حلم أخضر – تقرير خاص
ثمة حقيقة مهمة وملهمة، في بلد اشتهر سكانه بكونهم فلاحين، وهي: أن اليمن عبر التاريخ لم تضعف الا في العصور التي قل فيها الاهتمام بالزراعة.
ولربما كانت سمعة “اليمن السعيد”، قد ارتبطت عبر التاريخ، بأشجار: العنب، واللبان، والمر العلاجي، والبن، والتي ذاع صيتها من اليمن الى كل بقاع العالم.
تبدأ قصة التشجير والإنجاز، بعد تولى الرئيس الحمدي مقاليد السلطة في اليمن الشمالي، إذ قام بتدشين أبرز المشاريع الخلاقة التي حركت القطاع الزراعي، الذي شكل العمود الفقري للاقتصاد الوطني خلال تلك الفترة. وقد أطلق على ذلك المشروع “مشروع التشجير العام”.
مشروع التشجير العام
بدا مشروع التشجير في اليمن الشمالي العام 1975، حيث جرى وفق قرار رسمي اعتبار يوم الأول من شهر مارس (1 مارس) من كل عام، يوماً وطنياً للشجرة.
وقد عرفه اليمنيين آنذاك، بـ “عيد الشجرة”، إذ يتم فيه غرس الأشجار في كل مناطق البلاد. وكان الرئيس الحمدي يحرص على تدشين موسم التشجير بنفسه.
فطبقاً لوثيقة (اهداف مشروع التشجير ومراحل التنفيذ) وتشرتها “الاقتصاد الآن” في صنعاء، تم اطلاق مشروع التشجير العام بتوجيه من الرئيس الحمدي، ليتم تنفيذ المشروع خلال 3 مراحل.
وقد حددت المدة الأولية لتنفيذ المشروع 3 مراحل للتشجير تبدأ من العام 1975، وتنتهي في 1978، بحيث يتم زراعة 3 ملايين شجرة في كل مرحلة من مراحله الثلاث، للوصول الى 9 ملايين شجرة في نهاية المشروع كخطة أولى.
وبحسب تلك الوثيقة، شهدت المرحلة الأولى لمشروع التشجير للعام 75-1976 غرس 3 ملايين شجرة، في كل محافظات ومديريات ونواحي البلاد.
في حين شهدت المرحلة الثانية خلال الفترة 76-1977، غرس 3 ملايين شجرة أيضاً. بيد أن الوثيقة أشارت أنه لم يتم تنفيذ المرحلة الثالثة من التشجير 77-1978 لغرس 3 مليون شجرة متبقية من اجمالي المشروع.
وهي الفترة الزمنية التي تم فيها اغتيال الرئيس الحمدي. ليتوقف التشجير عند 6 ملايين شجرة تم غرسها في البلاد، خلال عهد الحمدي.
وتوضح تلك الوثيقة، أن خطة التشجير السنوي في كلا من المرحلتين الأولى والثانية كانت موزعة على ثلاث محاور: أولاً المحافظات الـ 10 وهي عدد محافظات اليمن الشمالي آنذاك، بحيث تتولى كل محافظة من المحافظات العشر غرس 100 ألف شجرة، ليصبح مجموع ما تم غرسه مليون شجرة، وترفع كل محافظة تقرير بذلك.
وثانياً: تتولى هيئات التطوير وأعضاء الاتحاد العام التعاوني خلال فترة المشروع تشجير المناطق التابعة لها، بمعدل 10 ألف شجرة سنوياً لكل هيئة، بمشاركة 100 هيئة من هيئات التطوير بالمديريات.
وبضرب الرقمين 100 هيئة تعاونية × 10 ألف شجرة تم غرسها، يصبح الناتج المتحقق مليون شجرة مغروسة في الموسم الواحد.
وثالثاً: القوات المسلحة اليمنية في كل البلاد، بمشاركة طلاب المدارس والمعاهد والكليات والكشافة، وموظفي الدولة والمواطنين الراغبين، كل هؤلاء يتولون غرس مليون شجرة في اليوم الأول لموسم التشجير 1 مارس من كل عام.
كان مشروع التشجير ينشد تحقيق عدد من الأهداف التي أوردتها الوثيقة، وهي: توسيع الرقعة الخضراء لليمن وتحسين البيئة، وإقامة الأحزمة الواقعة حول المدن الرئيسية، وتجميل المدن بالبيئة الطبيعية للسكان، وتطوير الغابات وتوسيع رقعتها في ارجاء البلاد.
وإلى جانب ذلك، كان تشجير مداخل المدن، وإقامة الحدائق العامة والمتنزهات. وكان يتم استكمال التشجير في شهري يوليو واغسطس بداية موسم الأمطار الرئيسي في البلاد.
الزراعة العمود الفقري للاقتصاد
لقد شكلت الزراعة اهم موارد الدخل الوطني للجمهورية العربية اليمنية، كما أن القطاع الزراعي كان أكبر الأنشطة الاقتصادية في استيعاب السكان.
إذ كانت نسبة اليمنيين المشتغلين في القطاع الزراعي أكثر من 75% من مجموع القوة العاملة في البلاد.
وقد شكل انخفاض نسبة الأراضي المزروعة بالمقارنة مع المساحة الكلية احدى خصائص القطاع الزراعي في اليمن آنذاك.
وكانت الأراضي المزروعة سنويا تقدر بحوالي مليون ونصف هكتار من مجموع المساحة الكلية والتي تقدر بنحو 20 مليون هكتار. أي ان المساحة المزروعة بشكل منتظم لم تكن تشكل أكثر من 7,5% من المساحة الكلية لليمن الشمالي آنذاك.
