حلم أخضر (خاص) محمد الحكيمي
تتعرض أشجار “دم الأخوين” أو “دم التنين” التي تنمو في مكان واحد على كوكب الأرض هو: جزيرة سقطرى اليمنية، لخطر الانقراض الذي ارتفعت حدته في الآونة الأخيرة، نتيجة لعوامل تؤثر عليها، مما يعيق دورة الحياة الطبيعية لنمو وتكاثر هذه الأشجار في منطقة “سكند” ومنطقة “دكسام”، وهي المناطق التي تنتشر فيها هذه الأشجار في الجزيرة. ولعل ما يفاقم الأمر، عدم اهتمام السلطات الرسمية بالأمر، نتيجة الحرب والظرف السياسي والأمني الذي تعيشه اليمن، وسقطرى على حد سواء. فضلا عن الاخبار التي تتحدث عن تنامي حركة البناء والعقارات في الجزيرة.
الخبر السيء، هو انه لن يكون بمقدور الأجيال القادمة رؤية المزيد من أشجار دم الأخوين الفريدة على الطبيعة، إلا من خلال الصور خلال العقود الخمسة القادمة، ذلك أن أشجار دم التنين أو الأخوين في خطر كبير اليوم، نتيجة تناقص اعدادها بشكل لافت، وعدم نمو أجيال جديدة من هذه السلالة، مما قد يدفع بانقراضها من على سطح الأرض.
الماعز يهدد شجرة دم الاخوين
صحيح أن أشجار دم التنين تنمو في الأرض الصخرية والأماكن العالية، وبمقدورها احتمال الجفاف بشكل كبير، نظراً لقدرتها على الاحتفاظ بالماء لسنين طويلة. لكن ثمة سبب أو اثنين، يدفعان بتفاقم هذه الكارثة المعلنة: وهي انقراضها.
تكمن خطورة الأمر في أن السبب الأول والرئيس لانقراض شجرة دم الأخوين، قد يبدو بالنسبة لكثيرين السبب الأقل توقعاً، وهو: الماعز والأغنام. !؟
تخيلوا أن هذه الحيوانات الأليفة والرائعة (الماعز) هي في الحقيقة، أضحت تشكل تهديداً قاتلاً لسلالة أشجار دم الأخوين العريقة والمعمرة منذ القدم. فبالرغم من أن هذه الأشجار الضخمة يتعدى طولها الـ 5 أمتار. إلا أن الماعز والاغنام، قد وجدت طريقة للقضاء عليها. إذ أصبحت تتغذى بشكل مستمر على التهام بذور أشجار دم الأخوين التي تتساقط من كل شجرة، كما أنها تأكل أشجار دم التنين الصغيرة جداً التي تبدأ بالنمو.
من أين جاء كل هذا الماعـز؟
تاريخياً، لا تنتمي الماعز والاغنام الى كائنات محمية سقطرى، وهي في الأساس ليست من الأحياء البرية المستوطنة في الجزيرة، وليست ضمن بيئة الحياة الحيوانية النادرة التي وجدت في سقطرى دوناً عن مناطق العالم، مثل الزواحف والطيور والسلاحف والسرطانات، والدلافين، والحشرات وغيرها من الأنواع الحيوانية المهددة بالانقراض.
تم إدخال الماعز منذ عقود الى جزيرة سقطرى. ومنذ ذلك الحين تكاثرت الماعز في الجزيرة، نتيجة احتياج السكان المحليين لها في توفير اللحوم والالبان، وتناسلت اعدادها بأضعاف مضاعفة، نظراً لقصر مدة حمل اناث الماعز التي تتراوح من 4 الى 5 أشهر فقط. وبمقدور الزائر لسقطرى رؤيتها في كل اركان الجزيرة، كونها تتواجد في كل مكان ولا توجد لها حظائر. فهي في كل زاوية، ووراء كل شجرة في المحمية.
فرجيني: دم التنين معرضة لخطر شديد
في شهر نوفمبر الماضي، زارت جزيرة سقطرى، شابة فرنسية مهتمة بأشجار دم الأخوين، تدعى “فرجيني” 33 عاماً، وصلت الجزيرة عبر شركة الخطوط الجوية اليمنية في خطها الأسبوعي بين القاهرة وسقطرى. مكثت “فرجيني” لمدة أسبوع في سقطرى. ورصدت العديد من المشاهدات الهامة في الجزيرة، ونشرتها في مدونتها الشخصية على الانترنت. وقد لاحظت الشابة الفرنسية مدى تناقص أشجار دم الاخوين في محمية “دكسام”. واستطاعت مراقبة التفاصيل وكتبت حول الخطر الذي تواجهه أشجار دم التنين.
