سماح الجعراني – مجلة المدنية
في يوليو/تموز من العام 2012 انطلق مشروع حلم أخضر محددا هويته بوصفه منصة تقدم تقارير استقصائية متخصصة في قضايا البيئة في اليمن. ويهدف الموقع الإلكتروني للمشروع إلى أن يصبح مصدراً موثوقاً للمعلومات والأخبار حول قضايا البيئة والمناخ والتنمية المستدامة في اليمن.
جاءت فكرة المشروع مع دخول اليمن في دوامة الاضطرابات السياسية والاجتماعية التي كان من نتائجها انحدار الاهتمام الرسمي بقضايا البيئة، إلى جانب ما كانت تعانيه البيئة في اليمن من تدهور مستمر نتيجة الإهمال وغياب التوعية. ولأن البيئة الطبيعية في اليمن بحاجة إلى صوت يدعو إلى الاهتمام بها والحفاظ عليها، فقد وُجِـدَت منصة حلم أخضر المتخصصة في قضايا البيئة بوصفها الوسيط المعبر عن هذا الصوت، والذي من شأنه أن يطلع الجمهور العام على الحقائق في هذا الخصوص بغية الوصول إلى ممارسات تراعي البيئة.
فكرة التأسيس والأهداف
جاءت فكرة حلم أخضر في منتصف العام 2011 عندما أنجز الزميل الصحفي محمد الحكيمي، وهو مؤسس هذه المنصة، تحقيقاً صحفياً استقصائياً حول الأضرار البيئية لاستخدام الأكياس البلاستيكية في اليمن. وذلك أثناء مشاركته في برنامج تدريب مكثف عن التحقيقات الاستقصائية باستخدام الأدوات الالكترونية، أقامه المركز الدولي للصحفيين International Center for Journalists خلال الفترة: 2011 – 2012. وفي فبراير 2011 قام الحكيمي بإطلاق منصة تجريبية للمشروع، مع صفحة حلم أخضر على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك، ونشر فيها محتوى ذلك التحقيق الصحفي. وفي يوليو من العام 2012 أطلق الموقع بصفة رسمية.
تتركز مهمة حلم أخضر في مساندة أهداف التنمية المستدامة 2030 على النطاق الوطني والإقليمي، ورفع الوعي بقضايا البيئة وتغير المناخ في اليمن، وتوفير المعلومات الموثوقة للجمهور حول المخاطر البيئية. وبوصفه مشروعا إعلاميا مستقلا وغير ربحي، فإن حلم أخضر يهدف إلى رفع الوعي البيئي لدى الجمهور العام وذلك من خلال تقديم رسالة إعلامية هادفة تنشد الحفاظ على البيئة وإبراز صوت ينشد التغيير من خلال تنفيذ الحملات البيئية الإلكترونية للدفاع عن الحياة الطبيعية، والضغط على صانعي القرار للتجاوب مع المشاكل البيئة.
ويركز حلم أخضر على صياغة الأفكار المستندة إلى الحقائق الواقعية وإلى تقديم الحلول والتوصيات حول القضايا البيئية في اليمن؛ وذلك من أجل المساهمة في تعزيز منظومة التشريعات والسياسات العامة المتعلقة بقضايا البيئة، والتغير المناخي، والتنمية المستدامة.
تقديم المحتوى الموثوق
إن أجواء الصراع الناشب في البلد منذ نهاية العام 2014 قد ساهمت في زيادة كمية المعلومات المغلوطة التي تبثها منصات وسائل الإعلام الجديد؛ لاسيما أن بعضها متخصص في الدعاية ذات الأهداف السياسية وبعضها ينتحل أسماء مجهولة.
هذا؛ مع العلم أن اهتمام الجمهور قد أصبح منصبا على شبكات التواصل الاجتماعي هذه وما تنتجه من محتوى بعد أن تضاءلت أهمية وسائل الاعلام التقليدية في الفترة الأخيرة. وبسبب ذلك أصبح اليمن يشهد تراجعاً نسبياً في ثقة الناس بوسائل الإعلام وما تقدمه من معلومات. وهذا كله هو ما دفعنا، نحنُ القائمين على حلم أخضر، إلى أن نسعى إلى تقديم أفضل محتوى متخصص في الصحافة البيئية.
