بقلم: ماجد احمد التميمي
ازدادت الأهمية بمشروع الصرف الصحي التام مؤخرا، وهو اهتمام يفضي الى تجسيد جانبا مهما من الجوانب الأخلاقية والإنسانية، وان كان لا يرقى الى التصنيف الذي يفترضه أيا منكم، فهو عميق في رسالته التي يطويها على صعيد خلق تنمية انسانية تشكل اساسا صلبا لبناء مجتمعي صحي ونظيف.
برنامج الصرف الصحي التام بقيادة المجتمع من البرامج التي ينفذها الصندوق الاجتماعي للتنمية في اليمن، وهو – اي البرنامج – يسعى الى الوصول بالمجتمعات اليمنية الريفية الى مرحله صحية متقدمة تصبح فيه هذه المجتمعات على قدر كبير من الوعي والإدراك بمخاطر الصرف الصحي المكشوف أيا كان، بحيث يتشكل – ما يمكن تسميته – بالجهد المجتمعي المشترك الذي يسعى بكل يقين وحزم للتخلص النهائي من مشكله الصرف الصحي المكشوف، وتصبح خلالها فكرة تغييب ومحو هذه المشكلة وكل مسبباتها هي الشغل الشاغل للمجتمعات، وتكون النتيجة في نهاية الامر واضحة وبارزه بعد التحول من مرحلة العشوائية الصحية الى مرحلة الانضباط الصحي، وهذا يجعل الحياة من حولنا نقيه لا تعكرها رائحة ولا تتسلط عليها افات فتقلب حياتنا الى جحيم صحي لا يرحم.
لعل البعض لا يدرك حجم المشكلة رغم كل التقلبات الصحية، ورغم غرائب ما تخبرنا به سجلات المرضى، وصولا الى الكلفة الصحية التي نتجرعها بسبب هذه المشكلة، وهو ما يفسر غياب رهيب لمسألة الوعي الصحي واضمحلال او تلاشي كل البرامج التوعوية التي قد تلعب دورا في حل جزء من هذه المشكلة الخطيرة.
ادرك العالم المتقدم منذ وقت طويل خطورة ما قد يشكله الصرف الصحي فسعى الى ايجاد بنية خدمية متكاملة سواء في المدن او الارياف فكانت النتيجة تقليص كبير للخارطة المرضية وتحسن لائق في المستوى الصحي لتلك المجتمعات، وبدلا من التوظيف المستمر والمتواصل لموازنة مالية من اجل تحسين الوضع الصحي، فقد اكتفت من هذا الجانب وسخرت الدعم من اجل التعليم والتأهيل فصارت بفضل هذا الاهتمام وبفضل التحسن الصحي لأفرادها شعوبا متقدمة بامتياز.
وإذا ما عكسنا ذلك على مجتمعاتنا نجد ان السعي وراء تحسين الوضع الصحي أو بالأصح معالجة اوضاعنا الصحية قد استهلكت جزء كبيرا من طاقتنا وأضرت كثيرا بالجانب الاقتصادي وبدلا من توجيه طاقتنا نحو بناء الانسان وتأهيله انشغلنا وبصورة عبثيه بمعالجه الاوضاع الكارثية التي تسببت بها سوء الخدمات الصحية وانعدامها في معظم الاماكن بما في ذلك بعض المدن، وهو ما خلق حالة من الركود في كل المجتمعات افضت في النهاية الى الفشل في مختلف جوانب الحياة.
تبدو المعادلة حقيقية هنا، إذ ان هناك رابط حقيقي بين ابداع الانسان وصحته، فالصحة تخلق الابداع، ولا تتحقق الصحة إلا بشروط منها هذا الذي نحن بصدد الخوض فيه، والحقيقة ان الصندوق الاجتماعي للتنمية يلعب دورا هاما في خلق حراك مجتمعي هادف في الارياف اليمنية نحو التخلص الايجابي والآمن من كل مخلفات الانسان المكشوفة تحت هذا المسمى (الصرف الصحي التام بقيادة المجتمع).
ومن خلال هذا المسمى نعرف ان المجتمع هو المعني الاول في هذه القضية قبل ان يمكن اعتباره هذا الموضوع حقا مجتمعيا واجب على الدولة ان تقوم به، لكن النظر الى هذا الامر في اليمن يبدو شيئاً مستحيلا، فالدولة وان كان لها اهتمام في هذا الامر فالأجدر ان تتولى حل مشاكل الصرف الصحي في المدن قبل ان تبادر الى حلها في الارياف التي تبدو غاية في المستحيل.
