حلم أخضر – تقرير خاص
لدى اليمن الكثير من العجائب، وعندما يتعلق الأمر بالطبيعة وعجائبها، ستكتشف أن أغرب شجرة في العالم نسجت حولها الأساطير توجد في اليمن. فالبلد الذي وصفت في الحضارات القديمة، بأنها أرض “الجنتين” وموطن السحر، قد سيجت نفسها بالكثير من القصص الغريبة، لدرجة أن بعض الاساطير اليونانية تذهب بالقول ان اليمن أرض حضارة “حمير” و”سبأ” كانت بلاد العجائب والغرائب التي يسكن نصفها البشر، والنصف الآخر تسكنه الآلهة والشياطين!!
وبعيداً عن التاريخ، توجد في اليمن أقدم وأضخم شجرة في منطقة الجزيرة العربية، يصفها أحد الشعراء الكبار، وهو الشاعر السوري الراحل سليمان العيسى، بأنها “حارسة الدهر”. وتعد هذه الشجرة الغريبة أعجوبة حقيقية، ولعل القليل من الناس يعرفون تلك الشجرة الضخمة والمعمرة، والتي أطلق عليها اليمنيون منذ قرون اسم: شجرة “الغريب”.
تعد شجرة الغريب في ريف تعز، أقدم وأضخم شجرة في منطقة الجزيرة العربية، إذ يقدر عمرها بأكثر من 2000 عام، ولا يوجد لها نظير في شبة الجزيرة العربية وقارة آسيا. وتوجد فقط في مدغشقر وتنزانيا.
الموقع والتصنيف العلمي:
تقع شجرة الغريب في منطقة “السمسرة”، وهي بلدة ريفية صغيرة تتوسط عدة قرى ريفية في وادي “صافية دبُع”، وهي تتبع إدارياً عزلة “دُبع الخارج” الواقعة على الطريق الرئيسي بين تعز وتربة ذبحان، وهي تتبع مدينة تعز جنوب غرب اليمن، وتبعد عنها بمسافة 48 كيلو متر.
تبدو شجرة الغريب، غريبة بالفعل، وهي ضخمة وطاعنة في السن. ورد ذكرها لأول مرة في كتاب “صفة جزيرة العرب” للمؤرخ والجغرافي اليمني الشهير أبو محمد الحسن الهمداني، حيث ذكرها الهمداني قبل أكثر من 1,200 سنة، والذي قال عنها: “أسمها شجرة الكلهمة وهي شجرة معمرة وضخمة، يستظل تحتها 100 رجل”. وقد قدر عمرها علماء النبات بقرابة 2000 سنة على الأقل.
وفقاً للمصادر، تعد شجرة الغريب شجرة معمرة ونادرة للغاية، مقارنة بالبيئة التي نبتت فيها، فهي نوع من النباتات التي تنمو بصفة خاصة في مدغشقر وتنزانيا بقارة افريقيا. وهي تتبع جنس “التبلدي” من الفصيلة الخبازية. والتي تتميز بساق ضخم طويل يصل إلى نحو 18 متراً، ويعلوه فروع عرضية تحمل الأوراق، فتشبه شجرته المظلة.
تعرف باسم شجرة “الكولهمة”، وبحسب التصنيف العلمي فاسمها هو: Adansonia Digitata، وتعتبر الوحيدة من صنفها في البلاد والاقليم، إذ لا يوجد لها نظير في منطقة الجزيرة العربية وقارة آسيا على حد سواء. لها جذع ضخم جداً يبلغ محيطه حوالي 31 متراً، في حين يبلغ ارتفاع الشجرة أكثر من 14 – 18 متر. ويبلغ قطرها حوالي 8 أمتار. ولها أوراق كبيرة جداً.
يمتاز موقع الشجرة بأنه وسط ساحة واسعة على مقربة من أرض زراعية، في وادي “صافية دبع” الذي يتميز بالخضرة الدائمة والمياه النقية المتدفقة طوال العام، كما أن شكل الشجرة وأغصانها العملاقة، وجذعها الكبير الذي يشبه جلد الفيل، قد جعلها مقصد السائحين ومصدر إعجاب الزوار الذين يفدون لمشاهدتها والتمتع بالنظر إليها جلياً، كونها في غاية الروعة والجمال وأعجوبة من العجائب البيئية والنباتية، ولوحة طبيعية نادرة لا يوجد لها نظير.
