حلم أخضر | تحقيق: محمد الرعوي
في محافظة إب الواقعة وسط اليمن، ثمة كارثة صحية تتفاقم مخاطرها وسط اهمال رسمي، نتيجة التلوث البيئي الذي تسببه مخلفات مياه الصرف الصحي الممتدة مجاريها عبر وادي “ميتم” الزراعي بالمحافظة.
تصل تلك المخلفات إلى محطة الصرف الصحي الواقعة في الطرف الجنوبي من الوادي ذاته. المحطة ومياه المجاري المتدفقة منها تصب في ظهر الوادي الذي يمثل الغطاء النباتي للحوض المائي لمدينة إب.
صحيفة “الثورة” الحكومية، كشفت في عددها الصادر اليوم الثلاثاء (20 اغسطس 2013) عن الكارثة، في جولة استطلاعية إلى وادي “ميتم” بمحافظة إب.
حجم الأضرار
يؤكد المهندس أحمد الوحش، مدير عام المحطة الاقليمية للبحوث الزراعية بالمرتفعات الجنوبية (إب-تعز)، أن الجميع يدرك حجم الخطورة والكارثة البيئية التي تسببها مخلفات الصرف الصحي وأن الموضوع يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار!
ويقول الوحش: “أن محطة البحوث الزراعية في إب تعكف حالياً على إجراء أبحاث ودراسات علمية لتقييم أثر المياه العادمة أو الصرف الصحي على الخضار والمزروعات”.
“حيث تم الاتفاق على البدء بإجراء دراسة للتقييم ورصد الأضرار والمعالجات وسيتم في إطار مزرعة البحوث الزراعية إنشاء بيت محمي –بلاستيكي- وإجراء التجارب من خلاله، بالإضافة إلى عمل أحواض للصرف الصحي لاستخلاص وإجراء التجارب من خلال غرف التعقيم والخزانات الأرضية”
“سيكون الأمر أشبه بالفلترة للوصول إلى المياه الأقل ضرراً وتجربة تلك المياه في الري في البيت المحمي وتقييم مدى صلاحيتها للري من عدمه”. قال المهندس الوحش.
وأشار مدير المحطة الاقليمية للبحوث، أن هناك العديد من المخاطر والأضرار التي يسببها استخدام مياه الصرف الصحي في الري. وأنها سبب مباشر في تفاقم المشاكل الصحية وانتشار العديد من الأمراض والأوبئة كالأمراض الجلدية والبكتيرية والمنقولة عبر الخضار أو المحاصيل البقولية أو ذات الأوراق التي تلامس التربة مباشرة أو تلامس مياه الصرف الصحي أثناء الري.
وأن هذا يكون سبباً في الانتقال المباشر للبكتيريا إلى هذه المحاصيل ثم إلى الإنسان ناهيك عن الأضرار والمخاطر التي تسببها على التربة والبيئة الزراعية وعلى الحوض المائي والمياه الجوفية.
المزارعين في مفرق ميتم يعتدون على غرف الصرف الصحي لمحاولة ري أراضيهم ومحاصيلهم من مياه المجاري، قبل وصولها إلى محطة المعالجة.
معالجة غير صحيحة
المهندس عبدالعليم خالد سيف، مستشار تقييم الموارد البيئية بالمحطة الاقليمية للبحوث الزراعية “إب–تعز” تحدث عن بعض التجارب التي شرعوا بها.
يقول عبد العليم: “قمنا خلال الأسابيع الماضية بتحليل كمية من مياه الصرف الصحي الداخلة إلى المحطة والتي لم تصل إلى أحواض المعالجة، وتبين من خلال التحليل أن عدد الخلايا البكتيرية وصلت إلى 210 خلية لكل 100 مل لتر”.
ويضيف: “بعد مرور المياه ومخلفات الصرف الصحي بأحواض المعالجة تم أخذ عينة من المياه من حوض التعقيم وهو المرحلة الأخيرة للمعالجة وقمنا بتحليلها ووجدنا أن الخلايا البكتيرية كانت 47 خلية بكتيرية لنفس كمية المياه السابقة، وهذا يؤكد أن نسبة الخلايا البكتيرية لا زالت كبيرة جداً وأن المياه غير صالحة لأي استخدام بأي صورة وبأي شكل ويدل على أن المعالجة لا تتم بالصورة المطلوبة”.
