمولين بمدير الصحة والشئون القانونية وبعض المرافق الصحية فيها موظف صحي واحد، وهذ دليل على التحدي الكبير الذي تواجهه المديرية بما يخص الكادر.
هل هذا كل شيء، بالطبع لا، فهناك تحديات اضافية، تعانيها المديرية منها: انتشار الأوبئة والناتجة عن مجاري المدينة التي تصب بالمديرية ومخلفات المصانع والمحرق العام للقمامة، كل هذه مصادر وباء ساعدت على توسع مساحة الإصابات بالبلهارسيا والملاريا والطفليات بشكل غير طبيعي.
ويقول الدكتور الفاتش:”الحقيقة أن هناك مشكلة الملاريا التي يوجد لها برنامج وطني للمكافحة ولا نستطيع من خلاله أن نخدم المديرية، بالرغم من أننا قدمنا دراسات لمكافحة الملاريا، إلا أننا لم نحقق منها شيء كون البرنامج مركزياً في صنعاء وهناك فرع له في تعز إلا أنه للأسف محدود الإمكانيات”.
ويضيف الفاتش: “إدارة الصحة بالمديرية لديها قسم الترصد الوبائي والذي يقوم شهرياً مع إدارات المرافق الصحية العاملة بتلقي البلاغات حول الأمراض التي تشكل خطورة شائعة كأمراض شلل الأطفال والحصبة، وبموجب هذه البلاغات من الترصد الوبائي.. يجري متابعة المرافق الصحية عن هذه البلاغات ونوصلها إلى إدارة الرعاية الصحية الأولية وكذا إدارة الترصد الوبائي بالمحافظة”.
حمى الضنك
ويقول الدكتور. الفاتش: التعزية تقدم الخدمات الصحية لمديريات أخرى مجاورة لها؛ كونها مديرية تشكل حزام سياج على مدينة تعز تحدها 11 مديرية فهي تمتد من مديرية ماوية والسياني وذي السفال بمحافظة إب، ومقبنة، وجبل حبشي بمحافظة تعز.
ويضيف الفاتش: “كثيرا ما نتلقى بلاغات عن ظهور أمراض بالمنطقة وهذا ما حدث بالفترة الأخيرة، حيث تلقينا بلاغات في وجود حمى الضنك، وبادرنا مباشرة إلى إبلاغ المحافظة والإدارة العامة للصحة والسكان، وتشكيل فرق من مكتب الصحة بالمديرية لمسح المنطقة ورفع العينات وتفاعل معنا المختبر المركزي بالمحافظة وعمل بعض الفحوصات وجاءت النتائج لتؤكد وجود حمى الضنك، بدورها شكلت إدارة الصحة والسكان بالمحافظة فريق صحي للتأكد من الحالات.
وقام في الرش وتقديم الإمكانيات المطلوبة، والحقيقة أن أسباب انتشار حمى الضنك في المديرية ناتج عن تراكم المياه الراكدة والذي تنامى معه البعوض مما ساعد على نقل الفيروسات”.
وحدة صحية بلا إمكانيات
ويقول مديرعام الوحدة الصحية بالرمادة، الدكتور جواد عبدالرقيب:”هذه الوحدة تقدم خدمات أولية لتطعيم ورعاية الأسرة والمعاينة وتغطي مساحة كبيرة منها مناطق” الرمادة والظهرة والربوع والناصرة والقلعة والزغارير” إضافة إلى قادمين من مقبنة والحسينة ومن مديرية شرعب”.
وفي هذه المناطق هناك أمراض كثيرة منتشرة، الشائعة منها هي: الملاريا والتهابات والإسهالات، ويضيف عبدالرقيب “نحن بدورنا نعمل بقدر إمكانيات المتواضعة جداً نقوم بالفحوصات والكشف على الحالات وتقديم الخدمة العلاجية فالذي يوجد بالوحدة من كادر هم أثنين مساعدين طبيب ومساعد المختبر والحالات غير الممكن علاجها نتيجة لغياب الكادر الطبي المتخصص والإمكانيات المساعدة الأخرى يجرى إرسالها إلى المستشفيات العامة بالمدينة”.
وتبدو المشكلة الأساسية التي تعاني منها الوحدة الصحية بالمنطقة، في انها تفتقر لأطباء متخصصين؛ ولهذا هي بحاجة إلى مركز صحي وليس عيادة صغيرة، الأمر الذي سيكون ممكنا معه توفير الكادر الطبي ومن تخصصات مختلفة.
أسباب الوجع
لعل كل ذلك، هو النتيجة الطبيعية، لكل القرارات غير الصائبة للجانب الحكومي، طيلة السنوات الماضية، فقد جعلت من مديرية التعزية مزرعة لإنتاج كل أنواع الفيروسات القاتلة التي تفتك بحياة الناس وتوسع من دائرة آلامهم.
واليوم، أصبحت مديرية التعزية مكب المدينة لمخلفاتها السامة من مجاري الصرف الصحي ومقلب القمامة ومخلفات مصانع وورش مختلفة كلها ذهبت نحو المديرية بينما تعجز المؤسسات المعنية بالمحافظة.
ومنذ سنوات وحتى الآن لم تستطع المحافظة، إيجاد معالجة صائبة لهذه المشكلة، ولم تقم بشيء لإيجاد مواقع بديلة للصرف الصحي ومقلب القمامة، ونقله إلى موقع آخر بعيداً عن سكان المديرية، وهذا هو اكبر الأسباب.(الجمهورية)
*فيديو: شاهد تقرير تلوث المياه الجوفية في مناطق التعزية بمحافظة تعز: