fbpx

السيطرة على تجارة البن اليمني في القرن الـ20

Yemeni Coffee Trade/Mocha 1680

تقرير: محمد الحكيمي (خاص)

في مطلع القرن الـ19، ولأسباب عديدة، تلاشى احتكار اليمن لتصدير القهوة من موانئها الطينية الى بلدان العالم، لكن تجارة البن اليمني -آنذاك- لم تختفي أو تتراجع، برغم فقدانها ذلك الاحتكار.

توثق عدد من الدراسات البحثية، ووثائق الأرشيف الوطني الأمريكي (اطلع حلم أخضر على نسخة منها)، جانباً هاماً من القصة غير المحّكية لتاريخ تجارة البن اليمني خلال النصف الأول من القرن الـ20.

يتعقب هذا التقرير الخاص من «حلم أخضر» تاريخ التنافس الدولي لاحتكار القهوة اليمنية، وكيف سعى التجار الأمريكيون والايطاليين والفرنسيين، للسيطرة على تصدير القهوة اليمنية التي تعد الأفضل في العالم.

تاريخ القهوة: من المخا إلى العالم

لعقود طويلة، ارتبطت شجرة البن باليمن، وشكلت الثروة القومية للبلاد، واكتسبت شهرة عالمية لجودتها وانتشارها.

فمنذ نهاية القرن الـ14، احتكرت اليمن أسرار زراعة شجرة البن، وصدرت القهوة إلى أسواق العالم من ميناء المخا غرب اليمن، والذي اشتق منه اسم القهوة «موكا Mocha».

طبقاً لأحد المصادر، ظهر أول دليل موثوق لاكتشاف مشروب القهوة ومعرفة أسرار شجرة البن مطلع القرن الـ9 الهجري، داخل الأديرة الصوفية في اليمن، حيث تم تحميص حبوب البن وتخميرها وطحنها لأول مرة.

ووفقاً للمخطوطة (أدناه) «كان أول من أكتشف القهوة وأدخلها إلى عدن هو العلامة الصوفي جمال الدين أبي عبد الله محمد بن سعيد الذبحاني»، والذي يعود نسبه إلى بلدة “ذبحان” المعروفة في اليمن. (1)

مخطوطة يمنية تشير الى اكتشاف البن اليمني تم تحريرها في القرن 14 – الوثيقة صورة

مصنعان للبن في المخا

خلال حقبة الاحتلال العثماني الأول لليمن 1536 – 1636، كانت اليمن تحتكر تجارة البن عالمياً، وقد سيطرَ الاتراك على تصديرها عبر الموانئ اليمنية.

ووفقاً لمقالة بحثية، تم شراء أول شحنة من القهوة اليمنية من قبل الهولنديون، من ميناء المخا في العام 1628.

وقد زاد الطلب والمنافسة على البن اليمني بين الشركات الفرنسية، البريطانية والهولندية خلال فترة خمسينيات القرن الـ17 للميلاد.

حيث وصل أعلى إنتاج للبن العربي اليمني Coffee Arabica في العام 1720، بعد إنشاء الهولنديون مصنعاً للبن في منطقة المخا سنة 1708، وبدأوا بتصديره.

وفي سنة 1709، أنشئ الفرنسيون مصنعاً آخر للبن في مدينة المخا، وخلال تلك الفترة شهدت موانئ: المخا، الحديدة، واللحُية حركة كبيرة لتصدير البن. (2)

ومع اكتساب مشروب القهوة شهرة واسعة، تمتع ميناء المخا أكثر من بقية موانئ اليمن، باحتكار قوي ومتزايد، باعتباره المُصدر الوحيد في العالم للبن اليمني حتى نهاية القرن الثامن عشر.

