تقرير: عبد الرحمن المحمدي*
تتخذ غالبية البراكين في العالم مظهراً على هيئة جبل مخروطي الشكل، تضيق فوهته من الأعلى، وتتسع قاعدة البركان بشكل أكبر من الأسفل. لكن فوهة بركان دمت في اليمن، عكس ذلك تماماً، فهي ليست هضبية أو طبقية، مما يجعلها اعجوبة حقيقية بنظر الجيولوجيين.
إن فوهة بركان دمت في تركيبها الجيولوجي، تتسع من الأعلى، وتضيق أكثر وأكثر كلما اتجهت الى الأسفل.
يصنف الجيولوجيين منطقة دمت باعتبارها مدينة نائمة على فوهة بركان ملتهب. فقد هذا البركان نشاطه منذ زمن سحيق. حيث كانت المنطقة قديماً متنفساً لبركان هائج. كان ذلك البركان عنيفاً قبل أكثر من 14 مليون سنة، وقد خلف وراءه هذه المنطقة التي تعد قطعة من عصر الثورات البركانية التي شهدتها الارض في العصر الثلاثي وفقاً للدراسات الجيولوجية المحلية.
ونتيجة لذلك النشاط البركاني الهائل، خلف البركان منطقة غنية بالمياه الكبريتية الساخنة، ومجموعة فوهات بركانية طبيعية ونادرة. فبعد سلسلة من الثورات البركانية التي تعرضت لها المنطقة، فقد هذا البركان في دمت نشاطه.
وقد تفاعلت معادنه المنصهرة لتجعل من المياه الجوفية، ينابيع حارة، تندفع بقوة من باطن الأرض عبر عيون طبيعية ساحرة. كما يرفع بها عبر منافذ الأحواض والآبار المفتوحة من قبل بعض المستثمرين بغرض تغذية حماماتهم بالمياه المعدنية الساخنة.
جرى استثمار الينابيع الحارة طيلة العقدين الماضيين، لتلبية احتياج الوافدين من الزوار والسياح، للمياه الكبريتية التي يبحثون عنها للاستشفاء والعلاج، إذ يؤكد المختصين أنها تصلح للكثير من الأمراض الشائعة والمستعصية.
وبحسب احدى المصادر، فإن هذه الفوهات البركانية أصبحت تزين وجه المنطقة في دمت، وتتناثر في جغرافيا دمت عدد من الفوهات البركانية الساحرة والمدهشة، والتي تعرف علمياً باسم “النتوءات الكلسية”، فيما تعرف شعبياً “الحرضات” بحسب ما يطلق عليها السكان المحليون، لكونها تشبه الوعاء/ الإناء الشعبي (الحرضه) أو ما يسمى حرضة “السلتة” وهو وعاء مصنوع من الصخور والحجر الجرانيتي ماتزال تستخدم في الموائد اليمنية حتى اليوم.
دمت: الموقع والتاريخ
تقع فوهة بركان دمت، في مدينة دمت التابعة لمحافظة الضالع، جنوب العاصمة صنعاء، على بعد 245 كيلومتراً. وهي من مستوطنات السكنى القديمة للإنسان، بحكم محيطها الجغرافي الخصب، وتوفر المياه العذبة بغزارة في وديانها المتفرعة من وادي بنا بمحافظة إب (وسط اليمن) على مدار العام، وكثرة الأشجار المثمرة، وكثافة الأعشاب فيها.
يمكن الصعود إلى أعلى فوهة دمت عن طريق سلالم حديدية، وقد تم انشائها للصعود الى أعلى الفوهة منتصف سبعينات القرن الماضي. ويصل عدد درّج السلالم الى أكثر من 500 درجة.
في العصور التاريخية القديمة، كانت دمت ضمن إطار مناطق نفوذ الدولة الأوسانية، ثم آلت إلى وريثتها الدولة القتبانية من القرن السابع قبل الميلاد، حتى أفول الدولة القتبانية في مطلع القرن الأول الميلادي.
ثم وقعت دمت تحت سلطة الريدانيين حتى مطلع القرن الخامس الميلادي. وقد تركت مراحل تعاقب الحضارات أثرها على مدينة دمت الغنية بمواردها الزراعية، وحماماتها الطبيعية، بالكثير من الشواهد الأثرية.
