حلم أخضر (تقرير خاص)
في الجزء الغربي من محافظة ذمار وسط اليمن، توجد واحدة من أجمل المحميات الطبيعية، هي محمية عُتمة البرية. والتي أعُلنت كمحمية طبيعة العام 1999، وتعرف بأنها أول المحميات الطبيعية في اليمن.
وتظهر هذه المحمية بحسب الخريطة الجغرافية لليمن، على بعد 60 كم جنوب غرب مدينة ذمار، بين خطي طول 44.5 درجة، و 43.50 درجة، وخطي عرض 14.21 درجة و 14.35 درجة.
الموقع والمساحة
تحتل محمية عُتمة الطبيعية موقعاً جغرافياً يتوسط ثلاث محافظات يمنية: ذمار، ريمه، وإب، وهي تبعد عن العاصمة صنعاء حوالي 158 كم2.
وتقع محمية عتمة، ضمن الامتداد الطبيعي لسلسلة جبال “السراة” التابعة لمحافظة ذمار، وتبعد قرابة 58 كم2، غرباً عن مدينة ذمار وسط البلاد.
وتبلغ مساحة محمية عتمة الإجمالية 460 كم2، (أي ما يعادل 46 ألف هكتار)، وهي تمثل 6 % من إجمالي مساحة محافظة ذمار البالغة 7900 كم2. تصل أعلى قمة جبلية فيها حوالي 2600 – 2700 م عن سطح البحر.
المجتمع المحلي في عتمة
تعد محمية عتمة مأهولة بالفلاحين منذ القدم، ويبلغ عدد سكان المحمية حوالي 145,183 نسمة، بحسب التعداد السكاني للعام 2004.
ويتوزع سكان المحمية في 5 مخاليف كبيرة، ما تزال تحتفظ بتسمياتها التاريخية وهي: “مخلاف السمل، مخلاف رازح، مخلاف بني بحر، مخلاف حمّير، ومخلاف سماه”.
وتضم هذه المخاليف 57 عزلة تربط المحمية بما حولها من المناطق والمدن، المتصلة بعدد من الطرق الإسفلتية والمعبدة.
وتسهل هذه المخاليف عملية الوصول إلى المحمية، حيث تتقاطع طريق ذمار -الحسينية بطريق مدينة الشرق الدليل في عتمة لتقسم المديرية إلى 4 أقسام حيث يقسم الطريق الأول مديرية عتمة بشكل طولي بينما يقسمها الآخر إلى قسمين.
وبالنسبة لحدودها، فتحدها من الشمال مديريتي جبل الشرق و”ضوران” التابعتين لمحافظة ذمار، ومن الجنوب مديريتي “وصاب العالي” بذمار، ومنطقة “القفر” بمحافظة إب. أما من الشرق تحدها مديريتا “كسمة” و”السلفية” التابعتين لمحافظة ريمه.
إدارة المحمية:
يوجد في محمية عتمة مبنى خاص بإدارة المحمية. حيث يدير المحمية مجموعة من الموظفين جميعهم من السكان المحليين بالمحمية. كما تساهم بعض الجمعيات غير الحكومية في الهيئة الإدارية للمحمية.
وتمتاز هذه المحمية بتنوع الأشجار، وسلسلة الجبال المكسوة بالحشائش، وبجمال تضاريسها.
وللمحمية موسم واحد في السنة، تعتمد فيه على الأمطار للزراعات المختلفة. كما يزرع فيها في منطقة “الطفن” أنواع الحبوب المختلفة، والفاكهة والخضروات، ويعتمد سكانها في هذا الموسم على ما تنتجه أراضي عتمة.
بحسب سجلات هيئة حماية البيئة اليمنية، توجد في محمية عتمة البرية، أنواع من الحيوانات المفترسة مثل: النمر العربي، الضباع، الذئاب، والثعالب.
التنوع الحيوي في عتمة
تعد محمية عتمة أقدم المحميات الطبيعية المعلنة في اليمن، نظراً لعراقة مكانتها التاريخية في اليمن القديم، ولما تتميز به من تنوع نباتي وحيواني، الأمر الذي جعلها منطقة خضراء طوال العام.
وبحسب بيانات الهيئة العامة لحماية البيئة، تشتهر محمية عتمة بإحتوائها على المراعي، والغابات والأحراش الحرجية، وتضم أنواعاً من الأشجار المعمرة، والنباتات العطرية والنادرة.
وتتكون محمية عتمة البرية، من سلاسل جبلية يقل ارتفاعها كلما اتجهنا غرباً، حيث تمثل امتداداً للمرتفعات الغربية المتجهة نحو المناطق السهلية الساحلية، ,يتراوح ارتفاعها بين 920- 2700 م عن مستوى سطح البحر.
المناخ: يمتاز مناخ المحمية بالبرودة النسبية خلال فصل الشتاء، والاعتدال في الربيع. والدفئ إلى الحار نسبياً خلال فصلي الصيف والخريف. وقد أكسبها هذا الموقع مناخاً متميزاً، يساعد على سقوط الأمطار في فصل الصيف، والتي تصل إلى حوالي 800 ملم في العام.