بفضل جهود الفريق التراكمية أصبح حلم أخضر مصدراً موثوقاً للوصول إلى المعلومات المتعلقة بالبيئة في اليمن، وقد تناقلت بعض تقاريره أهم وكالات الأخبار العالمية. لذلك نجد أن تقديم المعلومات الموثوقة وإبراز المشاكل واقتراح الحلول الجادة طريقة مثلى لخلق علاقة جديدة مع الجمهور الذي يثق بمحتوانا ويتفاعل معه.
نحن نعتقد أن بمقدور المحتوى الذي نقدمه، إثارة الاهتمام؛ لسبب بسيط وهو أن القارئ يجد فيه ما يخصه. ومنذ انطلاقه قبل 9 سنوات، اعتمد موقع حلم أخضر ميثاق شرف صحفي باعتباره مصدرا إعلاميا مستقل التوجه. ومن هنا، يعمل الفريق وفق الالتزام بالقيم والمبادئ الأخلاقية المهنية: الدقة والحياد والمصداقية والنزاهة والاستقلالية.
ويتجنب الموقع ما تقع فيه بعض المنصات من اختلاق للأخبار أو تزوير للمصادر أو تلفيق للاقتباسات. والموقع يعتمد الشفافية مع جمهوره؛ فلا إخفاء متعمدا لأي معلومات، بل إنه يعمد إلى كشف الحقائق التي تفيد الجمهور خدمة للمصلحة العامة. ومن أجل تقديم المحتوى الموثوق بصورة جيدة، فإن القائمين على الموقع يحرصون فيما ينشرونه على استخدام لغة دقيقة، وواضحة، ومحددة لا تضلل الجمهور. أما المعلومات فتنسب لمصادرها وتنقل بدقة وموضوعية دون تجيز لأي جهة أو طرف.
إضافة إلى هذا، فإن منصة حلم اخضر توفر قاعدة معلومات حديثة عن أبرز القضايا البيئية والمناخية في اليمن ومكتبة موارد متعددة الوسائط عن المحميات الطبيعية والتنوع البيولوجي في البيئة البرية والبحرية في اليمن. علاوة على احتوائها على العديد من التقارير البيئية المعمقة والمتخصصة. وهذا كله يصب في اتجاه مساندة جهود تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، على المستوى الوطني والإقليمي والدولي.
مسارات صناعة المحتوى
نعتمد في حلم أخضر على مسارين متوازيين في عملية اختيار وصناعة المحتوى الذي ننشره. أما المسار الأول، فيتمثل في الاستقصاء والنشر الدوري لمواضيع تصنف حسب الفئات المحددة والثابتة في خطة عملنا. تشمل خطة العمل هذه التغير المناخي، التنوع الحيوي (النباتي/الحيواني)، مشاكل المياه، التلوث البيئي، الطاقة المتجددة، والتنمية المستدامة، وتقنيات الزراعة الحديثة.
ونحرص على تقديم محتوى خاص وحصري تحت كل فئة من هذه الفئات، وذلك عبر استخدام الوسائط المتعددة لنستعرض معلومات كمية ونوعية لم يتم الاستقصاء عنها من قبل، كما نرفق هذه المعلومات والتقارير مع محتوى بصري متنوع نصنعه كجزء من سعينا لتوضيح دقة المعلومات وتسهيل الوصول إليها.
وأما المسار الثاني، ففيه تختار هيئة التحرير مواضيع التقارير والقصص التي تنشر بناء على تغيرات أو أحداث مفاجئة تطرأ في المجتمعات المحلية، مثل الكوارث الطبيعية والأعاصير والفيضانات، أو التلوث النفطي وقضايا المياه والأراضي الزراعية وجرائم الصيد للأنواع المهددة بالانقراض، إضافة إلى عمليات الاحتطاب وتجريف الأراضي والغابات وغيرها.
وللحصول على معلومات دقيقة، نقوم بالتواصل مع المصادر المحلية من مختصين ومتضررين من هذه الحوادث من أجل التحقق من التفاصيل وصحة المعلومات التي نعززها بمواد تصويرية من الموقع. وفي الكثير من الأحيان، تصلنا بلاغات من المواطنين حول قضية بيئية تهم منطقتهم، وعلى الفور نسلط الضوء عليها لإبراز الأولويات البيئية للمجتمعات المحلية.