التركيب الجيولوجي لفوهة دمت
في طليعة التغيرات التي أحدثتها حركة الصفائح التكتونية في باطن الأرض، والانشطة الزلزالية، والتي حدثت خلال حقبة الثورات البركانية “التغيرات الظاهرية” في منطقة دمت. وبالتالي أنتجت مجموعة من الفوهات البركانية المتناثرة على قمم وقيعان مديرية دمت، والتي يبلغ عددها 7 فوهات بركانية، وتسمى محلياً (حرضات) وهي متفاوتة الأحجام والأشكال.
جميع هذه الفوهات، عبارة عن هضاب كلسية مخروطية عريضة القاعدة، يقل عرضها كلما ارتفعت إلى الأعلى، وهي مجوفة من الداخل. إضافة إلى أعماق تجاويفها المتفاوتة التي لا تخلو من وجود المياه الساخنة في غليانها بشكل دائم.
أكبر تلك الفوهات هي فوهة البركان الأكبر، والشهيرة باسم فوهة دمت (الحرضة الكبرى) تقع شرق مدينة دمت، ويراها القادمين إلى المدينة من الاتجاهين على طريق صنعاء وعدن على بعد 3 كيلومتر. تقع قاعدتها على مساحة تقدر حوالي 200 متر مربع. أما ارتفاعها يصل إلى حوالي 100 متر. وتصل مساحة علوها إلى حوالي 100 متر مربع.
تشير المصادر الجيولوجية، إلى ان هذه الينابيع الحارة نشأت نتيجة تعرض المنطقة لنشاط بركاني في الأزمنة السحيقة، مما خلف ورائه ينابيع ساخنة للمياه الكبريتية.
وفي فوهة دمت الكبرى، يظهر التركيب السطحي للفوهة (الحرضة) من الداخل، تكلسات الكبريت باللون البرتقالي والاصفر المائل الى الغامق.
ان فوهة هذا البركان الأكبر في دمت، يصل قطرها إلى حوالي 50 متر، أما عمقها يصل تقديرياً لقرابة 120 متر.
وطبقاً للمصادر، تتفاوت المسافات بين جدار الفوهة وحافة البركان الخارجية، أو كما تسمى بالحرضة بمسافات تترواح حوالي 20،25، 35، 40 متراً بكل اتجاهاته الملتوية.
ينابيع المياه الكبريتية
تشير احدى الدراسات التي أعدها أحد المهندسين من قسم الجيولوجيا في جامعة تعز للعام 2004، والتي أجريت على اختبار المياه الكبريتية لحمامات دمت الكبريتية، بأنها تتمتع بخصائص علاجية هامة، طبقا لتلك الدراسة.
تحتوي هذه المياه على عناصر: الكالسيوم ـ البيكربون ـ الكلوري، ومؤشرها الهيدروجيني يصل إلى 6,9 وهي من المياه النادرة التي تتميز بخصائص علاجية واستشفائية محبذة لدى الكثير من الناصحين والمختصين في مجال التداوي الطبيعي بالمياه البركانية.
بحسب احدى المصادر، كانت عدد الحمامات الحارة داخل مدينة دمت تقدر بقرابة 20 حماماً للمياه الكبريتية، وهي موزعة على مساحة لا تزيد عن 1,5 كيلومتر مربع.
لكن بعض هذه الحمامات توقف عن العمل نتيجة الإهمال وجفاف ينابيعها، والبعض الآخر توقفت بسبب منافسة الحمامات الحديثة التي أقامها مستثمرون محليون بمواصفات حديثة، ومزودة بملحقات للإقامة والسكن، مما جعلها أكثر جذبا للزوار القادمين من مختلف مناطق اليمن.
ويشير الدكتور عبدالكريم سلام، في تقرير نشره في جريدة البيان، أنه توجد هناك حمامات خاصة داخل بعض منازل مدينة دمت، وهي غير متاحة للعموم، فيما يصل عدد الحمامات المتاحة لعموم الزائرين حاليا هي 9 حمامات فقط.
تتدفق تلك المياه الحارة من الينابيع الصخرية العلوية، والبعض الآخر تتدفق مياهها من فوهات أرضية بغزارة وقوة كبيرة.
وتتفاوت كميات المياه المتدفقة من ينبوع إلى آخر حيث تصل في أكثرها غزارة إلى 80 لترا إلى 70 لترا في الثانية وفي أدناها تقدر بحوالي 20 إلى 15 لترا في الثانية.
* تحرير: حلم أخضر.