■ محمد الدحان (خاص)
(حلم أخضر) صنعاء– بالرغم من أراضي اليمن الخصبة، وشهرتها الواسعة بزراعة وتطوير العديد من المحاصيل الغذائية، إلا أنها لم تعُرف بزراعة الزنجبيل، رغم استهلاكه واستيراده.
فغالبية الفلاحين اليمنيين، لا يخاطرون في تجريب زراعة المحاصيل التي لم يعهدوا زراعتها من قبل في حقولهم، ويكتفون بالمحاصيل الغذائية.
لكن العشرات من الفلاحين، خاضوا التجربة، وزرعوا الزنجبيل، في سفوح الجبال والمرتفعات ذات التضاريس الوعرة، بارتفاعات تتراوح بين 1500-2950 متراً.
تتعقب هذه المقالة من «حلم اخضر»، قصة زراعة الزنجبيل في ريف محافظة ريمة، وتعرض أراء المزارعين حول أسباب الفشل والنجاح.
ريمة: الفلاحة والإنتاج الزراعي
في الغرب من محافظة ريمة، شمال العاصمة صنعاء، تقع مديرية الجعفرية، والتي تشتهر بزراعة البن اليمني، والمحاصيل ذات الجودة العالية.
تاريخياً، توصف ريمة بـ بلاد الطعام، إذ تزرع بمدرجاتها الشاهقة، كافة أنواع الحبوب، بالإضافة لبعض المحاصيل النقدية، وأصناف الفاكهة والخضروات.
وفقاً لبيانات الإحصاءات الزراعية للعام 2020، -اطلع عليها حلم أخضر-، تبلغ المساحة المحصولية في محافظة ريمة حوالي 21,593 هكتار.
تنتج ريمة 5,474 طن من الحبوب، وقرابة 6,853 طن من الفاكهة، وحوالي 4,379 طن من البن، و2,432 طن من البقوليات.
كما تنتج مديريات ريمة حوالي 4,432 طن من المحاصيل النقدية، في حين تنتج ريمة حوالي 19,733 طن من الأعلاف.
وخلال عامين، خاض الفلاحون في قرى الجعفرية، تجربتهم الأولى لزراعة الزنجبيل. وحصدوا محصولاً وفيراً، لتنتشر زراعة الزنجبيل في ريف ريمة.
فبعد اخفاقات عديدة لزراعته، نجح أخيراً عدد من المزارعين في مديريات الجعفرية من انتاج محصول الزنجبيل الجيد، فوق مدرجات الجبال.
كان الزنجبيل يزرع بمساحات صغيرة في قرى الجعفرية، ولم يكن المزارعون يحصدون شيئاً مقابل أتعابهم. لكن الامر تغير اليوم.
كيف بدأت تجربة زراعة الزنجبيل
تمتاز مديرية الجعفرية بأراضيها الخصبة، ومناخها المعتدل، لكن تلك العوامل لم تكن كافية لنجاح التجربة، فقد توقفت زراعة الزنجبيل لسنوات طويلة في المنطقة.
في حديثه لـ «حلم اخضر»، يقول أحمد الوليدي، رئيس جمعية المزارعين في مديرية الجعفرية: أن «زراعة الزنجبيل الاخضر اقتصرت على أحواش بعض منازل أسر عزلة بني سعيد في الجعفرية منذ سنوات طويلة، حيث لم يكن عددها يتجاوز 10 منازل، لظروف طبيعية تمثلت بشحة المياه التي تعاني منه المديرية، ولقلة ما ينتجه الفلاحون فلا يكافأ أتعابهم، مما دفعهم للتخلي عن هذا المحصول».
وعن فكرة توسيع زراعة الزنجبيل بالمديرية، قال الوليدي: «منذ أن بدأنا التدشين في مايو 2020، ساهمت جمعية المزارعين بشكل كبير في دعم المزارعين وحثهم على توسيع زراعة الزنجبيل بشكل تدريجي على امتداد المديرية».
«لعل ما ساعد على توسع زراعة الزنجبيل، هو التوعية بأهمية المحصول من قبل مكتب الزراعة والري بالمحافظة، ومساهمتهم بدعم المزارعين، وإيجاد حلول مؤقته لمشكلة المياه». قال الوليدي.
صعوبات تواجه الفلاحين
في الفترات السابقة، واجه الفلاحين تحديات عدة، وتوقفت زراعة الزنجبيل بالمنطقة. كانت المعضلة الحقيقية هي عدم رواج المحصول في السوق المحلي.
وعن ذلك، يشرح لـ «حلم اخضر»، إبراهيم التكروري، مدير مكتب الزراعة والري بمحافظة ريمة: «التغطية والتوعية الاعلامية لتدشين زراعة الزنجبيل، ومدى قابلية الناس لدعم المنتج المحلي، أثمرت عن تلقي جمعية المزارعين بالجعفرية لعرض شراء المحصول من قبل مؤسسة الخدمات الزراعية».
وأضاف المسؤول الحكومي بمكتب الزراعة في ريمة: «بعد شراء المحصول، بدأ المزارعين بالاهتمام بالمحصول بشكل أكثر، وتوسعوا بزراعته. وقد بذلنا الجهود لشراء وتوفير الشتلات للمزارعين في المناطق التي لم تصل اليها شتلات الزنجبيل، كي لا يكون ذلك عائقا أمام استمرارهم بالزراعة».
