fbpx

جنوب اليمن: المناخ يتسبب بإصابة 35 ألف بالحميات

2-2

طفل يمني مصاب بالملاريا - خاص

تحقيق خاص – هيئة التحرير *

طيلة 6 سنوات من الصراع المستمر، شهدت اليمن كوارث مناخية شديدة التأثير، لم تكن مألوفة من قبل. حيث ضربت 7 أعاصير مدارية، كافة المناطق الساحلية الجنوبية والشرقية للبلاد.

في الربع الثاني من العام 2020، كان الوضع أكثر خطورة. تعرضت البلاد لحوادث مناخية متطرفة، في خضم صراع مرير، وأزمة إنسانية تصفها وكالات الأمم المتحدة بأنها الأسوأ في العالم.

تسببت التقلبات الشديدة للطقس والمناخ في هذا البلد “المنكوب”، بحدوث كوارث بيئية وصحية. مما تسبب بتفشي الأوبئة وأمراض الحمُيات، بالتزامن مع تفشي جائحة كوفيد19 في مدن البلاد.

أدت الأمطار الغزيرة والفيضانات طيلة الشهور الماضية، إلى ارتفاع اعداد المصابين بحمى الضنك في العام 2020، بنسبة تفوق أربعة أضعاف العام الماضي 2019، وستة أضعاف العام 2018. وفقاً للبيانات والاحصاءات الرسمية من المصادر الصحية التي تم الحصول عليها.

يتعقب هذا التحقيق من حلم أخضر في الجزء الثاني (2- 2) علاقة التغيرات المناخية بتفشي الحميات في اليمن، وكيف تسببت الأمطار والفيضانات هذا العام، بارتفاع أعداد المصابين بأمراض الحُميات، التي تنتقل عبر البعوض. وهي: حمى الضنك، الشيكونغونيا، والملاريا.

اقرء الجزء الأول من هذا التحقيق: اليمن: المناخ يفاقم أعداد المصابين بالحميات

الشيكونغونيا في اليمن

طبقاً لتعريف منظمة الصحة العالمية، يعد داء الشيكونغونيا مرضٌ فيروسيّ ينتقل إلى البشر عن طريق البعوض الزاعج، ويسبب حمى وألماً شديداً في المفاصل، وغالباً ما يكون هذا الألم مُوهِناً وربما يستمر لعدة أشهر، أو حتى لسنوات. ومن أعراضه الأخرى آلام العضلات، والصداع، والغثيان، والإعياء، والطفح الجلدي.

في العام 2011، أعلن اليمن عن أول فاشية لمرض الشيكونغونيا في الإقليم، وأسفرت هذه الفاشية عن إصابة أكثر من 15,000 حالة مُشتبه فيها، وتم الإبلاغ عن 104 حالات وفاة يُشتبه بأنها ناجمة عن هذا المرض. بحسب تقرير المكتب الإقليمي لشرق المتوسط بمنظمة الصحة.

يطلق اليمنيون على هذا المرض اسم (المكرفس)، كتعبير شعبي عن حالة الشعور بالعجز التام، التي يتعرض لها المصابون بهذا المرض. وفي العام 2019 تم الإبلاغ عن تفشي الشيكونغونيا مجدداً في البلاد.

وطبقاً لـ تقرير الصحة العالمية لا يوجد حالياً لقاح محدد مضاد لفيروس الشيكونغونيا، ولا يوجد أي دواء شاف لهذا المرض، وتُركِّز المعالجة على تخفيف حدة الأعراض فقط.

صورة تداولها ناشطين لحجم البعوض المنتشر في عدن في مايو 2020 / شبكات التواصل

الحميات تجتاح 174 مديرية

حمى الضنك هو مرض فيروسي ينقله البعوض، ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية تنقل فيروس الضنك أناث البعوض التي هي من جنس الزاعجة المصرية أساساً، وبدرجة أقل من الزاعجة المرقطة. ولا يوجد علاج محدد لحمى الضنك.