وفي كلا هذين المسارين نحرص على رفد المحتوى بالمصادر والمراجع والدراسات الحديثة المطبوعة ورقيا إضافة إلى المصادر الإلكترونية التي نلجأ إليها للمزيد من التحقق من دقة التحليل والتعريف بهذه القضايا.
منهجية صحافة الحلول
قبل عامين، اعتمدنا في حلم اخضر مبدأ التغطية الإخبارية بمنهجية صحافة الحلول. وذلك سعيا منا لمعالجة القضايا البيئية عبر تحليل نوعي معمق يربط بين تجارب المواطنين والمعلومات التي تم التحقق منها مع آراء خبراء محليين ودوليين. والغرض من هذا التوفيق هو الخروج بمقترحات تعالج القضايا المطروحة تتاح للجمهور والسلطات المحلية ومنظمات المجتمع المدني.
ومن المهم التنويه إلى أن اتباعنا لهذه المنهجية يجنبنا الوقوع في صياغة توصيات نمطية لا تلائم الواقع و تقلل من شأن معاناة المجتمعات المحلية. وعلاوة على ذلك يحرص فريق هيئة التحرير على أن يشمل هذا النوع من التقارير طرحاً موضوعياً لاحتماليات وأسباب نجاح أو فشل الحلول المقترحة.
أحد الأمثلة التي يمكننا من خلال عرضها هنا توضيح الأثر الذي نحققه عبر اتباعنا منهجية صحافة الحلول هي قصة نجاح أول مزرعة مائية في اليمن. فقد أسهمت هذه القصة في تصحيح القناعات المغلوطة لدى الجمهور الذي كان يعتقد أن تقنية الزراعة بدون تربة صعبة التطبيق وأن المواد المطلوبة لنجاحها غير متواجدة في الأسواق المحلية. وبعد نشر هذه القصة وصلتنا الكثير من الرسائل من المهتمين والمزارعين الذين يرغبون في الاستفسار عن هذه التقنية التي طرحناها في قصة النجاح المنشورة، وطلبوا منا وصلهم بالخبراء المختصين لاستشارتهم وتطبيق التقنية.
مثال آخر لهذه المنهجية التي أدت إلى نوع من الاستجابة، كانت تغطيتنا لقضايا الصيد الجائر للحيوانات المهددة بالانقراض، حيث تناول حلم أخضر في تقارير عديدة خطورة هذه الجرائم. ودعا لوقفها. وفي أبريل/نيسان الفائت، رصدنا استجابة السلطات المحلية، حيث أصدر محافظ محافظة شبوة قراراً بمنع صيد الحيوانات البرية المهددة بالانقراض كالوعول والظباء. وقد أصدر المحافظ توجيهاته إلى أجهزة الأمن بإعداد قائمة بالأشخاص الذين يمارسون هذه الأعمال.
محاولة لإحداث تغيير في السياسات البيئية
من أبرز القضايا التي تناولها حلم اخضر في سلسلة تقارير خاصة ومستمرة، والتي خلقت اهتماما محلياً ودولياً، قضية ناقلة النفط “صافر“ المحملة بقرابة 1,1 مليون برميل من النفط الخام والتي ترسو على سواحل البحر الأحمر منذ العام 2015 بدون صيانة وتعرضت لثقب في أحد أنابيبها كما تعرض هيكلها للتحلل.
كان حلم أخضر أول من حذر من خطورة هذه الكارث ومن حجم الأضرار المتوقعة منها. فقد قمنا بنشر أول تقرير عن الناقلة في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2019، ورصدنا فيه تداعياتها الكارثية. وفي 13 يونيو/حزيران الفائت، نشر فريق حلم أخضر تقريراً حصرياً، في إطار حملة مستمرة لإيصال صوتنا قبل فوات الأوان.
وقد حظيت النسخة الانجليزية للتقرير باهتمام دولي واسع وتناقلته كبرى وكالات الاخبار، كونه قدمَ تقديرات دقيقة بالأرقام تكشف لأول مرة حجم الكلفة البيئية والاقتصادية التي ستخسرها اليمن في حال وقوع تسرب للنفط الخام من صهاريج الخزان العائم للناقلة. وقد تطورت قضية خزان صافر وحظيت باهتمام كبير، حتى وصلت الى مجلس الامن الدولي.
