حلم أخضر – دراسة للباحث: ياسين أحمد القحطاني
ملخص الدراسة:
تلوث البيئة في مدينة صنعاء “دراسة في الجغرافيا التطبيقية”، وبعد تناول 3 صور للتلوث في مدينة صنعاء في ضوء الأهداف الموضوعة لهذه الدراسة، يمكن استنتاج بعض الأسباب والعوامل التي أدت إلى ظهور مشكلة التلوث في العاصمة صنعاء وهي كما يلي:
1- ظروف البيئة الطبيعية للمدينة:
حيث تسهم هذه الظروف في حدوث ظاهرة التلوث بصورة مباشرة وأخرى غير مباشرة ، فالمظهر التضاريسي الحوضي للمدينة يجعلها عرضة لحدوث الانعكاسات الحرارية، التي تعمل على تمركز الملوثات في هواء المدينة ، كما تسهم الظروف المناخية بعناصرها المختلفة في تلوث هواء المدينة.
حيث يؤدي ارتفاع الإشعاع الشمسي وما يصاحبه من ارتفاع درجة الحرارة ونشاط حركة الرياح أثناء النهار إلى بعثرة ونشر الغبار والجزيئات العالقة في هواء المدينة، كما أن سكون الرياح أثناء الليل مع انخفاض درجات الحرارة، وارتفاع الرطوبة النسبية يعمل على تمركز الملوثات في هواء المدينة، مما يؤدي إلى ظهور طبقة قاتمة اللون تعلو سماء المدينة خاصة في فصل الشتاء، كما أن سقوط الأمطار في أيام محدودة من السنة يقلل من إمكانية تنقية الهواء مما يعلق فيه من ملوثات ، فيكون فصل الشتاء أكثر الفصول تلوثاً نظرا لقلة سقوط الأمطار خلاله.
2- الزيادة السكانية:
إن النمو السكاني للمدينة حدث بصورة عشوائية تفتقر إلى أي نوع من التخطيط ، مثلت الهجرة السبب الرئيسي لهذا النمو ، وقد رافق هذا النمو السكاني نموا عمرانيا عشوائياً أيضا مرتبطاً ارتباطاً مباشرا بتلبية حاجات السكان المتزايدة.
وقد صاحب النمو السكاني زيادة الطلب على الخدمات الأساسية من خدمات المياه والصرف الصحي والطرق وغيرها من الخدمات.
ونتيجة لعدم تلبية هذه الاحتياجات المتزايدة ظهرت مشكلة التلوث بكل صوره. كما رافق النمو السكاني أيضا زيادة وتنوع الأنشطة السكانية التي زادت وتنوعت بزيادة عدد السكان، وزادت كمية المخلفات الصلبة الناتجة عن زيادة الاستهلاك ، وتعددت مصادرها ، كما زادت أعداد السيارات التي تعتبر المصدر الرئيسي لتلوث الهواء بالمدينة.
3- النمو العمراني العشوائي:
أدى سوء وغياب التخطيط إلى نمو المدينة عمرانيا بصورة عشوائية ، فظهرت كثير من المناطق العشوائية والمتدهورة التي تظهر فيها كافة صور التلوث لصعوبة تنميتها، كما أدى النمو العشوائي أو التخطيط قصير المدى إلى أن تضم المدينة أحياء غير مخططة كانت في فترات سابقة خارج حدود المدينة.
وظلت محتفظة بشكلها السابق وشكلت صورة أخرى من صور العشوائية، كما أن العشوائية في النمو انعكست على شبكة الطرق داخل المدينة، فظهرت في معظمها ضيقة، وغير منتظمة الاتساع والاتجاه، وهذا أدى إلى إرباك الحركة المرورية داخل المدينة، رغم قلة عدد السيارات نسبيا، وهذا يزيد من إمكانية تلوث الهواء بعوادم السيارات.
كما أدى النمو العمراني العشوائي لصنعاء، إلى عدم التوازن في توزيع استخدامات الأرض ، وفي كثير من الأحيان تداخلها مع بعضها البعض ، وهذا التداخل أدى إلى انتشار مصادر التلوث في معظم أجزاء المدينة.
كما أن العشوائية في النمو أدت إلى غياب بعض استخدامات الأرض من المدينة مثل المساحات الخضراء التي تقتصر على مناطق محدودة للغاية ، وهذا أدى إلى غياب دورها في تخفيف حدة التلوث الهوائي.
4- عدم اكتمال البنية التحتية:
كان عدم اكتمال رصف جميع الطرق في المدينة، سبباً رئيسياً لتلوث الهواء بالغبار والجزيئات العالقة التي تثيرها السيارات من هذه الطرق. إضافة إلى عدم انسياب الحركة المرورية عليها، مما يعمل على زيادة كمية العوادم الملوثة للهواء.