وطبقاً لـ تقرير WHO، فإن هذا النوع من البعوض المسبب لحمى الضنك، ينقل داء الشيكونغونيا والحمى الصفراء. وتستشري حمى الضنك على نطاق واسع في المناطق المدارية (الحارة) وتتباين معدلات خطورتها محلياً بمعدلات هطول الأمطار ودرجات الحرارة والرطوبة النسبية والتوسع الحضري السريع والعشوائي.

في أبريل/نيسان الفائت، ضربت الأمطار الغزيرة اليمن لأول مرة. تلاها هطول المزيد من الأمطار الغزيرة مصحوبة بصواعق رعدية في يونيو/حزيران، ﻓﻲ المحافظات الجنوبية والشرقية. استمرت تلك الامطار طيلة شهر يوليو/تموز، واشتدت حتى نهاية أغسطس/آب الفائت.

كونت المياه الراكدة من الامطار والفيضانات عدداً كبيراً من المستنقعات في مناطق البلاد، وأثرت فاشيات حمى الضنك حتى منتصف 2020 على 174 مديرية من إجمالي 333 مديرية في البلاد، وبنسبة 54%؛ وتأثرت 22 محافظة من أصل 23 محافظة وبمعدلات مختلفة، طبقاً لبيانات الكتلة الصحية.

حمى الضنك ترتفع 4 أضعاف

تشير بيانات برنامج الإنذار الوبائي المبكر EIDEWS، الى أنه “منذ بداية تفشي الحميات، استمرت حالات الإصابة بحمى الضنك المشتبه بها، في الارتفاع خلال العام 2020 بشكل أكبر مقارنة بالعام 2019”.

وبحسب البيانات بلغت الحالات المشتبه بها بحمى الضنك حتى الأسبوع الـ 35 للعام 2020، أربعة أضعاف الحالات مقارنة بالعام 2019، وستة أضعاف الأرقام المبلغ عنها بالعام 2018، وهو ما تؤكده الكتلة الصحية Yemen Health Cluster ومنظمة الصحة.

تكشف إحصاءات الترصد الوبائي، عن “ارتفاع غير متوقع” في أعداد الإصابات بحمى الضنك هذا العام في شمال اليمن. فبحسب النشرة الوبائية للأسبوع الـ 17، ارتفعت الحالات من 40,983 ألف إصابة مشتبه بها في ابريل/نيسان 2020، الى 49,408 ألف حالة إصابة حتى نهاية يونيو/حزيران 2020 بحسب IFRC.

الضنك تصيب 50,747 في الشمال

طبقاً لإحصائية آخر نشرة وبائية، للأسبوع الـ 35 هذا العام، الصادرة عن وزارة الصحة، ارتفعت اعداد المصابين بحمى الضنك إلى 50,747 ألف حالة حتى نهاية أغسطس/آب 2020. في حين بلغت عدد الوفيات جراء حمى الضنك 162 وفاة في المحافظات الشمالية فقط. مقارنة بـ 96 حالة وفاة في 2019.

يؤكد تقرير الاتحاد الدولي للصليب الأحمر IFRC، أن الأطفال اليمنيون دون سن الخامسة، يمثلون نسبة 11% من إجمالي عدد الحالات المصابة بحمى الضنك، ونسبة 30% من إجمالي حالات الوفيات.

وفي سياق المقارنة بين أعداد المصابين هذا العام والاعوام السابقة، يشير الجدول التالي، الصادر عن برنامج الإنذار الوبائي المبكر EIDEWS، الى أن عدد المصابين بحمى الضنك (شمال اليمن) خلال الربع الثالث هذا العام، وصلت إلى 50,747 ألف مصاب.

في حين بلغ أعداد المصابين 16,645 ألف حالة مصابة بحمى الضنك لذات الفترة في العام 2019، في حين بلغت أعداد المصابين في العام 2018 للفترة ذاتها حوالي 16,500 مصاب.

