صنعاء، 29 مارس/آذار 2024
خلصت دراسة حديثة أعدها حلم أخضر للدراسات والاستشارات البيئية، حول صناعة القهوة في اليمن، وصدرت اليوم بعنوان (راسخ الجذور: لمحة عن صناعة القهوة اليمنية والوضع الراهن)، أن المساحة الزراعية للبن اليمني وكمية انتاجه، اتسمت بالثبات النسبي خلال الفترة (2014 – 2020). حيث أثبتت القهوة اليمنية طيلة الفترة الماضية أن بمقدورها التكيف مع تغيرات المناخ والتهديدات البيئية الأخرى. ما يعني أن مستقبل البن اليمني سيكون واعداً بالاستدامة في العقود القادمة، في حال تظافر الاهتمام الرسمي والمجتمعي لتنمية هذه الصناعة، ومعالجة تحدياتها الراهنة، وفق رؤية استراتيجية وتدخلات فعالة.
وترى الدراسة أن القهوة ماتزال أحد أسرار اليمن التي تحتاج إلى إعادة اكتشاف من منظور مورفولوجي وثقافي وتاريخي. وأنه نتيجة لندرة الأبحاث الوراثية والخرائط الجينية للبن في اليمن، ما يزال الكثير من أصناف البن اليمني لم يجرِ دراستها بعد بشكل متمعق، ولم يتم اجراء مدخر وراثي لجميع الأصناف المزروعة في مناطق زراعة البن في البلاد. حيث اثبتت الأبحاث العلمية مؤخراً أن “اليمن يحتوي على مجموعة الأصول الوراثية الكاملة لأنواع البن المزروع في العالم”.
تغير المناخ لن يكون ضاراً بزراعة البن اليمني
وبينت الدراسة، انه بالاستناد على نتائج الأبحاث العلمية الحديثة التي أظهرت ارتفاع مخاطر انقراض أنواع البن في مناطق العالم خلال العقود القادمة، وتحذيراتها المتزايدة من تراجع الإنتاج العالمي للبن لمستوى النصف في مناطق تشمل بلدان أفريقيا، وجنوب شرق آسيا. فأن تكريس الاهتمام بالبن اليمني يمثل فرصة حقيقية لليمن.
كون خطر انقراض أشجار البن المتوقع في عدد من البلدان، لا يشمل اليمن. ولعل التهديدات السلبية التي سيفرضها تغير المناخ على قطاع البن العالمي حتى العام 2080. قد تمنح اليمن فرصة للعودة بقهوتها على الصعيد الدولي. وقد تدفع بالبن اليمني للواجهة مجدداً باعتبار اليمن البلد الام للأصول الوراثية للبن العربي على مستوى العالم.
صناعة القهوة اليمنية اتسمت بالثبات النسبي برغم تأثيرات الحرب والمناخ، وقد تشهد استدامة كون تغيرات المناخ في اليمن خلال العقود القادمة ستكون ملائمة لزراعتها
وفي ضوء عدد من المعطيات العلمية التي بينتها الدراسات السابقة، وبالاعتماد على نتائج نمذجة البيانات التنبؤية لتغير المناخ المحتمل لليمن خلال العقود الخمسة القادمة. فإن الاستنتاج الذي خرجت به هذه الدراسة هو أن تغير المناخ في اليمن لن يكون ضاراً بزراعة وإنتاج البن في المستقبل. بل على العكس، قد يؤدي إلى زيادة إنتاج البن اليمني. فالتأثيرات المحتملة لتغير المناخ على الإنتاج الزراعي بشكل عام، وإنتاج البن بشكل خاص، لن تعتمد على المناخ في حد ذاته فحسب، وإنما ستعتمد أيضاً على الديناميات الداخلية للنظم الزراعية، بما في ذلك قدرتها على التكيف مع التغيرات المناخية.
وتوقعت الدراسة التي أنتجها حلم أخضر للدراسات البيئية، أن التغيرات التي قد تشهدها اليمن مستقبلا، ستوفر المناخ الملائم لزراعة ونمو محصول البن العربي في مناطق عديدة في البلاد. نظراً لما سيشهده اليمن من زيادة عامة في هطول الأمطار خلال العقود القادمة. والتي قد تسهم على المدى الطويل إلى “تحسن إنتاجية المحاصيل وتوسع رقعة الأراضي الصالحة للزراعة باليمن”.
ولعل ما يعزز ذلك هو ما تمتاز به أصناف البن اليمني المزروعة -وتحديداً التي تمتاز بمقاومتها للجفاف بنسبة (متوسطة – عالية)- وقدرتها على التكيُّف مع بيئتها بارتفاعاتها العالية، وهو ما ثبت طيلة العقود الماضية. إلى جانب أن فترات مواسم الهطول المطري في اليمن، تتوافق مع فترة نمو محصول البن. فضلاً عن تنوع جينات البن اليمني، وقدرتها على مقاومة بعض الآفات.