كما أن عدم اكتمال شبكة الصرف الصحي واستخدام الحفر الامتصاصية لتصريف المياه العادمة أدى إلى تلوث خزانات المياه الجوفية بها ، كما أن عدم وجود وسيلة لتصريف المياه العادمة المنزلية في بعض الأحياء العشوائية ، وتصريفها إلى الأرض مباشرة أدى إلى تلوث الأرض بهذه المخلفات.
5- أسباب إدارية :
كان لسوء الإدارة دور في ظهور صور التلوث المختلفة بصورة مباشرة وأخرى غير مباشرة ، فقد أدى عدم التنسيق بين الجهات الخدمية في المدينة إلى زيادة فترة تنفيذ مشاريع البنية التحتية والتي غالبا ما تخترق الطرق الرئيسية، وهذا يعمل على إرباك الحركة المرورية ومن ثم زيادة عوادم السيارات التي تلوث الهواء.
كما ينتج عن هذه المشاريع كميات كبيرة من الأتربة والتي تظل متكدسة فترات طويلة ، و تكون عرضة لإثارة الرياح ، مما يؤدي إلى تلوث الهواء بهذه الأتربة.
وقد أدى تعدد الجهات المسئولة عن إدارة المخلفات الصلبة إلى تلوث المدينة بهذه المخلفات فالتغييرات المستمرة وعدم الاستقرار الإداري أدى إلى ضعف كفاءة هذه الإدارة ، خاصة أنها كانت توكل إلى جهات ليس لديها الخبرة والإمكانيات المادية الكافية للقيام بذلك.
ونتج عن ذلك أن ظلت كميات كبيرة من هذه المخلفات متكدسة في أجزاء كثيرة من المدينة. وعند تقييم مراحل التعامل الحالي لهذه المخلفات يتضح عدم كفاية المعدات المستخدمة في ذلك، كما أن عدد الحاويات المستخدمة في تخزين القمامة لا تكفي الكميات المتولدة منها، مع أنها ليست موزعة بشكل متوازن على مختلف مناطق المدينة، و أن استخدام الحاويات المكشوفة في تخزين القمامة له سلبيات واضحة ودور واضح في تلوث بيئة المدينة.
كما أن ضعف الرقابة من قبل بعض الجهات المختصة أدى إلى تزايد أعداد محطات تعبئة المياه التي لا تتوفر بها أدنى شروط السلامة الصحية، فالمياه في غالبية هذه المحطات ملوثة لعدم القيام بالمعالجة على اكمل وجهه، ومع غياب الرقابة أيضا زاد عدد آبار المياه الخاصة التي تقوم ببيع المياه دون أي معالجة نتيجة زيادة الطلب على المياه.
وقد أدى عدم الكشف الدوري على السيارات إلى أن معظمها أصبحت ذات تأثير في واضح في تلوث الهواء نظرا لقدمها، كما نتج عن عدم الرقابة على استيراد السيارات إلى دخول أعداد كبيرة من السيارات المتهالكة التي خرجت عن العمل في مناطق استيرادها ، وأصبحت تمثل مصدرا رئيسياً لتلوث هواء المدينة.
6- ضعف الوعي البيئي لدى السكان:
أدى ذلك إلى ظهور عدة ممارسات ينتج عنها تلوث بيئة المدينة ، مثل حرق القمامة والتخلص منها في أماكن غير مخصصة لذلك ورعي الأغنام على حاويات القمامة وغيرها من الممارسات التي تنعكس على بيئة المدينة.
7- حداثة الاهتمام بالبيئة:
فقد كان نتيجة لذلك أن قامت كثير من الأنشطة الملوثة للبيئة في سنوات سابقة دون أي دراسة لآثارها البيئية ، فجميع المصانع تقوم بتصريف مخلفاتها السائلة في حفر امتصاصية (بيارات) دون أي معالجة تذكر و أصبحت مصدرا مهما لتلوث خزانات المياه الجوفية، كما أن معظمها أقيمت بالقرب من المناطق السكنية.
التوصيات والحلول:
بعد توضيح أهم أسباب التلوث في مدينة صنعاء، يمكن لنا تقديم بعض التوصيات والاقتراحات لمعالجة تلوث بيئة المدينة، وهي كما يلي:
أولاً- توصيات عامة:
1- ضرورة رفع الوعي البيئي لدى السكان وذلك من خلال التوعية الإعلامية في مختلف وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمصورة ، بتخصيص مساحة كافية للبرامج البيئية في هذه الوسائل تتناول مشكلات البيئة اليمنية وكيفية معالجتها ويجب أن تراعي هذه البرامج مستويات السكان الثقافية.
2- العمل على إشراك مؤسسات المجتمع بمختلف مستوياتها في معالجة مشكلات البيئة اليمنية ، والمساهمة في رفع الوعي البيئي.