سفن ومراكز تجارية هولندية وفرنسية بميناء المخا 1680 – من الارشيف الالماني

البن اليمني في القرن الـ 19

تكشف دراسة تاريخية حول “العلاقات اليمنية الامريكية 1904-1948″، للباحث محمود هملان، أن السفن التجارية الأمريكية نقلت من ميناء المخا، في مطلع القرن 19، حوالي ثلاثة أرباع الإنتاج من القهوة اليمنية، من قبل نشوء أية علاقات دبلوماسية أو تجارية بين البلدين. (3)

وفي العام 1809، رفعت المنافسة الأمريكية لأسعار البن اليمني، الأسعار التي كانت سائدة لدى شركة الهند الشرقية EIC، من مبلغ 56 دولاراً (نحو 12 جنيه إسترليني) لثمن البالة (كيس القماش الضخم) إلى مبلغ 70 دولاراً (15 جنية إسترليني) آنذاك. (4)

وقد طوّر تجار نيو انجلند New England، طريق التجارة إلى البحر الأحمر على طول الساحل الشرقي لأفريقيا، بعد الدوران على رأس الرجاء الصالح. مما وفر عليهم ذلك أجور الشحن التي أضيفت الى الكلفة التجارية التي تم فرضها من قبل شركة الهند الشرقية.

وخلال الفترة من يونيو/حزيران 1812 حتى فبراير/شباط 1815، انخفضت تجارة البن اليمني، وتراجعت عمليات تصديره إلى أدنى مستوياتها، بسبب إعلان الولايات المتحدة الامريكية الحرب على بريطانيا.

وقد شنت الولايات المتحدة حرب 1812، ضد بريطانيا بسبب اعتراضها للسفن التجارية، وبعد سنتين و 8 أشهر من تلك الحرب، عاودت تجارة استيراد البن اليمني للازدهار تدريجياً، وانتظمت بصورة متباعدة.

وتورد دراسة “هملان”، بيانات عديدة توثق فترات تصدير البن اليمني، بالاستناد إلى أرشيف الوثائق الصادرة من القنصلية الأمريكية في عدن مطلع القرن العشرين.

تؤكد الدراسة، أن المشاركة الامريكية لبريطانيا في تجارة البن والقيام بتصديره عبر ميناء المخا، كانت نشطة لأكثر من 40 سنة.

استمرت تلك المشاركة خلال الفترة: 1797 – 1839.  في حين تشير مقالة بحثية أن “كمية تصدير البن بين اليمن والعالم، مطلع القرن الـ18، وصلت لقرابة 20 ألف طن في العام”.

مصنع البن بمدينة المخا عام 1806 م. بواسطة جورج أنيسلي

شراء البن بالعملة الالمانية

في العام 1832، كانت القهوة اليمنية، وأوراق السنا، والجلود، واللبان، هي المواد الرئيسية التي يشتريها التجار الأمريكيون من ميناء المخا.

بالمقابل، يقوم التجار الأمريكيون بالتخلص من سلع القطن الأمريكية بأرباح صغيرة ويبيعونها على تجار المخا. بحسب ما دونته مذكرات الرحلات التي قام بها جوزيف بارلو فيلت، الى موانئ عدن والمخا منتصف القرن الـ19.

ويقول الرحالة جوزيف فيلت، في كتابه “ملاحظات السفر“، ” كانت العملة الرئيسية في المخا، هي عملة التيجان الألمانية، كونها خالية من الثغرات والعيوب، وهي تعتبر مثل قيمة الدولار الإسباني، والتي كانت تمر دون اعتراض.

في حين أن الدولارات الأمريكية لا يتم قبولها، كانت غير متداولة. والتجار في المخا لا يمنحون أي ائتمان، ولا يتلقون أي فائدة على الأموال المقترضة”.

وتشير مقالة، أن القهوة اليمنية أصبحت مشهورة جداً في أوروبا منتصف القرن 19، وخاصة في فرنسا، وكان معروفاً على نطاق واسع أن أفضل قهوة تأتي من اليمن، وهي حقيقة لم يغب عنها في ليون، رجال الأعمال الفرنسي ألفريد وبيير باردي.

وبحلول العام 1880، تم إرسال ما يقارب من نصف محصول تصدير اليمن من البن إلى فرنسا، فقد أصبح تصديره أسهل بكثير، بعد افتتاح قناة السويس في العام 1869.

