حلم أخضر (خاص) تقرير: محمد الحكيمي
على قاربه الخشبي، يتشبث الصياد عبدو أحمد (25 سنة) بمهنة صيد الأسماك، كونها مصدر الدخل الوحيد لعائلته المكونة من 7 افراد.
في ساحل الخوخة بمحافظة الحديدة غرب اليمن، يتحرك “عبدو” نحو مناطق الاصطياد، وهو يخشى مواجهة أية متاعب. ويتقاسم معه تلك المخاوف معظم الصيادين العاملين على امتداد الساحل اليمني.
يقول عبدو لـ “حلم اخضر”: “معيشتنا كلها من هذا البحر، لو راح البحر، فين نروح؟ نحن لم نتلقى تعليم، ولا يوجد لدينا وظيفة أخرى. ولا أي شي اخر ليس معنا غير البحر”.
أزمة صافر: تهديدات اقتصادية محتملة
بحسب اخر الإحصاءات الرسمية (الميدانية) لمراكز الانزال السمكي للعام 2014، يبلغ عدد الصيادين اليمنيين العاملين في قطاع الصيد الحرفي حوالي 126.624 ألف صياد، يعملون في مراكز الانزال السمكي المنتشرة في مناطق البلاد الساحلية.
ويعد الشريط الساحلي الغربي في البحر الأحمر، من أكبر مجتمعات الصيد التقليدي في اليمن. والذي يتركز معظمه في سهل تهامة الغربي، فعلى امتداد الساحل من ميدي في حجة، حتى الخوخة في الحديدة، يعمل قرابة 78 ألف صياد.
كل هؤلاء الصيادين، تتربص بهم كارثة بحرية وشيكة في حال تسرب حوالي 1,148 مليون برميل من النفط الخام من ناقلة النفط صافر المتهالكة، قبالة السواحل اليمنية في البحر الأحمر.
فمنذ 6 سنوات، ترسو ناقلة صافر بلا صيانة، على بعُد 8 كيلومترات من ميناء رأس عيسى بمحافظة الحديدة. مهددة بذلك بأكبر كارثة بيئية -وشيكة- في العالم، في حال تسرب منها النفط الخام.
قطاع الأسماك: مليون ونصف متضرر
يقول لـ “حلم أخضر” الدكتور علي مقحيش، الخبير الاقتصادي في الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي (AREA): “هناك عدد كبير جداً سيتضررون. صيادو الأسماك سيتضررون. وأصحاب المطاعم الذين يوظفون عدد من العمالة سيتضررون. والافراد الذين يقومون بعملية النقل والذين ينتجون الثلج. وهي سلسلة القيمة Value Chain المضافة لقطاع الأسماك”.
“في كل مرحلة من هذه المراحل هناك عدد كبير من العمالة. كل شخص في هذه العمالة يعول مجموعة من الافراد والذين قد يتضررون. سيصل حجم الضرر المباشر على هؤلاء الى حدود مليون ونصف شخص”، قال الدكتور مقحيش.
الخسائر المتوقعة جراء الكارثة
تشير التوقعات، بحسب التحليل الذي أجرته شركة Riskware البريطانية، إلى أن 100% من مصائد الأسماك ستتأثر جراء كارثة ناقلة صافر الوشيكة، والتي قد تصل خسائر الدخل بحوالي 1.5 مليار دولار على مدى 25 عام.
ووفقاً لتحليل Riskware، قد يستغرق مخزون الصيد 25 عاماً للتعافي. وسيتوقف مصدر دخل 500,000 شخص يعملون في قطاع صناعة الأسماك وصناعة المأكولات البحرية. وسيحتاج قرابة 1.7مليون معال الى مساعدات غذائية.
في حال حدوث تسرب النفط من صافر، سيغلق ميناء الحديدة لمدة 5-6 أشهر، مما سيؤثر على انشطة الإغاثة في ظل الازمة الإنسانية الراهنة.
