بقلم:عبد الرحمن الطويل
سئمت من منظر مكبات النفايات الكبيرة والمتسخة التي تنتشر في الشوارع والمحال التجارية؟ اليوم وبمجرد قيامك بجولة بسيطة في مولات دبي وأبوظبي، ستتفاجأ بمكبات جديدة وأنيقة الشكل، تشبه كثيرا آلة التوزيع التي نشتري منها مشروباتنا الغازية، أو ماكينة الصراف الآلي. الأكيد أنك ستقف بضع ثوان تفكر وتسأل نفسك: هل هذا مكب للنفايات؟ الجواب نعم، إنها ماكينة إعادة التدويرالجديدة التي أطلقتها شركة أفيردا منتصف الشهر الماضي، واختارت الإمارات لتكون المحطة الأولى لهذه الماكينة. مالك سكر، المدير التنفيذي للشركة، يراهن على نجاح ماكينته بـالستايل الجديد الذي تقدمه من خلال منح مستعميلها هدايا وجوائز.
نعم جوائز، فمكافأة الشخص الذي لا يرمي النفايات في الشارع لم تعد تقتصر فقط على شكره لمساهمته في بناء بيئة نظيفة، بل تتعدى ذلك ليحصل على جوائز ومكافآت تمنحها ماكينة إعادة التدوير التي طرحتها شركة أفيردا، بالتعاون مع شركاء محتملين. ارم أكثر، تحافظ على البيئة أكثر، تفز أكثر هو الشعار الذي يردده مالك سكر، المدير التنفيذي للشركة، في تسويقه لماكينته الجديدة، فبمجرد رميك عبوة مياه معدنية أو غازية تحصل على ورقة إيصال تمنح من خلالها نقطة واحدة، وسيزيد رصيدك من النقاط حسب عدد المرات التي تستعمل فيها الماكينة. وعند تجميعك عددا معينا من النقاط ستحصل على مكافأة تصرف لدى صالات بيع بالتجزئة معينة في مختلف أنحاء المنطقة.
وبالعودة إلى تاريخ الشركة، فقد تأسست في العام 1968 بلبنان عن طريق مؤسسها ميسرة سكر، لتنتقل بعد ذلك وتحديدا في العام 1976 إلى السعودية، ثم نجحت مؤخرا في مد خدماتها إلى بقية دول مجلس التعاون الخليجي. واليوم، وبالإضافة إلى فروعها في لبنان والمملكة المتحدة، تقدم أفيردا خدماتها إلى كبرى الشركات والمشاريع في المملكة العربية السعودية جدة والرياض، والإمارات دبي وأبوظبي والشارقة، وسلطنة عمان مسقط، وقطر الدوحة، إضافة إلى انتشار أعمالها في شمال أفريقيا والمملكة المتحدة وفرنسا.
انتشار الشركة والسمعة الطيبة التي اكتسبتها، أسهما في حصولها في شهر يوليو/ تموز من العام 2011، على مناقصة لتنظيف مدينة أبوظبي بأكملها وإدارة نفاياتها، تهدف إلى تحويلها إلى واحدة من أنظف 5 مدن في العالم خلال فترة زمنية تمتد لـ5 سنوات هي مدة العقد الذي لم يتم الإفصاح عن قيمته.
أما في الجارة دبي، التي تبعد 150 كيلومترا عن العاصمة أبوظبي، فقد طرحت الشركة التي تعمل في مجال الإدارة المتكاملة للنفايات والموارد، ماكينة إعادة التدوير بالتعاون مع شركة تومرا الرائدة عالميا في صناعة ماكينات التدوير. حيث تعتمد هذه الماكينة بالأساس على تجميع العبوات المستهلكة المصنوعة من البلاستيك أو الألمنيوم وإعادتها مباشرة إلى مصانع إعادة التدوير. يقول سكر: الفرق بين ماكنتنا والأخريات أنها قريبة من المستهلك، وهو ما يجعله يرمي هذه العبوات وهي نظيفة. مشيرا إلى أن أكبر المشاكل التي كانت تعانيها مصانع إعادة التدوير هو اختلاط العبوات مع النفايات الأخرى كالمأكولات والأوراق، حيث تحتاج إلى فرزها وتنظيفها وتوظيفها مما يستلزم ميزانية كبيرة من المياه والتقنية واليد العاملة، أما الماكينة الجديدة فيقول عنها سكر: ستقوم بتجميع هذه العبوات مباشرة من يد المستهلك دون خلطها مع النفايات الأخرى، وهو ما يغنينا من المصاريف السالفة الذكر.