تقول “فرجيني”: “لاحظت خلال تواجدي في سقطرى أن الماعز تغزو الجزيرة بالكامل. والمشكلة هي أن هذه الأغنام ذو المعدة الصغيرة تحب الطعام الثمين والمكرر الذي يوجد في سقطرى، ولا يوجد في أي مكان آخر على هذا الكوكب وهو: بذور دم التنين”.
وتضيف فرجيني: “عندما تسقط بذور دم الأخوين على الأرض فإن هذه البذور الحمراء الصغيرة، تبقى فقط لبضع دقائق، لأنه يمكنك التأكد من أن الماعز الذي يمر هناك سيلتهمها في فمه على الفور. فالماعز هنا في سقطرى لديه رادار حقيقي يلتقط سماع بذور التنين المتساقطة”.
وتقول الفرنسية فرجيني: “عندما كنا نسير في الغابة، قام صديقي “تشارلي” المتواجد معي في سقطرى، بالتقاط حجر صغير من الأرض بحجم بذور دم الاخوين ورماها في المكان قرب الاشجار، وفي بضع ثوان تجمعت العديد من الماعز، بمجرد سماعها صوت سقوط الحجر الصغير على أمل انها ستأكل بذور الشجرة الشهيرة. والنتيجة لما يحدث هنا في المحمية هي أنه لا يوجد تجديد لأجيال جديدة من أشجار دم التنين. فلم تعد هناك أشجار صغيرة من دم الاخوين في “دكسام”، ما ستجده فقط هو بقية الأشجار القديمة المعمرة التي تتعرض أيضًا لأخطار أخرى طبيعية”.
ان مصدر الخطر الذي ينبغي تفاديه، هو عدم وجود الوقت الكافي أمام تلك البذور الصغيرة لدم الاخوين كي تنبت وتنمو، فقطعان الماعز يتربص بها بمجرد سقوطها على الارض. وكم هو محزن أن نرى هذه الأشجار التي يعود تاريخها إلى ملايين السنين، مهددة بالفناء من قبل الاغنام المنتشرة في سقطرى.
سقطرى تفقد 20% من دم الأخوين
بدأت المخاوف من فقدان دم الأخوين، بالظهور قبل 7 أعوام، وتحديداً في ديسمبر 2012، حيث انطلقت أولى التحذيرات الدولية حول إدراج أشجار دم الأخوين/ دم التنين، في قائمة خطر الانقراض، من قبل منظمة صون الطبيعة العالمية. كانت سقطرى تضم بحسب التقديرات أكثر من 3000 الآلاف شجرة من دم التنين، بحسب هيئة حماية البيئة. لكنها اليوم لم تعد بهذه الكثافة. نتيجة تعرضها لكوارث طبيعية من الاعاصير والعواصف طيلة السنوات الماضية، وتأثيرات أخرى مرتبطة بتدخلات البشر، وحركة الانشاءات التي تشهدها الجزيرة نتيجة الحرب وعدم وجود رقابة من سلطات البيئة.
ووفقاً لدراسة صدرت آنذاك، قال فريق من الباحثون المختصون إن منطقة “دكسام” التي تحتوي أشجار دم التنين في سقطرى، فقدت أكثر من 20 % من مساحتها المزروعة بأشجار دم التنين، وتوقعت تلك الدراسات فقدان أكثر من 45 % من أشجار دم الأخوين خلال السنوات الخمسين المقبلة.
وتعتبر أشجار دم التنين في جزيرة سقطرى، واحدة من عجائب الدنيا السبع التي صنفها علماء النبات والتنوع الحيوي ضمن 60 نوعا نادراً من الأشجار على سطح الأرض. فقد ظهرت للوجود شجرة دم التنين قبل قرابة 65 مليون سنة على سطح القارة العملاقة جندوانا، وبعد انفصال القارة لتشكل منطقة الخليج التي تكون نصف الكرة الجنوبي.
الأعاصير تقتلع أشجار دم التنين
منذ العام 2015، اجتاحت جزيرة سقطرى بانتظام عواصف واعاصير عنيفة للغاية. بدأ من إعصار تشابالا الذي ضرب الجزيرة في 1 نوفمبر 2015، واعصار “ميج” الذي ضرب الجزيرة في 11 نوفمبر 2015، وقد تسبب الاعصاران تشابالا وميج بأضرار بالغة على ثروات سقطرى الطبيعية، حيث اشارت التقارير عن تدمير واجتثاث قرابة 16.400 ألف شجرة من كافة اشجار الجزيرة، بينها المئات من أشجار دم الأخوين.
