حلم أخضر (خاص) تقرير: سحر محمد
بحمولة تتجاوز المليون برميل من النفط الخام، ما تزال ناقلة النفط اليمنية “صافر” راسية في ميناء رأس عيسى في البحر الأحمر، على بعد حوالي خمسة اميال فقط من السواحل اليمنية.
لتتحول من خزان عائم للنفط، الي قنبلة موقوتة تنذر بكارثة بيئية وانسانية قد تكون الأسوء في اليمن على الاطلاق.
الناقلة “صافر” التي تم احضارها من اليابان من قبل الحكومة اليمنية عبر شركة النفط اليمنية قبل حوالي ثلاثين عاماً، كانت تعمل كمنصة تصدير مؤقتة للنفط الخام. ثم أعيدت مليكتها لشركة صافر لعمليات الاستكشاف والانتاج.
لكن ظروف الحرب في اليمن، أدت الي تعطل أعمال شركة النفط، لتترك وراءها النافلة “صافر” قبالة السواحل اليمنية، والتي تتعرض للتأكل.
وثمة احتمالية وقوع الانفجار بسبب غياب الصيانة وخروجها عن العمل لما يزيد عن 4 سنوات، ولعل ما يزيد الامر سوءً انها ترسو في منطقة الصراع مما قد يجعل الناقلة عرضة للخطر.
تحذير أممي من كارثة صافر
في منتصف يوليو/تموز 2019، أبلغ وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، مجلس الامن الدولي، بخطورة ذلك.
وقال لوكوك، في احاطته المقدمة لمجلس الأمن: ” لا توجد سفينة من المرجح أن تؤدي إلى حدوث مثل هذه الأزمة متعددة الأبعاد أكثر من الناقلة صافر، التي لا تزال تتحلل على الرغم من الجهود المستمرة للتفاوض على طريقة لتأمين كمية هائلة من النفط الخام في صهاريج التخزين الخاصة بها”.
وأضاف لوكوك: “أترك الأمر لكم أن تتخيلوا تأثير مثل هذه الكارثة على البيئة، وعلى ممرات الشحن والاقتصاد العالمي”.
وكان مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن OCHA، قد أطلق تحذيراً في الـ22 أغسطس 2019، قال فيه أن ناقلة النفط صافر التي ترسو قبالة سواحل اليمن، تنذر بالانفجار. كونها تحمل 1.1 مليون برميل.
وسيؤدي التسرب النفطي لحدوث كارثة بيئية. وأعلن مكتب OCHA عن وصول فريق التقييم التابع للأمم المتحدة إلى جيبوتي، والذي قام بالتوجه إلى الناقلة صافر لتقييم الأضرار والآثار البيئية.
إن وقوع تسرب نفطي من الناقلة صافر، يمكن أن يصل من باب المندب إلى قناة السويس في مصر، وربما يصل حتى الى مضيق هرمز
مخاطر من انفجار وشيك
صحيح أن النفط الخام بطبيعته مادة خاملة، ولا يشكل خطورة او سبباً للانفجار أو الاشتعال مثل مادة البنزين.
لكن، طبقاً لمختصين فإن الخطر يكمن في عملية التأكسد الذي يتسبب به الهواء الذي يشغل المساحة الفارغة في خزانات تخزين الناقلة، التي تستوعب قرابة 3 ملايين برميل من النفط الخام.
ويؤكد مدير البحوث والسياسات في مرصد النزاعات والبيئة في المملكة المتحدة، دوغ ووير، في حديث سابق لشبكة CNN: ” أن جزيئات النفط في السطح، معرضة للتفكك، واعادة الاتحاد مع جزيئات الهواء في الخزان، وبفعل عامل الوقت يتصاعد خطر هذا التفاعل الكيميائي الذي يودي الي نشوب حريق، أو انفجار في نهاية المطاف”.
ويضيف ووير: ” للتقليل من هذا الخطر وتفادي الاشتعال، نظراً لأن المحركات لا تعمل، فانه من الضروري ابقاء نسبة الاكسجين في الخزان دون 11% عن طريق حقن الخزان بالغاز الخامل، للمحافظة على تركيز منخفض من الاكسجين”.
ولنا ان نتخيل خطر حدوث الانفجار في أي لحظة في ناقلة صافر التي تركت بلا صيانة طيلة 4 سنوات، الأمر الذي يفاقم نسبة المخاطر البيئية والآثار المترتبة”. قال دوغ ووير.
