تحقيق أعده: محمد الحكيمي – خاص
هل بمقدورك تخيل كم عدد الأكياس البلاستيكية التي تستهلكها في اليوم الواحد؟..معظم الإجابات المحلية على هذا السؤال كانت تتأرجح بين 6 إلى 8 أكياس يضطر لاستهلاكها المواطن في اليمن كل يوم عند الشراء أو التسوق. إلى جانب استخدامها في أسواق “القات”.
تاريخياً .. لم تعرف اليمن أكياس البلاستيك إلا في مطلع عقد الثمانينات. وقبل ذلك كان اليمنيون يستخدمون الزنابيل المصنوعة من القماش أو القش. إلى جانب الأكياس الورقية التي تعد صحية وغير ضارة بالبيئة.
وتقدر الكميات المستوردة من الأكياس البلاستيكية للسوق المحلي حوالي 60 % من إجمالي الأكياس المتداولة في مناطق البلاد، في حين تغطي المصانع والمعامل المحلية نسبة الـ40% من الكمية المباعة في السوق المحلي.
الكارثة أن اليمن تستهلك اليوم أكثر من 43 مليار كيس بلاستيك في السنة الواحدة، طبقاً لما أكده لـ”حلم أخضر” إدارة المراقبة والتقييم في الهيئة العامة لحماية البيئة. انه رقم كبير للغاية. برغم أنه لا يشمل كميات الأكياس البلاستيكية الواردة للسوق المحلي عبر منافذ التهريب.
ماذا عن القانون؟
ينص القانون اليمني بشأن النظافة العانة، قانون رقم 39 للعام 1999، بوضوح في المادة 10 على: “منع وحظر صناعة واستيراد الأكياس البلاستيكية غير القابلة للتحلل”. بيد أنه ما من وجود لأكياس قابلة للتحلل في السوق اليمني بحسب تأكيد هيئة حماية البيئة. فنسبة سماكة الأكياس البلاستيكة المتداولة محلياً لا تتعدى 15 ميكرون. ويستحيل تحللها.
المثير للجدل، أن مجلس الوزراء اليمني أصدر قبل 15 عاماً، القرار رقم ( 146) لسنة 1998، للحد من انتشار الأكياس البلاستيكية على الأراضي والتربة اليمنية، لتجنب أي كوارث بيئية. و تضمن هذا القرار إلزام المصانع المحلية إنتاج الأكياس المصنوعة من مادة “بولي إيثيلين” منخفض الكثافة ومادة “بولي إيثيلين” مرتفع الكثافة عند سماكة 60 ميكرون للوجه كحد أدنى. ونص ذلك القرار على منع دخول أي أكياس بلاستيكية تحوي سماكة أقل من 70 ميكرون للوجه الواحد للكيس.
اليوم، وبعد مرور عقد ونصف، ما يزال هذا القرار حبراً على ورق. لدرجة تستدعي السؤال: لماذا لم يتم الالتزام به أو تفعيلة لدى السلطات المختصة.
أكياس بلاستيكية ملوثة للبيئة
لا تحمل قرابة 80% من أكياس البلاستيك المتداولة في السوق اليمني أية علامة تجارية. وتكمن الخطورة الحقيقية لاستخدام المواطنين لها، في أنهم لا يدركون بأنها ملوثة. فطبقاً للدراسات المتوافرة فإن المواد المستخدمة في صناعتها هي في الأصل مواد بترولية يتم استعمالها غالباً بعد إعادة تدويرها. الأمر الذي يؤثر سلباً على المواد الغذائية والأطعمة الساخنة المحمولة فيها.
تشير احدى المصادر، ان الأكياس والعبوات البلاستيكية تتمتع بصفة الديمومة الطويلة في البيئة والتربة لصعوبة تحللها، ولعل بقائها في التربة أو دفنها يؤثر بصورة مباشرة على التوازن الميكروبي.
تؤثر هذه الأكياس المنتشرة بفعل الرياح، على خصوبة التربة وعلى عملية تبادل وإنتاج الغازات، و تعمل على تكوين طبقة فاصلة تمنع وصول المياه إلى الطبقات السفلى مما يعيق تغذية المحاصيل الزراعية.
