شبكة الصحفيين الدوليين – أشرف الريفي
تعد تجربة “حلم أخضر” التي سجّلت حضوراً بارزاً منذ إطلاقها قبل ثماني سنوات، تجربة مميزة في الصحافة البيئية، على الرغم من الامكانيات الشحيحة، والظروف الصعبة التي تعيشها الصحافة اليمنية.
ففي يوليو/تموز من العام 2012 انطلقت حلم أخضر كمنصة تقارير متخصصة تستقصي قضايا البيئة في اليمن، وكمصدر موثوق للمعلومات والأخبار حول قضايا البيئة والمناخ والتنمية المستدامة، بحسب ما قال رئيس المنصة الصحفي محمد الحكيمي لـ “شبكة الصحفيين الدوليين”.
ترجع البدايات الأولية إلى العام 2011 عندما أنجز الحكيمي تحقيقا صحفيا استقصائيا حول الأضرار البيئية لاستخدام الأكياس البلاستيكية في اليمن أثناء مشاركته في برنامج تدريب مكثف عن التحقيقات الاستقصائية باستخدام الوسائط المتعددة، أقامه المركز الدولي للصحفيين ICFJ خلال 2011 -2012، وأثناء تلك الفترة قام بإطلاق منصة تجريبية للمشروع أسماها “حلم أخضر”، ونشر فيها كل محتوى التحقيق.
وفي سبتمبر/أيلول العام 2012، اختار المركز الدولي للصحفيين في واشنطن، مشروع “حلم أخضر“، ضمن 5 مشاريع صحفية الكترونية، حازت على جائزة ICFJ الممنوحة لـ “أفضل المشاريع الصحفية باستخدام الأدوات الالكترونية في تغطية قضايا الخدمات العامة في المجتمع”. وفاز حلم اخضر بالمركز الخامس مع مرتبة الشرف، ومنح جائزة بمبلغ 3500 دولار ساعدت في تطويره.
تحدث الحكيمي عن جملة من التحديات التي واجهها في البدايات أبرزها عدم وجود التمويل، مما أثر على استمرار عمل الفريق، واستدامة فاعلية موقع حلم اخضر، وزيادة الجمهور في شبكات التواصل الاجتماعي. وجودة انتاج المحتوى.
ناهيك عن عدم القدرة على تأمين موارد، وعدم القدرة على زيادة انتاج عدد التقارير الميدانية، أو تغطية المناطق الريفية، والجزر، التي تتطلب تغطيتها نفقات السفر والإقامة لأيام، نظراً لعدم إمكانية تكليف صحفيين بالتغطيات الميدانية.
هذه التحديات لم تقف حجر عثرة أمام الحكيمي، فبدأ بنشر محتوى صحفي متقطع نظرا لعدم توفر الإمكانيات المادية، وعمل على تغطية العجز في مواد المحتوى من خلال النشر في شبكات التواصل الاجتماعي كل يومين أو ثلاثة ايام في الأسبوع، عبر بث معلومات بيئية في منشورات (بوسترات) مصورة من 200 – 400 كلمة عن المحميات الطبيعية اليمنية، والحيوانات المهددة بالانقراض في اليمن أو الطيور أو الأشجار النادرة وغيرها.
إضافةً الى نشر بوسترات توعوية في منشورات مصورة حول مشكلة بيئية قائمة في المجتمعات المحلية، أو رسوم انفوجرافيك، ونشرها على صفحات حلم أخضر في شبكات التواصل فايسبوك، تويتر، من أجل الحفاظ على استمرارية الحضور وعلى التواصل مع الجمهور المتابع.
لم تكن تلك الإجراءات كافية فعمل الحكيمي على البحث عن متطوعين (وكان ذلك أمرا مرهقا في ظل الظروف التي تعيشها اليمن)، فغالبية الصحفيين والموظفين يحتاجون تأمين نفقات المواصلات ورسوم الاتصال والانترنت من أجل القيام بمهمة صحفية.
ليبقى هذا الأمر مؤرقا لحلم أخضر حينها. فاعتمدت المنصة على جهود ذاتية من قبل ادارتها، وتعاون أعضاء فريقها من المتطوعين، ونجحت في تكوين فريق تطوعي من سبعة أشخاص يعملون بشكل رئيسي فيها، ونظراً لاستقلاليتها، فلم تتلق دعماً مالياً من أي جهات أو أطراف، ولم تنشر إعلانات تجارية لمنتجات تضر بالبيئة بشكل مباشر او غير مباشر.
في ديسمبر/كانون الأول من العام 2014، تلقى موقع حلم اخضر أول دعم مالي بقيمة 2,500 دولار، من قبل برنامج منح فورد للمحافظة على البيئة المقدمة من شركة فورد Ford للسيارات في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وذلك تقديراً لـ “التفاني والعمل الجاد في تثقيف وتوعية المجتمع حول قضايا البيئة والحفاظ عليها”، وقد كانت منحة غير مشروطة على الاطلاق، وتم استثمارها في تطوير الموقع على حد قول الحكيمي.