كانت هذه الظاهرة جديدة نسبيًا، وهي دليل على زيادة الاضطرابات والتغيرات المناخية، التي يشهدها العالم والجزيرة منذ بضع سنوات فقط.
وقد اقتلع إعصار تشابالا وميج كثيراً من هذه الأشجار وألقى بها على الأرض في مشهد كارثي ومؤلم، وقال مدير مكتب هيئة حماية البيئة في سقطرى المهندس أحمد سعيد في حديث سابق لـ”حلم أخضر”: “لقد كان من المحزن جدا أن نشاهد هذا العدد من نباتات دم الأخوين ملقى على الأرض، لكن فعل الطبيعة كان أقوى، وكان من الصعب جدا فعل أي شيء لتجنب ما حدث، ومع ذلك يعترينا الأمل باستعادة ما فقدناه بفعل الإعصارين، ربما سيتطلب ذلك وقتا كبيراً وجهداً مكثفا، ولكن عودة الحياة لهذه الاشجار النادرة والنباتات الأخرى هو ضرورة ومطلب مهم يستحق منا هذا الجهد”.
دم التنين: سبب التسمية وطريقة النمو
طبقاً لكتاب “النباتات الطبية في اليمن”، تعتبر شجرة “دم التنين” التي تعرف أيضاً بأسماء عديدة وهي: “دم الاخوين” أو “الخَزَم” أو الاسم السقطري “أعْرَهِيْب” أو “دم العنقاء” أو “الأيدع الزنجفرية”، واحدة من أجمل واغرب وأندر الاشجار في العالم. ووفقاً للتصنيف النباتي، فان اسمها العلمي هو: (Dracaena Cinnabari)، وهي نوع من النباتات تتبع جنس “الدراسينا” من الفصيلة الهليونية.
سميت أشجار دم التنين بهذا الاسم، لأنها عند خدش لحائها الناعم، تنزف سائلاً كالدم الأحمر، وهو: “راتينج كبريتيد الزئبقيك” الذي كان يحول إلى صبغ قرمزي غامق، يستخدمه أباطرة الصين، أو يتحول إلى صباغ أحمر يستخدمه أمراء منطقة اليمن والجزيرة العربية.
اما سبب تسميتها باسم شجرة “دم الاخوين” فهو يعود إلى الأسطورة التي تتناقلها الأجيال التاريخية في اليمن، والتي تحكي قصة أول قطرة دم سفكت على الأرض نتيجة إقتال الأخوين قابيل وهابيل. وبحسب الأسطورة فقد كان قابيل وهابيل أول من سكن جزيرة سقطرى. وحين أقدم أحدهما على قتل الآخر، بعد عراك بينهما، سال دم القتيل على الارض ونبتت منه شجرة دم الأخوين.
وإضافة إلى ندرتها، فإن هذه الشجرة الفريدة من نوعها، كانت نبتة مقدسة في الديانات القديمة لدى حضارة الحميريين، وحضارة سبأ، وحضارة الفراعنة والأشوريين. وهو ما أظهرته النقوش الاثرية القديمة.
ان شجرة دم التنين، هي الكائن الأكثر شهرة وتميزاً في جزيرة سقطرى اليمنية. فلديها مظهر فريد من نوعه وغريب، فالشجرة تبدو كمظلة ضخمة، وأوراقها تنبت فقط من الأعلى حيث تشكل تحتها الأغصان منظراً يوحي بأنها مظلة شمسية هائلة الحجم.
لكن المثير للدهشة، أن شجرة دم التنين لديها طريقة مميزة في النمو، فالأوراق لا تنمو إلا على أطراف الأغصان، وتتبدل كل ثلاث أو أربع سنوات، حيث تسقط الأوراق وتنمو مكانها أوراق أخرى بالتزامن، وفي نفس الوقت لا تنمو الأغصان إلا بعد توقف البراعم عن النمو.
ويعرف عن شجرة دم التنين نموها بقرب بعضها البعض كعائلة مترابطة، حيث يسمح لها شكلها غير الاعتيادي في التأقلم مع الظروف القاحلة، والطبيعة الجبلية التي تقل فيها التربة، فهي قادرة على النمو فوق قمم الجبال.
ولدى هذه الشجرة تاج ضخم متشابك، يوفر الظل ويقلل من التبخر، مما يساعد على نمو بذور الشتلات الصغيرة تحت الشجرة البالغة، وهو ما يفسر طبيعة النمو المتقارب لهذه الأشجار.