fbpx

أسباب تدهور الزراعة في اليمن

فلاح في محافظة صنعاء/ حلم أخضر

هيئة التحرير – تقرير خاص

عبر العصور، لم يضعف اليمن إلا في الفترات التاريخية التي قل فيها الاهتمام بالزراعة. واليوم نحن نعيش إحدى هذه الفترات.

فمنذ القدم، كانت الزراعة هي العمود الفقري للحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، في كل الممالك والدويلات اليمنية القديمة المتعاقبة.

شكلت الزراعة سبباً رئيسياً في قوة تماسك المجتمعات المحلية وازدهارها، وسبباً هاماً في استدامة الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وساهمت في الحد من الجوع في المجتمعات المحلية والريفية على حد سواء.

كانت اليمن من أشهر الدول المُصدّرة للقهوة. ويُعتبر البن اليمني من أجود وأغلى أنواع البن في العالم.

لكن زراعته تأثرت خلال العقود الخمسة الأخيرة، بسبب تنامي زراعة القات. والذي يستهلك قرابة 40% من مياه الري، رغم أن احتياطي البلاد من المياه في تناقص مستمر.

بحسب احد التقارير، تراجعت مساحة زراعة البن اليمني من 55 ألف هكتار إلى 33,544 ألف هكتار. في حين أن انتاج البن وصل في العام 2017 حوالي 18,767 ألف طن في السنة.  

أشجار البن في آنس ذمار/تصوير: حلم أخضر

مع دخول القرن العشرين، تلاشى اليمن السعيد تدريجياً، حين تراجعت حقوله الزراعية عن الإنتاج. وتقلصت حجم المساحة المزروعة اليوم عما كانت عليه في السابق. وانخفضت أعداد الفلاحين العاملين في الزراعة. واتجهت الأجيال الجديدة نحو مزاولة مهن عدة في المدن، وهجرت الارياف.

الزراعة قبل 4 عقود

منذ منتصف السبعينات، حتى عقدي الثمانينات وأواخر التسعينات، كان القطاع الزراعي في اليمن، يشغل أكثر من 75% من حجم العمالة اليمنية. وكان الاكتفاء الذاتي بمحاصيل الحبوب والفواكه والخضروات يتجاوز 96%.

وبحسب تقرير كانت مساحة الأراضي الزراعية اليمنية المنتجة في فترة السبعينات وحتى الثمانينات تبلغ حوالي 1,500,000 مليون ونصف هكتار. من مجموع المساحة الكلية للبلاد والتي تقدر بنحو 20 مليون هكتار.

وخلال تلك العقود، اتصف النمط الزراعي في اليمن، بسيادة محاصيل الحبوب، حيث شكل انتاج الحبوب مكان الصدارة سواء من حيث المساحة المزروعة أو من حيث حجم الإنتاج. وكانت مساحة زراعة محاصيل الحبوب تشغل نسبة 80% من المساحة المزروعة في البلاد.

حقول الموز في مزارع تهامة/ الصورة ترخيص المشاع

الزراعة في العام 2005

وبحسب سجلات حكومية حصل عليها موقع “حلم أخضر”، فأن إجمالي مساحة الأراضي المزروعة في العام 2005 كانت تبلغ حوالي 1,202.113 مليون هكتار، وكانت هذه المساحة -آنذاك- تشكل نسبة 82.7 % من إجمالي المساحة الصالحة للزراعة في البلاد.

وتشير تلك السجلات، إلى أن عدد العاملين في القطاع الزراعي اليمني، بلغ قرابة 1,896.359 مليون عامل في العام 2005، ويشكلون نحو 53 % من إجمالي القوى العاملة. وبلغت مساهمة الناتج الزراعي في الدخل القومي نسبة 18.6% سنة 2005.

كما أن نصف مساحة هذه الاراضي المزروعة تعد عبارة عن المدرجات الزراعية “المصاطب”، إذ تشير ورقة بحثية عن الهيئة العامة لحماية البيئة حول إحصاءات تدهور الأراضي، الى ان مساحة أراضي المدرجات الزراعية اليمنية كانت تبلغ حوالي 661,514 ألف هكتار حتى العام 2004. وهي تشكل نصف مساحة الأراضي المزروعة في البلاد.

مدرجات في محافظة المحويت/ تصوير: علي محرز

القطاع الزراعي في 2018

اليوم تراجعت الكثير من تلك الارقام، فوفقاً لكتاب الإحصاء الزراعي للعام 2018، فإن اجمالي المساحة المزروعة في اليمن للعام 2018، بلغت حوالي 1,084,001 مليون هكتار.

ما يعني ان الأراضي الزراعية التي توقفت عن الانتاج منذ العام 2005 حتى العام 2018 بلغت مساحتها حوالي 118,112 ألف هكتار.

وبحسب تقرير المستجدات الاقتصادية لوزارة التخطيط للعام 2018، أصبح القطاع الزراعي اليمني يُشغل قرابة 40.9 % من إجمالي قوة العمل.