الغطاء النباتي لمحمية عتمة
وفقاً لبيانات المحميات الطبيعية بالهيئة العامة لحماية البيئة، تضم محمية عتمة البرية أنواعاً من من السرخسيات والفطريات والطحالب والأشنات.
ويشكل الغطاء النباتي نسبة 80 % من إجمالي مساحة المحمية، حيث تحتل المدرجات الزراعية الجبلية مساحة بحوالي 60% من أراضي المحمية. وبقية الاجزاء تغطيها الأحراش الحرجية بنسبة 30%.
وتشتهر المحمية، بطبيعتها الساحرة واخضرارها، واحتواء المراعي الطبيعية فيها والغابات والأحراش على أنواع من الأشجار والنباتات الطبية والعطرية النادرة إضافة إلى بعض الحيوانات والطيور النادرة.
وقد دفعت عدد من العوامل الطبيعية والبيئية، قدامى اليمنيين إلى استيطان هذه المحمية منذ آلاف السنين، نظراً لما تتمتع به من خصوبة التربة الزراعية والإنتاجية العالية للمحاصيل الزراعية.
وبالاضافة إلى جودة المراعي، واراضي الغابات الكثيفة والمعدلات الجيدة لهطول الأمطار، إضافة إلى العيون والغيول المائية التي تنتشر في عدد من أرجاء المحمية.
أهم الأنواع النباتية في عتمة
ومن أهم الانواع النباتية التي تتواجد بالمحمية: أشجار الطلح، والطنب، وشجر القرض، وشجر الشخط، والعلب، وأشجار الذارح).
ووفقاً لسجلات النباتات في المحميات اليمنية، تضم محمية عتمةعدداً من نباتات المناطق الرطبة مثل: نبات لسيق، ونبات نقم، ونبات البنج.
وأما النباتات الطبية بالمحمية فتشمل: العثرب، الصبّار، الحلف، الطلح، العنشط. والتي تستخدم لعلاج كثير من الامراض وفق الطرق الشعبية المتدوالة لسكان المحمية.
ومن النباتات العطرية بمحمية عتمة البرية: نبات الياسمين، الكاذي، النرجس، الورد البلدي. والتي يمكن الاستفادة منها في صناعة العطور.
ومن أهم الأنواع النباتية المهددة بالانقراض في محمية عتمة: الزيتون البري الذي تشتهر به المحمية، ونبات الضرم، والتالب، ونشم.
التنوع الحيواني لمحمية عتمة
نتيجة الغطاء النباتي الكثيف في محمية عتمة البرية، استوطنت فيها أنواع عديدة من الحيوانات النادرة، ومنها الأنواع المهددة بالانقراض في القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لصون الطبيعة.
وبحسب سجلات هيئة حماية البيئة، توجد في محمية عتمة، أنواع من الحيوانات المفترسة مثل: النمر العربي، الضباع، الذئاب، والثعالب.
وتوجد فيها ايضاً، أنواع من الحيوانات الاليفة مثل: القرود، الأرانب، الوبر، والقنفذ. وغيرها من الحيوانات.
الطيور في محمية عتمة
وتشير بيانات هيئة حماية البيئة في اليمن، الى وجود عدد من الطيور المقيمة والمتوطنة داخل محمية عتمة البرية.
ومن أبرز تلك الطيور، تتواجد أنواع من: النسر العقبان، الحداءة، الحمام البري، البلبل، الهدهد، ألبومه، الخفافيش، وطيور أبو قردان، وأنواع من العصافير.
الزواحف والحشرات
نظراً لتنوعها الفريد، تضم محمية عتمة البرية، أنواعاً من الزواحف منها: (الورل، الثعابين، العضايا، وأنواع من السحالي، وغيرها من الزواحف).
وتوجد في المحمية أيضاً، أنواع من الحشرات المختلفة: كالعناكب، والخنافس، والفراشات، والمفصليات.
ولعل أهم الحشرات الاقتصادية المتواجدة في محمية عتمة، هي النحل اليمني، والذي يُربى بشكل واسع من قبل السكان بغرض انتاج العسل الطبيعي.
سبب تسميتها عتمة
تشير المراجع التاريخية، أن تسمية عُتمة مأخوذة من العُتم (بضم حرف العين والتاء) وتعني اسم نبات شجرة الزيتون البري، وكلمة “عُتمة” في اللغة العربية تعني ظلمة الليل.
لذلك ارتبط اسم عتمة بالظلمة، وبالزيتون البري، وهما صفتان من الصفات التاريخية لمنطقة محمية عتمة البرية، فالسُحب البركانية وأشجار الزيتون البري، أكسبا عتمة صفة الظلمة.
