fbpx

اليمن: مخاطر صحية للنفايات الطبية

© Holm Akhdar

حلم أخضر (خاص) هيئة التحرير

منذ أربع سنوات، لم يعد الشاب محمد ناجي الزوار (32 عاماً) يعمل سائقاً لشاحنة نقل النفايات في العاصمة اليمنية صنعاء.

فبعد أن تعرضت إحدى قدميه لإصابة من نفايات حادة أثناء عمله بمكب النفايات. تأثرت حالته الصحية؛ واضطر التوقف عن العمل!

وفي حديثه لـ«حلم أخضر» قال محمد: “تعطلت شاحنة القمامة. نزلت أشوف المشكلة، وأصبت بزجاجة بقدمي، وفي اليوم الثاني صحيت والصُفار في جسمي. ذهبت للطبيب وعملت فحوصات. وأخبرني أن هذا بداية يرقان».

وأضاف: “جلست [مكثت] حوالي 2-3 سنوات؛ وبدأت عندي مرحلة التليف! تليف جزء من الكبد”.

أخبر محمد الزوار «حلم أخضر» أنه منذ ذلك الوقت، أصبح متقاعداً عن العمل بقطاع النظافة، ويتسلم مستحقاته من التأمينات.

محمد الزوار، سائق شاحنة بقطاع النظافة صنعاء/ حلم اخضر

سوء إدارة النفايات الطبية

برزت أزمة النفايات الطبية وسوء إدارة اليمن لنفاياته الصلبة، في العام 2015، بعد تكدس المخلفات في شوارع العاصمة، والمدن الرئيسية.

فالتخلص من مخلفات الرعاية الصحية بعموم البلاد، يتم بخلطها مع النفايات البلدية، دون خضوعها لأية معالجات أو فرز أو تطهير.

يجسد سوء إدارة النفايات الطبية، أعراض مشكلة كبرى للبلاد، وهي نتاج فشلٌ استمر عقوداً في تطوير واعتماد خطة وطنية لإدارة النفايات، وفقاً للمعايير الصحية والبيئية السليمة.

في العام 2007، أعدت اليمن خطة وطنية لإدارة نفايات الرعاية الصحية، بالتعاون بين هيئة حماية البيئة، ووزارة الصحة والسكان، ومنظمة الصحة العالمية.

لكن بالظروف الراهنة نتيجة الصراع، لا يملك اليمن القدرة على تنفيذ خطة استراتيجية طويلة الأمد للبلد بأكمله لإدارة النفايات الطبية.

وجدَ «حلم أخضر» أن أزمة إدارة النفايات الطبية، كانت مهملة لعقود، لكنها تفاقمت أكثر بالسنوات الأخيرة، وهي تؤثر على باقي أنحاء البلاد.

فمع الازمة الإنسانية، وانهيار 50% من المرافق الصحية جراء الحرب، وضعف الرقابة لدى وزارة الصحة -المنقسمة- بين صنعاء وعدن، تلاشت خطة إدارة النفايات الطبية.

خلط نفايات طبية مع نفايات صلبة بمكل الازرقين بصنعاء/تصوير: حلم أخضر
جهاز تعقيم بمحطة معالجة النفايات الصحية بصنعاء قبل التدمير/الصورة: UNDP

لا معالجة للنفايات الصحية

في يونيو/حزيران 2015، تعرضت المنشأة الوحيدة لمعالجة مخلفات الرعاية الصحية بصنعاء للتدمير بضربة جوية، وهي تقع بمنطقة منفصلة عن موقع التخلص الرئيسي من النفايات في مكب الازرقين.

تم إنشاء هذه المحطة في 2014، بعد اتفاق مع الصندوق الانمائي للأمم المتحدة UNDP، وصندوق النظافة والتحسين بصنعاء. وأصبحت جاهزة للعمل في مارس/آذار 2015.

كانت محطة النفايات تلك، تملك جهاز تعقيم (أوتوكلاف) بسعة حجم 2 متر مكعب، بدورة علاج من 400 كلغ/ساعة، وآلة غسل واحدة للحاويات، وشاحنتين مخصصتين لنقل مخلفات الرعاية الصحية من المستشفيات والمرافق الطبية.

إلى ذلك، توقفت عن العمل معظم محارق النفايات الطبية بالمستشفيات المحلية، جراء نقص المعدات، وأزمة الوقود.

كان مستشفى الثورة العام، وهو أكبر المستشفيات الحكومية بصنعاء، بسعة 500 سرير، يملك أفضل محرقة حديثة للنفايات الطبية بالبلاد.

لكن مصدر مسؤول بالمستشفى أخبر «حلم أخضر» أن المحرقة توقفت عن العمل منذ شهور، بأمر قضائي من المحكمة، بعد شكوى تقدم بها بعض السكان بجوار المستشفى بأنها تلوث الحي.

تشير بيانات مكتب الأمم المتحدة OCHA للاحتياجات الإنسانية في اليمن، أن حوالي 42% من اليمنيين يفتقرون إلى مرافق صحية ملائمة.

