■ تقرير: صهيب جابر*
تعرّضت أحد أضخم وأقدم الأشجار المعمّرة في اليمن -وفي شبه الجزيرة العربية-، والمعروفة محلياً باسم ”شجرة الغريب“ لحادثة انشقاق وسقوط جزء من جذعها، في واقعة أثارت قلق وحزن سكان عزلة دُبَع، مديرية الشمايتين بمحافظة تعز جنوب غرب البلاد.
باسمها الغريب وتاريخها المجهول، وعمرها الطاعن في السن؛ تجسد شجرة الغريب في انقسامها، صورة مصغرة للتشظيات المعقدة والمتراكمة التي آلت إليها بلاد اليمن بأسرها.
تصنف شجرة الغريب بكونها من النباتات غير المتوطنة والمعرضة للانقراض في اليمن. وتنتمي هذه الشجرة المعّمرة لعائلة (Bombacaceae) وفصيلة الباوباب الإفريقية (Adansonia digitata).[1] وهي تشكل إرثاً للحياة النباتية في اليمن. وأحد أبرز الرموز البيئية الطبيعية في المنطقة. كما تتميز الشجرة بضخامة حجمها وشكلها الفريد.
وفقاً لإحدى المصادر، يصل ارتفاع هذه الشجرة الى 16 متراً، وقطرها حوالي 8 أمتار. أما محيطها يصل لحوالي 32 متراً. ويقدّر عمرها بحسب باحثين بمئات السنين. والبعض يقدر عمرها بأكثر من ألفي عام.

ما الذي حدث: تشقق وسقوط جذع شجرة الغريب
في مساء يوم الاحد 20 أبريل/نيسان 2025، تناقل ناشطون محليون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، صوراً ومقاطع فيديو لحادثة تعرض شجرة الغريب لانشقاق مفاجئ لأحد جذوعها.
وقال لـ[حلم اخضر]، شهود عيان من أبناء المنطقة، أن التشققات التي تعرضت لها شجرة الغريب، بدأت من قبل عدة سنوات بالظهور في الجذع. وقد ظلت مستمرة في الاتساع ببطء.
ومع تأثير العوامل والظروف الجوية وشدتها كالأمطار والرياح، تطوّرت بمرور الوقت تلك التشققات، ما أدى مؤخراً إلى انقسام وسقوط جزء من الجذع. يقدر حجم هذا الجزء المنسلخ بحوالي 25% من اجمالي حجم جذع الشجرة. وعلاوة على ذلك، تصدّعت البنية الخشبية التي تحمل التاج العلوي للشجرة.
وقال لـ [حلم أخضر] طلال حميد، أحد السكان الذين تواجدوا في موقع شجرة الغريب عقب وقوع الحادثة في 22 ابريل 2025. وقد شاهد جذعها مؤكداً بالقول: ”شجرة الغريب تضررت بسبب احتقان الماء داخل تجويفها الداخلي؛ لقد أمسكت بيدي لب الشجرة وكانت متشبعة بالمياه في جوفها. وكان هناك ماء يتسرب من جوفها كلما ضغطنا عليها. والله أعلم من اين جاء كل هذا الماء“.
وأضاف حميد: ”تفاجئنا أنا والمتواجدين معي، أن الجزء الذي انسلخ وأنشق من الشجرة كان يوجد تحته حفرة تشبه البئر، وكانت مجوفة للأسفل تحتها.“
ورجّح مهندسين زراعيين لـ [حلم أخضر] أن هذا الانقسام، يعود لعدة أسباب بيئية وطبيعية، في مقدّمتها التعفن الداخلي الناتج عن تراكم الرطوبة داخل الجذع المجوّف للشجرة. بالإضافة إلى ثقل الفروع الكبيرة التي تزداد ثقلاً مع التقدم في العمر.
بالإضافة إلى جانب الضعف التدريجي في الخشب بسبب الشيخوخة الطبيعية للشجرة، وتظافرت كل هذه الأسباب في ظل غياب أي اهتمام لمختصين، أو رعاية فنية للشجرة.