قصص عن شجرة الغريب
سميت شجرة الغريب بهذا الاسم، كونها شجرة غريبة الشكل، وليس لها نظير آخر من أصنافها في منطقة الجزيرة العربية، وقارة آسيا، ولون جذعها يشبه لون جسم حيوان الفيل، وقد صارت ذائعة الصيت باعتبارها شجرة وحيدة بلا عائلة وغريبة الشكل، حتى وصفت بأنها أغرب شجرة في العالم.
وثمة الكثير من القصص والاساطير التي يرويها كبار السكان المحليون في مدينة التربة في تعز، عن هذه الشجرة، وتذهب إحدى الحكايات الشعبية المتداولة في منطقة “دبُع الخارج” بالقول إن هذه الشجرة تنتج ثمرة واحدة كل عام، تشبه في شكلها فاكهة “الشمام”، وتظهر هذه الثمرة في يوم واحد فقط في السنة، ثم تختفي بعد منتصف الليل في ذلك اليوم، دون أن يعرف أحد من الذي قطفها.
ومنذ أزمنة طويلة، يتناقل كبار السن المقيمين في محيط شجرة الغريب، روايات عن أسلافهم بأنهم شاهدوا الشجرة تزهر ثم تنضج ثمرة واحدة في السنة في اعلى الشجرة وحجمها واضح للعيان، ثم لاحظوا اختفاء تلك الثمرة في اليوم الثاني. لكنهم لم يستطيعوا التعرف على الطريقة التي تختفي بها الثمرة. أو التعرف على الشخص الذي يقطف الثمرة كل سنة، والذي ينسب إليه أسم الشجرة “الغريب” ويقصد بها شجرة هذا الشخص الغريب.
ويتناقل الفلاحين في محيط شجرة الغريب، قصصاً وأساطير عن هذا الشخص الذي يقطف ثمرة هذه الشجرة. ويقول البعض أنه يأتي من بلاد الهند وفقاُ لتوارث وتناقل الروايات القديمة، التي تقول أن ثمرة هذه الشجرة ثمرة مباركة.
ويحكي البعض من سكان البلدة، عن غرائب تصادفهم إذا فكروا في مراقبة الشجرة أثناء نضوج ثمرتها الوحيدة التي تشبه فاكهة “الشمام” في شكلها ولونها، ولعل بعض تلك القصص مبالغ فيها برغم تأكيدات القدامى والنساء العجائز في المنطقة.
أسطورة الغريب:
أكثر القصص الغريبة والمتداولة عن شجرة الغريب، ترويها احدى النساء من كبار السن في تلك البلدة، وهي قصة حدثت في أربعينيات الماضي، وهي شاهدة عيان عليها. تقول القصة أن أحد الفلاحين من سكان المنطقة قام بمراقبة شجرة الغريب في يوم نضوج ثمرتها، والتي لا يستطيع الوصول اليها وقطفها، كونها في أعلى قمة الشجرة، وأن هذا الفلاح اعتلى لمنتصف الشجرة، وظل ساهراً طوال الليل في جذع شجرة الغريب، يراقب ما سيحدث؟
وقبل قدوم الفجر، شاهد الفلاح كائناً من بعيد يشبه الحمار يتجه نحو الشجرة. وحين اقترب هذا الكائن أسفل الشجرة، لاحظ الفلاح انه صار يسير على قدمين ولونه ابيض، ولم يستطع تمييز ملامحه إن كان انساناً أم حيواناً. وان هذا الكائن أثناء صعوده السريع للشجرة وجد الفلاح يعترض طريقه، فهاجمه على الفور. واسقطه ارضاً لأسفل الشجرة. وقطف الثمرة ورحل.
وبعد مرور ساعتين من شروق الشمس، تجمع الناس حول الشجرة، ووجدوا ذلك الفلاح المغامر قد تعرض لجروح بالغة تنزف منه الدماء من صدره ورقبته وعليها آثار أظافر وحوافر حادة. وكان أن مات الفلاح متأثراً بجراحه بعد ان حكى لهم ما شاهده وما تعرض له.
بالنسبة لنا، تبدو هذه القصة من قصص الخرافة، لكن للأساطير الشعبية منطقها الخاص وتأثيرها في اليمن.