بالإضافة الى أن نسبة استخدام السكان لمرافق صحية محسنة في الريف اليمني تصل حوالي 56%، بينما في الحضر حوالي 79%.

عامل نظافة يلقي بنفايات طبية بمستشفى بصنعاء/ تصوير: حلم أخضر

إصابات بين العاملين

معظم العاملين في جمع النفايات الطبية باليمن، يتعاملون معها يدوياً، من دون تطبيق إجراءات الصحة والسلامة، نتيجة تدني الوعي حول خطورة هذه النفايات. وشيوع بعض المعلومات المغلوطة.

تقول الدكتورة ابتسام الصادق، مسؤول مكافحة العدوى، بمستشفى الكويت الجامعي بصنعاء لـ«حلم أخضر»: “لدينا في المستشفى تسجل حالات كثيرة نتيجة الوخز بالإبر المستخدمة لدى المرضى، ونتيجة النقل غير الامن للنفايات من الاقسام الى نقطة التجميع المركزية لدى عمال النظافة”.

“بالإضافة للتنظيف غير الآمن لدى عمال النظافة لمخلفات العلاجات والمحاليل وعينات المختبر؛ وعدم ارتداء وسائل الحماية يلعب دور كبير في إصابة هذا الكادر المتعامل مع هذه النفايات”. قالت دكتورة ابتسام.

تبين بعض الدراسات الميدانية ارتفاع معدلات الإصابات بين العاملين في جمع النفايات الطبية التي تخلفها مؤسسات الصحة العامة في البلاد.

وتشير دراسة (العماد، 2011) لارتفاع معدل الإصابات بين العاملين في جمع النفايات، حيث بلغ معدل الاصابات خلال سنة واحدة في 5 مستشفيات حكومية بصنعاء حوالي 28.7 %، وفقا لتقارير العاملين.

وبحسب الدراسة، فأن غالبية المستشفيات اليمنية لا تفرّق بين النفايات الطبية وغير الطبية. ولا توجد ميزانيات مخصصة لأغراض إدارة النفايات.

مما أدى لنقص تجهيزات التعامل مع النفايات الطبية الخطرة، فضلاً عن شحة برامج التدريب للعاملين حول التعامل الآمن مع النفايات.

وفقاُ للدراسة، يوجد حوالي 60% من العاملين في جمع النفايات بالمستشفيات الحكومية يستخدمون العربات للتخلص من النفايات الطبية، ولا يتم تنظيفها أو تعقيمها بعد كل عملية تجميع للنفايات.

بينما يستخدم حوالي 25% من العاملين في المستشفيات الخاصة بصنعاء، العربات لنقل النفايات الطبية.

في حين يعمل حوالي 8.3% فقط من العاملين بالمستشفيات بصنعاء، على تنظيف وتعقيم هذه العربات بعد كل عملية تجميع للنفايات.

وبالتالي، يتسبب ذلك، بوقوع إصابات بين الكوادر الصحية والعاملين في المرافق الطبية، وانتقال بعض الامراض الفيروسية.

أنبوبة دم لنفايات طبية صنعاء/تصوير: حلم اخضر

مخاطر صحية للنفايات الطبية

تكمن خطورة النفايات الطبية في كونها تحتوي العديد من الجراثيم والميكروبات، وهي قادرة على نشر العديد من الأمراض المعدية للبشر.

وتشير عدة دراسات ميدانية بأن النفايات الطبية الخطرة، قد تكون مصدراً لأمراض عدة: الإيدز، التهاب الكبد، السل، وغيرها من الأمراض.

وحول ذلك، تقول الدكتورة ابتسام: «نجد من فترة إلى أخرى وجود حالات إصابة يصاحبها انتقال بعض الفيروسات غير الامنة مثل فيروس الكبد B، وفيروس الكبد C. وHIB».

وفقاً لتقديرات منظمة الصحة العالمية، فإن أكثر من 23 مليون حالة اصابة بالتهاب الكبد B & C وفيروس الايدز تحدث سنويا بالعالم، بسبب ممارسات الحقن الغير آمنة (اعادة استخدام الإبر الطبية بغير تعقيم).

في اليمن، بالرغم من أن النفايات الطبية قليلة مقارنة ببلدان الشرق الاوسط، إلا أن المخلفات السريرية تمثل خطراً على السكان.

 فالنفايات الصلبة السريرية يتم جمعها مع باقي النفايات، دون خضوعها لأي معالجة قبل التخلص منها في المكبات.

ويقول مدير إدارة السلامة الكيميائية بهيئة البيئة، المهندس علي الذبحاني، لـ«حلم أخضر»: «مخلفات الرعاية الصحية مثل الأدوات الحادة والشاش والدم ومخلفات العمليات الجراحية، تنتج بكميات بسيطة جداً، لكن إذا لم يتم فرزها، فهي نفايات خطرة ومُعدية».

ويضيف الذبحاني: «نتيجة لعدم فرز النفايات الطبية بالمستشفيات، وايصالها مختلطة مع النفايات الصلبة الى المكبات العامة، تتلوث النفايات وتتحول إلى قنبلة بيولوجية! وبالتالي تؤثر على عدد كبير من السكان».