حتى اليوم هناك مشاكل لا حصر لها في المدن وما طالعناه مؤخرا في مدينة الحديدة شمال شرق البلاد، من فشل في ادارة الصرف الصحي يكشف حجم ما تعانيه الدولة من فشل في هذا الجانب بالذات، لكن الامر يختلف في الارياف فلا الدولة بمقدورها ان تضع حلولا خدمية لكل مشاكل الصرف الصحي فحتى الان لا تزال عاجزة عن حل مشاكل المدن الرئيسية في هذا الامر، لذا كان من البديهي ايجاد حلول منطقيه تكون مسنودة مجتمعيا بحيث يبدأ المجتمع وبشكل ذاتي في تطوير خطط من شانها وضع معالجات مبدئية لهذه المشكلة وتكون هذه المعالجات متفقة مع قدرة المجتمع ماديا وعمليا.
إن فلسفة هذا البرنامج تقضي بان تكون النتيجة في النهائية جديرة ولائقة ويكون هناك تحولا جذريا في هذه المسألة يلمسها المجتمع اولا ثم الصندوق الاجتماعي ثانيا، فالبرنامج يوقد فتيل الشعلة المجتمعية التي تقضي وبأدواتها المحلية على كل مظاهر الصرف المكشوف مهما يكن نوعه فرديا او مجتمعيا.
الملفت للنظر حقا ان هناك مجتمعات في قرى متنوعة من اريافنا نجحت في وضع حلول لهذه المشكلة بعد ان اثمر فيها هذا المشروع وقاموا به بنوع من الضمير الحي والشعور بالمسئولية. ناهيك عن ادراكهم عن الحجم الكبير للمخاطر التي يسببها الصرف المكشوف وحجم ما ينفقونه في فاتورتهم الصحية دون اي شعور، وكان ان اشاد بهم الصندوق الاجتماعي للتنمية وكرمهم واعتبرهم مجتمعات مستجيبة وناجحة وتمتلك قدرا من المسئولية تجاه افرادها وهو ما قد يعكس اهتمام الصندوق بهم في اي جانب اخر من جوانب التنمية الاخرى التي قد يحتاجونها.
في الصندوق الاجتماعي للتنمية (بوابة هذا المشروع) تنظر الأستاذة منى الصراري، ضابطه هذا المشروع، ومن قبلها الاستاذ عبدالله مسلم رائد هذا المشروع، بنظره أخلاقية وإنسانية قبل ان يكون مطلب مجتمعي واجب، ورغم كل الصعوبات التي يواجهها هذا البرنامج لأسباب تتعلق بقصور الوعي المجتمعي، حيث يحدث احيانا نفورا مجتمعيا كبيرا من هذا البرنامج دافعه الاحساس المفرط بالجانب القبلي الذي يرفض الخوض في تفاصيل مثل المخلفات الآدمية ويعتبرون ذلك استنقاص من كيانهم وتحقيراً لهم، وهو كما اسلفنا غياب الوعي والأمية والجهل، ناهيك ان بعض الفرق الاستشارية المشاركة في تنفيذ الحملات التوعوية لهذا البرنامج تعتبر الخوض فيه جانبا محرجا لهم خاصة وان المجتمعات اليمنية قد تعودت على الصندوق باعتباره جهة لتمويل المشاريع التنموية ولم يعتادوا على مشاريع تحفيزية من هذا النوع.
على اية حال، ما يزال الطريق طويلا امام استيعاب اهداف هذا البرنامج ولابد من ان نخطو بصبر فيه، الصرف الصحي التام بقيادة المجتمع يسعى الى تغيير سلوكيات غير مرغوبة يمارسها المجتمع اليمني دون الاستشعار لمخاطرها، وهي حقيقة كارثية ازعم ان شعوب العالم المتقدم لن تصدق ان هذا الامر يحصل والناس تتعايش معه دون قلق او اعتراض، فكيف اذا عرفوا ان هناك مجتمعات تلقي مخلفاتها الى جوار منازلها والى الشوارع والى مجرى السيول، ومع ذلك فالسعي الى تغيير هذه السلوكيات تتطلب جهدا ووقتا، وقد افلحت بعض الخطوات الاولى في هذا البرنامج من وضع بصمه ايجابيه تأثرت بها مجتمعات وامتنعت عنها مجتمعات فكانت النتيجة في النهاية اننا رغم كل تقدم إلا أننا ما نزال في بداية الطريق.