قوافل البن القادمة من الجبال تستريح قبل الوصول إلى المخا سنة 1850- ارشيف هولتون

التنافس على القهوة اليمنية

مع بداية القرن 20، سيّطرَ التجار الأمريكيون على تجارة البن اليمني. بالرغم من احتكار السلطان محمد علي باشا (والي مصر) لنصف هذه التجارة، وجرى بيع بن المخا بأسعار عالية للأمريكيين. (هملان، 2008).

وبحسب الوثائق الأمريكية، كانت كميات البن اليمني، التي شحنت  عبر ميناء الحديدة إلى الدول الأجنبية كبيرة للغاية، نظراً لتنامي التجارة الحرة في العام 1933.

وفي ذلك العام، جرى تصدير كميات تجارية من القهوة اليمنية، قبل أن تبدأ “الشركة الوطنية اليمنية للاستيراد والتصدير” عملها، وهي شركة أنشأتها حكومة الامام يحي حميد الدين لاحتكار تجارة البن في العام 1934. (5)

ترد في إحدى الوثائق الأمريكية أن “اجمالي كمية البن اليمني التي تم تصديره من داخل اليمن، خلال 6 أشهر في الفترة من كانون الثاني/يناير إلى حزيران/يونيو العام 1933، بلغت حوالي 27,918 ألف حقيبة من البن”.

وتحتوي كل حقيبة على 80 كيلوغرام من البن اليمني. أي ما يعادل قرابة 2,233,440 مليون كيلوغرام من القهوة”.

طابع بريدي يمني من القرن الماضي ختم عليه: اليمن مصدر قهوة موكا / تصوير: عبداللطيف الجرادي

أكبر المستوردين للقهوة اليمنية

ووفقاً للوثائق الأمريكية، فأن “كميات البن التي تم تصديرها من اليمن في العام 1933، استوردتها عدد من البلدان أبرزها: إيطاليا، فرنسا، أمريكا، وبريطانيا. وغيرها”.

احتلت إيطاليا المرتبة الأولى من حيث استيراد القهوة من اليمن، نظراً لأنها كانت تتمتع باتفاقية تعاون تجارية موقعة مع اليمن، وقد حصلت على امتيازات في تجارة البن.

وفي العام 1933 بلغت كميات البن اليمني التي استوردتها إيطاليا قرابة 11,478 حقيبة من البن، وكل حقيبة تحتوي على 80 كيلوغرام من البن.

في حين كانت فرنسا بالمرتبة الثانية، والتي استوردت كميات من القهوة اليمنية في نفس العام، بلغت حوالي 8,040 حقيبة من البن (كل حقيبة 80 كلغ).

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية، في المرتبة الثالثة في قائمة مستوردي البن اليمني في العام 1933، حيث بلغت كميات القهوة التي تم تصديرها لأمريكا قرابة 6,550 حقيبة البن (كل حقيبة 80 كلغ).

في حين كانت بريطانيا تحتل المرتبة الثامنة، حيث استوردت من البن اليمني حوالي 1850 حقيبة من القهوة.

فتيات يمنيات في المخا يفرزن محصول البن قبل تصديره، 1902 – المصور غير معروف

التجار والمُصدرين يستغلون المزارعين

في كتابها: «كنت طبيبة في اليمن»، أوردت الباحثة والطبيبة الفرنسية كلودي فايان، والتي مكثت في اليمن مطلع الخمسينيات، بعض التفاصيل حول تجارة القهوة اليمنية،

كان يجري استغلال صغار الفلاحين المنتجين للبن من قبل كبار التجار (تجار الجُملة) وكذلك المُصدرين الأجانب.

وكان التجار يشترون محصول البن من الفلاحين بثمن بخس، ويبيعونه بسعر يصل خمسة اضعاف المبلغ الذي دفعوه لأولئك الفلاحين.

وتقول فايان: «حين كنت في ضيافته، قدم لي أحد الأمراء اليمنيين قدحاً من قهوة البن في مفرجه الفاخر، وتحدثنا عن زراعة البن الذي –كان- يشكل مع تجارة الجلود، الثروة الرئيسية لليمن. وقد شرح لي الأمير طريقة زراعة البن وسر القهوة».

