حلم أخضر (خاص) هيئة التحرير
في شارع الستين، وسط العاصمة اليمنية صنعاء، يتم تجميع مئات الأطنان يومياً من النفايات الصلبة المختلطة مع النفايات الطبية، وتعد 20% منها خطرة على البيئة وصحة السكان.
كل هذه النفايات يتم نقلها خارج المدينة، ودفنها في المكب الرئيسي للنفايات الصلبة بمنطقة “الازرقين” بمديرية “بني الحارث” المليئة بالأراضي المنتجة للمحاصيل الزراعية.
يستقبل مكب “الازرقين” الواقع باتجاه الرياح الشمالية، نفايات 3 محافظات؛ تقدر بحوالي 1,500 طن يومياً، بحسب تقييم حالة النفايات (UNDP).
مكب نفايات 3 محافظات
يقول مدير إدارة السلامة الكيميائية بهيئة حماية البيئة اليمنية، المهندس علي الذبحاني، في حديثه لـ«حلم أخضر»: «مقلب (الازرقين)، يضم نفايات 3 محافظات: محافظة صنعاء، أمانة العاصمة، وعمران. وكلها توصل نفايات الرعاية الصحية وهي مخلوطة مع النفايات العامة، وبالتالي يحدث التلوث بشكل كبير».
وأضاف: «أمانة العاصمة وصل عدد سكانها بالفترة الأخيرة لحوالي 5,850 مليون نسمة -فما بالك بعدد محافظتي عمران وصنعاء- ويتم طمر كل هذه النفايات بشكل غير صحي في مكب مكشوف وبدائي!».
وحول ما يفترض به أن يكون، قال الذبحاني: «يفترض أن ننشئ مقلب هندسي لنفايات الرعاية الصحية والنفايات الخطرة. لكن ليس لدينا موقع لإنشائه. هناك دراسات في هذا الجانب، لكن ليس لدينا إمكانية».
النفايات الطبية والمكبات المكشوفة
في اليمن، تم اختيار مواقع المكبات الرسمية للنفايات الصلبة منذ قرابة 40 عاماً؛ وتقع هذه المكبات بعيداً عن المجتمع السكاني.
ومع الزيادة السكانية وتوسع العمران خلال العقدين الماضيين، أصبحت هذه المكبات بالقرب من السكان. مما زاد العدوى المحتملة للصحة العامة بالمجتمعات المحلية.
يوجد في اليمن حوالي 21 موقعاً للنفايات الصلبة، 15 موقعاً منها تعد مكبات مفتوحة. لكن نصفها تضررت بنيتها التحتية والمعدات ووسائل النقل جراء الصراع.
ووفقاً لأحد التقارير، يقُدر حجم النفايات الصلبة في اليمن بأكثر من 4 ملايين طن في السنة.
وبحسب الخطة الوطنية لإدارة النفايات الطبية، بلغت كمية النفايات الطبية بالبلاد حوالي 44,769.6 طن في العام 2016. وتشكل النفايات الخطرة منها حوالي 20 – 22%.
ووفقاً لهيئة البيئة، توجد في اليمن حوالي 50 محرقة للنفايات الطبية بالمستشفيات المحلية، معظمها قديمة وعاطلة، وقد توقفت جراء نقص المعدات، وأزمة الوقود.
ولعل أكثر الطرق شيوعاً للتخلص من النفايات الطبية السريرية والمخلفات الصحية في البلاد هي المكب المكشوف.
إذ يتم خلط النفايات الطبية في المدن مع النفايات الأخرى، دون خضوعها لأية معالجات أو فرز أو تطهير، قبل التخلص منها. مما يزيد حدة المخاطر.
عند إضافة النفايات الطبية إلى المكبات العامة، يحدث رشح للمواد المكونة لها، وتنتقل الى التربة، وتعمل على القضاء على الكائنات الحية الدقيقة النافعة في التربة، وبالتالي تتلوث التربة
النفايات الطبية تهدد البيئة
في صنعاء، تضاعفت أزمة النفايات الطبية جراء الحرب وتفشي جائحة كوفيد-19. وتعرضت محطة معالجة النفايات الصحية للقصف والتدمير.
وبحسب مدير إدارة السلامة الكيميائية بهيئة البيئة، علي الذبحاني، تقدر كمية النفايات الطبية في صنعاء بحوالي 17,000 طن في السنة.
وحول ما تفاقمه النفايات من ضرر بيئي، يقول أستاذ خصوبة التربة بكلية الزراعة جامعة صنعاء، الدكتور نجيب المغربي: «عند جلب النفايات الطبية الى المكبات العامة، يتم رشح المواد المكونة لها وتنتقل الى التربة».
«هذه المواد تعمل على القضاء على الكائنات الحية الدقيقة النافعة الموجودة في التربة، والتي تعمل على تحلل المادة العضوية، وزيادة خصوبة التربة».
ويضيف المغربي لـ «حلم أخضر»: «عندما تتلوث التربة، فإن هذا التلوث ينتقل إلى النباتات. ايضاً المياه الجوفية قد لا تكون بعيدة عن التلوث من النفايات الطبية».
حرق النفايات والمواد الخطرة
وفقاً لأحد التقارير، تصل معدلات جمع النفايات في اليمن لحوالي 65% في المدن الكبرى، وحوالي 5% في المناطق الريفية.