«وبرغم ذلك كله، إلا أن إشكالية توفر المياه، لازالت تشكل عائقاً أمام استمرار الزراعة، حيث أن الزراعة في موسم الجفاف ستكون صعبة وسنواجه شحة مياه». قال التكروري.
إنتاج 35 طن من الزنجبيل
ويكشف رئيس جمعية المزارعين في الجعفرية، أحمد الوليدي لـ «حلم اخضر»، أن «الكمية المنتجة من الزنجبيل في أواخر العام 2021 وصلت إلى 20 طناً».
«ومنذ بداية العام الجاري 2022، وصل إنتاج الزنجبيل 15 طن، مما يخفض من فاتورة الاستيراد، ويساهم برفد السوق بالإنتاج المحلي». قال الوليدي.
يشكل هذا الإنتاج، الحصاد الثاني للزنجبيل خلال أقل من عامين منذ غرس البذور، ويشير المسؤولون المحليون إلى امكانية توسع زراعة الزنجبيل، ونجاحها في مناطق ريمة، نظراُ لزيادة الطلب في السوق المحلي.
مراحل زراعة الزنجبيل
يعد الزنجبيل من المحاصيل التي تتطلب عناية مستمرة من زراعته وحتى الحصاد، إذ أن نموه قد يتوقف حال تعرضه لظروف مغايرة.
زراعة الزنجبيل تمر بعدد من الخطوات، حسب ما يقوله المهندس الزراعي، وديع الصلوي، الذي يعمل في مجال الزراعة والري بصنعاء.
ويقول المهندس وديع الصلوي، لـ «حلم اخضر» حول ذلك: «تبدأ زراعة الزنجبيل باختيار أجود الجذور التي تحتوي على عقد لنمو البراعم، ثم يتم قطع الجذور لعدة قطع، من 2- 5 سم، بحيث تشمل كل قطعة على عدة نتوءات، وتجهز جذور الزنجبيل لزراعتها عن طريق نقعها طوال الليل في الماء الدافئ، وذلك للتخلص من المبيدات الحشرية والكيمائية».
ويضيف المهندس وديع: «بعد ذلك يتم اختيار المكان المناسب، لأن زراعته تحتاج إلى أماكن دافئة ورطبة حتى ينمو بشكل جيد، فضلا عن احتياجه لأشعة الشمس المباشرة بمعدل 5-2 ساعات يومياً، بالإضافة إلى ضرورة اختيار مكان محمي جيدًا من تأثير الرياح القوية».
«يجب اختيار تربة خصبة مجففة تحتوي على جميع العناصر الغذائية، وإذا فقدت التربة أحد تلك العناصر فإن المحصول يحتاج إلى أسمدة، ولا يؤثر ذلك على جودته، ولابد من زراعته في ظروف مروية جيدة».
«تغرس كل قطعة من جذور الزنجبيل بشكل متباعد، وبعمق 5.08. ويجب تجنب الافراط بالري حتى لا يتعرض المحصول للتلف»، بحسب وديع.
«بداية فصل الربيع، وأواخر فصل الشتاء، هو الوقت الأمثل لزراعة الزنجبيل، حيث لا يمكن زراعته عندما تكون درجة الحرارة منخفضة كثيراً، أي أنه يتناسب مع درجات الحرارة المعتدلة، لأن درجة الحرارة المنخفضة تتسبب بدخوله في مرحلة السكون فلا ينمو».
«يحتاج الزنجبيل حتى يكون جاهزاً 5 -6 أشهر، وأحياناً يصل الى 8 أشهر. ويتم حصاده بالحفر حول المنطقة المحيطة بالنبات، وتقطع الجذور بشكل ليّن بحيث تبقى أجزاء من الجذور على النبات، ليتم اعادة غرسها مرة اخرى»، قال وديع.
استيراد الزنجبيل للسوق المحلي
تستورد اليمن الزنجبيل من الصين والهند، وفي السنوات الأخيرة ومع جائحة كورونا، زاد الطلب عليه في السوق المحلي نظراً لفوائده.
لا تتوافر بيانات حديثة لواردات اليمن من الزنجبيل. لكن تقارير سابقة، اشارت إلى أن استيراد اليمن للزنجبيل في العام 2012، بلغت قيمة الواردات 2 مليار و302 مليون ريـال، وبلغت الكمية المستوردة للسوق اليمني حوالي 10,630 طن من الزنجبيل في 2012.
وقال لـ «حلم اخضر»، حمدي غالب، المسؤول المالي لمؤسسة الصالح لاستيراد الفواكه بصنعاء: «يقدر استيراد اليمن للزنجبيل بنسبة حوالي 10% من اجمالي الفواكه المستوردة، ويتم استيراده بالعملة الصعبة».
يصل سعر الكرتون الزنجبيل (20 كيلو) في السوق اليمني، حوالي 36 ألف ريـال، أي ما يعادل 64 دولاراً (سعر الصرف المحلي: 560 ريـال/ للدولار).
ويعتقد حمدي، أن دعم زراعة الزنجبيل محلياً، ستخفف الاستيراد، وأن ذلك سيدفع مستوردي الزنجبيل لشراء المحصول المحلي، وربما يتم تصديره.