«وقال الأمير: ان أراضي زراعة البن مُهّدت منذ القدم، على مسطحات المرتفعات، وهي المدرجات الزراعية في أعالي الجبال. وقد امتلكها المزارعون الصغار بالتوارث. ويشتري محصول البن منهم تجار الجُملة، والذين يبيعونه الى المُصدرين في ميناء الحديدة».

«ويتم نقل البن فوق الجمال، وأن الجمّل الواحد يحمل زكيبتين، تحتوي كل زكيبة واحدة على 90 كيلوجرام من البن. وثمن الزكيبة حوالي 100 ريـال».

«وحين سألت الأمير، بكم يشتري التاجر المحصول من المزارعين، قال لي: يشتري تاجر الجُملة محصول البن من المُزارع بقيمة 20 ريالاً، ثمن الزكيبة الواحدة». (الزكيبة: كيس كبير من الخيش).

وتضيف فايان: «سألته: لماذا لا يذهب المزارع بنفسه الى الحديدة لبيع محصوله هناك بشكل مباشر؟  وأجاب الأمير: إنه لا يستطيع الذهاب! لأن التاجر الكبير يدفع له في كل سنة، نقوداً من ثمن المحصول مقدماً، بحيث لا يتبقى للفلاح عند التسليم غير مبلغ عشرة ريالات عن كل زكيبة».

«وحين قلت له: ولماذا يقترض المزارعون بهذا الشكل؟ ومع أني كنت أعرف أن الربا، يتفشى هنا، كما يتفشى في سائر أرجاء الشرق. ولكن الأمير لم يكن غافلاً، فما أن وصلنا الى هذا الحد من التحقيق، حتى قام من مكانه، وضاعت ابتسامته، وقطع الحديث بيننا بفظاظة!». (فايان، 1960)

فرز قهوة موكا في وكالة البن في الحديدة سنة 1928/ تصوير تويتشل الجمعية الجغرافية الملكية

التاجر الفرنسي انتوني بيس

وعلى ذات السياق، أشارت الباحثة الفرنسية كلودي فايان، في كتابها، إلى التاجر الفرنسي الشهير المسيو أنتوني بيس، الذي مكث في عدن قرابة 50 عاماً، وشيد فيها إمبراطورية تجارية ضخمة، بعد احتكاره لتجارة القهوة اليمنية وتصديرها، إلى جانب تجارة الجلود، وأعمال أخرى. إذ كان يلقب بـ «ملك البحر الأحمر».

في 16 أبريل/نيسان 1899، جاء انتوني بيس من مرسيليا على متن باخرة إلى عدن، للعمل بوظيفة لدى وكالة التاجر الفرنسي بيير باردي، والذي كان شريكاً مؤسساً في “باردي وشركاه Bardey & Co“، احدى الوكالات العاملة في تصدير البن المجلوب من شمال اليمن، إلى محمية عدن المستعمرة.

وفي العام 1902، أسس أنتوني وكالة صغيرة لشراء محصول البن في مدينة الحديدة، وخلال 10 سنوات، امتد نفوذ انتوني بيس داخل اليمن وخارجها.

استفاد بيس من كون ميناء الحديدة لم يكن متطوراً، وغير صالح لاستقبال السفن التجارية الكبيرة و المتوسطة، حيث كانت تجارة تصدير البن اليمني تتم بالضرورة عبر ميناء عدن بدرجة كبيرة.

تقول الباحثة فايان عن لقائها مع انتوني: “لقد ردد لي نفس الكلمات التي قالها لأطباء البعثة الفرنسية الأولى التي زارته قبل 3 سنوات: ان اليمنيين ليسوا في نظره إلا مجموعة من اللصوص وقُطاع الطرق، وأنني سألقي بنفسي بين فكي الذئاب، وأنه مع هذا سيهب لنجدتي، ولن يتركني وحيدة”.

