fbpx

اليمن: المناخ يفاقم أعداد المصابين بالحميات

2-1

Climate change Yemen/ HolmAkhdar

تحقيق خاص – فريق حلم اخضر*

في سهل تهامة الغربي، وسط مديريةعبسحيث يسود هذه المنطقة الواقعة في محافظة حجة، شمال غرب العاصمة صنعاء، مناخ مداري حار رطب صيفاً. يأوي الأربعيني عيسى يحيى شداد مع عائلته، في كوخ صغير داخل مخيم “الخديش” للنازحين.

نزح شداد، من بلدته الريفية بمديريةحرضالحدودية مع السعودية، بعد أن حولتها الحرب إلى خراب. ومع هطول الامطار الغزيرة التي شهدتها حجة، أصيب أطفاله الأربعة بوباء حمى الضنك وهو مرض فيروسي ينقله البعوض، ويصنف ضمن أمراض المناطق المدارية، بحسب توصيف منظمة الصحة العالمية.

يقول عيسى لـ حلم أخضر: “نزحت من قرية “المزرق” إلى مخيم “الخُـديش”، أصيب أطفالي بحمى الضنك، ذهبت لإسعافهم الى منظمة الإغاثة. واعطوني بعض الحبوب الدوائية، وقالوا لي اذهب وعالج أطفالك خارج المخيم.! ليس باستطاعتي علاجهم، لا أملك مالاً.. لقد عُدت بأطفالي هنا، وقلت انتظر حكم الله”.

عيسى شداد نازح في مخيم الخديش حجة/ تصوير: حلم أخضر(عيسى الراجحي)
أطفال عيسى شداد اصيبوا بحمى الضنك في مخيم الخديش – حلم أخضر/من: عيسى الراجحي

النازحون ضحايا الفيضانات والحميات

يشير تقرير منظمة الصحة العالمية أن “أمراض المناطق المدارية ومنها حمى الضنك، تصيب نحو مليار شخص في العالم من المجموعات السكانية الفقيرة في المقام الأول؛ والتي تعيش في أقاليم المناخ المداري أو شبه المداري. وهي كثيراً ما تتجمع جغرافياً”.

وتؤكد المنظمة الأممية أن “أكثر الناس إصابة بحمى الضنك هم غالباً من أفقر المجموعات السكانية، الذين يعيشون في المناطق النائية أو الريفية أو الفقيرة أو في مناطق النزاعات. وأن أمراض المناطق المدارية المنسية تصمد في ظروف الفقر”.

بالنسبة لمحافظة حجة، فهي تضم قرابة 420 ألف شخص نازح، وتمثل ثاني أعلى نسبة لتجمع النازحين بين المحافظات اليمنية الأخرى، بعد محافظة صنعاء. وفقاً لأحد التقارير الإنسانية.

تعد حجة من المناطق الأشد ضعفاً، وهي الأكثر تضرراً من الفيضانات هذا العام. تليها محافظة الحديدة الواقعة على ساحل البحر الأحمر. تضررت قرابة 29 ألف أسرة من هاتين المحافظتين جراء الفيضانات طيلة الأشهر الماضية.

فبحسب بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أوتشا، تضررت حوالي 18,195 ألف أسرة في محافظة حجة جراء موجة الأمطار الثانية في منتصف سبتمبر/أيلول الفائت.

في حين تضررت حوالي 10,900 أسرة في محافظة الحديدة من الفيضانات المفاجئة التي غمرتها، وقد سجلت المحافظتين وفيات مباشرة، وإصابات، وتفشت الأوبئة. حسبما ذكرت أوتشا.

عدد الاسر اليمنية المتضررة من الفيضانات حتى سبتمبر 2020/ المصدر: OCHA

96 ألف أسرة تضررت من الفيضانات

في مطلع مايو/أيار 2020، حذرت أوتشا، من تأثير الفيضانات المفاجئة على مصادر المياه في اليمن، وتسببها في تلف إمدادات المياه الصالحة للشرب.

وقالت أوتشا في بيان صحفي “هناك خطر متزايد من تفشي أمراض مثل الملاريا وحمى الضنك والكوليرا جراء الأمطار”.