ناقلة صافر: 1.1 مليون برميل نفط
بحسب الأمم المتحدة، تحمل الناقلة صافر على متنها أكثر من 1.1 مليون برميل من النفط الخام، وقدرت بعض المصادر أنه يمكن أن تصل قيمة الشحنة المحملة على متن الناقلة صافر، إلى أكثر من 60 مليون دولار، بناءً على أسعار النفط الحالية.
ويقول الباحث الاقتصادي، عبد الواحد العوبلي: “عمر باخرة صافر يزيد عن 44 سنة، وهي في الخدمة لما يقارب 30 عام، الباخرة عملياً خرجت من الخدمة لما يزيد عن 10 سنوات”.
والوضع المتهالك للباخرة أدى الى سقوط أحد الاجزاء المتآكلة فيها في مطلع العام 2019، ولحسن الحظ لم تسقط على الأنابيب التي تغذي الباخرة، حيث يوجد بالقرب من الأنابيب ما يزيد عن 20,000 برميل من النفط الخام، والا لكان الوضع كارثياً.
فيديو: كيف سيحدث التلوث في البحر الأحمر لو حدث تسرب نفطي من سفينة صافر:
تسرب نفط صافر كارثة للمياه الدولية
يشكل وجود خزان صافر، وسط البحر الاحمر، وعلى مقربة من مدينة الحديدة اليمنية، ذات الطقس الحار، ودرجة الحرارة المرتفعة، أكثر عرضة للرطوبة،
ويزيد من التآكل، ويفاقم من خطر تصدعها وتسرب النفط الخام، إذا ما ظل الامر على ما هو عليه، دون حلول، ودون تدخل دولي لتفادي وقوع الكارثة.
ويبدو من الصعب، التنبؤ بكيفية انتشار البقع النفطية الملوثة للبحر، في حال حدوث تسرب، حتى مع اعقد برامج الحاسوب للاستشعار عن بعد، يظل من المستحيل التنبؤ بدقة حول الكيفية التي سيجري عليها تصريف بقع الزيت.
وفي حديث خاص لموقع “حلم أخضر”، قال رئيس مركز البيئة وتنمية المجتمع في جامعه تعز، الدكتور خالد النجار: “هناك ملوثات عدة قد تصيب البيئة، ولكن التلوث البحري يعد أصعبها، نتيجة صعوبة السيطرة على انتشار البقع النفطية”.
ويضيف النجار: “حركة المد والجزر وحركة الرياح، إلى جانب درجة الحرارة، وطبيعة ونوع النفط في حد ذاته، والموقع الجغرافي الذي يحدث فيه التسرب، كلها عوامل تتحكم بحركة وسرعة انتشار البقع النفطية الملوثة”.
وفي هذا الصدد، قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، لمجلس الأمن، أنه “وفقاً للوقت من السنة، وظروف التيارات المائية، فإن وقوع تسرب من الناقلة صافر، يمكن أن يصل من باب المندب إلى قناة السويس في مصر، وربما يصل حتى الى مضيق هرمز”.
إن منطقة البحر الاحمر التي ترسو فيها الناقلة صافر، تعد منطقة شبة مغلقة، وتشير التوقعات في حال وقوع ممكن ان تنتشر بقع الزيت، لتغطي كافة انحاء البحر الأحمر.
وقد يؤدي لتضرر سواحل عدد من دول الإقليم، وهي اليمن، السعودية، ارتيريا، جيبوتي، والصومال، مما يجعل الكارثة تتعدى الحدود الاقليمية للمياه اليمنية وصولاً الى المياه الدولية.
الأسماك والكائنات البحرية عرضة للخطر
بغض النضر عن السيناريوهات المحتملة لانتشار البقع الملوثة بالنفط في البحر، الا انه تظل هناك كارثة حتمية، وضرر مباشر يصيب البيئة البحرية الطبيعية التي يتمتع بها البحر الأحمر، وسيقضي على التنوع الحيوي.
فبحسب موقع Sciencing، يشكل النفط اثناء تسربه طبقة عازلة على سطح البحر، تؤثر سلباً على الاحياء البحرية، وتقتل بقع الزيت الاسماك والمحار والشعب المرجانية كون الزيت يخنق الكائنات البحرية ويمنعها من التنفس.
كما أن غابات المانجروف التي تمتاز بها عدداً من الجزر اليمنية في البحر الأحمر، ستتعرض للدمار والتلف، ولعل محمية جزيرة كمران الشهيرة وأهم غابة بحرية تمتلئ بأشجار المانجروف ستتعرض لضرر ضخم.
