حلم أخضر – حوار: حازم بدر (القاهرة)
عند الحديث عن امتلاك صناعة تحلية المياه في العالم العربي، كثيرًا ما تستند آراء بعض الخبراء إلى تقييم للمشهد من الخارج دون الإلمام بكثير من التفاصيل. لكن رأي عبد المجيد العوضي، الرئيس التنفيذي الأسبق لهيئة الكهرباء والماء في دولة البحرين، يفيد بأن قطاع تحلية المياه في دول المنطقة تغيب عنه الشراكة بين قطاع البحث العلمي والصناعة والصيانة والتشغيل.
يمتلك الرجل تاريخاً من العمل الحكومي، وله في هذا المجال باع ما يجعله قادراً على الإلمام بكثير من التفاصيل التي تعينه على تشخيص المشكلة، ومن ثم اقتراح الحل. فمعظم شركات تحلية المياه العربية تتواكل وتستند تمامًا إلى خبرات أجنبية. ويؤكد العوضي أن استمرار هذا الوضع قد يهدد الأمن المائي في دول المنطقة، ويطالب باتخاذ خطوات عملية عاجلة لعلاج هذه المشكلة. وفي أثناء مشاركته في مؤتمر تحلية المياه في الدول العربية ARWADEX 2019 الذي استضافته القاهرة خلال شهر إبريل الماضي. شبكة “SciDev.Net” أجرت معه هذا الحوار حول توطين تكنولوجيا تحلية المياه بالمنطقة:
– بداية، كيف ترى واقع تحلية المياه في العالم العربي؟
صراحة نحن نعاني مشكلة كبيرة، وهي غياب التكامل والتنسيق بين البحث العلمي والصناعة والصيانة والتشغيل. ولكي تستطيع تحقيق تقدم في مجال لا بد أن يعمل القطاعان معاً، فلا تحدثني عن إنجاز بحثي في مجال تحلية المياه دون أن تكون هناك صناعة متحمسة لتجريب هذا المنتج البحثي، وأشخاص قادرون على تشغيل ما توصلت إليه هذه الأبحاث وصيانته.
– وماذا عما نسمعه عن إنجازات بحثية عربية بالمجال؟
إذا كنت تقصد ما نبتكره من حين إلى آخر في مجال تصنيع أغشية التحلية مثلًا، فأنا عندما أتحدث عن التصنيع لا أقصد مجرد صنع الأغشية أو غيرها من المكونات، وإن كان تحقيق ذلك أمرًا جيدًا. لكن ما أقصده هو امتلاك سر صناعة وتصميم وتركيب المحطات بأكملها، فالشركات التي تدير محطات تحلية المياه في العالم العربي تستورد المكونات من دول بالخارج، وما تتحصل عليه من أموال يكون نظير امتلاكها سر تصميم محطات التحلية وتركيبها وإدارتها وتشغيلها.
– ألا يكون التوفير هو وراء استيراد محطات التحلية؟
قطعاً للعامل المادي دخل في القضية، فبدلاً من إنفاق الأموال على الاستثمار في مجال امتلاك سر هذه الصناعة، تأتي الشركات الأجنبية وتقدم الخدمة بأسعار مقبولة. وللأسف الحكومات العربية تفكر بهذا المنطق، فعندما بدأت العمل في القطاع الحكومي بعد التخرج في عام 1973 كانت البحرين قد خطت خطواتٍ مهمةً في مجال التحلية، وكان تشغيل المحطات وقتها يتم بنسبة 100% عن طريق الحكومة، التي كانت تستعين وقتها بعمالة وطنية وعربية.