وأكد مستشار تقييم الموارد البيئية، أن المياه التي تم تحليلها أخذت العينات الساعة 10 صباحاً، حيث تكون نسبة المياه المتدفقة في هذا الوقت معقولة نوعاً ما، أما لو أخذت المياه للتحليل بعد 12 ظهراً وقت الذروة، فنحن نتوقع أن حجم المخاطر والتلوث تكون أكبر نتيجة تدفق كميات كبيرة جداً من المياه فوق الطاقة الاستيعابية للمحطة بأضعاف مضاعفة لأنه كلما زادت نسبة المياه المتدفقة إلى المحطة قلت نسبة المعالجة.
وأوضح المهندس عبد العليم، أن الدراسات العلمية تظهر أن الخلايا البكتيرية المسموح بها أو المعقولة في كمية المياه لا تصل في كثير من الأحيان إلى 2- 5 خلايا بكتيرية.
وأن هذه المياه تستخدم لري المحاصيل ذات السيقان كالحبوب وغيرها لكنها لا تكون صالحة لري الخضار بسبب مخاطرها المؤكدة،
فالخضروات تكون عادة ملامسة للتربة كالخس والكوبش والطماطم وغيرها، وهذه الخضروات يتناولها السكان مباشرة، ولا تخضع لأي طباخة أو حرارة. وبالتالي تكون مخاطرها أكبر مما يؤكد عدم صلاحية ري هذه الخضار إلا بالمياه المعالجة بنسبة 100% وبطرق علمية ودقيقة.
وذكر المهندس عبدالعليم، أن أسباب التلوث الحاصل بمياه الصرف الصحي هو أن المعالجة غير صحيحة لأن المحطة منذ إنشائها صممت لمعالجة حوالي (5000 /لتر مكعب ) من المياه يومياً، بينما تصل نسبة المياه المتدفقة إليها حالياً من (10.000–12000/لتر مكعب) من المياه وهذه الكميات مضاعفة، وتفوق الطاقة الاستيعابية للمحطة ما ينتج عنها معالجة غير صحيحة وغير مكتملة.
وتصل كمية المياه المتدفقة إلى المحطة خلال العام إلى حوالي 4.500.000 لتر مكعب من المياه المعالجة بطرق بدائية غير مكتملة.
نهر من مياه الصرف الصحي
يقول أستاذ الأدب بجامعة إب، الدكتور يونس نعمان اليماني: مياه الصرف الصحي يجب أن تكون واقعة طبقاً لأسمها، أي أن تصرف تلك المياه بطريقة صحيحة ، لا أن يكون لفظاً يكذبه الواقع الماثل في شوارع المدينة ووديانها.
ويضيف: المسئولون في الجهات مؤتمنون على صحة الناس وسلامتهم ولكن ما يدمي القلب هو أن تكون صحة المواطنين في هذه المدينة أمراً استثنائياً لا يلتفت إليه إلا عند حلول الأمراض وانتشار العاهات وهذه حقيقة لا ينكرها أحد لاسيما من يدخل إلى المدينة من اتجاه الشمال.
فطريق الذهوب التي تزخر بشلالات المجاري المنحدرة من كل حدب وصوب متجهة صوب وادي السحول في الوقت الذي لم يسلم الاتجاه الجنوبي للمدينة ولم يكن في منأى عن هذه الكارثة، ففي وادي ميتم توجد محطة الصرف الصحي كل ذلك يجعلك في حيرة من أمرك ويثير لديك الكثير من التساؤلات خصوصاً حينما ترى المعالجة المؤقتة للمجاري التي تطفح في أكثر من شارع وكأن المحافظة تطفو على نهر من المجاري.
كما أن اختلاط مياه الصرف الصحي بمياه الشرب تفاقم من حجم الكارثة على المواطنين في محافظة إب وتجعلها مزدوجة، فإذا حاول الميسورون منهم شراء الخضروات من خارج المحافظة حفاظاً على صحتهم تلقفهم الأخطبوط الكارثي عن طريق مياه الشرب الملوثة.