وغيرها من النباتات واشكال الحياة البحرية في بيئة البحر الأحمر. مما سيؤثر على السلسلة الغذائية، وعلى المدى البعيد سيحدث تراكم للسموم، فاليرقات والكائنات الحية الدقيقة تتراكم السموم في انسجتها، وهي تعد مصدر غذاء أساسي للأسماك الكبيرة.
ولعل الشعاب المرجانية التي يزدان بها البحر الأحمر، ستصبح هي الأخرى عرضة للموت، في حال حدوث تسرب نفطي. نظراً لحساسيتها، وهي تعد ثروة طبيعية، وسياحية، وجمالية، ومصدر لتواجد الأسماك.
مخاطر من كارثة اقتصادية كبرى
طبقاً لتقرير حديث بثه موقع Atlantic Council حول الكارثة، فإن انسكاب النفط من الناقلة صافر، والذي يبلغ حوالي 1.1 مليون برميل في البحر الأحمر، سيكون له تأثيراً مباشراً على الاقتصاد العالمي.
وإذا تم حظر النقل البحري عبر البحر الأحمر، والذي يمثل 8-10 في المائة من التجارة العالمية، وعبور نحو 5.5 مليون برميل من النفط يوميا، نتيجة المخاطر الناتجة ومناطق الاستبعاد وجهود التنظيف، فإن التكاليف في كل من الدولارات والوقت ستكون ضخمة للغاية.
الكارثة الاقتصادية هي الأخرى أحد أهم الاثار المترتبة على الكارثة، ففي حال وقوع تسرب سيتعرض مصدر عيش الكثير من الصيادين اليمنيين للخطر. لاسيما في الحديدة، والخوخة، والمخا، وباب المندب.
فاليمن البلد المنهك، والمتعثر اقتصادياً، والذي يعيش في ظل حرب وأزمة إنسانية تعد الأكبر في التاريخ. سيكون على موعد مع كارثة كبرى مضاعفة ومتعددة الأصعدة، في حال حدوث تسرب نفطي من الناقلة صافر.
وبحسب الأمم المتحدة، يعتمد أكثر من نصف السكان على المساعدات الانسانية التي تتدفق عبر ميناء الحديدة، وفي حال توقفه قد يتضاعف شبح المجاعة ويعيق الوصول للمساعدات الانسانية.
التسرب قد يسبب تلوث الهواء
بحسب تقرير موقع Atlantic Council عن كيفية تأثير التسرب النفطي على البيئة، فإن المخاطر تختلف في درجة تحدي التلوث في كثير من الأحيان، على طبيعة النفط نفسه.
فالنفط الخام المتواجد في الناقلة صافر، يعرف بأنه من نوع (Marib Light) وهو ذو كثافة منخفضة، وتقلب عالي، ولزوجة تقارب لزوجة مادة الديزل. ومن المتوقع ان تتبخر ثلثي الكمية المتسربة والمنسكبة في مياه البحر في غضون ايام عند حدوث التسرب.
وبحسب موقع Sciencing من المتوقع أن تتسبب الغازات المتطايرة والمتبخرة للهواء، بحدوث اضرار جسيمة على صحة السكان في المناطق القريبة، كونها تصيب الجهاز التنفسي.
واما في حالة حدوث انفجار للناقلة واحتراقها، فمن المتوقع ان تزيد هذه الكارثة من ظاهرة الاحتباس الحراري نتيجة التصاعد الكثيف لأكاسيد الكربون الي الغلاف الجوي.
التخلص من الكارثة
يرى الخبراء في موقع Atlantic Council إن عملية افراغ الناقلة صافر من حمولتها النفطية، وعمل الصيانة اللازمة لها هي من الحلول الفورية واللازمة لتفادي حصول هذه الكارثة.
ولكن الاضطرابات السياسية والصراع في اليمن، اعاق عمل الفرق الدولية لإنفاذ الناقلة. ولعل قياس حجم الكارثة البيئية والتكلفة الاقتصادية التي ستتحملها اليمن لتنظيف البقع النفطية في حال تسربها، ينبغي ان يكون نصب عين القوى المسيطرة على الناقلة ويجب ممارسة ضغط دولي وشعبي لتمكين الفرق المختصة من تفريغ حمولة الباخرة.
المصادر:
– تقرير ( التلاعب بالكارثة: مالذي سيحدث لو تسرب نفط صافر) ديفيد سعود، روحيني رالبي، إيان رالبي. مجلس الأطلسي. نشر بتاريخ: 28 يوليو 2019.
– تقرير (How Does an Oil Spill Affect The Environment) يوليو 2019.
– مارك لوكوك، الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية. احاطة مجلس الأمن، 17 يوليو 2019.