وتضيف فايان:” لقد شكرته؛ ولكني ازددت تصميماً على الذهاب الى اليمن لرؤية هؤلاء “اللصوص” الذين أتضح أنهم تجاسروا ورفضوا أن يقدموا محصولهم من البن للمسيو انتوني بيس”. (6)

مدينة المخاء أوائل القرن العشرين 1900 – 1910 – بطاقة ويكي

التاجر الأمريكي مارسيل واجنر

ومن بين التجار المصدرين للقهوة اليمنية، تورد الوثائق في قنصلية عدن، اسم رجل الأعمال الأمريكي مارسيل واجنر M.E. Wagner، وهو مدير شركة الشرق الأمريكي. كانت تعمل في إطار عدة شركات في مجال الشحن والتصدير وحركة ملاحة السفن.

وفي حقبة الأربعينيات، كان لدى واجنر، علاقات تجارية مباشرة مع السلطات الإنجليزية في عدن، ومع عدد من الأمراء والمسؤولين في المناطق اليمنية.

وتشير بعض المصادر، أن مارسيل واجنر كان يفضل تقديم عروضه التي تفضي بمبادلة شاحنات أو معدات زراعية يملكها، مقابل أخذ شحنات من القهوة اليمنية. بدلاً عن دفع نقود لشراء البن.

جمال محملة بزكائب البن في مطار تعز في الاربعينات – المصور غير معروف

مبيعات البن في القرن الـ20

يشير كتاب “العلاقات اليمنية الامريكية 1904–1948″، إلى أن القنصلية الأمريكية في محمية عدن، ساهمت في رصد بيانات الحركة الاقتصادية والتجارية في اليمن، وقد استطاعت أن تبين حجم ومقدرة الإنتاج اليمني من القهوة، كمصدر للتبادل الخارجي.

وبحسب وثائق الأرشيف الوطني الأمريكي، التي أوردها الباحث محمود هملان في ذلك الكتاب، قدرّت القنصلية الامريكية أن “حجم الإنتاج اليمني السنوي من القهوة اليمنية بلغ أكثر من 539,800 ألف دولار في العام 1939″.

وأن اجمالي الإنتاج المحلي من القهوة في اليمن، يمكن أن يتم تصديره بالكامل. حيث أن الاستهلاك المحلي للبن هو الِقشر، والذي كان اليمنيون يفضلون استهلاكه كمشروب، أكثر من استهلاك نواة البن.

كانت شحنات القهوة اليمنية المُصدرة تتركز عبر ميناء عدن، وميناء جدة في السعودية، إضافة الى شحنات أخرى تأتي عبر ساحل البحر الأحمر من ميناء الحديدة، وشحنات تأتي من البر محملة على قوافل الجمال من شمال اليمن.

وبحسب الوثائق الامريكية: «كانت 30% من صادرات القهوة اليمنية، تذهب للولايات المتحدة الأمريكية من خلال مينائي عدن وجدة. في حين أن دول أخرى مثل النرويج وسويسرا وفرنسا تحصل على صادرات القهوة اليمنية بنسب مختلفة».

جدول: شحنات القهوة اليمنية المُصدرة إلى أمريكا من مينائي عدن وجدة 1936-1947

جدول 1: كميات البن اليمني المصدرة الى أمريكا للفترة 1936-1947/ المصدر: دراسة هملان 2008.

شحنات القهوة اليمنية لأمريكا

وطبقاً للمصادر، كان المُصدرون البريطانيون من تجار محمية عدن، يدفعون ثمن القهوة اليمنية بالريال النمساوي أو ريـال ماريا تريزا، ويشترون القهوة بالجنية الإسترليني من التجار اليمنيين بائعي البن.

في حين كانت السعودية تعاني من نقص في الدولارات (آنذاك)، وكانت غير مستعدة لتزويد اليمن بأية كمية الدولارات الامريكية التي يمكن أن تحصل عليها من تصدير القهوة اليمنية من ميناء جدة.