وفي نهاية أغسطس/آب الفائت، تمركز المنخفض الجوي المداري فوق المناطق الشرقية والجنوبية لليمن. هطلت الأمطار الغزيرة مصحوبة بصواعق رعدية، وغمرت الفيضانات المفاجئة مناطق البلاد على نحو غير متوقع.

تأثرت 19 محافظة يمنية، وحوالي 189 مديرية ريفية، وتضررت قرابة 96,000 ألف أسرة. العديد منهم نازحون؛ طبقاً لبيانات أوتشا لشهر سبتمبر/أيلول (حصل حلم أخضر على نسخة منها).

وبحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “نزح أكثر من 300 ألف شخص في اليمن طيلة 3 أشهر ماضية بسبب الفيضانات التي دمرت منازلهم، وامداداتهم الغذائية”.

وفي منتصف العام 2020، حتى نهاية أغسطس/آب الفائت، اشتدت الامطار الغزيرة في عموم البلاد. وأدت الفيضانات المفاجئة الى تدمير البنى التحتية والحقول الزراعية، وغمرت المياه المنازل والمساكن الايوائية والاحياء الشعبية، وجرفت الشوارع والجسور، وأتلفت امدادات المياه، وشبكات الصرف الصحي.

وفي سبتمبر/أيلول الفائت، أفادت بيانات الأمم المتحدة ووزارة الصحة العامة والسكان في صنعاء، بوفاة 131 شخص جراء الفيضانات، وجرح حوالي 125 آخرين في جميع أنحاء المحافظات الشمالية. في حين ارتفعت اعداد المصابين بالأوبئة.

انهيار المنازل جراء الامطار في صنعاء – الصورة: حلم أخضر

274 ألف مصاب بالحُميات في 2019

بحسب السلطات الصحية في صنعاء، فأن جغرافيا تهامة (تشمل الحديدة وحجة)، التي يسودها المناخ المداري الحار والرطب، كانت من المناطق الأشد تعرضاً للصدمات الصحية، والأكثر تضرراً من الفيضانات المفاجئة التي خلفتها الامطار الغزيرة.

تسببت الفيضانات بنشوء مستنقعات المياه الراكدة، وشكلت بؤراً لتكاثر البعوض، مما سارع بتفشي الأوبئة، وارتفاع أعداد المصابين بأمراض الحُميات.

وفقاً للمعلومات الصحية تنتقل أمراض الحميات عن طريق لدغات البعوض الناقل للعدوى، وتتجسد فاشيات الحميات المتفشية في اليمن في أمراض الملاريا، وحمى الضنك، وحمى الشيكونغونيا (داء فيروسي ينقله البعوض).

يقول تقرير الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر IFRC الصادر منتصف 2020، حول تفشي الحميات في اليمن: “يمثل الأطفال اليمنيون دون سن الخامسة نسبة 11% من إجمالي عدد الحالات المصابة بحمى الضنك، ونسبة 30% من إجمالي حالات الوفيات”.

بلغت اعداد المصابين بأمراض الحميات في مناطق المحافظات الشمالية للبلاد، قرابة 274 ألف حالة مصابة بالحميات حتى نهاية العام 2019، وتوزعت تلك الحالات بين الملاريا، وحمى الضنك، والشيكونغونيا.

وقال الدكتور ميثاق السادة، مدير البرنامج الوطني لمكافحة الملاريا، في حوار خاص لـ حلم أخضر: ” تعد تهامة من أكثر المناطق التي تعاني من الاصابة بالحُميات، بسبب وجود العوامل المناخية المسببة لها”.

“بالنسبة للإحصائيات، بلغت عدد حالات الملاريا 200 ألف حالة مؤكدة ومثبتة في العام 2019، وبلغت أعداد الإصابات بحمى الضنك والشيكونغونيا حوالي 74 ألف حالة إصابة مشتبهه”. قال د.ميثاق.

شاهد الفيديو: كيف تفشت الحميات في شمال اليمن؟

يرقات البعوض تتكاثر في مياه راكده في تهامة – حلم أخضر

أسباب تفشي الحميات في اليمن

شكلت الحرب، والتقلبات الشديدة للطقس والمناخ، أحد أبرز العوامل التي أدت الى ارتفاع اعداد المصابين بأمراض الحميات في اليمن.

