حلم أخضر – صنعاء
في مغامرة غير مألوفة لطائر ضخم، يتمتّع بالقدرة على التحليق لمسافات طويلة عبر القارات، حطّ نسر بلغاري رحاله في مدينة تعز، جنوب غرب اليمن. لتبدأ طيلة 8 أشهر، قصة معاناة طائر يزور اليمن لأول مرة.
حدث ذلك، في مطلع ابريل 2019، حين عبر النسر البلغاري “نيلسون” الى اليمن، البلد الغارق في نزاع مسلّح، وهبط النسر في الأراضي اليمنية بحثاً عن الطعام، ليجد نفسه فجأة سجيناً محتجزا لدى مقاتلين موالين للحكومة المعترف بها، والذين اشتبهوا في أن النسر يحمل جهاز تجسّس لصالح جماعة “أنصار الله” الحوثيين.
وكان نيلسون وهو نسر ضخم نادر من فصيلة Griffon Vulture، ويقدّر عمره بحوالي سنتان، قد بدأ رحلته في أيلول/سبتمبر 2018 من بلغاريا، حيث حصل في مركز للرعاية بالحيوانات على جهاز تتبّع يعمل عبر الأقمار الاصطناعية GPS لمعرفة أماكن تواجده بتمويل من جمعية “فاند فور وايلد فونا أند فلورا” البلغارية.
ويبدو أن النسر نيلسون ضلّ الطريق، وقرّر أن يحط في تعز بعد رحلة طويلة ومنهكة، لكنه وقع في أيدي مقاتلين في المدينة التي تسيطر عليها قوات حكومية، وكان سكان محليون في منطقة “المنعم” في جبل حبشي بتعز، قد عثروا على النسر البلغاري، ووجدوه يحمل جهاز تحديد المواقع (GPS). فسلموه للمقاتلين.
وما أن شاهد المقاتلون جهاز التتبع، حتى احتجزوا الطائر الضخم بعدما اشتبهوا في أنّه يحمل جهاز تجسّس، فربطوا إحدى رجليه بحبل لمنعه من الطيران، فاحتجزوه وأرسلوه إلى قاعدة عسكرية في تعز، بقيادة رجل يطلق عليه اسم “الجنرال سالم”، ونقلوه الى غرفة تشبه الزنزانة.
بحسب احدى المصادر، فأن السكان المحليون عثروا على رقم الهاتف البلغاري للمجموعة البيئية ملصقًا بجناح نيلسون، فحاولوا التواصل معها لمساعدته على النجاة.
وقالت نادية فانجيلوفا من منظمة FWFF: “إنهم أناس رائعون، يهتمون بحياة طائر على الرغم من ظروف الحرب الكارثية التي يواجهونها”، وأضافت: “تواصلوا معنا لأنهم يعلمون أن مساعدة نيلسون ستكون صعبة في بلد يكافح الناس فيه من أجل البقاء، في ظل الحرب والكوليرا والجوع”.
اتهام النسر بالتجسس؟
وصلت اخبار معاناة النسر نيلسون إلى منظمة One World Actors Animal Rescue وهي منظمة غير حكومية، تعنى بحقوق الحيوانات، فأرسلت شخصاً مندوباً عنها، يدعى هشام الحوت إلى تعز، للضغط على الجنرال سالم لإطلاق سراح النسر، والسماح بإطعامه ريثما يتخذ قرار بشأنه.
وفي مسعى لتوضيح مسألة الجهاز المعلق على النسر البلغاري وإطلاق سراحه، عبرَ ممثل المنظمة البلغارية في اليمن، هشام الحوت، خطوط القتال وقاد سيارته لنحو 6 ساعات منطلقا من مدينته صنعاء، إلى تعز على بعد نحو 300 كلم جنوبا.
وقال هشام الحوت لوكالة فرانس برس “استغرق الامر 12 يوماً لاستعادة الطائر” ونقله إلى العاصمة اليمنية صنعاء، من أجل أن يخضع للرعاية.
وأوضح الحوت أن وزارة الخارجية البلغارية “تواصلت مع السفير اليمني الذي قام بدوره بالاتصال بمسؤولين محليين (في تعز) وأبلغهم بضرورة تسليم الطائر إلى المنظمة (البلغارية) فورا”.
وذكر الحوت أن الطائر هاجر من بلغاريا إلى تركيا، ثم إلى الأردن والسعودية فاليمن حيث فقدت المنظمة القدرة على تتبّع تحرّكاته.