ولكن مع الأزمات المالية العالمية بدأت الحكومات تتخلى عن التشغيل لصالح شركات أجنبية عرضت أداء هذه المهمة بتكاليف أقل، ومن ثم فقدنا المعرفة والتعليم ولم يعد لدينا متخصصون محليون في هذا القطاع. كان على الحكومات وقتها إدراك أن الفارق المادي بين قيامها بالتشغيل وإسناده إلى شركات أجنبية هو استثمار في العقول. ومن المفارقات الغريبة في هذا الأمر، أنه كان لدينا وقتها مهندس مصري ذاعت شهرته وكفاءته عالميًّا، وطلبته شركة إسبانية للعمل لديها لتطوير الصناعة، وصارت تلك الشركة تدير محطات التحلية في العالم العربي.
– ترى اذاً أن الأمر غير مدرج على أولويات الحكومات؟
منطق الحكومات التي لديها أولويات عاجلة، قد لا يكون من بينها الاستثمار في العقول بمجال تحلية المياه. ربما يُقبل هذا عند الحديث عن قطاعات أخرى غير تحلية المياه، فمثلًا يمكن أن أقبله في مجال الكمبيوتر؛ لأن نسبة استهلاكنا له مقارنةً بالعالم قد تكون ضعيفة. بيد أن الوضع يختلف تمامًا في مجال التحلية؛ فالعالم العربي يستهلك حوالي 60% من حجم المياه المحلاة عالميًّا، وبالتالي فهذا المجال بمنزلة حياة أو موت، وليس من المنطقي تركه في يد شركات أجنبية تقوم بالصيانة والتشغيل.
– هل يجب على الحكومات مقاومة إغراء السعر الأدنى؟
سأسلِّم بأن الشركات تقدم الخدمات بسعر قليل، لكني سأرد على سؤالك بسؤال: وماذا لو حدث خلاف مع إحدى الشركات وقررت ترك الخدمة في أي وقت، كيف سيكون الوضع حينها؟ صحيح أنك ستطلب شركة أجنبية أخرى للقيام بالصيانة والتشغيل، ولكن إلى أن تأتي هذه الشركة ستكون هناك أزمة كبيرة في ظل الاعتماد بشكل كبير على المياه المحلاة.
– ما حجم اعتمادكم على التحلية في البحرين؟
هناك 90% من المياه التي تذهب إلى المنازل مياه محلاة، و10% الأخرى مياه آبار ارتوازية، والعكس بالنسبة للزراعة؛ إذ تعتمد بشكل كبير على المياه الارتوازية.
– الاعتماد بشكل كبير على المياه المحلاة في البحرين خلق لديك تخوفات؟
لدينا في البحرين 3 شركات أجنبية تغطي احتياجاتنا من المياه المحلاة، وإذا حصلت بالفعل أي مشكلة مع إحدى الشركات، فلن نجد مَن يدير المحطات؛ لأن العمالة كلها أجنبية، والوضع سيكون مختلفًا لو كان التشغيل على الأقل عربيًّا؛ فالدول العربية حتى لو كان بينها خلافات، فإن العمالة تكون عادةً خارج الحسابات، وهو أمر نشهده في الخلاف الدائر الآن بين بعض الدول العربية. لقد تركت منصبي الحكومي في 2012، وحتى تاريخ تركي للمنصب كانت سياسة الاعتماد على الشركات الأجنبية هي السائدة، ولا تزال إلى الآن، ولكن آن الآوان للتفكير في توطين الصناعة.
– ما هو سبيل الخلاص؟
سأعود وأكرر أننا نتحدث عن مجال حيوي وهو تحلية المياه، وليس مقبولًا تركه في يد الغير، ويجب على الحكومات التفكير خارج الإطار للبحث عن مصادر غير تقليدية لتمويل الأبحاث في هذا المجال.
أقترح مثلًا تقديم حوافز ضريبية للشركات الخاصة التي تنفق على مجال أبحاث تحلية المياه، وأرى ضرورة إنشاء محطة وطنية صغيرة لتجريب مخرَجات البحث العلمي وتكون بمنزلة نواة لامتلاك عمالة وطنية مدربة على تشغيل المحطات وصيانتها.
* هذا الموضوع: أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net إقليم الشرق الأوسط/شمال أفريقيا