كانت صادرات القهوة اليمنية للولايات المتحدة، تدفع نقداً بالدولار مباشرة إلى اليمن، بنظام الدفع المباشر. بعد أن يتم شحنها من ميناء الحديدة الى نيويورك. لقرب الحديدة من مناطق ومدرجات البن، ولضمان عدم انخفاض جودة المحصول جراء ظروف النقل.

تشير إحدى البرقيات من القنصلية الأمريكية في عدن: «أن الطلب في السوق الأمريكي على قهوة المخا اليمنية، كان يرتفع بشكل متزايد، وأن التوسع المستقبلي للسوق الأمريكي سيكون متمكناً في تجارة البن. لكنه يعتمد على قابلية اليمن لزيادة صادرتها».

وكانت الصادرات اليمنية للولايات المتحدة، خلال الفترة من 1936 وحتى العام 1937، غالبيتها صادرات من القهوة اليمنية المُصدرة من اليمن.

أما في السنوات العشر التالية، من العام 1937 ولغاية 1947، فإن القهوة ذات المنشأ اليمني، كانت هي القهوة التي صُدرت للولايات المتحدة عن طريق مينائي عدن وجدة.

وأورد احد تقارير القنصلية الأمريكية، أن هناك “تزايداً مستمراً في كميات القهوة اليمنية التي تم تصديرها من ميناء جدة، خلال الفترة من العام 1936 حتى العام 1940. ثم حدث انخفاض حاد في كميات القهوة اليمنية المُصدرة من ميناء عدن وميناء جدة خلال الفترة 1941 – 1943”.

وعقب ذلك، “توقفت شحنات القهوة اليمنية عن التصدير خلال العامين 1943–1945، بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية التي أعاقت حركة السفت التجارية، وحركة الاستيراد”.

عدن المعلا مطلع القرن 20 /ارشيف

السيطرة على القهوة اليمنية

وفقاً لوثيقة أمريكية أوردتها دراسة (هملان: 2008)، فأن “صادرات اليمن من القهوة بلغت قيمتها في العام 1940، حوالي مبلغ 555,203 ألف دولار أمريكي”.

وأن “صادرات القهوة اليمنية ارتفعت في العام 1947، وبلغت قيمتها حوالي 675,000 ألف دولار أمريكي، نتيجة ازدياد حركة التصدير من ميناء عدن”.

وأشارت وثيقة القنصلية الامريكية بعدن في تاريخ 30 أكتوبر1947، في خطابها الى الخارجية الأمريكية أنه: ” لكي تكون القهوة اليمنية مُنافسة في السوق الأمريكي، فإن ذلك يتطلب أن يتم شحنها مباشرة من ميناء الحديدة إلى ميناء نيويورك الأمريكي، وأن يتم الشراء بطرق الدفع المباشر بالدولارات الامريكية من قبل التجار اليمنيين”.

وبحسب دراسة (هملان، 2008)، كان التجار الأمريكيون خلال تلك الحقبة، يسعون لاحتكار تجارة تصدير القهوة، ومنافسة التجار الايطاليين الذين احتكروا تجارة تصدير البن اليمني لسنوات طويلة.

وكان يبدو جلياً، ذلك التأثير المنافس لـ “المعاهدة الإيطالية اليمنية” الموقعة بين اليمن وإيطاليا في سبتمبر 1926، تاثيرها على تجارة تصدير القهوة اليمنية للولايات المتحدة.

وفي العام 1945، حدث تطور تجاري، حيث وسَعّت الولايات المتحدة الامريكية تجارتها مع اليمن، وأصبحت ثاني أكبر دولة يُصدر لها البن اليمني. بحسب ما أوردته وثيقة القنصلية الأمريكية في عدن.

وقد حدث ذلك، بعد أن كلفت وزارة الخارجية الامريكية، القنصل الأمريكي في محمية عدن بزيارة اليمن، وإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين. وقد أسفرت عن توقيع اتفاقية للصداقة والتجارة. (هملان، 2008)

كانت هذه الاتفاقية، قد وجدَت قبولاً وحققت رغبة التجار الأمريكيين فقط، الذين سعوا لتطوير تلك العلاقات التجارية من أجل ازدهار تجارتهم في استيراد البن اليمني، أكثر من نظرائهم اليمنيين.