ومن ضمن جهودنا التي تهدف لتغيير السياسات البيئية في اليمن كان سعينا لدفع الجهات المختصة لإعادة النظر في السياسات والتدابير الخاصة بكوارث المناخ في اليمن. فقد دعينا السلطات في التقرير المنشور في 5 أغسطس/آب الفائت، إلى ضرورة إعلان حالة طوارئ مناخية في اليمن، وإعداد خطة وطنية لمواجهة كوارث المناخ، وإنشاء مركز وطني للطوارئ المناخية والإنذار المبكر. وفي 15 سبتمبر/أيلول، استجاب المسؤولون والخبراء في الأرصاد الجوية وطالبوا في مؤتمر صحفي بضرورة إعداد خطة وطنية لمواجهة كوارث المناخ.
أما في مجال أوراق السياسات فقد قمنا بإبراز دور منصة حلم أخضر في معالجة القضايا البيئية وذلك في ورقة بحثية هامة عن «دور الإعلام في بناء السلام في اليمن»، والتي أصدرها مركز الدراسات التطبيقية بالشراكة مع الشرق CARPO في مدينة بون بألمانيا، بالشراكة مع المركز اليمني لقياس الرأي العام YPC، وبالتعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي GIZ. وهو الأمر الذي يبعث الفخر بالنسبة لنا في حلم اخضر.
معوقات إنتاج المحتوى
تواجهنا العديد من التحديات في حلم اخضر أبرزها عدم وجود التمويل الذي يؤثر عدم توفره على استمرار عمل الفريق من جهة واستدامة موقع حلم أخضر وزيادة عدد المتابعين على شبكات التواصل الاجتماعي من جهة أخرى.
إضافة إلى كل هذا، فإن جودة إنتاج المحتوى تتأثر بصورة سلبية لتعذر النزول الميداني المطلوب لتغطية المناطق الريفية، والجزر التي تتطلب تغطيتها ميدانياَ مخصصات مالية من أجل التنقل والإقامة. خاصة وأن فريق حلم اخضر يعمل بشكل تطوعي، ويضم مجموعة من الصحفيين والمهتمين الذين يؤمنون بأهمية الحفاظ على البيئة، والطبيعة وقضايا التنوع الحيوي والزراعة والمياه.
بسبب هذه التحديات التي تحد من إمكانية نشر محتوى جديد بالشكل الدوري الذي نصبو إليه، فإننا نقوم بنشر محتوى صحفي متقطع، ونحاول تغطية هذا العجز عبر إعادة نشر القصص والتقارير المتخصصة على شبكات التواصل الاجتماعي كل يومين أو ثلاثة أيام أسبوعياً. كما نعمد إلى تلخيص ما لدينا من معلومات عن المحميات الطبيعية والحياة النباتية والحيوانات المهددة بالانقراض وغيرها من الجرائم البيئية في المجتمعات المحلية اليمنية وإدراجها في ملصقات الكترونية مصورة أو رسوم بيانية “انفوغرافيكس”. وهدفنا من ذلك هو تسهيل الاطلاع والمشاركة على منصات التواصل الاجتماعي. إلا أن كل هذه الجهود تبقى مهددة بالتوقف في ظل غياب الدعم المادي الذي يضمن استمرارية وتوسع حلم أخضر.
نحو الاستمرار في صناعة المحتوى
مضت تسع سنوات على إنشائنا أول منصة لنا على الانترنت حين كانت البداية في فيسبوك في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2011. أما اليوم فقد وصل عدد متابعي الصفحة إلى 10,544 متابعا بالإضافة إلى عدد متابعينا على تويتر الذين صار عددهم 4145 متابعا وفي انستجرام 1,112 متابعا. أما المشتركون في قناتنا على يوتيوب فهم 156 مشتركا و91 مشتركا على لينكد إن ، ولا يزال عدد متابعينا في ازدياد مستمر.
طموحاتنا كبيرة وآمالنا لا تنتهي كصوت للبيئة في اليمن. نطمح إلى تطوير نشاطنا بشكل مؤسسي وإيجاد موارد مستدامة لنتمكن من تأسيس مقر للعمل وزيادة عدد الفريق من صحفيين وصحفيات، ومصورين ومصورات في كل المحافظات اليمنية. ومن شأن تحقق ذلك أن يمكنا من إنتاج ونشر التقارير الاستقصائية البيئية المكتوبة والمصورة عن كل المناطق النائية والمجتمعات المحلية المتضررة.
* المصدر: مجلة المدنية. (تنشر بالاتفاق مع المجلة)