وتشير الخطة الوطنية لإدارة النفايات الطبية، إلى تلوث جميع المواقع المحلية للتخلص من النفايات، جراء الحرق المكشوف، والطمر غير الصحي.
إذ تؤدي عملية حرق النفايات الطبية بالمكبات المفتوحة، لمفاقمة كوارث مناخية: كتلوث الهواء، الاحتباس الحراري، ندرة المياه، وتدهور الأراضي. مما يفرض عبئاً أكبر على المجتمعات والخدمات العامة.
ويقول المهندس الذبحاني: «نتيجة دفن نفايات الرعاية الصحية مع مخلفات أخرى، تنتج عنها تفاعلات كيميائية وبالتالي تتولد مواد خطرة مثل: ديوكسين وفيوران، وهي مواد مسرطنة جداً؛ تؤثر على البيئة، الهواء، المياه، التربة، والمنتجات الزراعية».
في مديرية أرحب شمال محافظة صنعاء تلوثت مياه الابار الجوفية. وبعد تحليل عينات للتربة والمياه، وجدنا أن التربة تملحت على عمق 50 متراً، وتضررت بشكل كبير زراعة العنب. وقد توقف الفلاحين عن زراعة العنب نتيجة تملح التربة
خطورة حرق النفايات الطبية
بحسب “وكالة حماية البيئة” الأمريكية، يمكن لحرق النفايات في الهواء الطلق أن ينتج كميات ضارّة من الديوكسين: وهي “مجموعة من المواد الكيميائية عالية السمّيّة التي تستقر على المحاصيل وفي مجاري المياه لتنتهي في غذائنا وتؤثر على صحتنا”.
ويمكن أيضا لـ اللّحوم والحيوانات التي تنتج الألبان والأجبان، وتأكل محاصيل ملوثة، أن تعرّض البشر لخطر الديوكسين.
في مكب النفايات بمدينة المكلا بمحافظة حضرموت شرق البلاد، أشار تقرير سابق إلى تسبب النيران بهبوط للتربة وخرق استقرار النفايات بالمكب.
حدث ذلك في مكب “غليلة” بمنطقة “الديس” بالمكلا قبل سنوات، مما زاد من خطر انهيار المكب، جراء انهيار التربة والانهيارات الأرضية.
في اليمن، تفاقم المكبات المكشوفة للنفايات الصلبة المختلطة مع النفايات الطبية، الكثير من التهديدات المؤثرة على النظام البيئي، بما في ذلك تأثر الغذاء والمياه والهواء وصحة المجتمعات. لتبقى الكارثة من دون حلول في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية.
شاهد قصة الفيديو من #حلم_أخضر#HolmAkhdar pic.twitter.com/zOttHbEtwq— حلم أخضر Holm Akhdar (@holmakhdar) November 22, 2021
تلوث طبقات التربة والمياه
مع غياب نظام جمع عُصارة المخلفات الخطرة في مكبات النفايات المحلية، تتسرب المياه بمواسم الامطار، وتجرفها الفيضانات، لتلوث الاراضي والآبار المجاورة.
وبحسب تقرير، وجدت الأبحاث بمكب النفايات في محافظة إب في العام 2009، أن العصارة -وهي عبارة عن تصريف سائل من مكب النفايات- كانت تتسرب من الموقع، وأدت لتلوث مياه الآبار المجاور بمعادن ثقيلة وبكتريولوجية.
وفي صنعاء، يؤكد مدير السلامة الكيميائية علي الذبحاني، لـ«حلم أخضر»، تلوث عدة مواقع بعد أخذ عينات لمياه الابار الجوفية القريبة من مكب الازرقين.
ويقول الذبحاني: «في منطقة “جَــِّدر” بالروضة تم أخذ عينات للتربة ولمياه الآبار، ووجدنا تلوث للمياه وللتربة بعد تحليل العينات».
وشمال العاصمة صنعاء، تضررت بشكل كبير مديرية “أرحب” إحدى مديريات محافظة صنعاء، جراء التلوث الذي أصاب الحقول والمياه الجوفية.
«هناك مناطق بمديرية “أرحب” تم تحليل عينات للتربة والمياه، وبسبب تصريف مياه الصرف الصحي بطريقة خاطئة، وجدنا ان التربة تملحت على عمق 50 متراً، وتضررت بشكل كبير زراعة العنب. وقد توقف الفلاحين عن زراعة العنب نتيجة تملح التربة»، قال الذبحاني.
المكبات المكشوفة للنفايات في المدن اليمنية، تحمل الكثير من التهديدات حول تأثر النظام البيئي بأكمله، بما في ذلك سلامة الغذاء والمياه وصحة المجتمعات. لتبقى الكارثة من دون حلول، في ظل استمرار الأزمة الإنسانية في البلاد.
* المراجع:
– الخطة الوطنية لإدارة نفايات الرعاية الصحية بالجمهورية اليمنية، يناير/كانون الثاني 2019، EPA، WHO.
– أولمو فورني، وآخرون، “اليمن: تقييم طارئ لحالة النفايات”، برنامج UNDP اليمن. أغسطس/ آب 2015.
– Efaq, Noman & Al-Gheethi, Adel, (July, 2015). Management of Clinical Solid Wastes Generated from Healthcare Facilities in Yemen. Conference Paper.