عمال يفرغون حمولة في المعلا سنة 1940 / الصورة من: استوديو العبسي عدن

معوقات تصدير القهوة اليمنية

كان تصدير القهوة اليمنية منتصف الاربعينات، لكي يعود بالنفع على منتجي البن المحليين، ” فإنه يحتاج بدرجة رئيسية إلى إنشاء ميناء صغير يربط مع داخل اليمن بسكة حديد أو خط نقل سريع”.

“كون هذا الميناء سيمكن اليمن من تصدير قهوة البن، والجلود. واستيراد السلع والاحتياجات الرأسمالية بشكل أسرع، ومردود أفضل”. (دراسة: هملان، 2008)

لكن ذلك الامر، كان يتطلب مشروع توسعة ميناء الحديدة في اليمن، كونه يخضع للنفوذ اليمني، لكنه كان غير مؤهل. كما أن ميناء المخاء أصبح متقادماً بعد أن طمرت الرمال أجزاء واسعة منه. وتعرضت مرافقه للتدمير.

وبحسب كتاب “تكوين اليمن الحديث” للمؤرخ سيد مصطفى سالم، كان الإهمال والاخفاق الرسمي لحكومة الامام واضحاً في تلك الفترة. وقد تجسد ذلك في عدم قيامه بتطوير الموانئ، أو دعم الزراعة ومنح تسهيلات لصغار المزارعين ضمن أولويات حكومته. (6)

ومع ذلك، أشارت دراسة (هملان: 2008)، إلى أن “الحكومة الامريكية -برغم توقيعها اتفاقية تعاون تجارية مع حكومة الامام-، إلا أنها لم توافق على منح اليمن قرض مالي لتطوير وتوسعة ميناء الحديدة”.

وتفيد تلك الدراسة، أن القنصلية الأمريكية في عدن، أرفقت في إحدى برقياتها، في يوليو/تموز سنة 1947، دراسة جدوى عن توسعة ميناء الحديدة، كانت بعنوان: (Yemeni Coffee Production as a source of foreign exchange). (دراسة هملان، 2008).

وقد جاء في تلك البرقية: “إن الإنتاج اليمني من القهوة يقدر بحوالي 12,000,000 مليون جنيه إسترليني في السنة. وإن كل انتاج القهوة في البلاد يمكن تصديره، لأن الاستهلاك المحلي يعتمد على الِقشر”.

فلاحون يمنيون يبيعون محصول البن في السوق 1962 في مكيراس البيضاء / أرشيف.

ويشير أحد التقارير، أنه بحلول العام 1955، ظلت القهوة واحدة من أغلى سلع إعادة التصدير في عدن، حيث كسبت أكثر من 3,000,000 مليون جنيه إسترليني من العملات الأجنبية.

وأصبح المشترون الرئيسيون للقهوة هم: الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا واليابان.

لكن ثمة أسباب عديدة، أعاقت ازدهار تصدير البن اليمني إلى دول العالم، أبرزها: أن موانئ تصدير البن اليمني، كانت تتم عبر مناطق تابعة للنفوذ البريطاني وهي: ميناء عدن، وميناء جدة.

وكانت السياسة البريطانية آنذاك معادية لليمن شمالاً وجنوباً. إلى جانب عدم وجود تجارة بينية مباشرة ومتبادلة. حيث بقيت التجارة البينية محدودة.

أيضاً: كان التجار البريطانيين المُصدرين للبن في عدن، يدفعون ثمن البن اليمني بالريال النمساوي عملة ماريا تريزا، وبالمقابل لم يكن لدى التجار اليمنيين أية دولارات أمريكية يمكن أن يشتروا أو يتعاملوا بها. في ظل عدم وجود بنوك، أو سوق مصرفية أو ائتمانية في اليمن آنذاك.