أعداد المصابين بحمى الضنك شمال اليمن حتى اغسطس 2020/ المصدر: برنامج الانذار الوبائي

الجنوب: 35 ألف إصابة بالحميات

على الضفة الأخرى، كان المشهد أكثر دماراً، في محافظة عدن جنوب البلاد. حيث تسببت الفيضانات بخلق أزمة جديدة داخل الازمة اليمنية الكبرى. مما جعل السكان عرضة للصدمات البيئية والصحية في ظل انهيار 50% من المرافق الطبية جراء الحرب، بحسب خطة الاستجابة الإنسانية للعام 2020.

اعداد المصابين بأمراض الحميات في عدن، حيث المناخ الحار والرطوبة العالية، كانت تفوق التصور. حيث تداخلت الأعراض مع تفشي كوفيد19، وأربكت المنظومة الصحية المتهالكة في المدينة.

في حديث خاص لـ حلم أخضر، قالت الدكتورة اشراق السباعي، الوكيل المساعد لوزارة الصحة العامة والسكان في محافظة عدن: “بالنسبة للمحافظات الجنوبية بلغ عدد المصابين بحمى الضنك وحدها أكثر من 15,000 ألف حالة مصابة. في حين وصلت عدد الوفيات جراء حمى الضنك الى 100 حالة وفاه”.

وعن اجمالي أعداد المصابين بالحُميات في محافظات جنوب البلاد، قالت الدكتورة اشراق: “هناك أكثر من 35 ألف مصاب بالحميات على مستوى المحافظات الجنوبية. كانت هناك علاقة مباشرة، حيث تزامنت الحميات مع ظهور كوفيد19. وكان هناك ترابط في بعض الاعراض المشتركة”.

شاهد قصة الفيديو: الفيضانات في عدن وتفشي الحميات

د. اشراق السباعي – الناطق الرسمي اللجنة العليا للطوارئ ومكافحة كوفيد19 عدن/ تصوير: حلم اخضر

عدن: 527 ضحايا الحميات منتصف 2020

عقب الموجة الثانية للأمطار الغزيرة التي شهدتها مدينة عدن، أصيبت عائلة الأربعيني قاسم فرج موسى، في منطقة شعب العيدروس، بمرض حمى الشيكونغونيا. الذي تفشى مع انتشار البعوض.

لجأت هذه الأسرة الفقيرة، إلى التداوي بالطب الشعبي، عن طريق تناول الحمضيات من الليمون وخلطه مع (الحُمر) التمر الهندي. فغالبية المستشفيات تتخوف من استقبال المرضى تحسباُ من اصابتهم بوباء كوفيد-19. حسبما ذكر رب العائلة.

وبحرقة شديدة، قال موسى لـ حلم أخضر: ” هذا هو الدواء الذي نملكه. وزوجتي لم تتعافى بعد..! “.

في منتصف مايو/أيار هذا العام، تناقلت وسائل الاعلام إحصائية عن مصلحة الأحوال المدنية في عدن تقول إنها أصدرت حوالي 527 ترخيص لدفن جثث المتوفين المصابين بأمراض الحميات في عدن.

مقبرة حديثة في عدن لمتوفين جراء الحميات – تصوير حلم أخضر

الشدة المطرية وارتفاع الحرارة

أظهرت مؤشرات الأرصاد الجوية اليمنية هذا العام، حدوث زيادة في الشدة المطرية للعام 2020، كما أظهرت البيانات تذبذباً في مواعيدها، واختلافها من منطقة إلى أخرى. في ظل غياب خطة طوارئ مناخية لإدارة المخاطر.

طبقاً لـ تحليل البيانات المناخية في اليمن، فأن القيم العالية لمعامل تغير الأمطار في اليمن، تظهر خلال فصل الاعتدال، بينما القيم الصغيرة نسبيا تم مشاهدتها في أمطار فصل الصيف والأمطار السنوية.