كانت تلك المنحة من فورد -التي حصل عليها “حلم أخضر” ضمن 12 مؤسسة شرق أوسطية تلتزم بالقضايا البيئية، وهي المرة الأولى التي تمنح لوسيلة إعلامية يمنية في تاريخ ذلك البرنامج، وقد تم إدراج اليمن بعدها ضمن نطاق المبادرة لـمنح البيئة منذ العام 2014.
ولعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا في فتح نوافذ مع الجمهور، فشرع فريق “حلم أخضر ” في إنشاء صفحات على هذه الوسائط ليصل متابعو صفحة المنصة على فايسبوك إلى 10.018 متابع، وفي تويتر 3,975 متابع، و 1.078 على انستجرام ناهيك عن إنشاء قناة يوتيوب ، ولينكدان.
مع الوقت والمثابرة والصبر، صار للموقع جمهور نوعي وحضور فاعل، وصار مرجعا لكثير من المهتمين والمتابعين ومراكز البحوث.
وفي 17 ابريل/نيسان 2020، تم التركيز على دور حلم أخضر في معالجة القضايا البيئية، في ورقة بحثية هامة عن: «دور الإعلام في بناء السلام في اليمن»، أصدرها مركز الدراسات التطبيقية للشراكة مع الشرق CARPO ألمانيا، والمركز اليمني لقياس الرأي العام YPC، بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي GIZ الأمر الذي يبعث الفخر بالنسبة للحكيمي.
للاطلاع على رابط خبر الدراسة الألمانية (مع نسخة منها بالعربية): اضغط هنا
يقول الحكيمي إن هناك عددًا من القضايا البيئية التي تم تسليط الضوء عليها في منصة حلم أخضر، كقضايا التلوث البحري، وقضايا الصيد الجائر وقتل الحيوانات المهددة بالانقراض. ومشكلة اضرار أكياس البلاستيك على البيئة والصحة، وغيرها، والتي خلقت أثر لصالح البيئة اليمنية، وإيصال صوت لصانعي القرار، ونتج عنها استجابة وصدى.
منها كارثة الناقلة صافر حيث أطلق حلم أخضر حملة تحذيرية في تقارير خاصة وحصرية سلطت الضوء على الكارثة البيئية الوشيكة في حال تسرب النفط الخام من ناقلة نفط ترسو منذ 6 سنوات في سواحل البحر الأحمر.
ظلت هذه القضية مهملة من طرفي الصراع بحسب الحكيمي الذي يوضح أنه خلال الفترة من 14 يونيو- 15 يوليو 2020، أطلق حلم اخضر تقارير انفوجرافيك باللغتين العربية والإنجليزية، كشف فيها أرقام الخسائر المحتملة عن الكارثة، مما جعل المجتمع الدولي ووكالات الاخبار العالمية تتجاوب مع تقرير حلم أخضر، وتم تداوله وتناقله على نطاق واسع.
ويضيف أن المنظمات والهيئات الدولية تفاعلت مع القضية حتى وصلت القضية الى مجلس الامن، وفي 15 يوليو عقد مجلس الامن الدولي جلسة خاصة حول خطر انفجار ناقلة النفط.
ومن أبرز القضايا التي تناولها حلم أخضر تغطية قضايا الصيد الجائر للحيوانات المهددة بالانقراض في اليمن. ناهيك عن كارثة أضرار أكياس البلاستيك على البيئة في اليمن وغيرها من التغطيات البيئة والتي حققت استجابة رسمية معها.
مهمة حلم أخضر:
يرى الحكيمي أن مهمة المنصة، إيصال صوت ينشد الحفاظ على البيئة، ويساند أهداف التنمية الألفية المستدامة 2030، على المستوى الوطني والإقليمي. ورفع الوعي بقضايا البيئة وتغير المناخ في اليمن، ومشاركتها من أجل المصلحة العامة، وتوفير المعلومات الموثوقة حول المخاطر والحقائق البيئية أمام الجمهور، والتواصل مع الجهود المجتمعية من أجل التغيير.
ومن أجل ذلك، هدف الموقع إلى تقديم رسالة إعلامية هادفة وخلاقة، تنشد الحفاظ على البيئة، وابراز صوت ينشد التغيير، وترفع مستوى الوعي البيئي لدى الجمهور العام، وخصوصاً شريحة الشباب والنساء.