كما سيودي ذلك الى ارتفاع أسعار مشتقات النفط بنسبة 200%. وسيعمل على انقطاع خدمات الصحة والمياه والصرف الصحي المعتمدة على الوقود.
وبحسب التوقعات، فأن خسائر المزارعين قد تصل الى 70 مليون دولار، وهي خسائر الإنتاج الزراعي (الحبوب، الفواكه، الخضروات وغيرها من المحاصيل النقدية) وخسائر دخل العمالة.
قد يضاعف ذلك الأمر من ارتفاع أسعار المواد الغذائية. مما سيدفع بالمزيد من اليمنيين إلى الاعتماد المباشر على المساعدات الإنسانية، وسيزيد من انعدام الامن الغذائي في تلك المناطق.
تنتج منطقة تهامة أكثر من 700 ألف طن من الفاكهة، وحوالي من 110 ألف طن من الخضروات، وحوالي 90 ألف طن من الحبوب. تخيلوا حجم الضرر في حال تسرب النفط من صافر واختلاطه في المياه. معظم المحاصيل الاساسية مثل الموز والمانجو لا تتحمل الملوحة. فما بالك حين تتضرر بالنفط. وفي حال تسرب النفط كل المحاصيل ستنتهي
مزارعي تهامة أكبر المتضررين
توصف منطقة تهامة (والتي تشمل محافظة الحديدة وسهول حجة) بأنها سلة اليمن الغذائية. حيث تنتج حوالي 40% من كمية الإنتاج الزراعي والحيواني في البلاد.
وعلى امتداد الشريط الساحلي لمحافظتي حجة والحديدة، ينتشر حوالي 186.778 فلاح، يعملون بنظام الحيازات الزراعية المنتجة للفواكه والخضروات، والبقوليات، والمحاصيل النقدية، والأعلاف. في ظل تحديات ومعاناة مستمرة.
يقول الدكتور علي مقحيش: “تهامة تنتج تقريباً أكثر من 700 ألف طن من الفاكهة. وتنتج حوالي من 110 ألف طن من الخضروات، وحوالي 90 ألف طن من الحبوب. تخيلوا حجم الضرر في حال اختلاط النفط مع الماء. معظم المحاصيل الاساسية مثل الموز والمانجو لا تتحمل الملوحة. فما بالك حين تتضرر بالنفط. ففي حال تسرب النفط كل المحاصيل ستنتهي”.
السكان في تلك المناطق الساحلية، يعتمدون على الزراعة والصيد البحري والرعي، كمصدر للدخل والغذاء. وهم لا يملكون أية خيارات أخرى لمواجهة أي صدمات جديدة.
بنوع من الخوف، قال لـ حلم أخضر الفلاح أحمد الزبيدي، أحد مزارعي الطماطم في تهامة: “نحن معتمدين على الله، وعلى المزرعة فقط. ولا يوجد لدينا مصدر دخل آخر غير مزارعنا”.
الحديدة: المحاصيل الغذائية مهددة
بحسب البيانات الزراعية، توجد حوالي 10.185 هكتار من المساحة المزروعة بمحاصيل البقوليات في محافظة الحديدة. وقد بلغ إنتاج البقوليات في منطقة الحديدة حوالي 21.603 ألف طن في العام 2018.
في حين تصل المساحة المزروعة بالخضروات في الحديدة بحوالي 9.225 هكتار. وتبلغ كمية الإنتاج للخضروات في سهول الحديدة حوالي 99.347 ألف طن.
وتبلغ كمية انتاج الحديدة لوحدها من الفاكهة 222.952 ألف طن للعام 2019، تتصدرها فاكهة المانجو والنخيل والموز والبابايا Papaya (عمب الفلفل)، والجوافة وغيرها. في مساحة زراعية تبلغ حوالي 22.909 هكتار.