زيادة الحمولة
يقول المدير الفني لفرع المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي بمدينة إب، عبدالوالي سيف، أن المحطة كانت تستقبل كميات المياه والمخلفات حسب طاقتها الاستيعابية منذ تأسيسها، حيث صمتت لاستقبال 5300 لتر مكعب من المياه يومياً.
لكن في الفترة الأخيرة فأن كمياه مخلفات الصرف الصحي زادت وبصورة غير متوقعة حيث تتدفق إلى المحطة ما بين 12-11 ألف لتر مكعب من المياه والمخلفات أي من ضعفين إلى ثلاثة أضعاف الطاقة الاستيعابية وبالتالي فإن المعالجة بهذه الحالة لا تتم بالصورة المطلوبة.
أضف إلى ذلك، ما نعانيه باستمرار من اعتداءات المزارعين على غرف ومناهل الصرف الصحي لمحاولة ري أراضيهم ومحاصيلهم من مياه المجاري قبل وصولها إلى محطة المعالجة وذلك رغم إجراءات الضبط التي نقوم بها إلا أننا لم نستطع السيطرة على هذه المشكلة لاسيما وان الجهات الأمنية لا تعيننا على الحد من هذه الظاهرة بسبب التهاون مع المزارعين وهذا يمثل إشكالية أمام جهودنا.
وأضاف المدير الفني لمؤسسة المياه في إب: “إن زيادة الحمولة على المحطة بشكل واضح استدعى ضرورة التحرك لعمل التوسعة اللازمة للمحطة”.
وفي عام 1999 أكدت دراسة من المشروع الألماني giz، بضرورة توسعة المحطة نتيجة الحمولة الزائدة عليها، وقد قام المشروع الألماني بإعداد الدراسات والتصاميم لإنشاء التوسعة وجرت مفاوضات بين الحكومة اليمنية والألمانية لبدء العمل في المشروع.
وكان المعتمد آنذاك 4 ملايين يورو على أن تساهم الحكومة اليمنية بنسبة من تلك التكلفة، لكن حدثت في تلك الفترة العديد من العراقيل التي أعاقت تنفيذ المشروع.
ويضيف المسؤول الفني: “حالياً تم استعادة هذا المشروع والعمل جار لإجراء التوسعة وسيتم تنفيذه من قبل الألمان عما قريب ونحن على تواصل مع الألمان وقد تم إعداد وثائق المناقصة وسيتم مراجعتها عما قريب”.
ويؤكد عبد الوالي سيف، أنه خلال الشهرين القادمين سيتم إنزال المناقصة للشركات المنفذة، وفق تصميمان لتوسعة المشروع: التصميم الأول سيتم كمرحلة أولى– التوسعة لاستيعاب 15 ألف لتر مكعب –.
والتصميم الثاني – التوسعة إلى 20 ألف لتر مكعب من المياه المتدفقة وربما يتم ذلك لاحقاً، لكن ما يجري العمل عليه ومتابعته حالياً هو التوسعة بمقدار 15 ألف لتر مكعب، وسيتم تنفيذ المشروع على حساب التعاون الالماني وبمساهمة من الحكومة اليمنية تصل حوالي 15% من الكلفة.
الحد من المخاطر
المهندس ياسر أحمد يحيى المفتي، مدير إدارة المشاريع في مكتب الزراعة والري بمحافظة إب يقول: “نحن نعمل منذ العام 2006م على المحاولة من الحد من مخاطر الري بمياه المجاري والصرف الصحي والتوعية بأضرارها الكارثية ، حيث قامت العديد من اللجان بزيارة لموقع وادي ميتم جوار الصرف الصحي وأجرينا دراسات لعمل كريف مائي لخزن مياه السيول والاستفادة منها للحد من ظاهرة الري بمياه المجاري”.