قيمة تاريخية وثقافية لشجرة مُعـمّرة
تبدو شجرة الغريب، غريبة بالفعل، فهي ضخمة للغاية، وطاعنة جداً. ورد ذكرها لأول مرة في كتاب )صفة جزيرة العرب (للمؤرخ والجغرافي اليمني الراحل أبو محمد الحسن الهمداني، حيث ذكرها قبل أكثر من 1,200 سنة. وأورد الهمداني عنها: ”أسمها شجرة الكلهمة وهي شجرة معمرة وضخمة، يستظل تحتها 100 رُجـل.“ وقد قُدر عمرها علماء النبات بحوالي 2000 عام على الأقل.[2]
تُعد شجرة الغريب من الأشجار المعمّرة النادرة في اليمن، وهي ذات قيمة طبيعية وبيئية وثقافية عالية، وتعتبر رمزًا اجتماعيًا يرتبط بالحياة اليومية والذاكرة الجماعية لسكان المنطقة.
تاريخياً، اكتسبت شجرة الغريب أهمية تاريخية وثقافية واسعة طيلة قرون. إذ تعد الشجرة الوحيدة والفريدة من نوعها في بيئتها المحلية، وفي اليمن برمتها. إذ لا يوجد لها نظير في منطقة شبة الجزيرة العربية بأكملها. فهي معلم طبيعي هائل، يتميز بجذع ضخم جداً يبلغ محيطه حوالي 32 متراً، في حين يبلغ ارتفاع الشجرة 18 متراً. ويبلغ قطرها حوالي 8 أمتار. ولها أوراق كبيرة جداً.[3]
وقد ارتبطت هذه الشجرة بالعديد من القصص الشعبية والحكايات التي يتم تداولها بين الأجيال، مما جعلها تمثّل عنصرًا من عناصر التراث الطبيعي المحلي.

الحياة النباتية اليمنية وغياب الحماية والتوثيق
على الرغم من أن الغطاء النباتي في اليمن غني جداً بالنباتات المتوطنة وشبه المتوطنة، إلا انه لا يحظى بالاهتمام والتوثيق. وعلاوة على ذلك، فهو يتعرض للتدمير والاحتطاب الجائر والمستمر.
تقدر أعداد النباتات اليمنية بحوالي 604 نباتا منها 455 متوطنة أي يقتصر تواجدها على اليمن فقط، (307 تتواجد في سقطرى فقط)، والتي تشكل حوالي 16% من النباتات اليمنية.[4]
تعد الحياة النباتية في اليمن غنية بالكثير من الأنواع، وقد سُجلت حوالي 2836 نوعاً نباتياً، تتبع 1065 جنساً، وحوالي 179 فصيلة (2579 نوعاً نباتياً تنموا طبيعياً في البلاد، و126 منزرعاً، 109 مدخلا).[5]
تعاني معظم الأشجار المعمّرة والحياة النباتية في اليمن، من غياب أنشطة الحفظ والحماية الرسمية. وعدم وجود خطط لتوثيق التنوع الحيوي. أو حتى الصيانة البيئية المنتظمة.
لا توجد حتى الآن، مراكز مختصة تعمل على مراقبة وتوثيق حالة الأشجار المعمرة والنادرة في البلاد. أو تقديم الرعاية اللازمة لها، بالرغم من أهميتها البيئية والسياحية والثقافية.
لا تتوفر في اليمن مراكز لجمع المصادر الوراثية للغابات والاحراج، سوى بكمية محدودة في الهيئة العامة للبحوث والارشاد الزراعي. حيث تتوفر بعض أشجار الغابات ومناطق الاحراج والتي ممكن اعتبارها مصدرا لجمع البذور.[6]
وفي الوقت الحالي، لا توجد حدائق نباتية بالمفهوم العالمي، أو متحف وطني للتاريخ الطبيعي يهتم بالتنوع الحيوي النباتي في اليمن. كما ان هناك شحة او انعدام الكفاءات العلمية القادرة على تصنيف النباتات البرية والمعمرة.[7]
تكمن الأسباب لذلك، في عدم وجود أي اهتمام من قبل الدولة، أو من صانعي القرار. أو حتى من الجامعات ومراكز الابحاث العلمية للجانب الغابوي أو الحياة النباتية (فلورا). ولا توجد أي اتجاهات لدعم المعشبات الوطنية فقيرة الامكانيات والتدريب.