وتؤكد دراسة محلية صادرة عن مركز المياه والبيئة بجامعة صنعاء، أن الضرر الأكبر يحدث عند عملية حرق هذه الأكياس، كما هو قائم في مقلب نفايات “الأزرقين” في العاصمة صنعاء، ومقلب نفايات “مفرق شرعب” في محافظة تعز جنوب غرب اليمن.
وبحسب تلك الدراسة، تنتج عملية الحرق التقليدية المتبعة في هذين المقلبين غازات تضر بالسكان وتسبب أمراضاً سرطانية وتقرحات جلدية، وأمراض تنفسية، ولعل احتواءها على مواد عضوية يؤثر بصورة مباشرة، وغير مباشرة عن طريق النبات، والحيوان، ورغم هذا كله، فإنها غير مطابقة للمواصفات، والمقاييس من حيث التركيب الكيميائي والفيزيائي.
منتجي البلاستيك: كيف يتم التحايل؟
ثمة تحايل في الأمر يقوم بممارسته مصنعي الأكياس البلاستيكية في عموم محافظات البلاد. فبمجرد معاينة نماذج من الأكياس المتداولة في السوق المحلية، تجد معظمها تتضمن وجود عبارة على الكرتون الخارجي تفيد بأنها ” قابلة للتحلل” أو “صديقة للبيئة”.
يؤكد مدير ادارة التقييم في هيئة حماية البيئة، أمين الحمادي، لموقع “حلم أخضر” أن الأكياس البلاستيكية في السوق اليمني مخالفة للمواصفات وليست قابلة للتحلل وضارة بالبيئة بشكل كبير.
بالنسبة لمنتجي ومصنعي الأكياس، قال لـ”حلم أخضر” المهندس عبد الله القدسي، المدير السابق لمصنع محلي لانتاج أكياس البلاستيك في محافظة الحديدة الساحلية: ”معظم معامل ومصانع أكياس البلاستيك في اليمن تكتفي بوضع عبارة قابلة للتحلل فوق كرتون المنتج. كي لا تتعرض المصانع ومعها السلطات المختصة للحرج في هذا الجانب، وطوال فترة عملي في هذا المضمار أستطيع أن أؤكد لك أنها لا تتحلل”.
ويكشف المهندس القدسي عن تؤاطو حكومي بالقول: “هذا الأمر يتم نتيجة تواطؤ مسئولي الرقابة على هذه المعامل والمصانع، كون صانعي هذه الأكياس يدفعون رشاوى كبيرة، وبالمقابل يحصلون على استمرار رواج أكياسهم”.
الحمادي: “وصلت كمية الأكياس المستوردة والمستهلكة في اليمن، إلى قرابة 43 مليار كيس بلاستيك في السنة، مع أن هذا الرقم قد يكون مرتفع اليوم”
تضارب مـصـالـح
ثمة تضارب مصالح بين قرارات الحكومة و مدى تفاعل الأخيرة في التنفيذ. ويبرز هذا السياق، نوعاً من سياسة المعايير المزدوجة، الأمر الذي يكشف عن وجود تضارب مصالح لدى الجهات المختصة عند تطبيق القانون.
ففي الوقت الذي يمنع فيها القانون رقم 39 لسنة 1999 صناعة واستيراد أكياس البلاستيك غير القابلة للتحلل. لجأ قطاع النظافة والبيئة في العاصمة صنعاء خلال العامين 2010 – 2011 مثلاً، إلى إصدار تعميميات تم تعليقها على جدران المطاعم والبوفيات والبقالات في العاصمة صنعاء، تمنع تداول واستخدام الأكياس البلاستيكية العادية واستبدالها بالأكياس البلاستيكية الصديقة للبيئة والقابلة للتحلل. في حين أنه لا وجود لأكياس صديقة للبيئة في السوق المحلي، وما من جهة حكومية بمقدورها إثبات أو تأكيد أن هذه الأكياس تتحلل بالفعل.