3- تنفيذ و تفعيل دور القوانين والتشريعات البيئية الموجودة ، واستكمال إصدار القوانين التي تراعي البعد البيئي.
4- العمل على استكمال البنية التحتية للمدينة ووضعها على قائمة الأولويات.
ثانياً- معالجة تلوث الهواء:
1- قياس التلوث الهوائي:
وذلك لمعرفة تركيز الملوثات في هواء المدينة ليسهل تحديد المستوى الذي وصل إليه تلوث الهواء في المدينة ، ويمكن القيام بذلك بإنشاء نوعين من المحطات لرصد الملوثات: الأولى ثابتة توزع بشكل مدروس على مختلف أجزاء المدينة ، ويفيد ذلك في تحديد اكثر المناطق تلوثا ليتم التخفيف من حدته.
الثانية متنقلة (محمولة على سيارات) تقوم بقياس تركيز الملوثات في مختلف أجزاء المدينة خاصة المناطق المزدحمة في أوقات مختلفة ، وذلك لمعرفة الاختلافات الزمنية في تركيز الملوثات لتحديد اكثر الأوقات تلوثاً ليتم معالجته.
2- العمل على زيادة رقعة المساحات الخضراء والاهتمام بالتشجير وإشراك السكان في ذلك عن طريق التشجيع على غرس الأشجار ورعايتها وتوفير الأنواع المناسبة من الأشجار التي تتلاءم مع بيئة المدينة
3- ضرورة استخدام التقنيات الحديثة للكشف الدوري على السيارات , واستبعاد السيارات المتهالكة ، ومنع تسجيل السيارات المستعملة التي يتم استيرادها من الخارج. 4
4- التحكم بمصادر التلوث الهوائي وذلك بنقلها إلى أماكن مخصصة خارج الأحياء السكنية أو إلزام مالكيها باستخدام تقنيات حديثة تقلل من كمية الملوثات المنطلقة.
5- التشجيع على استخدام الغاز كوقود بدلا من البنزين والديزل وذلك بتخفيض الضرائب على السيارات التي تستخدم الغاز، وإنشاء محطات بيع الغاز.
6- التقليل من كمية الرصاص في البنزين المستخدم ، والاستفادة من تجارب الآخرين في ذلك ، ومنع تحويل محركات سيارات البنزين إلى الديزل ويمكن أن يتم إنشاء ورشة تقوم بهذه العملية تتبع الجهات المختصة.
7- تقليل عدد سيارات نقل الركاب وذلك باستخدام سيارات ذات سعة اكبر، ونقل السيارات المستخدمة حاليا إلى مدن أخرى تعاني من قلة عدد سيارات نقل الركاب.
8- استكمال رصف وسفلتت شبكة الطرق في المدينة وتطويرها وصيانتها بصورة مستمرة ، وتنظيم الوقوف على الطرق ، ومنع استخدام أرصفتها وأجزاء منها للباعة المتجولين.
ثالثاً- معالجة تلوث الأرض بالمخلفات الصلبة والسائلة:
1- التشجيع على فرز القمامة في مصادر توالدها وذلك بتخصيص أيام معينة يتم فيها جمع المكونات النافعة مثل الورق والزجاج والمعادن والبلاستيك ودفع أسعار رمزية مقابل هذه المواد ليعاد تدويرها ودخولها في الصناعة من جديد.
2- العمل على إنشاء مصنع لتدوير القمامة يكون تابع لمشروع نظافة المدينة.
3- استبدال حاويات القمامة المكشوفة بحاويات مغطاة حتى تمنع الروائح الكريهة وتكاثر الحشرات والقوارض ، وزيادة عدد هذه الحاويات وتوزيعها بشكل متوازن بما يتفق مع كثافة السكان.
4- العمل على زيادة عدد المعدات المستخدمة في جمع ونقل وتصريف القمامة ، وزيادة عدد العاملين في ذلك.
5- ضرورة زيادة عدد مرات جمع القمامة حتى لا تتكدس داخل حاوياتها ، واختيار الأوقات المناسبة لعملية الجمع.
رابعاً- معالجة تلوث المياه:
1- ضرورة استكمال شبكة الصرف الصحي.
2- العمل على توصيل المياه إلى كافة أنحاء المدينة بصورة دائمة ، ومعالجتها قبل ضخها في الشبكة. 3
3- الرقابة الدائمة على مصادر المياه الخاصة وإغلاق أي مشروع لا تتوفر فيه شروط السلامة الصحية ، وإلزام مالكيها بمعالجة المياه قبل بيعها للسكان.
4- استخدام عبوات مناسبة لتعبئة المياه تستخدم لمرة واحدة وتكون محكمة الغلق.
5- عمل دورات لتأهيل العاملين في المشاريع الخاصة وتوعيتهم بمخاطر تلوث المياه.
*المصدر: المركز الوطني للمعلومات