في حين تنتج محافظة الحديدة العديد من المحاصيل النقدية، من السمسم والفول السوداني والتبغ (التمباك) والقطن، وغيرها. حيث تنتج حوالي 29.230 ألف طن من المحاصيل النقدية، بمساحة زراعية تبلغ 24.758 هكتار.
ويقول لـ (حلم أخضر) سليم غانم، وهو مهندس ومزارع من محافظة حجة: “إذا كان التلوث بمياه المجاري يسبب مشكلة كما حدث في مزارع صنعاء. فما بالك بالنفط! ستموت الزراعة سواء كانت خضروات او فواكه، وسنخسر حتى الثروة الحيوانية (الماشية). ولن نرى أي شيء غير صحراء قاحلة”.
10 ألالاف بئر مياه في خطر
تعد المناطق الساحلية اليمنية، من أكبر مناطق الإنتاج الزراعي في البلاد، والتي سوف تتأثر من التلوث النفطي في حال حدوثه. وبحسب الدكتور مقحيش ” فإن المناطق الساحلية من عبس وحرض الى باب المندب والتي تصل الى حوالي 650 كيلو على الشريط الساحلي ستكون عرضة للضرر”.
وفقاً لمختصين، فإن معالجة التلوث النفطي داخل الأراضي الزراعية، ستكون عملية معقدة ومكلفة لبلد كاليمن. فالأراضي التي سيلوثها النفط ستتحول تربتها الى تربة عقيمة، لا ينبت فيها أي شي.
يؤيد الدكتور مقحيش، احتمالية هذا الأمر، ويؤكد أن “المواد الكربوهيدراتية ستقضي على الكائنات التي تعمل على خصوبة التربة والديدان والمخصبات الحيوية للتربة بشكل عام. وسوف ينعكس هذا بشكل سلبي على النباتات”.
ويقول مقحيش: “الأراضي الزراعية في تهامة تعتمد على مياه الري الجوفية بشكل أساسي ومياه السيول. المياه الجوفية تغطي حوالي 46% من احتياجات المزارعين. وخلال السنوات الأخيرة قام المزارعين المحليين بسحب المياه الجوفية بشكل عشوائي. فبحسب إحصائية وزارة المياه يوجد في اليمن أكثر من 120 ألف بئر، منها 10 ألف بئر مياه في المناطق الساحلية، وهي التي ستتعرض لخطر التلوث”.
“في حالة تسرب النفط واختلاطه بماء البحر سيتسرب الماء الملوث بالنفط الى آبار المياه الجوفية. وفي هذه الحالة ستدمر التربة الزراعية وتصبح عقيمة. سيقضي النفط على التربة الزراعية الخصبة المنتجة للمحاصيل. وسيؤدي هذا إلى هجرة ونزوح السكان في هذه المناطق”. قال الدكتور مقحيش.
ماذا عن الثروة الحيوانية والاعلاف؟
بحسب الخبير الاقتصادي د. علي مقحيش، فأن عدد الثروة الحيوانية في اليمن تقدر بأكثر من 20 مليون رأس، وهي موزعة بين حيوانات الضأن (الخراف) والماعز والابقار والإبل.
تنتج منطقة تهامة (الحديدة) كمية كبيرة من الاعلاف وتشمل أعلاف الذرة والبرسيم والحشيش. حيث وصل انتاج الاعلاف بحسب احصاءات العام 2019 الى حوالي 593,955 طن سنوياً من الحديدة فقط. من اجمالي 1,5 مليون طن من انتاج اليمن للاعلاف في السنة. تغذى الحديدة ثلث الثروة الحيوانية في عموم الجمهورية اليمنية.
ويقول الدكتور مقحيش: “في حال لا قدر الله، حدث تسرب واختلاط للنفط بماء البحر، فهذا يعني القضاء على أكثر من 200 كيلو متر2 (الكيلو متر2 = 100هكتار) وبعبارة أخرى: سيتم القضاء على 20 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، واراضي رعي المواشي”.