ويذكر المؤرخ اليمني “عبدالله الحبشي” في تحقيقه لكتاب “تاريخ وصاب الاعتبار في التواريخ والآثار”، لمؤلفه وجيه الدين الحبشي الوصابي، أن هذه المنطقة سُميت عتمة باسم شجرة كبيرة وضخمة جداً، كانت توجد فيها وهي شجرة العتم “الزيتون البري” وقد قطعت.
وكان موضع قطعها موجوداً قدر عشرة أذرع إلى حدود سنة 740 هجرية، فتسروا “قطموا” مقطعها بتراب البركة الخاصة بمدينة “سبن” المجاورة لعتمة، وقت حفرها.
عتمة في كتب التاريخ
وتعد منطقة عتمة، أحد المسارح التاريخية التي دارت فيها أحداث هامة في فترة ما قبل الإسلام، حيث أشار المؤرخ “الهمداني” في كتابه “صفة جزيرة العرب” إلى أن -عتمة- “مخلاف واسع خصب التراب عظيم المنتجات”.
ويقول الهمداني: “ولقد الحقه بيحصب العلو، وذكر أيضا فيه “ورف”، وهو جبل فيه حروث ومزارع قرى مندثرة ويسمى اليوم المقرانة وهي من ضمن خلاف عتمة، وفي ورف آثار حميرية”.
وفي العصر الإسلامي أشار “عبدالرحمن بن الديبع” في كتابه “قرة العيون بأخبار اليمن الميمون”، إلى ملوك عُتمة بنو العتمي الحميرييون الشراجون ملوك وصاب.
وهم الذين أزال ملكهم الصليحيون في سنة 455 هجرية، وفي عصر الدولة الرسولية تسلم المنصور حصن “سماه” في عتمة سنة 641 هجرية”.
قلاع وحصون في عتمة
وتوجد في أرجاء محمية “عتمة” حتى اليوم، العديد من المعالم التاريخية والأثرية القديمة التي تشير لحضارة اليمن القديم إبان حقبة مملكة حمير.
ومن بين تلك المعالم، تأتي القلاع مثل “قلعة ابزار، قلعة سماه، قلعة بني أسد، قلعة السيد، قلعة ضورة”، أما الحصون مثل: (حصن حيدر، حصن الذاهبي، حصن خطفة، حصن المصنعة).
الى جانب وجود 19 حصناً آخراً في محمية عتمة البرية، والتي تمثل شواهد تاريخية حية، تؤكد أهمية منطقة عتمة في الحضارات اليمنية القديمة.
شلالات وينابيع طبيعة
وإلى جانب جبالها الشاهقة ومدرجاتها الزراعية، تمتاز محمية عتمة البرية، بوجود أراضي الأحراش والغابات، وسط الوديان المنتشرة في معظم أجزاء المنطقة.
ولاسيما منحدرات الجبال، حيث مصبات السيول الأمطار، والشلالات، والينابيع، والغيول المتدفقة على مدار العام. والتي تشكل روافد أساسية لوادي رماع من الشمال الشرقي، ووادي زبيد من الغرب والجنوب الغربي.
كما تمتاز بوجود الحمامات الطبيعية الغنية بمياه العيون الكبريتية، ومنها حمام “مقفد”، وحمام “السبلة”.
ولا تقتصر ميزة محمية عتمة على الغطاء النباتي فحسب، بل أشارت دراسات وأبحاث جيولوجية محلية، أجرتها هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية، إلى مؤشرات وجود المعادن في جبال المحمية، مثل: الذهب الفضة، والحديد، وتحديدا في جبل “العَمل” في محمية عتمة.
أبرز التهديدات التي تتعرض لها محمية عتمة:
يتعرض الغطاء النباتي في محمية عتمة البرية، لمخاطر التدهور المستمر نتيجة عوامل طبيعية وبشرية، ويمكن تلخيصها في عدة أسباب، أبرزها:
- الرعي الجائر من قبل السكان، والذي يقضي على تجديد الغطاء النباتي والنباتات النادرة.
- الاحتطاب الجائر وقطع الأشجار (خاصة الأشجار المعمّرة)
- تغيرات المناخ وتعرض التربة للتدهور، وعوامل الانجراف جراء السيول والفيضانات، وعدم الاهتمام بتسوية المدرجات الزراعية المشيدة بالمحمية منذ القدم.
- الزحف العشوائي للبناء السكني، وتوسع العقارات في مناطق المحمية.
- توسع زراعة القات بالمحمية، والذي يطغى على المساحة الزراعية، ومساحة الغطاء النباتي.
- زيادة استخدام المبيدات والأسمدة الكيمياوية المرتبطة بزراعة القات، مما يؤثر على الملقحات وخصوصا النحل اليمني.
المراجع والمصادر:
– الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية، “المحميات الطبيعية في اليمن” (2010)، الهيئة العامة لحماية البيئة، اليمن.
– التقرير الوطني للتنوع البيولوجي (2000)، وزارة المياه والبيئة، الجمهورية اليمنية.