استهلاك القات: 12 مليون كيس يومياً
ليست هناك إحصاءات رسمية سابقة عن كمية الأكياس المستهلكة محلياً في بيع نبات “القات”، لكن فرضية التقصي في هذا التحقيق لموقع “حلم أخضر” حول الأضرار المحتملة لاستخدام أكياس البلاستيك في اليمن، كشفت – لأول مرة – عن تقديرات كمية استهلاك اليمنيين لأكياس البلاستيك في أسواق بيع نبات “القات”.
يصل استهلاك نبات “القات” الذي يتم حفظه وبيعه في أكياس البلاستيك، تقريباً حوالي 12 مليون كيس بلاستيك في اليوم الواحد. وبحساب هذا الرقم التقديري (بناءاً على عدد متعاطي القات)، تكون كمية الأكياس المستخدمة سنويا في بيع وحفظ “القات” في اليمن، تصل تقريباً لحوالي 4.380 مليار كيس سنوياً (أربعة مليار وثلاثمائة وثمانون كيس سنوياً). لكن المفاجئاة أننا حين ذهبنا بهذا الرقم التقديري إلى هيئة حماية البيئة، كان ردهم أن هذا الرقم أقل بكثير مما هو متداول.
أكثر من 43 مليار كيس مستورد سنوياً
تشير السجلات الرسمية الصادرة في العام 2008 إلى وجود 70 منشأة إنتاج الصناعات البلاستيكية في اليمن، تعمل وفق ترخيص حكومي. في حين تشير إحصاءات قديمة لإدارة الرقابة الصناعية في وزارة الصناعة والتجارة إلى أن 26 مصنعاً فقط تعمل في اليمن بشكل رئيسي على إنتاج أكياس ومشمعات البلاستيك بمختلف أنواعها، وتتوزع هذه المصانع في خمس محافظات هي: العاصمة صنعاء، عدن، تعز، حضرموت، والحديدة. إلى جانب وجود معامل صغيرة تعمل بصورة مخالفة للقانون، وتنتشر في أماكن مجهولة في محافظات البلاد.
ما هو مخيف، أن هذه المعامل المخالفة أدخلت الآلات وماكينات إنتاجها دون علم وزارة الصناعة، خاصة بعد إلغاء العمل بتراخيص الاستيراد الصناعي في اليمن، نتيجة تحرير التجارة. وتعد هذه المعامل غير مسجلة رسمياً لدى الوزارة. وهي تعمل على تصنيع منتجات رديئة،دون امتلاكها تراخيص عمل رسمية. وتمارس عملها في شقق ودكاكين وبدرومات.
ويقول أمين الحمادي، مدير عام المراقبة والتقييم في الهيئة العامة لحماية البيئة لمنصة “حلم أخضر”: “تشير المعلومات الأولية إلى وجود 18 معمل لتصنيع أكياس البلاستيك تعمل بدون تصريح عمل في أمانة العاصمة فقط، من إجمالي 32 مصنعاً ومعملاً تتواجد داخل في العاصمة صنعاء”. ويؤكد الحمادي أن الجهات المختصة على علم بهذه المعامل التي تعمل بدون تراخيص عمل من وزارة الصناعة.
وكشف الحمادي لـ “حلم أخضر” عن كمية الأكياس البلاستيكية المستوردة والمستهلكة في السوق اليمني بالقول: “وصلت كمية الأكياس المستوردة والمستهلكة محلياً إلى 43 مليار كيس في السنة، مع أن هذا الرقم قد يكون مرتفع اليوم”.
ويؤكد مدير المراقبة والتقييم في الهيئة العامة لحماية البيئة إلى وجود تقصير وتواطؤ في عملية الرقابة واتخاذ الإجراءات بحق المخالفات الموجودة في تصنيع الأكياس البلاستيكية في المحافظات.
أكثر مناطق اليمن تضرراً بأكياس البلاستيك
تشير الخارطة التوضيحية التالية التي أعدها “حلم أخضر” لمناطق صناعة وانتاج أكياس البلاستيك في اليمن، إلى تضرر 7 مدن محلية بدرجة رئيسية. والتي تعد المناطق الأكثر تضرراً في مدن البلاد، وتشمل المحافظات التالية: العاصمة صنعاء، محافظة تعز، محافظة الحديدة، محافظة عدن، محافظة حضرموت، محافظة ذمار، ومحافظة إب.
