حلم أخضر | خالد الكثيري
تبدو اليمن أمام كارثة يصُعب تفاديها، فقد كشف خبراء نفط محليون، أول أمس الثلاثاء، عن “كارثة بيئية مستمرة”، أفرزتها بحيرات سامة، تكونت نتيجة مخالفات جمة، تقف وراءها شركة “شلمبرجير” الأمريكية، العاملة في مجال النفط جنوب اليمن.
وبحسب صحيفة “صدى عدن”، شهدت إحدى مناطق جنوب البلاد، بحيرة كبيرة من المواد الكيميائية التي عمدت على التسبب بها، شركة “شلمبرجير” الأميركية خلال عملها في حقول الاستكشاف النفطي في اليمن.
حدث ذلك، حين بدأت عددا من الشركات النفطية في جنوب اليمن، الاستعانة بخدمات شركة “شلمبرجير”، في أعمال التحفيز الكيميائي لحفريات الآبار النفطية الاستكشافية والإنتاجية، والتي تبدو بمحيط الآبار عند أعمال الحفر، على هيئة أحواض من المياه، بيد أن أصلها “بحيرات كيميائية”، وفقاً لتصنيف الخبراء.
وبحسب المصادر، تعد شركة “شلمبرجير”، معروفة بتعاقداتها التي تتم غالباً في الباطن، وفي العلن أيضاً، مع كبريات الشركات العائلية في اليمن، ومع الشركات المملوكة لمراكز القوى، حكوميون وعسكريون وشيوخ القبائل.
انطلاقاً من تحالفات كهذه، تمكنت “شلمبرجير”، من أن تضمن لنفسها، أولوية الاستحواذ على الصفقات المشبوهة في أعمال الخدمات النفطية.
فبحسب وثائق نشرتها صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية قبل أعوام، أكدت الأخيرة أن شركة “شلمبرجير”، كانت حريصة على أجراء “صفقات مشبوهة” من خلال استئجارها لشركة يمنية تسمى زونيك Zonic الاستثمارية المحدودة، والتي يديرها “توفيق صالح عبدالله صالح”، ابن شقيق الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، كوسيط في احد صفقات الأعمال النفطية باليمن.
وعلى هذا الأساس، استحوذت شركة “شلمبرجير” الأمريكية، على العديد من الامتيازات في مجال الخدمات النفطية، ومن ضمنها: خدمات التدخل الكيميائي في مختلف مراحل الحفريات النفطية، وبما تستحوذ عليها من تعاقدات مع كبرى شركات النفوذ العائلي بالبلد، تجعل من هيمنتها على هذا المجال، وفق طابع احتكاري.
وتفيد المصادر، ان تعاقدات شركة شلمبرجير من الباطن مع مراكز القوى، تجعل من أعمالها أكثر رواجاً لدى الشركات النفطية للاستعانة بها في خدمات التدخل الكيميائي للحفريات النفطية الاستكشافية والإنتاجية لما تستحوذ عليه شركة من نفوذ يمكنها من إجراء أي عمليات للتدخل الكيميائي، وبما تريد استخدامه من مواد وأحماض كيميائية، دون رقابة رسمية على أعمالها، وعلى خطورة المواد الكيميائية والمشعة التي تستخدمها.
وفي سياق الحديث عن الكارثة، تقول المصادر أن تلك الأحواض، والبحيرات الكيميائية، تتألف من خليط المياه المصاحبة للنفط، مع بقايا مواد الحفر وفي معظمها مواد كيميائية ومشعة من ضمنها:
– محاليل الصوديوم ( كواستك ) وتصل الكميات المستخدمة منها خلال حفر البئر الواحدة في قطاعات حضرموت ما بين حمولة 10 الى 100 قاطرة بخاصة في حالة ظهور تسريبات في تجاويف طبقات الأرض عند الحفر.
– سائل أويل حمضي والمكون من ديزل وبعض المواد الكيميائية ويكون بخواص المحاليل الحمضية بما يجعله فعال في عملية تفكيك الطبقات ويستخدم بكثافة مفرطة.
– حمض الهيدروكلوريك ويستخدم بحمولة قاطرة واحدة الى ثلاث قاطرات خلال حفر البئر الواحدة أما خلال أعمال الصيانة للآبار المنتجة فتصل الكميات المستخدمة من ( 200 – 1000 ) برميل في البئر الواحدة. إضافة إلى محاليل ومواد مشعة شديدة السمية.
وبحسب معلومات، تتكون البحيرات الكيميائية، أو الأحواض، من خليط المياه المصاحبة للنفط مع بقايا مواد الحفر، وهي في معظمها مواد كيميائية ومشعة.
وقد حفرت “شلمبرجير” منها الآلاف من البحيرات الكيميائية حول الآلف من الآبار النفطية الإنتاجية والاستكشافية التي انتشرت بمساحات شاسعة من الأراضي المترامية الأطراف في قطاعات الإنتاج والاستكشاف النفطي، على مساحات واسعة من مناطق عدة جنوب البلاد، أبرزها المحافظات النفطية: حضرموت وشبوة والمهرة.
وطبقاً للمعلومات، كانت في تلك البحيرات الكيميائية أو الأحواض حتى وقت قريب، جميع الحفريات النفطية إنتاجية واستكشافية تتعامل معها بشكل أكثر ضرراً، وبنوع من اللامسئولية، في أنشائها دون أي احتياطات وقائية تذكر حتى العام 2004.
وفي ذلك العام، ولأول مرة، قررت وزارة النفط اليمنية، تفعيل أدارة البيئة، داخل هيئة استكشاف وانتاج النفط، وشددت إلزام الشركات النفطية باستخدام عوازل بلاستيكية خاصة لقاع وتجاويف البحيرات الكيميائية أو الأحواض، بما يمنع تسرب مياهها الكيميائية إلى باطن الأرض والتربة المجاورة لها.
كان هذا الأجراء هو أدنى الاحتياطات الوقائية، ولم تقم أي اجراءات لمعالجة بقايا الحفر، والمياه المصاحبة للنفط والمواد الكيميائية في هذه البحيرات او الأحواض في سبيل الحد من الإضرار بالبيئية الحيوية.
وتشير المصادر إلى إن بعض الاجتهادات التي شرعت بالقيام بها شركة “توتال” الفرنسية، خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، لا تعدو عن كونها إجراءات دعائية، وليست وقائية، ولكنها أفضل من عدمها.
ولم تفرض الحكومة تلك الإجراءات بدافع المسئولية، كونها جاءت نتيجة ضغوط الرأي العام المتصاعد ضد أعمال التخريب والتلويث التي تتورط بها الشركات النفطية، لدرجة أصبح ارتباط مرض السرطان وغيرها من الأمراض، والأوبئة، بالتجمعات السكانية القريبة من قطاعات الإنتاج النفطي، امر وارد ومنطقي, فالبحيرات الكيميائية المنتشرة في حضرموت وشبوة والمهرة، بمقدورها الإقناع بذلك. ولاسيما وأن الحكومة والمعنيين بالأمر، ليسوا مهتمين تماماً، ولن يكونوا مهتمين على الإطلاق.
*الصورة: بحيرة كيميائية خلفتها شركة شلمبرجير الأميركية، جنوب اليمن. تصوير: خالد الكثيري.