ويكشف تقرير الهيئة العامة للطيران المدني والارصاد الجوية في صنعاء، عن أن معامل تغير درجة الحرارة الصغرى تصل إلى 13%. وأن هذه النسبة مرتفعة نسبيا بمقارنتها مع معامل التغير لدرجة الحرارة العظمى، والذي لا يتجاوز نسبة 1% فقط. وهو مؤشر على ارتفاع درجات الحرارة الصغرى.

وقال تقرير الأرصاد الجوية، أن هناك عدد من الأسباب ضاعفت حجم الكوارث خلال الموسم المطري الثاني للعام 2020، “أبرزها استخدامات الأرض، والتحضر السريع وغير المخطط له، وضعف قوانين البناء. وحركة العمران غير المخططة والنمو السكاني في مناطق الخطر”.

جدول متوسط العناصر المناخية في اليمن للنصف الأول من 2020 / المصدر: وزارة الزراعة

خسائر  الأمطار: 1,9 مليار دولار في مدن الجنوب

يقول المهندس علوي محمد عبد الله، خبير الأرصاد الجوية في مطار عدن الدولي، لـ حلم أخضر: “في 21 يونيو في هذا العام 2020، بلغت كمية الامطار حوالي 125 ملي لتر. لقد كانت الكارثة كبيرة على عدن. حيث وصلت الخسائر التقديرية الى 1,9 مليار دولار في محافظات عدن وحضرموت ولحج”.

وأضاف خبير الأرصاد الجوية: ” كانت من أبرز العوامل التي فاقمت كارثة السيول هي البناء العشوائي. كان البناء العشوائي في عدن خلال السنوات الأخيرة يزداد بشكل فضيع”.

“تسبب البناء العشوائي في منطقة “المعلا” ومنطقة “المرسابة والقطيع” بعدن بكوارث صحية وبيئية، بسبب أن الناس شيدت المساكن في الشعاب ومجرى الفيضانات. وفي هذه السنة كان الطقس عنيفاً والامطار شديدة جدا، وفاقمت من حجم الكارثة”. قال المهندس علوي.

منطقة شعب العيدروس عدن غمرت الفيضانات الأحياء الشعبية- تصوير حلم اخضر
احد مناطق البناء العشوائي في عدن ماتزال مياه الامطار لم تجف – تصوير حلم أخضر

الحاجة الى خطة طوارئ مستدامة

أصبحت الظواهر الجوية والحوادث المناخية اليوم أكثر تواتراً وشدة، مما يجعل اليمن في مواجهة حالة طوارئ مناخية تتطلب الاستجابة الفورية. واعتماد نهج مستدام لإدارة المخاطر.

وتقول الدكتورة اشراق السباعي، وهي الناطق الرسمي لـ اللجنة الوطنية العليا للطوارئ ومواجهة كوفيد 19: “اليمن بلد متهالك، البنية التحتية متهالكة، الصرف الصحي تالف. ومياه الشرب لاتصل للبيوت. الطرقات مليئة بالحفريات”.

وأضافت السباعي: “إذا لم تكن هناك خطة مستدامة لإعادة بناء شبكة الصرف الصحي، ووصول امدادات المياه الى كل منزل، وإعادة اصلاح الطرقات التي شكلت أيضا بؤر للبعوض. فلن نستطيع ان نتخلص من الحميات”.

تحتاج اليمن بصورة عاجلة الى إعلان حالة طوارئ مناخية. وإعداد خطة وطنية موحدة لمواجهة حوادث المناخ. الكوارث المنتظرة في هذا البلد المنكوب ستكون «إنسانية»، وليست «طبيعية» كما تراها السلطات.

* هذا المحتوى هو الجزء الثاني من التحقيق ** أعده: هيئة التحرير: 

تعليقات
Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط
error: Content is protected !!