2018: أكثر الأعوام تراجعاً في المساحة والإنتاج
وكشفت الدراسة في تحليلها للوضع الراهن لزراعة وانتاج البن اليمني خلال الفترة (2014 – 2020) وهي فترة شديدة الأهمية، أن البن اليمني رغم استحواذه على نصف مساحة المحاصيل النقدية، وتصدره قائمة المحاصيل النقدية في الإنتاج. إلا أن المحاصيل النقدية في اليمن فقدت خلال الفترة (2014 – 2020) جزء كبير جداً من أراضيها بلغت حوالي 11,508 هكتار من المساحة المحصولية؛ حيث تقلصت كثيراً جراء تظافر عوامل عديدة أبرزها تفاقم الحرب واشتداد المعارك المسلحة، وتحديداً في العام 2018 الذي يعد أكثر الأعوام التي شهد فيه القطاع الزراعي اليمني عامة، والبن اليمني خاصة تناقصاً وتراجعاً كبيراً في المساحة الزراعية والإنتاج.
إلى جانب عدد من القيود على النقل، وحركة التجارة الخارجية وتصدير السلع الزراعية، وشحة الوقود، وتدهور البنية التحتية. وعوامل أخرى منها موجات الجفاف، وتعرض مناطق الإنتاج الزراعي لمجموعات مليونيه من أسراب الجراد الصحراوي، حيث تعرضت محاصيل عديدة للتلف في أعوام 2016 و2018. الى جانب عدد من العوامل الأخرى.
وبينت الدراسة، أن الخسائر التي منيت بها المحاصيل النقدية باليمن، تركزت بدرجة رئيسية في فقدان مساحة ضخمة للغاية لمحصول القطن. حيث تراجعت مساحة زراعة القطن من 14,375 هكتار عام 2014، إلى حوالي 4,053 هكتار في العام 2020. بمقدار خسارة بلغت 10,322 هكتار من أراضي القطن خلال الفترة (2014 – 2020). ويعزى سبب هذا التراجع الكبير إلى تضرر عدد واسع من الأراضي الزراعية للقطن في محافظة الحديدة، والتي تعد أكبر المنتجين للقطن اليمني.
كما كشفت الدراسة عن إن كمية انتاج البن اليمني انخفضت إلى أدنى مستوى لها في العام 2018، نتيجة لعوامل سياسية واقتصادية وظروف اجتماعية-بيئية متشابكة، منها: تحول عدد من الفلاحين من أصحاب الحيازات الزراعية الصغيرة في بعض مناطق زراعة البن ومحاصيل الحبوب، إلى زراعة القات نظراً للعائد السريع، والاغراءات المالية التي يتلقونها مقابل تأجير أراضيهم لزراعة القات من قبل تجار القات النشطين في مناطق عدة منها: منطقة “ماوية” في تعز وغيرها. حيث أن هؤلاء التجار خسروا أراضيهم المنتجة، ولم يعد بمقدورهم استثمارها نتيجة تعرضها لأضرار كبيرة جراء الاستخدام المفرط للمبيدات والسموم التي يتطلبها القات.
وبينت الدراسة أن هذا التحول نحو زراعة القات لوحظ في أراضي المدرجات والوديان في عدة مناطق بالبلاد منها على سبيل المثال لا الحصر: منطقة “الحُجّرية” في محافظة تعز. ومحمية “بُرع” موطن البن البُرعي بمحافظة الحديدة، بالإضافة لعدد من المناطق شمال وجنوب البلاد.
تحديات في قطاع القهوة اليمنية
وحول التحديات والقيود التي تعيق قطاع القهوة في اليمن. أوضحت الدراسة الصادرة عن حلم أخضر للدراسات البيئية، أن الإهمال الحكومي لقطاع الزراعة اجمالاً، وزراعة البن على وجه خاص ساهم في بطء نمو قطاع القهوة. وذلك نتيجة وجود فجوات في السياسات الزراعية، وافتقار قطاع البن اليمني لتشريعات الحماية، وللبيئة المؤسسية المنظمة خلال الفترة (2014-2020).
ووجدت الدراسة أنه خلال العقود الأخيرة، ومع زيادة اعتماد الحكومة على الاستيراد، وتغير النمط الاستهلاكي للمجتمع اليمني في الريف والحضّر، انخفض الاستهلاك المحلي للقهوة اليمنية، نتيجة زيادة الإقبال على استهلاك الشاي ومشروبات أخرى مستوردة كالنسكافية وغيرها، مما قللّ الطلب المحلي على القهوة في المجتمع اليمني. ولعل هذا يتطلب رؤية واضحة لتعزيز الاستهلاك المحلي للقهوة اليمنية.