بالنسبة لتغير المناخ فإنه يجعل العمل الإنساني أكثر صعوبة، وأقل قابلية للتنبؤ بحدوثه، وتصبح اعمال الاغاثة أكثر تعقيداً في ظل تفشي الأوبئة.

وطبقاً لتقرير الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر IFRC، ازدادت أعداد المحافظات اليمنية المتضررة من تفشي امراض الحُميات، بسبب انهيار النظام الصحي في البلاد، وسوء حالة المياه والنظافة في المناطق الأكثر تضرراً، بالإضافة إلى استمرار الصراع الطويل والمعقد، والذي يحد من وصول الدعم الإنساني إلى السكان المتضررين والأشد ضعفا.

د. ميثاق السادة مدير برنامج مكافحة الملاريا – تصوير: حلم أخضر

علاقة المناخ بتفشي الحُميات

يرى مدير برنامج مكافحة الملاريا، بأن “هناك عوامل كثيرة أدت الى ارتفاع اعداد حالات الإصابة بالحميات، أبرزها تغير المناخ وغزارة الامطار، وحركة النزوح للسكان من مناطق مصابة لمناطق أخرى”.

ويقول الدكتور ميثاق السادة: “بسبب هطول الامطار الغزيرة هذا العام 2020، نتوقع ارتفاع أعداد الإصابات بالحُميات في المناطق الموبوءة. ونتوقع ظهور إصابات جديدة في مناطق لا تعاني من هذه الحميات، بسبب حركة نزوح السكان من مناطق الإصابات بالحميات الى مناطق خالية لم يكن فيها أمراض من هذا النوع”.

وعن سبب عدم تفشي الحميات في صنعاء، برغم وجود أعداد كبيرة من النازحين، قال الدكتور ميثاق: “امراض الحميات لا تنتقل في صنعاء، لأن صنعاء منطقة مرتفعة عن سطح البحر، ولا تتوافر فيها ظروف الانتقال الداخلي لأمراض الحميات”.

على ذات السياق، يؤكد تقرير حديث لمنظمة الصحة العالمية، أنه “في العقود الأخيرة، زاد معدل الإصابة بحمى الضنك زيادة هائلة، بسبب التغيرّات البيئية، والتوسّع الحضري غير المنظم، والنقل والسفر، وعدم كفاية الأدوات المستدامة لمكافحة النواقل وتطبيقها”. 

وتقول منظمة الصحة في تقريرها، أن “حمى الضنك تستشري على نطاق واسع في المناطق المدارية (مناطق المناخ المداري) وتتباين معدلات خطورتها محلياً لتتأثر بمعدلات هطول الأمطار، ودرجات الحرارة، والرطوبة النسبية”.

تقلبات الطقس بمحافظة شبوة الشهر الفائت – تصوير: حلم أخضر/عمار نميش

أكثر من 76 ألف حالة مشتبه بها بالضنك

في تقريرها النهائي للعام 2019، كشفت خطة الاستجابة الإنسانية لليمن، الصادرة في يونيو/حزيران 2020، عن أن “حمى الضنك والأمراض المنقولة بالنواقل (البعوض) تسببت في تهديد وبائي آخر، وأثرت على حوالي 154 مديرية يمنية بسبب زيادة هطول الأمطار، بما في ذلك نتيجة اعصاري كيار ومها اللذان ضربا اليمن نهاية العام الفائت”.

وتفيد بيانات واحصاءات حديثة صادرة عن كتلة الصحة Health Cluster (وهي المنظمات الصحية في اليمن) أنه في العام 2019، “بلغت أعداد المصابين بحمى الضنك 76,768 حالة مشتبه بها في شمال وجنوب البلاد”.

وبحسب تقرير كتلة الصحة، اسفرت فاشيات الحميات في اليمن عن 271 حالة وفاة جراء حمى الضنك، وكانت المحافظات الخمس الأعلى نسبة بالإصابات المبلغ عنها هي: الحديدة وحجة وتعز وعدن وشبوة.

اقرء الجزء الثاني من هذا التحقيق: جنوب اليمن: المناخ يتسبب بإصابة 35 ألف بالحميات

* هذا المحتوى: هو الجزء الأول من التحقيق./ أعده: فريق حلم اخضر.

تعليقات
Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط
error: Content is protected !!