وسط مكب النفايات بصنعاء تتواجد الماعز/ تصوير حلم أخضر

اليمن وكمية النفايات الطبية

بحسب دراسة (الوبر، وآخرون، 2016)، فإن متوسط معدل توليد النفايات الطبية في مستشفيات صنعاء الحكومية بلغ 3 كيلوجرام للمريض الواحد في اليوم، وحوالي 2.5 كيلوجرام للسرير الواحد في اليوم.

في حين أن متوسط كمية النفايات الطبية التي تنتجها أكبر 4 مستشفيات حكومية في صنعاء (مستشفى الثورة، مستشفى الكويت، مستشفى الجمهوري، والمستشفى العسكري)، بلغ حوالي 5615 كيلوجرام يومياً.

منها 26% نفايات طبية خطرة (معدية، مسببة للأمراض، ونفايات كيميائية). وحوالي 74% منها تعتبر نفايات عامة (غير خطرة).

ويقدر مدير إدارة السلامة الكيميائية بهيئة حماية البيئة، بأن كمية النفايات الطبية بمدينة صنعاء بلغت بحوالي 17,000 طن في السنة.

ووفقاً للخطة الوطنية لإدارة نفايات الرعاية الصحية، فأن كمية النفايات الطبية في اليمن، بلغت حوالي 44769.6 طن في العام 2016.

وتشير بيانات وزارة الإدارة المحلية، بالجدول (1) إلى أن كمية النفايات الصلبة بالمناطق الريفية والحضرية في اليمن، ارتفعت من 4,376 مليون طن في العام 2017. إلى حوالي 4,609 مليون طن في العام 2019.

كما تشير احصاءات حديثة للجهاز المركزي للإحصاء (اطلع عليها حلم أخضر) إلى أن المواقع الرسمية للنفايات الصلبة بالبلاد، ارتفعت الى حوالي 53 موقعاً بالريف والحضر في 2019. بدلاً من 21 موقعاً في 2015.

جدول كمية النفايات الصلبة باليمن 2017 – 2019 /المصدر جهاز الاحصاء

النفايات الطبية والحماية المفقودة

العاملين في المستشفيات المحلية، وعمال النظافة ليسوا على دراية بالمخاطر المحتملة للنفايات السريرية، ونادراً ما يتم اتخاذ تدابير الحماية اللازمة.

وفي معظم الحالات، لا يرتدون مآزر بلاستيكية، وأقنعة وقفازات، وأحذية واقية أثناء جمع النفايات ونقلها من المرافق الصحية الى خارجها.

وتشير دراسة (ايفاق، والغيثي، 2015)، بأن جمع النفايات الطبية يتم بأكياس بلاستيكية سوداء اللون، وهي ليست أكياس نفايات بيولوجية خطرة (كأكياس صفراء وحمراء اللون).

وفي الفترة خلال العامين 2012 – 2014، خصصت السلطات الصحية اليمنية مركبات محددة لنقل نفايات الرعاية الصحية الخطرة من المستشفيات.

ومع ذلك، فإن هذه المركبات تستخدم في بعض الأحيان لنقل نفايات القمامة من الشوارع والأحياء، دون تنظيفها من المخلفات الطبية.

في المكبات المفتوحة في المدن الرئيسية بالبلاد، تساهم الحماية المفقودة في وجود ملتقطي النفايات دون ادراكهم لخطورة اختلاطها بالنفايات الطبية.

ومع تواجد بعض الحيوانات كالكلاب الضالة والماعز، في المكبات، يتعزز انتشار الأمراض المنقولة بالنواقل. مما يفاقم الازمة الصحية في اليمن.

إزاء ذلك كله، تحتاج اليمن لتطبيق لوائح جديدة لمعالجة النفايات الطبية والتخلص منها، من قبل السلطات الصحية، لحماية صحة المجتمعات، غير أنه لا شيء واضح للوصول إلى ذلك.

انفوجرافيك: حلم أخضر © Holm Akhdar

* المراجع والمصادر:

– وثيقة النظرة العامة للاحتياجات الإنسانية في اليمن، فبراير2021، .OCHA Yemen

– افاق، نعمان، والغيثي، عادل (يوليو/تموز 2015). إدارة النفايات الصلبة السريرية المتولدة من مرافق الرعاية الصحية في اليمن. ورقة بحثية.

– العماد، عادل، (2011) “تقييم إدارة التخلص من النفايات الطبية في المستشفيات الرئيسية في اليمن”. المجلة الصحية لشرق المتوسط (EMHJ) المكتب الإقليمي بمنظمة الصحة العالمية WHO، المجلد. 17 رقم 10.

–  الوكالة الألمانية للتعاون الدولي GIZ (أبريل/نيسان 2014). تقرير “وضع إدارة النفايات الصلبة في اليمن”.

– الوبر، جواد. و3 آخرون، (يوليو/حزيران 2016). “تحديد تكوين النفايات الطبية في مستشفيات مدينة صنعاء باليمن”. مجلة العلوم التطبيقية والإدارة البيئية AJOL، المجلد 20 (2)، ص 343-347.

تعليقات
Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط
error: Content is protected !!