كما خلصت الدراسة إلى عدد من التحديات الأخرى التي تواجه قطاع القهوة اليمنية، منها ان ضعف النمو الإنتاجي للمواد الزراعية المحلية بشكل عام، وضعف قطاع البن في تأمين المدخلات بشكل منظم يشكل تحدِ كبير لمزارعي ومصدري البن. ويتفاقم ذلك في ظل غياب التكامل بين القطاع الزراعي والصناعي والتجاري.
فضلاً عن محدودية بناء القدرات لمنتجي البن ورواد الأعمال بقطاع القهوة والتي تحد من حصولهم على التمويل اللازم لصناعتهم، وتشكل عائقاً امام تطوير أنشطتهم في صناعة البن اليمني. بالإضافة إلى ضعف البنية التحتية لقطاع البن في اليمن والتي تعاني من ضعف شديد في المختبرات الإنتاجية والتخزين وضعف في تطوير سلاسل القيمة، مما يعيق تصدير منتجات القهوة بجودة عالية وفق المواصفات العالمية.
السياسات والتوصيات المقترحة
واقترحت الدراسة مجموعة من السياسات التي ينبغي على الحكومة اليمنية النظر إليها، من أجل تعزيز وتنمية قطاع البن في ظل التغيرات المناخية الوشيكة والمؤثرة على انتاج البن في العالم. ومن تلك السياسات أوصت الدراسة بأن على الحكومة اليمنية فرض تشريع يمنع تحويل أراضي زراعة البن في اليمن إلى انتاج القات أو أي محاصيل أخرى بهدف المحافظة على أراضي البن. وتنفيذ خطة استراتيجية لاستعادة وتطوير أراضي المزارع البحثية في المحافظات وتفعيل أنشطتها. وإقرار سياسات وإجراءات فعالة لحماية الأصول الوراثية للبن اليمني كعنصر هام للتنوع البيولوجي.
وأوصى حلم أخضر للدراسات البيئية في دراسته، الحكومة بضرورة تسهيل دور بنوك ومؤسسات التمويل الأصغر، بهدف توسيع خيارات برامج التمويلات في المجتمعات الزراعية. الى جانب تعزيز وتسهيل دور القطاع الخاص في الاستثمار بقطاع البن اليمني.
كما أوصت الدراسة، بضرورة إعادة الدور الأساسي الذي أنشئ عليه بنك التسليف التعاوني الزراعي، والمتمثل في تمويل ودعم الفلاحين وصغار المزارعين، كونه البنك الحكومي المختص بتنمية القطاع الزراعي في اليمن. واقترحت الدراسة، اطلاق برنامج وطني لصيانة وتأهيل المدرجات الزراعية (المتدهورة) التي تزرع البن، وتنفيذ تعداد وحصر لها. وضرورة تفعيل سياسات الارشاد الزراعي. كما اوصت الدراسة بتعزيز مشاتل البن وإعادة تشغيل المشاتل التي دمرتها الحرب.
وأوصت الدراسة الدول المانحة لليمن والمنظمات الدولية، بدعم وتوسيع برامج النقد مقابل العمل في المجالات الزراعية الغذائية في الريف اليمني، بما يسهم في زيادة الإنتاجية في قطاع البن بشكل مستدام وتحسين دخل أسر صغار المزارعين. كما أوصت الدراسة المنظمات الدولية بتخصيص جزء من مشاريع التمويل المناخي لدعم برامج مؤسسات التمويل الأصغر في اليمن، والتي تقدم تمويلات غير ربحية لبناء قدرات مزارعي البن، وتطوير البنية المؤسسية لمنتجي ومصدري القهوة اليمنية.
تحميل الدراسة: PDF (نسخة عربي)
عن حلم أخضر للدراسات البيئية:
حلم أخضر للدراسات البيئية، شركة أبحاث واستشارات بيئية، مرخصة ومسجلة في وزارة الصناعة والتجارة بالجمهورية اليمنية. تهدف إلى تعزيز الوعي والمعرفة البيئية. وخلق تأثير إيجابي في مجال السياسات البيئية، وتكريس الفهم المشترك للتحديات البيئية والمناخية في البلاد. تعمل على تقديم المشورة، وتنفيذ الدراسات والأبحاث البيئية، وابتكار الحلول البيئية والتنظيمية من خلال العمل مع المنظمات والشركات، والمؤسسات، وصانعي السياسات بهدف استبصار نهج النمو الأخضر في قطاعات الأعمال المختلفة في اليمن.