مبادرة للتخلص من 680 ألف كيس يومي
وجود رجل دولة مثل عبدالقادر هلال، في منصب أمين العاصمة صنعاء، أمر يبعث على التفاؤل في التجاوب مع مبادرة «حلم أخضر»، وهي مبادرة تهدف لتخفيف أضرار استخدام الأكياس البلاستيكية في أحد القطاعات المرتبطة بصحة الناس في العاصمة صنعاء.
يجد سكان صنعاء أنفسهم مضطرين 3 مرات في اليوم، لشراء الخبز والرغيف الساخن من حوالي 1370 مخبزاً وهي إجمالي عدد أفران الخبز العاملة في العاصمة صنعاء، وفق آخر إحصائية متوافرة.
هذه المخابز والأفران تستهلك قرابة 680.000 ألف كيس يومياً لتعبئة الخبز الساخن، بحسب مسح ميداني تقديري قام به “حلم أخضر” وتوصل لنتائجه التي شملت اربعين مخبزاً. مما يعني أن أفران العاصمة تستهلك 244.800.000 مليون كيس في السنة الواحدة، دوناً عن بقية المحافظات.
عند شراء المواطنين للخبز، تقوم الأفران بتعبئته بأكياس البلاستيك التي سرعان ما تتفاعل موادها الخطرة مع درجة حرارة الخبز الساخن، وتصيبه بالتعرق. مما يؤدي إلى تغير طعمه. ولعل الخطورة تكمن بارتباط ذلك بحالات الإصابة بالتسمم الغذائي وغيرها، في مستشفيات العاصمة.
بمقدور أمين العاصمة، صنع تحول نموذجي في هذا الشأن يعود أثره على صحة المواطن والبيئة على حد سواء، من خلال إلزام المخابز والأفران العاملة في العاصمة باستخدام الأكياس الورقية عند بيع الخبز الساخن للزبائن، بدلاً عن البلاستيكية. كونها صحية وغير ضارة بالبيئة. ولا تشكل مخلفاتها أضراراَ كأكياس البلاستيك. كما أنها تحل أكثر من مشكلة تواجهها العاصمة، حيث ستقل نسبة التلوث والتشوه الجمالي للمدينة. وستحد من تعرض العاصمة للغرق في مواسم الأمطار نتيجة انسداد منافذ التصريف بأكياس البلاستيك.
ولكي ينجح الأمر ينبغي تفعيل «القضاء البيئي»، و تفعيل دور جهاز الشرطة البيئية في العاصمة. لضبط المخالفات التي تقع. وبتفعيل الجهازين سيشكل الأمر ردعاً للمخالفين وسيساهم في إيقاف عمليات تهريب الأكياس المتداولة في أسواق العاصمة.
البدائل الآمنة تخدم الجمهور، وحين تبدأ في قطاع المخابز. ستنتهي على الأرجح بالتزام بقية القطاعات العاملة في الأسواق الأكثر ارتباطاً بمتطلبات الحياة الاقتصادية. وسيرتفع وعي الناس.
إن خطوة كهذه ستجعل العاصمة صنعاء ومحافظها، مثالان يحتذى بهما أمام بقية المدن وسكانها. لاسيما وأن التحذيرات في هذا الشأن تعلو منذ عقد، حيث أشارت تقديرات أحد الباحثين إلى “أن اليمن ستغطى بطبقة من البلاستيك بمقدار متر خلال قرن من الزمن إذا ما استمر الوضع كما هو عليه اليوم”.
ـــــــــــــــــ
* انجز هذا التحقيق بإشراف من ICFJ ، وفاز بجائزة المركز الدولي للصحفيين ICFJ في واشنطن، الممنوحة للمشاريع الاعلامية باستخدام الأدوات الإلكترونية في تغطية القضايا العامة في المجتمع، لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا. للعام 2012.