حلم أخضر (خاص) ماجد التميمي
من بين المحميات الطبيعية التي تعد احدى كنوز الأرض اليمنية، تبرز محمية شرمة – جثمون في محافظة حضرموت، شرق اليمن، كواحدة من أهم المحميات الساحلية في البلاد.
وتعد محمية شرمة-جثمون، باعتبارها موطناً هاماً للسلاحف الخضراء، والسلاحف صقرية المنقار، ليس لليمن فقط، وإنما للعالم.
ويشير التقرير الوطني للتنوع البيولوجي، أن هذه المحمية جرى تصنيفها كواحدة من أهم مواقع البيئات الطبيعية في العالم لتعشيش السلاحف المهددة بالانقراض.
محمية شرمة جثمون
في العام 2001، رشحت الهيئة العامة لحماية البيئة في اليمن، منطقة شرمه جثمون كمحمية طبيعية ساحلية. إلا أنها لم تنل قراراً حكومياً للاهتمام بها كمحمية ساحلية يمنع العبث بها.
وبرغم انها مدرجة ضمن المحميات الطبيعة اليمنية، إلا أنها لم تحظى بالتصنيف والدراسة العلمية المسحية بشكل تام، وهي لا تحظى أيضاً بالحماية من قبل السلطات المحلية.
الأمر الذي جعلها غائبة في الترويج لمحتوى التنوع البيولوجي الذي تزخر به هذه المحمية الساحلية.
وتشكل محمية شرمة جثمون، ملتقىً استراتيجي للطيور المهاجرة، على مدار العام. وتشمل هذه المحمية مناطق: رأس شرمة، جثمون، شصر، القرن، رأس باغشوة، ذنبات وحتى قصيعر.
وطبقاُ لتقرير هيئة البيئة للعام 2004، يعتبر شاطئ شرمة أهم منطقة تعشيش للسلاحف الخضراء في المنطقة العربية، بما في ذلك البحر الأحمر وخليج عدن. وقد تم تسجيل ما يقرب من 1000 سلحفاة في هذه المنطقة.
الموقع والمساحة
على ساحل خليج عدن، تمتد محمية شرمه جثمون لمسافة 50 كيلو متر، وتقع هذه المحمية في شرق مديرية (الديس) في محافظة حضرموت، وتبعد حوالي 120 كيلومتر عن مدينة المكلا عاصمة حضرموت وهي تتبعها إدارياً.
وتعد محمية شرمه – جثمون ذات بيئة ساحلية، تشغل مساحة طوليه تقدر بحوالي 50 كيلومتر تقريباً بموازاة ساحل البحر العربي بالمياه اليمنية.
تحتوي المحمية على مناطق عديدة منها: رأس شرمه وجثمون، ورأس باغشوة، وشصر القرن، وذنبات، وقصيعر، وكلها مناطق تقبع في هذا الحضن الساحلي الفريد. وقد اختير لها هذا الاسم بالتحديد بسبب أنها تمثل مركزاً وقلباً حياً لهذه المحمية.
بيئة تكاثر السلاحف
من أراد التعرف على الكائن الذي يضرب به المثل في البطء، فعليه التوجه لهذه المحمية. فقد استوطنتها السلاحف منذ آلاف السنين.
إذ تعد هذه المحمية أشبه بمملكة صغيره أسستها هذه المجاميع المتوافدة من كل البحار المحيطة. تعشش السلاحف فيها وتنطلق باحثة عن رزقها في جوف البحر وتعود إليها كلما حان موسم التزاوج ووضع البيض.
توجد نوعين أساسيان من السلاحف اشتهرت بها هذه المحمية، النوع الأول: السلاحف الخضراء (chelonia mydas) وهي المهددة بالانقراض.
والنوع الثاني: السلاحف صقرية المنقار (Eretmochelys Imbricat). هذان النوعان ليسا وحدهما من يقطن هذه المحمية، فهناك أنواع أخرى تأتي وتذهب وتتكاثر ولكن ليس بمثل ماتزخر به بهذين النوعان.
وبالقرب من تلك الشواطئ توجد مناجم بحرية للشعاب المرجانية. إذ تعد الشعاب المرجانية بيئات جاذبة للعديد من الأسماك الصغيرة والقشريات والكائنات الحية الدقيقة، وبالتالي فهي في نظر السلاحف موئلاً خصباً وغنياً بالغذاء.
تضع السلاحف بيوضها في أحضان الرمال الدافئة بالمحمية، إذ تضع الأنثى الواحدة مابين 20 – 30 بيضة، وتقفل راجعة إلى البحر حيث تتولى الرمال مهمة إتمام عملية الحضن.
تستمر فترة الحضن قرابة 50 يوماً، وتفقس بعدها. وتبدأ الصغار في الخروج، ويكون معظم خروجها أثناء الليل، حيث تنجو من بطش العديد من المفترسات أمثال الطيور والسرطان الناسك وكلاب الشواطئ الضالة والإنسان نفسه.