إلى جانب، عدم وجود قوى سياسية واقتصادية يمنية قادرة على تقديم تسهيلات في مجال التجارة الدولية. فضلاً عن ان الموانئ اليمنية لم تكن مؤهلة لاستقبال السفن التجارية الامريكية ذات الحمولات الضخمة.

أشجار البن في آنس ذمار. حلم أخضر
بن يمني من حراز/تصوير: حسين اليعبري/حلم أخضر

القهوة اليمنية اليوم

في الوقت الراهن، تبدو زراعة البن اليمني متدهورة عما كانت عليه، ولم تعد قهوة موكا تحتكر أسواق العالم.

لقد تغير اهتمام المزارعين اليمنيين نحو شجرة القات، وتقلصت ثلثي مساحة زراعة البن محلياً. نتيجة الإهمال الحكومي.

تشير وزارة الصناعة والتجارة، إلى أن زراعة البن اليمني حتى منتصف القرن الـ 20، كانت تنتشر في المدرجات الزراعية على المرتفعات الجبلية، وكانت حينها مساحة زراعة البن تصل إلى أكثر من 110 ألف هكتار.

وأن الإنتاج كان قد وصل إلى حوالي 55 ألف طن من البن اليمني. في حين أن كمية تصدير البن اليمني وصلت إلى أكثر من 44 ألف طن سنوياً، حيث كان ذلك قبل الـ 60 عام الماضية.

اليوم، وبحسب احصاءات الزراعة اليمنية للعام 2019، فإن مساحة زراعة البن تقدر بحوالي 34 ألف هكتار فقط، ويبلغ حجم الإنتاج السنوي قرابة 20 ألف طن من البن.

في حين لا تتعدى نسبة ما يُصدر من البن اليمني حالياً 0.1 %، وتتراوح كمية التصدير في حدود يتراوح ما بين 3000 – 4000 آلاف طن سنوي.

وتحتل اليمن المركز 42 عالمياً في تصدير البن من بين 64 دوله حول العالم.

وبرغم الخسارة الفادحة لذلك كله، ما يزال اليمن يملك ميزة واحدة أو اثنتان، ولم يفقد أسراره الزراعية بالكامل. حيث أن بيئة الأرض والتربة الزراعية والظروف المناخية، تمنحان البن اليمني سحره القديم.

ومع كل الإخفاق والفشل لواقع زراعة البن اليمني، مازالت الأصناف العالمية لا تنافس بمذاقها مذاق البن اليمني، وما زال هذا الأخير يُصنف كأفضل الأنواع في العالم من حيث الجودة والمذاق، وهو الأعلى سعراً وهذا الأهم.

محصول قهوة لمتجر درر DURAR بصنعاء 2020/تصوير حلم أخضر
البن اليمني المساحة والانتاج 2015 – 2017 – حلم اخضر

المصادر والمراجع:

(1). عبد الودود مقشر، “قصة اكتشاف القهوة ومكتشفها في المخا – اليمن”، سلسلة مقالات، حلقة 8، موقع نيوز يمن، 14 أغسطس 2019.

(2). عبده بكري فقيرة، «الوضع الراهن لإنتاج محصول البن في الجمهورية اليمنية»، منظمة المجتمع العلمي العربي، موقع ASCO، 10 مارس 2014.

(3). محمود محمد هملان، “العلاقات اليمنية الامريكية: 1904 – 1948″، جامعة اليرموك، الطبعة الأولى، الأردن، عمّان، 2008.

(4). (دراسة: هملان، 2008)، الوثيقة: A.N.A.D. 890J. 602/3, August 2, 1932

(5). (دراسة: هملان، 2008)، الوثيقة: A.N.A.D. 890J. 51/10, 3147, October 30, 1947.

(6). كلودي فايان، «كنت طبيبة في اليمن»، ترجمة محسن العيني، بيروت، الطبعة الأولى، دار العودة، لبنان، 1970.

(7). سيد مصطفى سالم، «تكوين اليمن الحديث، 1- اليمن والامام يحيى، 1904 – 1948»، الطبعة الرابعة، صنعاء، مكتبة الارشاد، اليمن، 2006.

تعليقات
Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط
error: Content is protected !!