وبحسب وكالة فرانس برس، كان مصير النسر نيلسون، قد ظل غامضا حتى يوم 5 نيسان/أبريل الفائت، حين بدأت المنظمة البلغارية تتلقّى مئات الرسائل من يمنيين شعروا بالقلق على حياة الطائر.
وبعد نجاح المنظمة البلغارية في استعادته من تعز، ظل النسر نيلسون في صنعاء، يتناول الطعام بشكل متواصل في بلد يواجه أكثر من نصف سكانه خطر المجاعة، وخضع النسر البلغاري للرعاية على مدار الساعة في مسعى لاستعادة قوته وقدرته على الطيران لمسافات طويلة.
وقال الحوت “عندما جلبناه إلى هنا، كان ضعيف البنية” ووزنه أقل مما يجب أن يكون عليه. ويضع الرجل قفازين حين يحمل الطائر فوق إحدى ذراعيه، ثم ينظر إليه بإعجاب مبتسما ويرسل له قبلة في الهواء.
وكانت المنظمة البلغارية تأمل في أن يتم إطلاقه بعد شهرين، في حال واصلت حالة الطائر تحسّنها، وحين يكون جناحه الذي تعرّض لكسر في مرحلة ما، قد تعافى تماما. لكن الأمر طال أكثر من ذلك.
وظنّ هشام الحوت في البداية، أن عملية تعافي النسر ستتطلّب 6 أشهر. وأشار إلى ان النسور عادة ما تأكل بقايا الحيوانات، إلا ان نيلسون لم يعثر عليها في اليمن، مما اضطره في نهاية الأمر إلى أن يحط في مدينة تعز ليستريح قبل أن يعاود عملية البحث في أفقر دول شبه الجزيرة العربية.
اخراج النسر من صنعاء الى جيبوتي
أخيراً، وبعد 8 أشهر من هبوطه في اليمن، انتهت معاناة النسر نيلسون، فقبل 3 أيام، وتحديداً يوم الأربعار 13 نوفمبر، سلمت منظمة ساند للإغاثة والتنمية في صنعاء، النسر البلغاري نيلسون إلى مكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، تمهيداً لنقله إلى موطنه الأصلي بعد 8 أشهر من البقاء في اليمن.
حيث تم نقله الى مطار صنعاء الدولي، عبر حافلة الامم المتحدة، وسيتم نقله في رحلة جوية عبر طائرة تابعة للأمم المتحدة الى جيبوتي. بعد علاجه ورعايته فترة 6 أشهر في صنعاء استعداداً لرحلته النهائية الى بلغاريا.
وكانت منظمة ساند للإغاثة والتنمية،أعلنت في بيان صادر في 22 سبتمبر/أيلول الفائت، عن توقيعها اتفاقية شراكة مع منظمة OWAP المعنية بحماية الطيور، حيث قامت الأخيرة بتمويل منظمة ساند لتقديم الرعاية للنسر البلغاري، طيلة فترة بقائه في صنعاء حتى تم فيه تسليمه رسمياً للبرنامج البيئي لدى مكتب الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن تمهيد لنقله إلى موطنه بلغاريا.
وعلى ذات السياق، أوضح المنسق الوطني بمرفق البيئة لدى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الدكتور عمر علي سعيد الصغير، أن اليمن بلد مهم لهجرة الطيور سيما في فصل الخريف.
وبيّن عمر الصغير أن جميع الطيور الكاسرة والجوارح من النسور والصقور تعبر سنوياً من اليمن، باعتبار باب المندب الممر البحري الأقرب للوصول إلى إفريقيا حيث تقضي الطيور بالمندب فترة فصل الشتاء وتعود في الربيع عن طريق الجهة الأخرى من البحر الأحمر لتعبر خليج السويس إلى أوروبا.
يشار الى أن النسر نيلسون كان من بين 14 نسرًا زودت بأجهزة تتبع لأهداف بيئية، إذ أراد العلماء في مجموعة “صندوق تعقب الحيوانات البرية والنباتات FWFF”، مراقبة الأمكنة التي يحلق فيها، والتحقق مما إذا كان لا يزال على قيد الحياة، منذ بدأت رحلته من بلغاريا، وتابعوا تقدمه وهو يتجه جنوبًا في السعودية، إلا أنهم لم يكونوا قلقين بشأن ذلك، فغالبًا ما يقطع هذا النوع من الطيور مسافات شاسعة قبل أن يعود إلى موطنه.
* مصادر الاخبار:
– وكالة فرانس برس
– موقع العربي.