تخرج السلاحف الخضراء في محمية شرمة جثمون، بمجاميع كبيرة وتتجه مباشرة إلى البحر، وهي غريزة حيرت المهتمين.
لكن حوالي %10 فقط منها، هي التي تنجو في الحفاظ على بقاء النوع من خطر الانقراض.
في الشاطئ، تتعرض صغار السلاحف للاصطياد، وخاصة إذا كان خروجها في النهار، وفي البحر أيضاً لاتنجو غالبيتها من بطش الأسماك الكبيرة التي تنتظر الوجبة الموسمية الدسمة.
وتعود هذه السلاحف إلى موطنها الأول، حتى وان كانت قد تخطت جغرافيا المكان بآلاف الأميال. إلا أنها تعود لنفس موطنها الأول، حتى بعد مضي 30 سنة على هجرتها، ولعل التساؤل هنا يكمن في سر معرفتها للمكان الذي خرجت منه، وللعلم فان عودتها إلى موطنها الأول لغرض وضع البيوض والتكاثر.
التنوع الحيوي لمحمية شرمة
تشكل محمية شرمة مستودعاً هاماً للطيور المهاجرة على وجه الخصوص، وهو ما يجعل المكان مهم للغاية، والسبب أن المحمية واقعة في حدود العزل الجغرافي باعتبار أن موقع اليمن يمثل عزلاً جغرافياً قارياً ومحيطياً.
كما أن التشكلات الصخرية التي صنعتها الأمواج بدقة متناهية قد وفرت للطيور والانواع الاخرى أجواء مهمة للاستقرار، وسهلت من التقاط فرائسها التي تقذفها تلك الأمواج.
تضم هذه المحمية تنوعاً للكائنات البحرية وعدد من الشعاب المرجانية، وهي تمتاز بوفرة محتواها من الاسماك والكائنات البحرية وهي مصدر للغذاء للمجتمع المحلي، بالاضافة إلى التنوع النباتي الشاطئي اللذان يوفران الملجأ والمسكن والغذاء لهذه السلاحف.
الأهمية السياحية لمحمية شرمة
تتوافر مقومات سياحية عديدة في ارض هذه المحمية، تجعلها في صدارة الأماكن التي يتوافد عليها العديد من الزوار وخاصة الزوار المحليين.
فهي تحوي البيئة البحرية والشاطئية والطبيعة الساحرة في مكان واحد، وفيها توجد مناظر خلابة، وشواطئ نقية منبسطة تزينها القشور والأصداف، وتبرز في سطحها نتوءات صخريه تتحدى الموج بشجاعة، وفيها أيضاً مجتمع فريد من الطيور البحرية.
وتمتد سواحل المحمية أيضاً بالقرب من مدينه الشحر بمحافظة حضرموت، وتمتاز بوجود العديد من الينابيع والعيون الحارة، فضلا عن تراثها التاريخي الفريد.
لكنها تفتقر إلى البنية الخدمية والسياحية الجاذبة للزوار والسياح، برغم أن محمية شرمه – جثمون تمثل مورداً سياحياً هاماً، غير أنها تحتاج للكثير من الاهتمام الرسمي والشعبي على حد سواء.
التهديدات البشرية لمحمية شرمة جثمون
في محمية شرمة جثمون، تتعرض السلاحف الخضراء لتهديدات مستمرة من الصيادين المحليين الذين يقتلون أعدادًا كبيرة منها بشكل عشوائي وغير قانوني في كل موسم.
وتلقى السلاحف في هذه المحمية، مصير فادح، إذ تتعرض للصيد المستمر من قبل صيادين وهواة. حيث يتم ذبحها من قبل الجزارين، لأجل بيع لحومها للمطاعم التي تقدم الأطعمة البحرية.
وتعتبر جميع أنواع السلاحف البحرية حيوانات مهددة بالانقراض في جميع أنحاء العالم من قبل IUCN.
ووفقاً لتقرير هيئة حماية البيئة اليمنية، تتعرض محمية شرمة جثمون لتهديدات من قبل السكان المحليين، وهي تهدد السلاحف الخضراء بالانقراض، إذ يتم العبث بالبيض وصيد السلاحف وبيع لحومها لمطاعم الوجبات البحرية.
كما أن الضوضاء والانوار الساطعة، وحركة السيارات والقوارب في المنطقة تمنع السلاحف من وضع البيض في الشاطئ.
إن محمية شرمة جثمون تعد من المواقع العالمية التي تصنف من أهم البيئات الطبيعية للسلاحف، وتحديداً السلاحف ذات الرأس الأخضر، والتي تتكاثر في موائل شرمة وجثمون. وهي من الأنواع النادرة والمهددة بالانقراض على مستوى العالم. والتي ينبغي الحفاظ عليها.
المصادر:
- الهيئة العامة لحماية البيئة، “المحميات الطبيعية بالجمهورية اليمنية”، 2010. صنعاء.
- التقرير الوطني للتنوع البيولوجي، هيئة البيئة، اليمن، 2017.