في حين أنه كان يوجد حوالي 2 مليون هكتار من الأراضي الهامشية التي تزرع كل 4 أو 5 سنوات اعتماداً على كمية الأمطار. طبقاً لدراسة بحثية.
وتشير دراسة تقييمية بعنوان: “تجربة الجمهورية العربية اليمنية في التنمية الريفية” للدكتور ناصر العولقي، والمنشورة في مجلة “دراسات يمنية”، بعددها رقم 11 الصادر في مارس 1983، الى إن “مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي كانت في أوائل السبعينات تتراوح بين 50 الى 55 %.
ثم انخفضت هذه النسبة في نهاية السبعينات الى 44%. ثم وصلت الى حوالي 30 % فقط في العام 1981″.
وبحسب تلك الدراسة، اعتمدت الزراعة في معظمها على الأمطار، حيث بلغت الرقعة الزراعية المعتمدة على الأمطار حوالي 84% من مجموع الرقعة الزراعية، لأن المياه الجوفية والسطحية كانت لا تكفي في ذلك الوقت الا لزراعة نحو 16% من الأرض الصالحة للزراعة.
وطبقاً لدراسة العولقي، كان النمط الزراعي في اليمن الشمالي في تلك الحقبة، يتصف بسيادة محاصيل الحبوب، حيث كان انتاج الحبوب يحتل الصدارة سواء من حيث المساحة المزروعة أو من حيث حجم الإنتاج.
وكانت مساحة زراعة الحبوب تشغل نسبة 80% من المساحة المزروعة في البلاد. وتشكل الذرة الرفيعة المحصول الأساسي حيث بلغ انتاج الذرة والدخن في العام 1975 – 1976 حوالي 785 ألف طن، وهو ما يعادل نسبة 78% من مجموع انتاج الحبوب في نفس السنة.
ومن أبرز المحاصيل الزراعية اليمنية التي كانت مزدهرة تلك الفترة: الدخن والذرة والقمح والمانجو والموز والبابايا والبطيخ والحمضيات مثل البرتقال والليمون والكمثرى والتفاح والخوخ والعنب. وكل أنواع الخضروات.
سياسة دعم الزراعة (شمال اليمن)
كانت محاصيل الحبوب والقطن (وفقاً لتقرير رئاسة مجلس الوزراء 1975) من السلع الزراعية التي تصدرها اليمن سنوياً للخارج بنسبة 63%.
وقد لعبت الدولة دوراً كبيراً في نمو القطاع الزراعي حيث ارتفع إنتاج الفواكه والخضروات نتيجة الحماية والدعم والمساندة الحكومية كسياسة انتهجتها الدولة، وقد أنشأت محطات البحوث الزراعية في تعز واب ومركز الإرشاد الزراعي، وجرى انشاء مزارع الابقار الحلوب في ذمار.
وشملت اهداف القطاع الزراعي في الخطة الخمسية الأولى العام 1976: تحقيق زيادة صافية في الناتج المحلي الإجمالي بمعدل سنوي لا يقل عن 5,5% خلال سنوات الخطة الخمسية الأولى (آنذاك).
والسير في طريق الاكتفاء الذاتي من الغذاء وتأمين احتياجات الصناعات الزراعية المحلية، والحد من العجز المتزايد في ميزان المدفوعات بالنسبة للسلع الزراعية، ودعم صغار المنتجين الزراعيين، والعمل على تحقيق العدالة والاستقرار في نظام الحيازة والعلاقات الزراعية.
واستهدفت الخطة الخمسية الأولى تطوير القطاع الزراعي، باستثمارات بلغت قيمتها 2643,5 مليون ريال (الدولار=4,6 ريال)، أي بنسبة 14,3% من اجمالي استثمارات الخطة لكل القطاعات.
وقد نفذ منها مبلغ 866 مليون ريال، أي ما نسبته 7,5% من اجمالي الاستثمارات المنفذة خلال الخطة.
وترجع أسباب انخفاض نسبة التنفيذ في استثمارات القطاع الزراعي آنذاك، الى عدة أسباب، أهمها: قلة الكوادر الفنية والإدارية، والصعوبة أو التأخير في الحصول على الأراضي، وقصور التمويل اللازم لبعض المشروعات.
ويكشف تقرير الجهاز المركزي للتخطيط (سابقاً) وزارة التخطيط (حالياً)، عن نمو الإنتاج الزراعي خلال الخطة الخمسية الأولى للفترة من 1975-1981.
حيث بلغت زيادة انتاج البقوليات الجافة بنسبة 10,5%، وزيادة انتاج الخضروات 42,6%، وزيادة البطاطا 72,4%، وزيادة انتاج البن بنسبة 5,9%، والفواكه 34,6%، وزيادة التبغ 25%.
لكن الأهمية النسبية للقطاع الزراعي في اليمن، اخذت اتجاها متناقضاً ومنحدراً، بشكل ملحوظ منذ منتصف الثمانينات وحتى اليوم.
وشكلت بذلك فجوة كبيرة بين نمو هذا القطاع وبين النمو السكاني، الذي يعد من بين أكبر المعدلات في العالم، مما ينذر بمخاطر كبيرة على استقرار البلاد وأمنها الغذائي نتيجة ازدياد الفقر وارتفاع نسب البطالة، واهمال تام للقطاع الزراعي.
* المراجع:
– مجلة (الاقتصاد الآن) الصادرة في صنعاء. العدد (1). ص:22-23، مارس 2015.