الماكينة الجديدة، التي تبلغ تكلفتها 13 ألف دولار، متطورة وجميلة الشكل ما سيعطي لمستعمليها إحساسا بأنهم أمام آلة متقدمة التكنولوجيا حتى إنك ستخجل أن ترمي بها عبوات متسخة. ولا تقبل هذه الماكينة إلا القوارير الفارغة، كما لا تقبل أي نوع من النفايات غير ما سبق ذكره. وبالإضافة إلى هذه الميزات تعد هذه الماكنية صفقة مربحة أيضا بالنسبة لمستخدميها.
سكر يعترف أن استعمال الإيصال الورقي غير بيئي بالمرة، إلا أنه يعزو ذلك إلى طبيعة المستهلك العربي الذي تعود على هذا النوع من التعامل الورقي. لكنه وجد الحل ولو بشكل مؤقت سنضع عند كل ماكينة، ماكينة أخرى لإعادة تدوير الأوراق مشيرا إلى أن الخطوة القادمة ستعتمد فيها الشركة على التواصل مع العملاء عن طريق الموقع الإلكتروني، حيث بمجرد التسجيل في الموقع سيحصل العميل على رقم سيدخله عند استعمال الماكينة، وستتم إضافة النقاط المحصلة إلى حساب العميل في الموقع الإلكتروني دون الحاجة إلى إيصال ورقي.
اختار سكر إطلاق ماكينته الجديدة في الإمارات، حيث سيتم طرح 250 ماكينة كعدد أولي ليصل إلى 2000 مع نهاية العام 2012. وعزا اختياره هذا إلى أن الكثافة السكانية في الإمارات أقل من الدول الأخرى وهو ما يرفع نسبة النجاح، بالإضافة إلى طبيعة الحياة في الإمارات التي تعتمد على المولات بشكل كبير جدا وضع هذه الماكينة في المولات أسهل بكثير من وضعها في الشوارع العامة يقول سكر الذي أشار أيضا إلى أن القوانين البيئية في الإمارات أكثر صرامة من دول كمصر والسعودية. فالمشكلة التي تعاني منها بلدان العالم العربي، هو عدم وجود ضوابط قانونية تمنع العامة من رمي النفايات في الأماكن العامة. ففي كندا أو ألمانيا مثلا أي شخص يقوم بذلك يدفع غرامات مالية مرتفعة أو حتى السجن في بعض الأحيان، أما في عالمنا العربي، فرميك للنفايات في الشارع يعتبر خطأ أدبيا فقط.
بعد الإمارات يستهدف سكر السفر بماكينته ليغزو بها العالم العربي، حيث سيمر قطاره البيئي على السعودية وقطر ثم باقي بلدان مجلس التعاون الخليجي، ليتحول بعد ذلك إلى بلاد الشام، الأردن ولبنان وسوريا وفلسطين. وفي الأخير سيصل بها إلى دول شمال أفريقيا. يقول سكر: إنتاجنا غير محدود، لكنه رهين بدرجة تجاوب المستهلكين ووسائل الإعلام مع ماكيناتنا.
يبتسم سكر، ويقول بفخر نتوقع نجاح ماكنتنا بنسبة %100 مشيرا إلى أنه في السابق كانت هناك همزة وصل مفقودة بين المستهلكين ومصانع إعادة التدوير. فهناك العديد من المستهلكين يرغبون في المساهمة بشكل مباشر في عملية إعادة التدوير لكنهم لا يجدون الطريقة المناسبة لذلك ماكينتنا هي الحل يقول سكر.
0% هي نسبة نجاحنا اليوم، وما فوق ذلك فهو تفوق لنا، يقول سكر، الذي اعترف أن خلال السنوات الـ4 المقبلة لن يدخل جيبه درهم واحد من هذه الماكينة، أما بعد ذلك فهو رهين بنجاح الماكينة من عدمه لا أطمح للربح، هدفي هو المساهمة في بيئة نظيفة يقول سكر الذي يأمل في أن تستطيع ماكنيته في يوم من الأيام في أن تجمع %80 من القارورات المستهلكة. في الدول الاسكندنافية %80 من القوارير المستهلكة تصل إلى مصانع إعادة التدوير، وهو الرقم الذي نريد أن نصل إليه في العالم العربي.
لكن لتصل إلى ما وصل إليه الاسكندنافيون لا يكفي اختراع آلة أو ماكينة، يجب على سكر تغيير سكان العالم العربي أنفسهم، فكيف ستقنع شخصا قضى حياته كلها دون أن يكترث إلى أين تذهب نفاياته أن يستعمل ماكينة إعادة التدوير، يلزمنا تغيير جذري في العادات البيئية لسكان عالمنا العربي يقول سكر من جانبنا سنضع ماكيناتنا في كل مكان، في المولات والمراكز التسوقية والملاعب والتجمعات السكانية أما من جانبنا نحن، فلنرمي عبواتنا المستهلكة في الماكينة الجديدة لنربح المكافآت التي وعد بها سكر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*المصدر: forbesmiddleeast