وفرت المنصة، قاعدة معلومات عن أبرز القضايا البيئية والمناخية في اليمن، ومكتبة موارد بالوسائط المتعددة عن المحميات الطبيعية والتنوع البيولوجي في البيئة البرية والبحرية. مسلطة الضوء على المجتمعات المحلية والريفية، من خلال تغطية وإنتاج التقارير البيئية، بما يساند جهود تحقيق أهداف التنمية الألفية المستدامة 2030، على المستوى الوطني والإقليمي والدولي.
ويؤكد الحكيمي أنهم لم يكتفوا بعرض المشاكل البيئية فقط بل قدموا الحلول والتوصيات لتجاوز تلك المشاكل.
وما يميز منصة حلم أخضر اعتمادها لـ ميثاق شرف صحفي منذ العام 2012، باعتبارها مصدر اعلامي مستقل التوجه، يعمل وفق الالتزام بالقيم والمبادئ الأخلاقية المهنية.
ويوضح الحكيمي أنّ “حلم أخضر” اعتمد في عملية اختيار المحتوى وتحديد القصص والتقارير التي يتم نشرها على اتجاهين:
الأول يتمثل في اختيار القصص بناءً على القضايا الرئيسة التي يركز عليها الموقع في خطة عمله، وبشكل مستمر وهي قضايا: التغير المناخي، التنوع الحيوي (النباتي/الحيواني)، مشاكل المياه، التلوث البيئي، الطاقة المتجددة، والتنمية المستدامة.
والاتجاه الثاني: يركز على اختيار أو تحديد القصص بناءً على التغيرات أو الاحداث الطارئة التي تحدث فجأة في المناطق او المجتمعات المحلية، مثل الكوارث الطبيعية، الأعاصير او الفيضانات، او التلوث النفطي، أو تلوث المياه او غيرها.
وشدد الحكيمي على أهمية التأكد من المصادر وتوخي الدقة، والوصول للمعلومات الموثوقة من مصدرها، ولتحقيق ذلك يقول إنهم يعتمدون على مصادرهم المحلية للاستفسار حول قضية حدثت في منطقة ما، ومن ثم التواصل مع المختصين، أو المتضررين، للحصول على معلومات وصور.
ناهيك عما تصلهم من بلاغات برسائل أو اتصال من الجمهور العام من المواطنين حول قضية بيئية تهم مناطقهم، ويقومون بالتركيز عليها، بعد التحقق من أكثر من مصدر، كما أنهم يتجنبون عادة تغطية أي قضية بيئية حين لا تتوفر ادلة واضحة.
ويؤكد على ضرورة ان يكون الصحفي البيئي، ملما بقضايا البيئة ومتابعاً لمستجداتها، مشيراً إلى أنه خلال السنوات الأخيرة صارت قضية التغير المناخي تؤثر بشدة على غالبية البلدان، واصبح تغير المناخ له تأثير شديد على الصحة والغذاء، ما يتسبب بكوارث وازمات إنسانية.
الأمر الذي يتطلب من الصحفيين التركيز على تغطية القضايا البيئية في مجتمعاتهم، والاهتمام بتغطية قضايا المناخ لمساعدة المجتمعات المحلية والافراد، من خلال تقديم الحلول والاسهام بالتوعية حول مخاطر الكوارث الطبيعية التي تزداد بشدة.
احتياجات ورؤى
يحتاج طاقم “حلم أخضر” لتعزيز المهارات في مجال تصميم وإنتاج مقاطع الرسوم المتحركة (Animation) من أجل إنتاج مقاطع متحركة لتوعية الجمهور المحلي (شريحة النساء والشباب) في المجتمع اليمني، إضافة إلى تطوير مهارات التسويق الالكتروني، وكيفية زيادة تصدر الموقع الالكتروني في محركات البحث، وتسويق الصفحات على شبكات التواصل الاجتماعي، وزيادة أعداد المتابعين.
ويشير رئيس منصة “حلم أخضر” إلى خطط يسعون لتحقيقها من أجل تعزيز عملها بشكل مؤسسي، من خلال إيجاد موارد مستدامة، والعمل من مكتب ومقر عمل، وزيادة فريق العمل من صحفيين وصحفيات ومصورين ومصورات في المحافظات.
بالإضافة إلى شراكات في تنفيذ أنشطة مع مؤسسات مهمة خلال الفترة القادمة. ويطمحون إلى تصوير وإنتاج وبث قصص الفيديو الخاصة لقضايا التغير المناخي في المحافظات المتضررة، وإنتاج ونشر التقارير الاستقصائية البيئية في المجتمعات المحلية والريفية النائية.
ويواصل “حلم اخضر” طريقه لتطوير تجربته في الصحافة البيئة، في بلد يتميز بالتنوع البيئي والتضاريس وتعدد الموارد الطبيعية حتى يتحول حلم البلد إلى واقع أخضر.
* المصدر: شبكة الصحفيين الدوليين ijnet