والكريف صمم ليسع حوالي 7 آلاف لتر مكعب من المياه أيضاً وسيخدم الكريف إلى جانب الاستفادة منه في الري تغذية المياه الجوفية ، وهذا العمل جاء وفق ما نصت عليه محاضر العام 2007م في إطار الخطة الاستثنائية للمحافظة والتي تضمنت إيجاد العديد من الآبار وعمل الخزانات المائية في وادي ميتم ومفرق جبلة وغيرها من المناطق للاستفادة منها في خزن المياه والري وتغذية المياه الجوفية وعملنا ضوابط تحد من رمي المخلفات والحيوانات النافقة في مجاري السيول حتى لا تتلوث مياه السيول أيضاً.
لكن مع ذلك الجهد لم تنجح الجهود التي قمنا بها كما هو المطلوب بسبب عدم الالتزام بما تم الاتفاق عليه من الحفاظ على حرم السوائل وعدم تلويثها بالمخلفات أو الالتزام بعدم الري وقد يرجع ذلك إلى عدم وعي الناس بمدى خطورة هذه الكارثة . ومما قمنا به في مشروع الكرفان أيضاً عمل بوابات ميكانيكية تغلق وتفتح اتوماتيكياً من أجل حجز المخلفات وعدم دخولها إلى الكريف.
لكن بصراحة الآن الكريف مغلق حتى يتم التعاون معنا ووضع الحلول الكفيلة بعدم رمي المخلفات وإلزام الجميع بما تم الاتفاق عليه بمحاضر رسمية مع السلطة المحلية والجامعة ومكتب البيئة وغيرها.
وقد سلمنا الكريف للمؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي، لتتولى إدارته لأنه لا توجد لدينا أي اعتمادات أو مخصصات للصيانة أو رفع المخلفات في الكرفات والخزانات.
السكان مدركون حجم الكارثة
يقول المواطن حسين علي السفياني، أحد أهالي قرية المشاعبة عزلة المعشار الواقعة على ضفة وادي ميتم جوار محطة الصرف الصحي: “نحن سكان القرى المجاورة للمحطة والوادي لنا أملاك وأراضي زراعية في وادي “ميتم” نعاني وأطفالنا من عدة أمراض منتشرة بسبب التلوث بمياه المجاري حيث جميعنا يعاني من بلهارسيا وأمراض جلدية”.
ويضيف السفياني: “رغم أننا جميعاً ندرك حجم الكارثة وخطر مياه المجاري، إلا أننا مضطرون لسقي أراضينا الزراعية من مياه المجاري لأسباب عدة والتي منها أن الدولة تحاول منعنا من الري بمياه الصرف الصحي لكنها لم توفر لنا أية بدائل كالآبار والسدود وغيرها رغم مطالبتنا المستمرة بذلك وهذا ما يجعلنا مضطرين إلى ما نقوم به”.
ويؤكد السفياني أنه في السابق وقبل وجود المحطة كانت المياه والعيون تتدفق في سائلة وادي “ميتم” طوال العام، ويقول:” الدولة عاقبتنا بحفر آبار وارتوازات أعلى الوادي لسحب المياه إلى المدينة للشرب وأبدلتنا بدلاً عن ذلك بمياه المجاري التي تتدفق من محطة الصرف الصحي”.
ويضيف: “نحن ندفع الكلفة أكثر من غيرنا حتى وأن استفدنا بسقي مزارعنا إلا أننا نجني على أنفسا وعلى غيرنا العديد من الأوبئة والأمراض، لقد خسرنا عدد من الأرواح من أهالينا حيث تسبب فتح مناهل الصرف الصحي بسقوط خمسة أشخاص مرة واحدة في المنهل جراء اختناقهم بغازات المجاري ما أدى إلى وفاتهم في الحال أثناء ما كانوا يحاولون شفط مياه المجاري لري محاصيلهم وأراضيهم الزراعية”.
“ليس ذلك فحسب بل أن أولادنا مصابون بجميع أنواع الأمراض بسبب عيشنا وخروجنا إلى الوادي ولعب الأطفال على ضفاف الوادي بشكل مستمر، ومع كل ما نحن فيه من الوباء والأمراض والأسقام لا يوجد في المنطقة حتى مركز صحي واحد لتقديم خدمات علاجية لأبناء المنطقة وصرنا محرومين من كل الخدمات”. قال السفياني.