فضلاً عن ذلك، لا توجد في اليمن دراسات تقييمية للتآكل الوراثي للأشجار الحرجية. ولا توجد اشجار غابات تخضع لإدارة فعلية لأهداف انتاجية سواء كخشب بناء، أو اوراق او اصباغ وغيرها.[8] ومع ذلك، تتواجد بعض الاشجار الغابوية والاقتصادية المدخلة والتي خضعت لإدارة ودراسات بحثية لمعرفة تكيفها مع البيئة اليمنية والتي من الممكن ان تستخدم مستقبلا في الخدمات البيئية والاقتصادية.

دعوة للحفاظ على المصادر الوراثية للنباتات البرية
إزاء ما حدث لشجرة الغريب، تدعو مؤسسة حلم أخضر، كافة الجهات المعنية وتحديداً: مكتب الزراعة ومحطة البحوث الزراعية في محافظة تعز، إلى ضرورة توثيق حالة شجرة الغريب، وغيرها من الأشجار المعمّرة في أرياف تعز. والتركيز على الأشجار البرية المتواجدة في مناطق الحجرية والنشمة، وجبل صبر، وجبل حبشي، وادي الضباب وبني حماد وغيرها.
كما ينبغي على هيئة حماية البيئة في تعز، التدخل العاجل وإجراء تقييم حالة الشجرة، والعمل على دعم ما تبقى منها، باعتبارها جزءًا من التراث النباتي الوطني الذي يستحق الحماية والحفظ والمزيد من الاهتمام.
وعلى المستوى الوطني، هناك حاجة عاجلة لأن تبدأ وزارة الزراعة بإعداد وصياغة سياسة وطنية للصون والحفاظ على المصادر الوراثية للنباتات البرية خارج ببيئاتها الطبيعية. وذلك لتنظيم عمليات جمع وإجراء البحوث واستيراد وتصدير الموارد الحيوية.
على ذات السياق، ينبغي العمل على أنشطة الحفظ، من خلال مبادرات مجتمعية وتعاونية، والاستعانة بمهندسين زراعيين، لحماية الشجرة من التدهور أو الانقراض.
إن النظم الحراجية الزراعية اليمنية، توفر الكثير من الانواع الشجرية الهامة، والتي يمكن ان تخضع لدراسة علمية بشأن إمكانياتها الاقتصادية، مما قد يجلب الكثير من الفرص الواعدة.
* صهيب جابر: مهندس وباحث زراعي يعمل في محافظة تعز.
المراجع والمصادر:
[1] الخليدي، عبد الولي، وبازرعة، محسن، التقرير الوطني: حالة الموارد الوراثية للغابات والاحراج في اليمن، وزارة الزراعة، 2012. https://ye.chm-cbd.net/ar/altqryr-alwtny-n-halt-almward-alwrathyt-llghabat-walarady-alhrjyt-fy-alymn
[2] أبي محمد الحسن الهمداني، “صفة جزيرة العرب”، حققه محمد النجدي، مطبعة السعادة مصر،1953. https://dlib.nyu.edu/aco/book/columbia_aco000410/5
[3] حلم أخضر، شجرة الغريب: أغرب أشجار العالم، 2012. https://holmakhdar.org/news/stories/101/
[4] الحكيمي، محمد، اليمن: أكبر تنوع بيولوجي في الجزيرة العربية، حلم أخضر، 2020. https://holmakhdar.org/reports/2282/
[5] الخليدي، وبازرعة، 2012. مرجع سابق.
[6] المرجع نفسه.
[7] مرجع سابق.
[8] المرجع السابق نفسه.