ويضيف مقحيش: “لن تتضرر المناطق الساحلية وتهامة فقط في حال وقوع التسرب، بل ستتضرر كل اليمن، اما في حال حدوث انفجار سيؤثر على معظم الأراضي اليمنية، وسيكون المتضررين المباشرين تقريباً أكثر من 8 مليون ونصف شخص، او أكثر من ذلك”.
تشير توقعات Riskware، الى أن حوالي 8 محافظات يمنية، ستتعرض للضرر جراء كارثة صافر الوشيكة، وستشمل محافظات: حجة، الحديدة، ذمار، صعدة، صنعاء، المحويت، عمران، ومحافظة ريمة. وقد يستغرق التعافي ربع عقد من الزمن. ويمكن أن يمتد التلوث الشديد الى مضيق باب المندب، مع مرور بعض النفط إلى ما وراء خليج عدن.
آثار جانبية على الأنشطة الاقتصادية:
انتاج الملح البحري
في المناطق التي يقل فيها سقوط الامطار، مثل منطقة عدن، يجري انتاج مادة الملح البحري عبر (المملاح). حيث يتم استخراج الملح بطريقة تقليدية بضخ مياه البحر إلى أحواض، وتركها لأشعة الشمس لترسب الملح بفعل التبخر.
تتواجد صناعة الملح البحري في عدن على امتداد الساحل. وفي حال حدوث كارثة صافر، سيؤثر التلوث بالنفط على مناطق انتاج الملح وسيؤدي الى خسائر كبيرة للعاملين في هذا المجال.
محطات توليد الكهرباء:
في المناطق الساحلية، تستخدم بعض محطات توليد الطاقة الكهربائية عند تشغيلها، إلى مياه البحر الباردة التي تمر من خلال انابيب تكثيف البخار الناتج من توربينات البخار.
ومن حين الى اخر يتم اغلاق مدخل المياه في اعقاب البقع النفطية كإجراءات احترازية ضد تلف الآلات ولتجنب اغلاق المحطة بالكامل لفترات مطولة لتنظيف المعدات وغيرها في تلوثها بالنفط.
كيف يمكن تخفيف الضرر؟
يرى الدكتور علي مقحيش، أنه في حال حدوث الكارثة، يجب أن “تركز الجهود على زيادة التوعية للجمهور العام عن طريق منصات الاعلام مثل منصة حلم أخضر أو منصات التواصل الاجتماعي، وعن طريق توعية صناع القرار في ورش العمل، والجهات الداعمة في مجال العمل الإنساني، والمجال البيئي ومجال حقوق الانسان، بحيث توعي الجمهور بالخطر المحدق بنا في حال -لاسمح الله- ووقعت الكارثة “.
“كما يفضل لو يتم إطلاق خط ساخن لدى جهة رسمية كي تتفاعل مع كافة البلاغات التي تصل من الصيادين أو المزارعين في تلك المناطق”. قال الدكتور مقحيش.
إزاء هذه الكارثة العالقة، تبدو التجمعات السكانية الساحلية، الأشد تضرراً، وفي حال حدوث الكارثة، سيؤدي ذلك الى خلق أزمة جديدة كبرى، داخل الازمة الإنسانية اليمنية، والتي تصفها الأمم المتحدة بأنها الأسو في العالم.
* تقرير من: محمد الحكيمى.
بمساهمة: سماح الجعراني (صنعاء). تصوير: عيسى الراجحي (حجة)، علي جعبور (الخوخة)،
ــــــــــــــــــــــ
مصادر البيانات:
– كتاب الإحصاءات السنوية للعام 2014، الجهاز المركزي للإحصاء، اليمن.
– كتاب الإحصاء الزراعي لعام 2018، وزارة الزراعة والري، الجمهورية اليمنية.
– “ناقلة صافر: تقييم المخاطر والأثر”، شركة Riskaware، بريطانيا، نوفمبر 2020.
– اثار تلوث النفط على الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية، منظمة ITOPF.