وهو يوفر حوالي 25 % من الاستهلاك الغذائي في البلاد، ويساهم قطاع الزراعة بحوالي 20 % من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لليمن.

أما نسبة الاكتفاء الذاتي من الغذاء فهي أقل من 15%. ما يعني ان اليمن ليس بمقدوره إطعام سكانه إلا بالاعتماد على الخارج.

فلاحان من جيل الخبرة في تعز جنوب غرب اليمن/ ترخيص المشاع

أبرز أسباب تدهور الزراعة اليمنية:

ثمة أسباب عديدة لحدوث ذلك، لكن أبرز العوامل التي رصدها فريق “حلم أخضر” من مصادر متعددة، والتي تسببت بشكل رئيسي بتدهور قطاع الزراعة اليمني خلال العقدين الأخيرين، تتلخص في التالي:

1- تلاشي جيل أصحاب الخبرة الزراعية، وهم قدامى الفلاحين اليمنيين. خلفَ تدهور للمدرجات الزراعية وتركها بلاصيانة.

2- ارتفاع ظاهرة هجرة شباب الريف والفلاحين إلى المدينة، للبحث عن العمل. وتخلي الجيل الجديد عن الفلاحة.

3 شحة الموارد المائية، وزيادة الجفاف واتساع التصحر وانجراف الترب الزراعية، وعدم تطوير مصادر المياه الموسمية، وقلة بناء وتأهيل السدود المائية. في ظل زيادة حدة تأثيرات تغير المناخ.

4- زيادة التوسع الحضري والزحف العمراني، واستمرار عشوائية بناء العقارات السكنية فوق الاراضي الزراعية الخصبة. في ظل اهمال حكومي وتضارب مصالح.

5- اهمال الدولة للقطاع الزراعي، وتراجع دعم المؤسسات الزراعية لصغار المزارعين، وتصفية عدد من المؤسسات الزراعية المملوكة للدولة، وتعرض غالبيتها للفساد الممنهج، وتقليص مهام بعضها تعطيل عمل المؤسسات الزراعية الحكومية، وضعف التشريعات، وعدم وجود خطط وسياسات عامة لرفد الانشطة الزراعية.

6- تزايد معدلات النمو السكاني في الريف، في ظل تدهور انتاج الريف وتضاؤل مساحة الحيازات الزراعية نتيجة الزيادة السكانية، لدرجة أن الريف اليمني أصبح غير منتج كما كان بالسابق. ويعتمد غدائه على المنتجات المعلبة.

7 تراجع القطاع الزراعي اليمني، بسبب انخفاض الإنتاج في القطاع الزراعي نفسه نتيجة الاستخدام المتباين والضعيف لمدخلات الزراعة الحديثة كالأسمدة، والبذور المحسنة، وضعف الاستفادة من الآلات الزراعية الحديثة.

8- تزايد أهمية النشاط التجاري على حساب الزراعة. وتزايد الاهمية النسبية للقطاعات الأخرى كالنقل والاشغال والخدمات، على حساب القطاع الزراعي.

اشجار النخيل مهددة بالجفاف بالحديدة/ تصوير علي جعبور

الحرب فاقمت تدهور الزراعة

إلى جانب تلك الأسباب، أدت الحرب الراهنة، واستمرار الصراع المسلح والاضطرابات وعدم الاستقرار في البلاد منذ العام 2015، الى زيادة تدهور القطاع الزراعي بشكل كبير للغاية.

حيث تشير الإحصاءات الزراعية الى تراجع المساحات الزراعية، وتراجع الإنتاج في شتى أنواع المحاصيل لمستوى النصف.

ووفقاً لاحد المصادر، قُدرت خسائر القطاع الزراعي في اليمن في يونيو/حزيران 2016، بنحو 6 ستة مليارات دولار أمريكي، ومع استمرار الصراع، أدى توقف إنتاج النفط في البلاد، وانعدام الوقود وخاصة مادة الديزل، إلى جفاف وموت مساحات شاسعة من الحقول الزراعية، ففي السهل التهامي الخصيب واراضي محافظة الحديدة، تسببت الحرب بموت مليون شجرة من أشجار النخيل.

* مصادر المعلومات:

– ايناس عبد الوهاب، دراسة “تحليل قطاع الزراعة في اليمن للفترة 2001-2005″، الإدارة العامة للدراسات الاقتصادية، وزارة الزراعة. اليمن، صنعاء. 2005.

– أحمد سعيد ملقاط، وآخرون، ورقة بحثية: “إحصاءات تدهور الأراضي في الجمهورية اليمنية”، ورشة عمل الإحصاءات البيئية، اللجنة الاقتصادية لغرب اسيا الاسكوا، دمشق، سوريا، ابريل/ 2004.

– نشرة المستجدات الاقتصادية والاجتماعية في اليمن، العدد 38. وزارة التخطيط والتعاون الدولي.، اليمن، 2019.

– كتاب الإحصاء الزراعي، وزارة الزراعة اليمنية، 2018.

الاقاليم الزراعية في اليمن/ مصدر الخريطة: وزارة الزراعة اليمنية
تعليقات
Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط
error: Content is protected !!